أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 23 - صـ 981

جلسة 23 من مايو سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ بطرس زغلول نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: عباس حلمي عبد الجواد، وإبراهيم علام، وعدلي مصطفى بغدادي، ومحمود السيد عمر المصري.

(153)
الطعن رقم 393 لسنة 37 القضائية

( أ ) أمر أداء: "شروط استصداره". دعوى.
عدم توافر شروط استصدار أمر الأداء. وجوب رفع الدعوى بالطريق العادي. علة ذلك.
(ب) بنوك "الحساب الجاري". فوائد. "الفوائد المركبة". عرف.
صيرورة الحساب الجاري بإقفاله ديناً عادياً. عدم جواز تقاضي فوائد مركبة عنه، إلا إذا وجدت قاعدة أو عادة بذلك.
(ج) دعوى: "رفع الدعوى". أمر أداء. "شروط استصداره".
استثناءً من القاعدة العامة في رفع الدعاوى أوجبت المادة 851 مرافعات معدلة بالقانون 265 لسنة 1953 سلوك طريق أمر الأداء في حالات معينة.
(د) أمر أداء. "إجراءات استصداره". دفوع. "الدفوع الشكلية. الدفع بعدم القبول". بطلان. "البطلان في الإجراءات".
إجراءات استصدار أمر الأداء تتعلق بشكل الخصومة دون موضوع الحق أو شروط وجوده. الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بالطريق العادي عن دين تتوافر فيه شروط استصدار أمر الأداء. دفع شكلي وليس دفعاً بعدم القبول مما نصت عليه المادة 142 مرافعات سابق.
(هـ) دفوع. "الدفع بعدم القبول. الدفع الشكلي". دعوى. "شروط قبول الدعوى". أمر أداء. "شروط استصداره".
المقصود بالدفع بعدم القبول. المادة 142 مرافعات سابق. الطعن بعدم توافر شروط سماع الدعوى، وهي الصفة والمصلحة والحق في رفعها. عدم انطباق تلك المادة على الدفع الشكلي، كالدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها مباشرة للمحكمة بدين تتوافر فيه شروط استصدار أمر الأداء.
(و) دفوع. "الدفع بعدم القبول. الدفع الشكلي". أمر أداء. "شروط استصداره". استئناف. "نطاق الاستئناف". بطلان. "بطلان الأحكام". حكم. "بطلان الحكم".
الحكم بعدم قبول الدعوى لرفعها بالطريق العادي بدين تتوافر فيه شروط استصدار أمر الأداء. قضاءً لا تستنفد به محكمة أول درجة ولايتها في نظر موضوع الدعوى. إلغاء هذا الحكم استئنافياً. وجوب إعادة الدعوى لمحكمة أول درجة لنظر موضوعها. تصدي محكمة الاستئناف للموضوع فيه تفويت لإحدى درجات التقاضي.
(ز) حكم: "بطلان الحكم". بطلان. "البطلان في الأحكام". نظام عام. استئناف. "نطاق الاستئناف".
مبدأ التقاضي على درجتين من المبادئ الأساسية للنظام القضائي. عدم جواز مخالفته أو النزول عنه. تصدي محكمة الاستئناف للموضوع في غير حالاته. أثره. بطلان الحكم.
1 - تشترط المادة 851 من قانون المرافعات السابق معدلة بالقانون رقم 265 لسنة 1953 والتي رفعت الدعوى وقت سريانها لسلوك طريق استصدار أمر الأداء، أن يكون الدين المطالب به مبلغاً من النقود، ثابتاً بالكتابة، ومعين المقدار وحال الأداء، ومقتضى ذلك أن يكون الدين ثابتاً بورقة عليها توقيع المدين، ويبين منها أو من أوراق أخرى موقع عليها منه أن هذا الدين حال الأداء ومعين المقدار، فإن لم يكن الدين معين المقدار في ورقة من هذا القبيل، فإن سبيل الدائن إلى المطالبة به يكون هو الطريق العادي لرفع الدعاوى، ولا يجوز له في هذه الحالة أن يلجأ إلى طريق استصدار أمر الأداء، لأنه استثناءً من القواعد العامة في رفع الدعاوى لا يجوز التوسع فيه.
2 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن صفة الحساب الجاري تزول عنه بإقفاله، ويصبح الرصيد ديناً عادياً، مما لا يجوز معه طبقاً للمادة 232 من القانون المدني، تقاضي فوائد مركبة عنه، إلا إذا ثبت وجود قاعدة أو عادة تقضي بذلك.
3 - لما كان المشرع بعد أن أورد القاعدة العامة في رفع الدعاوى بما نص عليه في المادة 69 من قانون المرافعات السابق من أن "ترفع الدعوى إلى المحكمة بناءً على طلب المدعي بصحيفة تعلن للمدعى عليه على يد أحد المحضرين ما لم يقض القانون بغير ذلك"، قد أوجب استثناءً من هذا الأصل - على الدائن بدين من النقود إذا كان ثابتاً بالكتابة وحال الأداء ومعين المقدار أن يستصدر من القاضي المختص بناءً على عريضة تقدم إليه من هذا الدائن أو وكيله أمراً بأداء دينه وفق ما تقضي به المواد 851 وما بعدها من ذلك القانون معدلاً بالقانون رقم 265 لسنة 1953 المعمول به وقت رفع الدعوى، فإن المشرع يكون بذلك قد حدد الوسيلة التي يتعين على الدائن أن يسلكها في المطالبة بدينه متى توافرت فيه الشروط التي يتطلبها القانون على النحو السالف بيانه، وهى الالتجاء إلى القاضي لاستصدار أمر بالأداء، وذلك عن طريق اتباع الأوضاع والقواعد المبينة بالمواد 851 وما بعدها المشار إليها.
4 - إجراءات استصدار أمر الأداء عند توافر الشروط التي يتطلبها القانون إجراءات تتعلق بشكل الخصومة ولا تتصل بموضوع الحق المدعى به أو بشروط وجوده، ومن ثم فإن الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها إلى المحكمة مباشرة للمطالبة بدين تتوافر فيه شروط استصدار أمر الأداء هو في حقيقته دفع ببطلان الإجراءات لعدم مراعاة الدائن القواعد التي فرضها القانون لاقتضاء دينه، وبالتالي يكون هذا الدفع موجهاً إلى إجراءات الخصومة وشكلها وكيفية توجيهها، وبهذه المثابة يكون من الدفوع الشكلية، وليس دفعاً بعدم القبول مما نصت عليه المادة 142 من قانون المرافعات السابق.
5 - المقصود بالدفع بعدم القبول الذي تعنيه المادة 142 من قانون المرافعات السابق، هو كما صرحت المذكرة التفسيرية، الدفع الذي يرمي إلى الطعن بعدم توافر الشروط اللازمة لسماع الدعوى، وهى الصفة والمصلحة والحق في رفع الدعوى باعتباره حقاً مستقلاً عن ذات الحق الذي ترفع الدعوى بطلب تقريره، كانعدام الحق في الدعوى أو سقوطه لسبق الصلح فيها أو لانقضاء المدة المحددة في القانون لرفعها، ونحو ذلك مما لا يختلط بالدفع المتعلق بشكل الإجراءات من جهة، ولا بالدفع المتعلق بأصل الحق المتنازع عليه من جهة أخرى، فالمقصود إذن هو عدم القبول الموضوعي، فلا تنطبق القاعدة الواردة في المادة 142 من قانون المرافعات السابق المشار إليها على الدفع الشكلي الذي يتخذ اسم عدم القبول، كما هو الحال في الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها إلى المحكمة مباشرة للمطالبة بدين تتوافر فيه شروط استصدار أمر بالأداء، لأن العبرة هي بحقيقة الدفع ومرماه، وليس بالتسمية التي تطلق عليه.
6 - متى تقرر أن الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها إلى المحكمة مباشرة للمطالبة بدين تتوافر فيه شروط استصدار أمر بالأداء هو من الدفوع الشكلية، وليس دفعاً بعدم القبول مما ورد ذكره في المادة 142 من قانون المرافعات السابق، فإن محكمة أول درجة بقبول هذا الدفع الشكلي، والحكم بعدم قبول الدعوى تأسيساً على ذلك، لا تكون قد استنفذت ولايتها في نظر موضوع الدعوى، فإذا استؤنف حكمها وقضت محكمة الاستئناف إلغاء هذا الحكم وبرفض الدفع، فإنه يجب عليها في هذه الحالة أن تعيد الدعوى إلى محكمة أول درجة لنظر موضوعها، لأن هذه المحكمة لما تقل كلمتها فيه، ولا تملك محكمة الاستئناف التصدي لهذا الموضوع لما يترتب على ذلك من تفويت إحدى درجات التقاضي على الخصوم، وإذ خالفت محكمة الاستئناف هذا النظر وتصدت لموضوع الدعوى وفصلت فيه فإن حكمها يكون مخالفاً للقانون وباطلاً.
7 - يكون حكم محكمة الاستئناف باطلاً إن هي تصدت للموضوع، وترتب على ذلك تفويت درجة من درجات التقاضي، ولا يزيل هذا البطلان عدم تمسك الطاعن أمامها بطلب إعادة القضية إلى محكمة أول درجة، ذلك أن مبدأ التقاضي على درجتين هو من المبادئ الأساسية للنظام القضائي التي لا يجوز للمحكمة مخالفتها ولا يجوز للخصوم النزول عنها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن بنك مصر - المطعون ضده الأول - أقام الدعوى رقم 2212 سنة 1957 مدني كلي القاهرة بصحيفة أعلنت للطاعنين والمطعون ضدهما الأخيرين وانتهى فيها إلى طلب الحكم بإلزام الطاعن الأول بصفته مصفياً لتركة المرحوم "إبراهيم شرف الدين" وباقي المدعى عليهم بصفتهم الشخصية وبطريق التضامن فيما بينهم بأن يؤدوا له مبلغ 2442 ج و645 م والفوائد بواقع 7 % تضاف إلى الأصل شهرياً من يوم 25/ 11/ 1956 حتى السداد، وقال المطعون ضده الأول في بيان دعواه إنه بمقتضى عقد مؤرخ 28/ 5/ 1945 فتح للمرحوم إبراهيم شرف الدين "مورث باقي المطعون ضدهم والطاعن الثاني" اعتماداً بحساب جار لغاية مبلغ 2000 ج لمدة تنتهي في 25/ 5/ 1946 بفائدة قدرها 6 % تضاف إلى الأصل شهرياً، وفي حالة التأخير عن الوفاء تحسب الفوائد بواقع 7% تضاف إلى الأصل شهرياً، وزيد الاعتماد بنفس الشروط إلى مبلغ عشرين ألف جنيه لمدة تنتهي في 31/ 10/ 1951، وبتاريخ 20/ 8/ 1951 أقر المدين كتابة بمديونيته للبنك حتى ذلك التاريخ بمبلغ 17468 ج و444 م، وحدث أن توفي المدين بعد ذلك وكان رصيد المدين وقت الوفاة 17328 ج بخلاف الفوائد والمصروفات، وقد تعهد المطعون ضده الثاني عن نفسه وبصفته وكيلاً عن إخوته باعتبارهم ورثة للمدين المذكور وبصفتهم الشخصية وبطريق التضامن فيما بينهم بوفاء هذا الرصيد وملحقاته من فوائد ومصروفات إلى البنك في ميعاد غايته 31/ 12/ 1951، وذلك بمقتضى إقرار كتابي تاريخه 25/ 9/ 1951، وإذ لم يقم المدعى عليهم بوفاء الدين كاملاً وتبقى في ذمتهم حتى 25/ 11/ 1956 مبلغ 2442 ج و645 م، فقد أقام عليهم البنك دعواه بطلباته السابق بيانها، وبتاريخ 19/ 2/ 1964 حكمت محكمة القاهرة الابتدائية بعدم قبول الدعوى تأسيساً على أن المطعون ضده الأول "البنك" لم يسلك طريق استصدار أمر بأداء الدين المطالب به طبقاً لما تقضي به المادة 851 من قانون المرافعات السابق. استأنف البنك - المطعون ضده الأول - هذا الحكم بالاستئناف رقم 800 سنة 81 ق القاهرة، وبنى استئنافه على أنه يطالب بالدين استناداً إلى عقد فتح الاعتماد، وإلى الإقرار الصادر من المورث، وكذلك إلى الإقرار الصادر من المطعون ضده الثاني عن نفسه وبصفته وكيلاً عن إخوته والمتضمن تعهدهم بدفع الدين المستحق على مورثهم وقدره 17325 ج بخلاف الفوائد والمصروفات، وقد تبقى في ذمتهم منه حتى 25/ 11/ 1956 مبلغ 2442 ج و645 م المرفوعة به الدعوى، وهو يشمل الباقي من الديون والفوائد المركبة والمصروفات والعمولات، وأنه على هذا الأساس لا يكون الدين المطالب به معين المقدار، ومحكمة استئناف القاهرة حكمت في 10/ 5/ 1967 بإلغاء الحكم المستأنف وبقبول الدعوى والقضاء للبنك بطلباته. طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم وبالجلسة المحددة لنظر الطعن تمسكت النيابة بهذا الرأي.
وحيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب ينعى الطاعنان بأولهما على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون، ويقولان في بيان ذلك إن الحكم اعتبر أن الدين المطالب به غير ثابت بالكتابة ولا معين المقدار تأسيساً على أنه نتيجة عقد فتح اعتماد بحساب جار يتغير فيه الرصيد من وقت لآخر، وبذلك تكون المطالبة به عن طريق رفع دعوى بالطرق المعتادة، ويرى الطاعنان أن هذا الذي قرره الحكم ينطوي على خطأ في القانون، ذلك أنه يجوز للطرفين الاتفاق على إنهاء الحساب الجاري قبل انتهاء مدته، كما أنه يقفل بوفاة العميل ويترتب على ذلك أن يصبح الرصيد ديناً عادياً، ولما كان البنك - المطعون ضده الأول - يطالب بمبلغ من النقود استناداً إلى ورقة تاريخها 5/ 7/ 1950 منسوب صدورها من المورث يقر فيها بأن رصيده المدين حتى ذلك التاريخ 17468 ج و444 م، وإلى ورقة صادرة من الورثة في 25/ 9/ 1951 تعهد فيها المطعون ضده الثاني عن نفسه وبصفته وكيلاً عن إخوته بالوفاء بالرصيد الذي حددته التسوية التي تمت بعد وفاة المورث، فإنه على هذا الأساس يكون الدين المطالب به ديناً عادياً ثابتاً بالكتابة حال الأداء ومعين المقدار، مما كان يتعين معه على المطعون ضده الأول أن يسلك طريق استصدار أمر بأدائه، وهو الطريق الواجب الاتباع في هذه الحالة على ما تقضي به المادة 851 وما بعدها من قانون المرافعات السابق قبل تعديله بالقانون رقم 100 لسنة 1962، إلا أنه لم يسلك هذه السبيل وأقام دعواه بالطريق العادي لرفع الدعاوى، مما يجعلها غير مقبولة لرفعها بغير الطريق القانوني وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون مخطئاً في القانون.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن المادة 851 من قانون المرافعات السابق معدلة بالقانون رقم 265 لسنة 1953 والتي رفعت الدعوى وقت سريانها تشترط لسلوك طريق استصدار أمر الأداء أن يكون الدين المطالب به مبلغاً من النقود ثابتاً بالكتابة ومعين المقدار وحال الأداء، ومقتضى ذلك أن يكون الدين ثابتاً بورقة عليها توقيع المدين، ويبين منها أو من أوراق أخرى موقع عليها منه أن هذا الدين حال الأداء ومعين المقدار، فإن لم يكن الدين معين المقدار في ورقة من هذا القبيل فإن سبيل الدائن إلى المطالبة به يكون هو الطريق العادي لرفع الدعاوى، ولا يجوز له في هذه الحالة أن يلجأ إلى طريق استصدار أمر بالأداء لأنه استثناءً من القواعد العامة في رفع الدعاوى لا يجوز التوسع فيه، ولئن كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن صفة الحساب الجاري تزول عنه بإقفاله ويصبح الرصيد ديناً عادياً، مما لا يجوز معه طبقاً للمادة 232 من القانون المدني تقاضي فوائد مركبة عنه، إلا إذا ثبت وجود قاعدة أو عادة تقضي بذلك، إلا أنه لما كان الإقرار الصادر من المطعون ضده الثاني عن نفسه وبصفته وكيلاً عن ورثة المدين والمؤرخ 25/ 9/ 1951 والذي يستند إليه البنك في دعواه يتضمن تعهد المطعون ضده المذكور عن نفسه وبصفته وكيلاً عن إخوته باعتبارهم جميعاً ورثة للمدين - المرحوم إبراهيم شرف الدين - وبصفتهم الشخصية وبطريق التضامن فيما بينهم بأن يدفعوا للبنك - المطعون ضده الأول - مبلغ 17823 جنيهاً وما استجد من الفوائد والمصروفات في موعد نهايته 31/ 12/ 1951 دون تعيين لمقدار هذه المصروفات، فإن مطالبة الدائن "البنك" للورثة بالمبلغ المرفوعة به الدعوى شاملاً المصروفات التي لم يعين الإقرار المذكور مقدارها، بل انفرد البنك بتقديرها دون أن يكون في الدعوى أوراق أخرى موقع عليها من المدين يبين منها مقدار هذه المصروفات. هذه المطالبة لا تكون إلا بطريق الدعوى العادية لما استلزمه القانون لاستصدار أوامر الأداء من تعيين مقدار الدين في ورقة موقع عليها من المدين، وإذ كانت الدعوى قد رفعت بالطريق العادي، فإنها تكون قد رفعت بالطريق القانوني، ويكون النعي بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعيان في السبب الثاني، على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، ويقولان في بيان ذلك إن محكمة الاستئناف إذ ألغت حكم محكمة أول درجة القاضي بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق القانوني فإنه كان يتعين عليها أن تعيد القضية إلى محكمة أو درجة للفصل في موضوعها، طالما أن هذه المحكمة لم تفصل فيه ولم تتعرض له، غير أن محكمة الاستئناف تصدت لهذا الموضوع وفصلت فيه، فتكون بذلك قد حرمت الطاعنين من حقهما في التقاضي على درجتين وهو حق متعلق بأصل من أصول قواعد المرافعات ومن النظام العام لا يجوز النزول عنه كما لا يجوز للمحكمة مخالفته، وذلك مما يعيب حكمها بمخالفة القانون.
وحيث إن هذا النعي صحيح، ذلك أنه لما كان المشرع بعد أن أورد القاعدة العامة في رفع الدعاوى بما نص عليه في المادة 69 من قانون المرافعات السابق من أن "ترفع الدعوى إلى المحكمة بناءً على طلب المدعي بصحيفة تعلن للمدعى عليه على يد أحد المحضرين ما لم يقض القانون بغير ذلك" قد أوجب استثناءً من هذا الأصل على الدائن بدين من النقود إذا كان ثابتاً بالكتابة وحال الأداء ومعين المقدار أن يستصدر من القاضي المختص بناءً على عريضة تقدم إليه من هذا الدائن أو وكيله أمراً بأداء دينه وفق ما تقضي به المواد 851 وما بعدها من ذلك القانون معدلاً بالقانون 265 لسنة 1953 المعمول به وقت رفع الدعوى، فإن المشرع يكون بذلك قد حدد الوسيلة التي يتعين على الدائن أن يسلكها في المطالبة بدينه متى توافرت فيه الشروط التي يتطلبها القانون على النحو السالف بيانه، وهى الالتجاء إلى القاضي لاستصدار أمر بالأداء، وذلك عن طريق اتباع الأوضاع والقواعد المبينة بالمواد 851 وما بعدها المشار إليها وهي إجراءات تتعلق بشكل الخصومة، ولا تتصل بموضوع الحق المدعى به أو بشروط وجوده، ومن ثم فإن الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها إلى المحكمة مباشرة للمطالبة بدين تتوافر فيه شروط استصدار أمر بالأداء هو في حقيقته دفع ببطلان الإجراءات لعدم مراعاة الدائن القواعد التي فرضها القانون لاقتضاء دينه وبالتالي يكون هذا الدفع موجهاً إلى إجراءات الخصومة وشكلها وكيفية توجيهها وبهذه المثابة يكون من الدفوع الشكلية وليس دفعاً بعدم القبول مما نصت عليه المادة 142 من قانون المرافعات السابق، إذ أن المقصود بالدفع بعدم القبول الذي تعنيه هذه المادة هو كما صرحت المذكرة التفسيرية، الدفع الذي يرمي إلى الطعن بعدم توافر الشروط اللازمة لسماع الدعوى، وهى الصفة والمصلحة والحق في رفع الدعوى باعتباره حقاً مستقلاً عن ذات الحق الذي ترفع الدعوى بطلب تقريره، كانعدام الحق في الدعوى أو سقوطه لسبق الصلح فيها أو لانقضاء المدة المحددة في القانون لرفعها، ونحو ذلك مما لا يختلط بالدفع المتعلق بشكل الإجراءات من جهة ولا بالدفع المتعلق بأصل الحق المتنازع عليه من جهة أخرى، فالمقصود إذن هو عدم القبول الموضوعي فلا تنطبق القاعدة الواردة في المادة 142 مرافعات على الدفع الشكلي الذي يتخذ اسم عدم القبول كما هو الحال في الدفع المطروح، لأن العبرة هي بحقيقة الدفع ومرماه وليس بالتسمية التي تطلق عليه، ومتى تقرر أن هذا الدفع من الدفوع الشكلية وليس دفعاً بعدم القبول مما ورد ذكره في المادة 142 سالفة الذكر، فإن محكمة أول درجة بقبولها هذا الدفع الشكلي والحكم بعدم قبول الدعوى تأسيساً على ذلك لا تكون قد استنفدت ولايتها في نظر موضوع الدعوى، فإذا استؤنف حكمها وقضت محكمة الاستئناف بإلغاء هذا الحكم وبرفض الدفع، فإنه يجب عليها في هذه الحالة أن تعيد الدعوى إلى محكمة أول درجة لنظر موضوعها، لأن هذه المحكمة لما تقل كلمتها فيه، ولا تملك محكمة الاستئناف التصدي لهذا الموضوع لما يترتب على ذلك من تفويت إحدى درجات التقاضي على الخصوم. وإذ خالفت محكمة الاستئناف هذا النظر وتصدت لموضوع الدعوى وفصلت فيه فإن حكمها يكون مخالفاً للقانون وباطلاً، ولا يزيل هذا البطلان أن الطاعنين لم يتمسكاً أمامها بطلب إعادة القضية إلى محكمة أول درجة، ذلك أن مبدأ التقاضي على درجتين هو من المبادئ الأساسية للنظام القضائي التي لا يجوز للمحكمة مخالفتها ولا يجوز للخصوم النزول عنها، مما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه لهذا السبب، ولا محل بعد ذلك لبحث باقي أسباب الطعن.