أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 23 - صـ 1020

جلسة 25 من مايو سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: السيد عبد المنعم الصراف، وعثمان زكريا، وعلي عبد الرحمن، وعلي صلاح الدين.

(159)
الطعن رقم 354 لسنة 37 القضائية

( أ ) نقض. "أسباب الطعن. مسائل الواقع". تقسيم.
استخلاص الحكم المطعون فيه من أوراق الدعوى ومستنداتها أن الأرض المبيعة هي أرض فضاء مقسمة. المنازعة في ذلك جدل موضوعي لا يصح التحدي به أمام محكمة النقض.
(ب) نقض. "تقرير الطعن. السبب المجهل".
خلو تقرير الطعن من بيان أوجه الدفاع المقول بأن الحكم أغفل الرد عليها. النعي بذلك مجهل وغير مقبول.
(ج) تقسيم. "التصرف والبناء في الأراضي المقسمة". نظام عام. بطلان.
مخالفة الحظر من التصرف والبناء في الأراضي المقسمة الوارد في المادة العاشرة من القانون 52 لسنة 1940. جزاؤه. بطلان متعلق بالنظام العام.
1 - إذا كان يبين مما أورده الحكم المطعون فيه والحكم الابتدائي الذي أحال عليه أنه استخلص من أوراق ومستنداتها أن الأرض المبيعة هي أرض فضاء مقسمة - تخضع لأحكام القانون رقم 25 لسنة 1940 - وكان هذا الاستخلاص سائغاً، فإن الجدل فيه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً لا يصح التحدي به أمام محكمة النقض.
2 - متى كانت الطاعنتان لم تبينا في تقرير الطعن أوجه الدفاع التي تقولان إن الحكم المطعون فيه أغفل الرد عليها، فإن النعي بهذا الشق يكون مجهلاً وغير مقبول.
3 - الجزاء المترتب على مخالفة الحظر الصريح - من التصرف والبناء في الأراضي المقسمة - الوارد في المادة العاشرة من القانون رقم 52 لسنة 1940 وهو حظر عام كما وصفته المذكرة الإيضاحية، دعت إليه الاعتبارات التي أفصحت عنها، وكلها اعتبارات تتعلق بالصالح العام - مقتضاه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(1)] - ترتيب هذا الجزاء وإن يصرح به، واعتبار البطلان في هذه الحالة مطلقاً، يجوز لكل ذي مصلحة أن يتمسك به، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى بطلان عقد البيع قد التزم صحيح القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن ستيته شعبان ختعن وأخرى أقامتا الدعوى رقم 615 سنة 1964 مدني كلي دمنهور ضد علي علي كرم الشهير بحمدي وأخرى طالبتين الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع الابتدائي المؤرخ 14/ 10/ 1958 مع إلزام المدعى عليهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وقالتاً شرحاً لدعواهما إنهما ابتاعتاً من المدعى عليهما قطعة أرض مساحتها 377.60 متراً مربعاً مبينة الحدود والمعالم بعقد البيع مقابل ثمن قدره 1152 ج و750 م، دفعتاً منه 400 ج عند التعاقد، وتعهدتا بسداد الباقي على ثلاثة أقساط سنوية متساوية ابتداءً من يناير سنة 1960 على أن تسلمهما المدعى عليهما مستندات ملكيتهما لهذه الأرض عند سداد القسط الأخير، وقد قامتا بسداد الثمن بأكمله، وإذ امتنع المدعى عليهما عن تسليم المستندات اللازمة للتسجيل فقد انتهتاً إلى طلب الحكم لهما بطلباتهما. وفي 28/ 3/ 1965 حكمت المحكمة برفض الدعوى، واستأنفت المدعيتان هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسكندرية طالبتين إلغاءه والحكم لهما بطلباتهما مع إلزام المستأنف عليهما متضامنين بالمصروفات عن الدرجتين، وقيد هذا الاستئناف برقم 317 لسنة 21 قضائية، وفي 17/ 4/ 1967 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنفتين بالمصروفات، وطعنت الطاعنتان في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة بالتقرير، وعرض الطعن على هذه الدائرة حيث أصرت الطاعنتان على طلب نقض الحكم، ولم يحضر المطعون عليهما ولم يبدياً دفاعاً وأصرت النيابة العامة على رأيها الذي أبدته بمذكرتها وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن حاصل السببين الأول والثاني أن الحكم المطعون فيه شابه خطأ في تطبيق القانون وفساد في الاستدلال وقصور في التسبيب، ذلك أنه قد استند في قضائه بأن الأرض المبيعة مقسمة وتخضع بالتالي لأحكام القانون رقم 52 لسنة 1940 بتقسيم الأراضي المعدة للبناء إلى ما ورد في عقد البيع المؤرخ 14/ 10/ 1958 من أنها مقسمة، في حين أن المقصود بالتقسيم الوارد في العقد هو تقسيم الأرض بين الورثة والشركاء في الملك لإنهاء حالة الشيوع بينهم، واختص بمقتضاه المطعون عليهما بقطعة الأرض المبيعة وليس تجزئة الأراضي المعدة للبناء المعنية بالقانون المذكور بدليل ما ورد في هذا العقد من أن صورة منه قدمت إلى محكمة الأحوال الشخصية لاعتماد هذا التقسيم بالنسبة لقاصر من بين الشركاء على الشيوع، كما استند في القول بخضوع أرض النزاع لقانون التقسيم إلى أن الطاعنتين قدمتا عقداً صادراً من المطعون عليه الأول عن بيع قطعة أرض أخرى في ذات الجهة مستخلصاً من ذلك تقسيم الأرض المبيعة دون أن يبين الصلة بين هاتين القطعتين، وهو منه فساد في الاستدلال وقصور، كما أنه أخطأ في تطبيق القانون إذ الثابت من العقد أن الأرض المبيعة واقعة على طريق عام قائم هو جسر ترعة الكلية، وهو ما يستفاد من الترخيص الرسمي الصادر بإقامة مطحن غلال ومضرب أرز على تلك الأرض الأمر الذي يخرجها عن نطاق تطبيق قانون التقسيم الذي تشترط المادة الأولى منه لتطبيقه أن تكون إحدى القطع غير متصلة بطريق قائم، هذا بالإضافة إلى عدم رده على دفاع جوهري تمسكت به الطاعنتان.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه بالرجوع إلى الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إليه في أسبابه يبين أنه أورد بياناً ووصفاً للمساحة المبيعة بقوله إنها تبلغ 384.27 متراً مربعاً مقسمة منها 101.25 متراً مربعاً بالقطعة رقم 1 و104 متراً مربعاً بالقطعة رقم 3 و82.50 متراً مربعاً بالقطعة رقم 5 وذلك من التقسيم المبين بالرسم الكروكي الذي أجراه المهندس المختص" وأضاف إليه الحكم المطعون فيه قوله "إنه مما تنعاه المستأنفتان من أن الحكم المستأنف قد أخطأ إذ أخضع أرض النزاع لأحكام القانون رقم 52 لسنة 1940 بالرغم من أنها غير مقسمة، ولا تنطبق أحكام القانون المذكور إلا على الأراضي المقسمة بصريح نص المادة العاشرة منه، فإن هذا النعي في غير محله ومخالف للثابت بعقد البيع نفسه من أن الأرض المبيعة مقسمة على النحو الوارد به، ومما يؤيد هذا النظر المستندات المقدمة من المستأنفتين بالحافظة 9 دوسيه والتي تفيد قيام المستأنف عليه الأول ببيع قطعة أرض أخرى في ذات الجهة الكائن بها أرض النزاع مساحتها 82.50 متراً مربعاً للمدعو عبيد علي إمام وفي هذا ما يقطع بأن الأرض مقسمة" ومن هذا الذي أورده الحكم المطعون فيه والحكم الابتدائي الذي أحال عليه يبين أنه استخلص من أوراق الدعوى ومستنداتها أن الأرض المبيعة هي أرض فضاء مقسمة، وإذ كان هذا الاستخلاص سائغاً فإن الجدل فيه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً لا يصح التحدي به أمام هذه المحكمة، أما القول بعدم خضوع الأرض لقانون التقسيم لوقوعها على طريق عام فقد رد عليه الحكم المطعون فيه بقوله إنه "لا يكفي في معنى المادة الأولى من القانون 52 لسنة 1940 لعدم إخضاع الأراضي المقسمة لأحكامه أن يكون جزء منها مطلاً على طريق قائم" وهذا الذي أورده الحكم لا خطأ فيه، إذ يشترط لعدم إخضاع الأرض لأحكام القانون رقم 52 لسنة 1940 أن تكون جميع القطع واقعة على الطريق العام، وهو ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور بقولها "لا يكون ثمة تقسيم بالمعنى المقصود فيه إذا كانت كل القطع واقعة على حافة الطريق العام إذ يفترض في هذه الحالة أن كافة المرافق العامة التي فرض القانون على المقسم إنشاءها موجودة فعلاً" هذا ولم تبين الطاعنتان في تقرير الطعن أوجه الدفاع التي تقولان إن الحكم المطعون فيه أغفل الرد عليها مما يجعل هذا الشق من النعي مجهلاً وغير مقبول.
وحيث إن حاصل السببين الثالث والرابع أن الطاعنتين تمسكتا في دفاعهما أمام محكمة الموضوع أن البطلان المقرر بالنسبة لعقود بيع الأراضي الخاضعة للقانون رقم 52 لسنة 1940 الخاص بتقسيم الأراضي المعدة للبناء شرطه أن يطلبه أحد الذين نصت عليهم المادة 11 من هذا القانون، وهم المشترون والمستأجرون والمنتفعون بالحكر، ومن ثم لا يجوز للبائع أن يدفع بهذا البطلان المبنى على سبب يرجع إلى فعله، وهو عدم استصداره قراراً بالتقسيم، غير أن الحكم المطعون فيه قد أطرح هذا الدفاع مستنداً في ذلك إلى أن البطلان الوارد في القانون المذكور من النظام العام يلحق العقد ويمنع من إثبات التعاقد عنه، وهو من الحكم خطأ في القانون وقصور في التسبيب وإخلال بحق الدفاع بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إليه في أسبابه قد استند في قضائه ببطلان عقد البيع إلى قوله... "إن الذي يبين من استقراء نصوص القانون رقم 52 لسنة 1940 الخاص بتقسيم الأراضي المعدة للبناء أن نص المادة التاسعة منه قاطع الدلالة على أن الموافقة على التقسيم لا تثبت إلا بقرار من وزير الشئون البلدية والقروية ينشر في الجريدة الرسمية، وذلك أن المشرع جعل جواز التصرف والبناء في تلك الأراضي مرهوناً بصدور القرار الوزاري المشار إليه وإيداع صورة منه بالشهر العقاري، وذلك بما نص عليه بالمادة العاشرة من ذات القانون، ولئن كانت هذه المادة لم تنص على البطلان بلفظه جزاء مخالفتها، إلا أن مقتضى الخطر الصريح الوارد فيها وهو حظر عام دعت إليه اعتبارات تتعلق بالصالح العام مقتضاه ترتيب هذا الجزاء وإن لم يصرح به، واعتبار البطلان في هذه الحالة مطلقاً يؤكد ذلك تقرير البطلان صراحة في المادة الحادية عشرة جزاءً على مجرد إغفال تضمين العقد الإشارة إلى القرار الوزاري سالف الذكر هو بالنسبة للعقود التي أغفلت فيها الإشارة إلى مرسوم الموافقة، على التقسيم وقائمة الشروط، أما العقود التي صدرت قبل صدور مرسوم التقسيم فهي تكون قد صدرت عن أراض محظور بيعها طبقاً لصريح نص المادة العاشرة السابق بيان نصها وبالتالي تكون باطلة بطلاناً مطلقاً كما تقدم البيان" وهذا الذي أورده الحكم الابتدائي وأحال إليه الحكم المطعون فيه يحمل الرد على ما تمسكت به الطاعنتان من دفاع في هذا الخصوص. لما كان ذلك، وكان الجزاء المترتب على مخالفة الحظر الصريح الوارد في المادة العاشرة من القانون 52 لسنة 1940 وهو حظر عام كما وصفته المذكرة الإيضاحية دعت إليه الاعتبارات التي أفصحت عنها وكلها اعتبارات تتعلق بالصالح العام مقتضاه على ما جرى به قضاء هذه المحكمة ترتيب هذا الجزاء وإن لم يصرح به، واعتبار البطلان في هذه الحالة مطلقاً يجوز لكل ذي مصلحة أن يتمسك به، ويكون الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى بطلان العقد البيع قد التزم صحيح القانون.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه.


[(1)] نقض 19/ 3/ 1964 مجموعة المكتب الفني. س 15 ص 365.