أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 23 - صـ 866

جلسة 11 من مايو سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، ومحمد سيد أحمد حماد، وعلي عبد الرحمن، وعلي صلاح الدين.

(136)
الطعن رقم 152 لسنة 37 القضائية

( أ ) اختصاص. "الاختصاص الولائي". دعوى. "سبب الدعوى". تعويض.
اللجنة المنصوص عليها في المادة 69 ق 116 لسنة 1964. قصر اختصاصها على منح التعويض في حالة وقوع الضرر في النطاق المحدد بالمادة 67 من نفس القانون. هذا الاختصاص لا يتعدى إلى التعويض المستحق طبقاً لأحكام القانون العام. إقامة الدعوى بطلب التعويض على أساس خطأ الهيئة العامة للسكك الحديدية الذي أدى إلى انقلاب القطار. مغايرة هذا الأساس لما هو منصوص عليه في المادة 67 سالفة الذكر. للمضرور أن يختار أي السبيلين للمطالبة بتعويض الضرر على ألا يجمع بين التعويضين.
(ب) نقض. "أسباب الطعن. ما لا يصلح سبباً للطعن". هيئات عامة. تعويض.
الهيئة العامة لشئون سكك حديد جمهورية مصر. هيئة عامة. ميزانيتها ملحقة بميزانية الدولة. مؤدى ذلك أن تتحمل الدول ما يصيبها من خسائر ويئول إليها ما تحققه من أرباح. ولازمه اعتبار وزير النقل والهيئة كمسئول واحد. النعي على الحكم لقضائه على وزير النقل والهيئة متضامنين بالتعويض. غير منتج.
1 - مفاد نص البندين أ، ب من المادة 31 من القانون رقم 116 لسنة 1964، ونصوص المواد 67، 69، 117 من ذات القانون أن المشرع جعل اختصاص اللجنة المنصوص عليها في المادة 69 المذكورة قاصراً على منح التعويض في حالة وقوع الضرر في النطاق المحدود الذي رسمه بالمادة 67 سالفة الذكر، ولا يتعداه إلى التعويض المستحق طبقاً لأحكام القانون العام. وإذ كان المطعون عليه قد أقام دعواه أمام المحاكم المدنية بطلب الحكم له بالتعويض عن الضرر الذي حاق به نتيجة الخطأ الذي ارتكبته الهيئة العامة للسكك الحديدية، وأدى إلى انقلاب القطار الذي كان يستقله، فإن يكون قد أسس طلب التعويض على أساس خطأ الهيئة العامة للسكك الحديدية، وهو أساس مغاير لذلك الذي نص عليه القانون رقم 116 لسنة 1964 وحصره في إحدى الحالات الواردة بالمادة 67 منه. واختلاف الأساسين يبيح للمضرور أن يختار أي السبيلين للمطالبة بتعويض الضرر. على ألا يجمع بين التعويضين. وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه.
2 - الهيئة العامة لشئون سكك حديد جمهورية مصر هي طبقاً لأحكام قانون إنشائها رقم 366 لسنة 1956 والقانون رقم 61 لسنة 1963 والقرار الجمهوري رقم 2715 لسنة 1969 هيئة عامة وليست مؤسسة عامة. وإذ كان قانون إنشاء الهيئة المذكورة وإن نص على أن تكون لها ميزانية مستقلة، إلا أنه ألحق هذه الميزانية بميزانية الدولة، ولازم ذلك أن تتحمل الدول ما قد يصيبها من خسائر، ويئول إليها ما تحققه من أرباح، مما يجعل وزير النقل والهيئة العامة لشئون سكك حديد جمهورية مصر كمسئول واحد، ومن ثم فإن النعي على الحكم - لقضائه على وزير النقل والهيئة متضامنين بالتعويض عن الضرر الذي حاق بالمضرور نتيجة خطأ الهيئة الذي أدى إلى انقلاب القطار - يكون غير منتج ولا جدوى فيه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن النقيب إبراهيم عيسى أقام الدعوى رقم 3272 سنة 1965 مدني كلي القاهرة ضد وزير النقل ومدير عام السكك الحديدية وآخرين طلب فيها الحكم بإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا له تعويضاً قدره خمسة آلاف جنيه وقال في بيان دعواه إنه كان يستقل قطاراً تابعاً لهيئة السكك الحديدية في طريقه من القاهرة إلى السويس ضمن حملة لحساب وزارة الحربية، وعند مدخل مدينة السويس انقلب القطار وأصيب بعدة جروح وكسور في أجزاء مختلفة من جسمه، ومكث تحت العلاج فترة زادت عن عام ونصف، وتخلف لديه من الإصابات عجز وتشويه، وإنه لما كانت إصابته قد وقعت أثناء الخدمة وبسببها، وكان الحادث قد نشأ من عدم اتخاذ الاحتياطات الكافية للمحافظة على أرواح ركاب القطار فإنه يستحق التعويض المطالب به، ولما فشل في الحصول عليه ودياً أقام دعواه بطلباته سالفة الذكر، وبتاريخ 28/ 3/ 1966 حكمت المحكمة بإلزام المدعى عليهما الثالث والرابع (وزير النقل ومدير عام السكك الحديدية بصفتيهما) متضامنين بأن يدفعا للمدعي 2000 ج، واستأنف المدعي هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالباً تعديله والحكم له بطلباته، وقيد هذا الاستئناف برقم 625 سنة 83 ق، كما استأنفه وزير النقل ومدير عام السكك الحديدية بصفتيهما طالبين إلغاءه والحكم أصلياً بقبول الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى واحتياطياً برفضها، وقيد هذا الاستئناف برقم 813 سنة 83 وبتاريخ 17/ 1/ 1967 حكمت المحكمة في الاستئناف الأول بتعديل المبلغ المقضى به إلى ثلاثة آلاف جنيه، وفي الاستئناف الثاني برفض الدفع وبرفض الاستئناف وطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب المبينة بالتقرير، وطلب المطعون عليه رفض الطعن، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، وبالجلسة المحددة لنظر الطعن أصرت النيابة على هذا الرأي.
وحيث إن حاصل السبب الأول أن الحكم المطعون فيه خالف القانون برفضه الدفع بعدم اختصاص المحاكم ولائياً بنظر الدعوى، وفي بيان ذلك يقول الطاعنان إن القانون 116 سنة 1964 جعل الاختصاص في نظر دعاوى التعويض الناشئة عن إصابة أو وفاة الأفراد الخاضعين لأحكامه بسبب الخدمة أو العمليات الحربية معقوداً إلى اللجنة الخاصة المنصوص عليها في المادة 69 من هذا القانون كما نص على أن تكون قراراتها نهائية لا يجوز الطعن فيها أمام أية هيئة قضائية ولكن الحكم المطعون فيه استند في رفض الدفع بعدم الاختصاص الولائي الذي أبداه الطاعنان إلى أن الأعمال والأحداث الحربية التي تجرى داخل أراضي الدولة نفسها لا تعتبر من أعمال السيادة، وتختص المحاكم بنظر طلب التعويض عما قد ينشأ عنها من ضرر، وهو فهم خاطئ من الحكم للدفع الذي يقوم على اختصاص استثنائي بنص في القانون، ذلك أن المشرع وقد جعل من اللجنة المنصوص عليها في المادة 69 من القانون 116 سنة 1964 دون غيرها جهة بديلة للقضاء العادي تختص بنظر دعوى التعويض بقرار غير قابل للطعن، فإنه بذلك يكون قد افترض أن التعويض الذي تقرره هذه اللجنة هو تعويض جابر للضرر بحيث يمتنع إثارة النزاع في شأنه من جديد ويكون الحكم المطعون فيه برفضه الدفع قد أخطأ القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن القانون 116 سنة 1964 تضمن القواعد التي تنظم المعاشات والمكافآت والتأمين والتعويض لأفراد القوات المسلحة عن الوفاة أو العجز الكلي أو الجزئي بسبب العمليات الحربية، ونص في المادة 67 على أن "تمنح تعويضات للمصابين - في الحالات الموضحة بعد - بإصابات لا تمنعهم من البقاء في الخدمة عسكرية كانت أو مدنية تقدر على الأساس التالي عن كل درجة من درجات العجز الناشئة عن الإصابة" ثم بين هذه الحالات، كما نص في المادة 69 على أن تتولى اللجنة المبين بها تشكيلها منح المعاش والتأمين الإضافي والتعويض في حالات العجز سالفة الذكر بقرار نهائي لا يجوز الطعن فيه أمام أية جهة قضائية، ونص في المادة 117 منه على أنه لا يجوز لكافة الجهات القضائية النظر في دعاوى التعويض الناشئة عن إصابة أو وفاة أحد الأفراد الخاضعين لأحكام هذا القانون عندما تكون الإصابة أو الوفاة قد حدثت بسبب الخدمة أو العمليات الحربية أو بسب إحدى الحالات المنصوص عليها في البندين (أ، ب) من المادة 31 من هذا القانون، ومفاد هذه النصوص أن المشرع جعل اختصاص اللجنة المنصوص عليها في المادة 69 منه قاصراً على منح التعويض في حالة وقوع الضرر في النطاق المحدد الذي رسمه بالمادة 67 ولا يتعداه إلى التعويض المستحق طبقاً لأحكام القانون العام، وإذ كان المطعون عليه قد أقام دعواه أمام المحاكم المدنية بطلب الحكم له بالتعويض عن الضرر الذي حاق به نتيجة الخطأ الذي ارتكبته الهيئة العامة للسكك الحديدية، وأدى إلى انقلاب القطار الذي كان يستقله، فإنه يكون قد أسس طلب التعويض على أساس خطأ الهيئة العامة للسكك الحديدية، وهو أساس مغاير لذلك الذي نص عليه القانون 116 سنة 1964، وحصره في إحدى الحالات الواردة بالمادة 67 منه، واختلاف الأساسين يبيح للمضرور أن يختار أي السبيلين للمطالبة بتعويض الضرر على ألا يجمع بين التعويضين، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه.
وحيث إن حاصل السبب الثاني أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وفي تأويله من وجهين (أولهما) أنه لما كانت القاعدة أن المضرور لا يجوز له أن يجمع بين تعويضين عن ضرر واحد، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى للمطعون عليه بالتعويض الكامل الذي ارتآه كافياً لجبر الضرر الذي أصابه، وكان القانون 116 سنة 1964 جعل الاختصاص بمنح التعويض عن الإصابات التي لحقت بالمطعون عليه من اختصاص اللجنة المشكلة وفقاً للمادة 69 من ذلك القانون فإن الحكم المطعون فيه يكون قد مكن المطعون عليه من الجمع بين تعويضين عن ضرر واحد وهو الإصابة التي لحقته أثناء الخدمة. (وثانيهما) أن القانون 366 سنة 1956 الصادر بإنشاء الهيئة العامة لشئون سكك حديد جمهورية مصر لتتولى إدارة مرفق النقل للسكك الحديدية نص على أن يكون للهيئة مجلس إدارة يصرف شئونها، وعلى أن يكون لها ميزانية مستقلة، ثم صدر القانون 61 سنة 1963 في شأن الهيئات العامة منظماً أوضاعها معتبراً كلاً منها شخصاً إدارياً عاماً يدير مرفقاً عاماً يقوم على مصلحة أو خدمة عامة، ويكون لها الشخصية الاعتبارية كما يتولى إدارتها مجلس يكون له السلطة العليا المهيمنة على شئونها وتصريف أمورها، كما صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 2715 سنة 1969 باعتبار الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية هيئة عامة على أن تتبع وزارة النقل، ويكون للوزير سلطة الإشراف والتوجيه والرقابة، وأنه لما كانت المادة 169 من القانون المدني تنص على أن التضامن بين المسئولين عن الفعل الضار لا يكون إلا في حالة تعددهم، وكان الحكم المطعون فيه قد أرجع إصابات المطعون عليه إلى خطأ الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية فإنها تكون وحدها مسئولة على أساس المسئولية التقصيرية التي قام عليها الحكم، لأن الوصاية الإدارية لوزارة النقل لا تتعارض مع استقلال الهيئات العامة. وإذ كانت الطاعنتان قد دفعتا طلب التضامن في أسباب استئنافهما ولم يبين الحكم المطعون فيه وجه القضاء عليهما بالتضامن أو أساسه في القانون فإنه يكون فضلاً عن مخالفته للقانون مخطئاً في تطبيقه.
وحيث إن النعي مردود في الوجه الأول منه بأنه عار عن الدليل، ذلك أن الأوراق قد خلت مما يدل على أن المطعون عليه سبق له الحصول على تعويض من اللجنة المشكلة وفقاً لنص المادة 69 من القانون 116 سنة 64. ومردود في الوجه الثاني بأن الهيئة العامة لشئون سكك حديد جمهورية مصر هي طبقاً لأحكام قانون إنشائها رقم 366 سنة 56 والقانون رقم 61 سنة 63 والقرار الجمهوري رقم 2715 سنة 1969 هيئة عامة، وليست مؤسسة عامة، ولما كان قانون إنشاء الهيئة المذكورة وإن نص على أن تكون لها ميزانية مستقلة إلا أنه ألحق هذه الميزانية بميزانية الدولة، ولازم ذلك أن تتحمل الدولة ما قد يصيبها من خسائر ويؤول إليها ما تحققه الهيئة من الأرباح، مما يجعل وزير النقل والهيئة العامة لشئون سكك حديد جمهورية مصر كمسئول واحد، ومن ثم فإن النعي بهذا الوجه يكون غير منتج ولا جدوى فيه.