أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 33 - صـ 264

جلسة 24 من فبراير سنة 1982

برياسة السيد المستشار/ محمد وجدي عبد الصمد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم حسين رضوان وحسين كامل حنفي ومحمد ممدوح سالم ومحمد رفيق البسطويسي.

(54)
الطعن رقم 5644 لسنة 51 القضائية

امتناع عن الاتجار. توقف عن الإنتاج. تموين. خبز. جريمة "أركانها". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير العذر". إثبات "بوجه عام". عذر. قانون. تجارة. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب".
الامتناع عن التجارة. علة تأثيمه؟
نقل المشرع في القانون 250 لسنة 1952 عبء إثبات قيام العذر الجدي أو المبرر المشروع للتوقف عن التجارة على التاجر.
العذر الجدي دون القوة القاهرة.
توافر العذر الجدي. مؤداه؟
الدفع بقيام العذر أمام محكمة الموضوع. وجوب تحقيقه.
دفع الطاعن التهمة بأنه قدم طلبات بالتوقف عن إنتاج الخبز لإجراء إصلاحات بمخبزه. جوهري. إغفال المحكمة له قصور وإخلال بحق الدفاع. لا يغير من ذلك منحها المتهم أجلاً. لتقديم ما يفيد الترخيص له بالتوقف عن الإنتاج. أساس ذلك؟
1 - لما كانت المادة 3 مكرراً من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين، قد أضيفت بالقانون رقم 139 لسنة 1951، بأن "يحظر على تاجر الجملة أو التجزئة أن يترك عمله أو يمتنع عن ممارسة تجارته على الوجه المعتاد في السلع التي يحددها وزير التموين بقرار منه، قاصداً بذلك عرقلة التموين" ثم صدر بعد ذلك القانون رقم 250 لسنة 1952 واستبدل بالنص المذكور نصاً يجري بأن "يحظر على أصحاب المصانع والتجار الذين ينتجون أو يتجرون في السلع التموينية التي يصدر بتعيينها قرار من وزير التموين أن يوقفوا العمل في مصانعهم أو يمتنعوا عن ممارسة تجارتهم على الوجه المعتاد إلا بترخيص من وزير التموين، ويعطى هذا الترخيص لكل شخص يثبت أنه لا يستطيع الاستمرار في العمل إما لعجز شخصي أو لخسارة تضر به من الاستمرار في العمل، أو لأي عذر آخر يقبله وزير التموين، ويفصل وزير التموين في طلب الترخيص خلال شهر من تاريخ تقديمه. ويكون قراره في حالة الرفض مسبباً، فإذا لم يصدر الوزير قراراً مسبباً بالرفض خلال المدة المذكورة اعتبر ذلك ترخيصاً". لما كان ذلك وكان الواضح من المقارنة بين النصين ومن الأعمال التشريعية والمذكرات التفسيرية المصاحبة لهما، أن الشارع قصد بمعاقبة الامتناع عن التجارة على الوجه المعتاد تقييد حرية من يمارسها من التجار أياً ما كانت الطائفة التي ينتمي إليها، وذلك توفيراً للاحتياجات الأساسية للجمهور من المواد التموينية، ومحاربة الغلاء المصطنع، ومنع اتخاذ التوقف عن ممارسة النشاط وسيلة إلى تحقيق أرباح غير مشروعة مما يعرقل التموين، وأن الشارع لم يقصد إلى القضاء على حرية التجارة، وإنما قصد تحقيق غايات مشروعة من تقييدها، وأنه كان يستلزم في الامتناع كما يكون صاحبه مستأهلاً للعقاب أن يكون مقصوداً به عرقلة التموين، ثم وجد أن هذا القصد يقع على عاتق سلطة الاتهام مؤونة إثباته، وهو أمر فضلاً عن صعوبته لم تنسد به ذرائع من أراد مخالفة القانون من التجار فأوجب في نص القانون رقم 250 لسنة 1952 سالف الذكر أن يثبت التاجر قيام العذر الجدي أو المبرر المشروع لتوقفه عن الاتجار على الوجه المعتاد، وضرب مثلاً لهذا العذر قيام العجز الشخصي بالتاجر أو لخسارة تصيبه من الاستمرار في عمله. وإذ كان البين أن ما أشار إليه الشارع بخاصة أو ما أوجبه بعامة من الأعذار الجدية لا يرقى إلى مرتبة القوة القاهرة، لأن القانون أوجب ممارسة التجارة على الوجه المعتاد لا الوجه الشاذ الذي يضحى فيه التاجر بمصلحته لخسارة تصيبه من استمرار في عمله، ولأن الشارع عبر عن إفساحه في مجال العذر بما يتسع لغير القوة القاهرة من الأعذار أو المبررات أو المواقف المشروعة ومتى وجد أحدها بصورة جدية، كان الامتناع عن الاتجار بعيداً عن دائرة التجريم، وإذا قدم العذر الجدي إلى وزارة التموين، وانتهت إلى سلامته تعين عليها قبوله، وإذا دفع به أمام محكمة الموضوع تعين عليها النظر فيه وتحقيقه، حتى إذا صح لديها قيامه، وجب عليها تبرئة الممتنع، لأن عمله يكون قد توافر له المبرر الذي يجعله خارج نطاق التأثيم والعقاب. لما كان ما تقدم، وكان الطاعن قد دفع التهمة المسندة إليه بأنه قدم إلى جهة الاختصاص طلباً بالتوقف عن مزاولة إنتاج الخبز حتى يتمكن من إجراء إصلاحات بمخبزه بيد أن المحكمة لم تفطن إلى دلالة دفاعه ولم تقسطه حقه، فلم ترد عليه بما ينفيه أو تحققه بلوغاً إلى غاية الأمر فيه، إذ هو دفاع جوهري من شأنه - لو صح - أن تندفع به التهمة المسندة إليه، فإن حكمها يكون - فوق إخلاله بحق الدفاع - قاصر البيان بما يوجب نقضه والإعادة. ولا يقدح في ذلك أن تكون المحكمة قد منحت الطاعن آجالاً عدة لتقديم ما يفيد الترخيص له بالتوقف عن الإنتاج ذلك بأن تحقيق أدلة الإدانة في المواد الجنائية لا يصح أن يكون وهناً بمشيئة المتهم في الدعوى أو بمسلكه فيها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن: بأنه توقف عن ممارسة نشاطه المعتاد دون الحصول على ترخيص بذلك من الجهة المختصة. وطلبت عقابه بالمواد 1/ هـ، 3 مكرراً، 56، 57، 58 من القانون رقم 95 لسنة 1945 المعدل والقرار رقم 79 لسنة 1952 والمواد 1، 2، 3 من القرار رقم 130 لسنة 1969.. ومحكمة جنح الإسكندرية المستعجلة الجزئية قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام بحبس المتهم ستة أشهر مع الشغل وكفالة خمسون جنيهاً لوقف التنفيذ وبتغريمه مائة جنيهاً والإشهار.. فاستأنف، ومحكمة الإسكندرية الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف..
فطعن..... المحامي عن الأستاذ..... بصفته وكيلاً عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت أسباب الطعن في التاريخ ذاته موقعاً عليها من الأخير.


المحكمة

ومن حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه، أنه إذ دانه بجريمة التوقف عن إنتاج الخبز الإفرنجي بغير ترخيص قد شابه القصور في البيان والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن دفاع الطاعن قام على أنه توقف عن إنتاج الخبز بتصريح من مراقبة التموين المختصة حتى يجري إصلاحات بالمخبز وإذ لم ينته من إتمامها في الموعد المرخص له، فقد قدم طلباً جديداً إلى المراقبة المذكورة للترخيص له بمدة أخرى، ورغم جوهرية هذا الدفاع فإن الحكم المطعون فيه أغفله إيراداً ورداً، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
ومن حيث إنه يبين من محاضر جلسات المحاكمة بدرجتيها أن المدافع عن الطاعن أثار دفاعاً مؤداه أن توقفه عن إنتاج الخبز إنما كان بتصريح من جهة التموين المختصة. لما كان ذلك، وكانت المادة 3 مكرراً من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين، قد أضيفت بالقانون رقم 139 لسنة 1951، بأن "يحظر على تاجر الجملة أو التجزئة أن يترك عمله أو يمتنع عن ممارسة تجارته على الوجه المعتاد في السلع التي يحددها وزير التموين بقرار منه، قاصداً بذلك عرقلة التموين" ثم صدر بعد ذلك القانون رقم 250 لسنة 1952 واستبدل بالنص المذكور نصاً يجري بأن "يحظر على أصحاب المصانع والتجار الذين ينتجون أو يتجرون في السلع التموينية التي يصدر بتعيينها قرار من وزير التموين أن يوقفوا العمل في مصانعهم أو يمتنعوا عن ممارسة تجارتهم على الوجه المعتاد إلا بترخيص من وزير التموين، ويعطى هذا الترخيص لكل شخص يثبت أنه لا يستطيع الاستمرار في العمل إما لعجز شخصي أو لخسارة تصيبه من الاستمرار في العمل، أو لأي عذر آخر يقبله وزير التموين، ويفصل وزير التموين في طلب الترخيص خلال شهر من تاريخ تقديمه. ويكون قراره في حالة الرفض مسبباً، فإذا لم يصدر الوزير قراراً مسبباً بالرفض خلال المدة المذكورة اعتبر ذلك ترخيصاً". لما كان ذلك وكان الواضح من المقارنة بين النصين من الأعمال التشريعية والمذكرات التفسيرية المصاحبة لهما، أن الشارع قصد بمعاقبة الامتناع عن التجارة على الوجه المعتاد تقييد حرية من يمارسها من التجار أياً ما كانت الطائفة التي ينتمي إليها، وذلك توفيراً للاحتياجات الأساسية للجمهور من المواد التموينية، ومحاربة الغلاء المصطنع، ومنع اتخاذ التوقف عن ممارسة النشاط وسيلة إلى تحقيق أرباح غير مشروعة مما يعرقل التموين، وأن الشارع لم يقصد إلى القضاء على حرية التجارة، وإنما قصد تحقيق غايات مشروعة من تقييدها، وأنه كان يستلزم في الامتناع كما يكون صاحبه مستأهلاً للعقاب أن يكون مقصوداً به عرقلة التموين، ثم وجد أن هذا القصد يقع على عاتق سلطة الاتهام مؤونة إثباته، وهو أمر فضلاً عن صعوبته لم تنسد به ذرائع من أراد مخالفة القانون من التجار فأوجب في نص القانون رقم 250 لسنة 1952 سالف الذكر أن يثبت التاجر قيام العذر الجدي أو المبرر المشروع لتوقفه عن الاتجار على الوجه المعتاد، وضرب مثلاً لهذا العذر قيام العجز الشخصي بالتاجر أو لخسارة تصيبه من الاستمرار في عمله. وإذ كان البين أن ما أشار إليه الشارع بخاصة أو ما أوجبه بعامة من الأعذار الجدية لا يرقى إلى مرتبة القوة القاهرة، لأن القانون أوجب ممارسة التجارة على الوجه المعتاد لا الوجه الشاذ الذي يضحى فيه التاجر بمصلحته لخسارة تصيبه من استمرار في عمله، ولأن الشارع عبر عن إفساحه في مجال العذر بما يتسع لغير القوة القاهرة من الأعذار أو المبررات أو المواقف المشروعة ومتى وجد أحدها بصورة جدية، كان الامتناع عن الاتجار بعيداً عن دائرة التجريم، وإذا قدم العذر الجدي إلى وزارة التموين، وانتهت إلى سلامته تعين عليها قبوله، وإذا دفع به أمام محكمة الموضوع تعين عليها النظر فيه وتحقيقه، حتى إذا صح لديها قيامه، وجب عليها تبرئة الممتنع، لأن عمله يكون قد توافر له المبرر الذي يجعله خارج نطاق التأثيم والعقاب. لما كان ما تقدم، وكان الطاعن قد دفع التهمة المسندة إليه بأنه قدم إلى جهة الاختصاص طلباً بالتوقف عن مزاولة إنتاج الخبز حتى يتمكن من إجراء إصلاحات بمخبزه بيد أن المحكمة لم تفطن إلى دلالة دفاعه ولم تقسطه حقه، فلم ترد عليه بما ينفيه أو تحققه بلوغاً إلى غاية الأمر فيه، إذ هو دفاع جوهري من شأنه - لو صح - أن تندفع به التهمة المسندة إليه، فإن حكمها يكون - فوق إخلاله بحق الدفاع - قاصر البيان بما يوجب نقضه والإعادة. ولا يقدح في ذلك أن تكون المحكمة قد منحت الطاعن آجالاً عدة لتقديم ما يفيد الترخيص له بالتوقف عن الإنتاج ذلك بأن تحقيق أدلة الإدانة في المواد الجنائية لا يصح أن يكون وهنا بمشيئة المتهم في الدعوى أو بمسلكه فيها..