أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 23 - صـ 1121

جلسة 13 من يونيه سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ بطرس زغلول نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: عباس حلمي عبد الجواد، وعدلي مصطفى بغدادي، وأحمد ضياء الدين حنفي، ومحمود السيد عمر المصري.

(177)
الطعن رقم 411 لسنة 37 القضائية

( أ ) حكر. حكم. "الأحكام غير الجائز الطعن فيها". نقض. "ما لا يجوز الطعن فيه". خبرة.
عدم جواز الطعن في الحكم الذي لم ينه الخصومة كلها أو في شق منها، إلا مع الحكم الصادر في الموضوع. مثال في شأن ندب خبير لتقدير أجرة حكر.
(ب) قوة الأمر المقضي. دعوى. حكر.
وحدة الموضوع في كل من الدعويين. شرط للأخذ بقرينة قوة الأمر المقضي. مثال في شأن تقدير أجرة حكر.
(ج) حكر. "أجرة الحكر".
أجرة الحكر في الشريعة الإسلامية قابلة للتغيير زيادة أو نقصاً.
(د) حكم. "حجية الحكم". حكر. "تقدير أجرة الحكر". "قوة الأمر المقضي.
حجية الحكم الصادر بتقدير أجرة الحكر طبقاً لقاعدة النسبة، لا تتعدى نطاق الدعوى التي صدر فيها.
(هـ) حكر. "تقدير أجرة الحكر".
القاعدة الصحيحة الواجبة الاتباع في تقدير أجرة الحكر عند طلب تصقيعه. ماهيتها. نبذ المشرع قاعدة النسبة.
(و) حكر. "تقدير أجرة الحكر". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير أجرة الحكر". خبرة.
قيام الحكم في حدود سلطته الموضوعية في تقدير أجرة الحكر وفقاً لتقدير الخبير الذي ندبته المحكمة. صحيح قانوناً، متى كان الخبير قد قدرها بما يتفق والقواعد القانونية الصحيحة.
(ز) حكم. "تسبيب كاف". حكر. "تقدير أجرة الحكر".
أخذ الحكم بالقاعدة الصحيحة في تقدير أجرة الحكر، لا عليه إن لم يرد استقلالاً على نظرية النسبة التي تخالفها.
(ح) حكم. "التناقض". "ما لا يعد كذلك". حكر. "تقدير أجرة الحكر". خبرة.
عدم قطع الحكم الصادر بندب خبير لتقدير أجرة الحكر في تحديد أساس هذا التقدير. أخذ الحكم المطعون فيه بما قدره الخبير وفق القواعد القانونية الصحيحة. لا تناقض بين الحكمين.
1 - إذا كان يبين مما أورده الحكم أنه لا يعدو أن يكون ترديداً لأقوال الخصوم طلباً ودفعاً دون أن يقطع في الخصومة الأصلية، وهى بيان الأساس الذي يجب أن يقام عليه تقدير أجرة الحكر، وإنما رمى الحكم بقضائه إلى إعداد الدعوى للفصل في موضوعها بعد أن يقدم الخبير تقريره، وهو بهذه المثابة لا يكون قد أنهى الخصومة كلها أو في شق منها، فلا يجوز الطعن فيه إلا مع الطعن في الحكم الصادر في الموضوع عملاً بالمادة 378 من قانون المرافعات السابق.
2 - من شروط الأخذ بقرينة قوة الأمر المقضي وفقاً للفقرة الأولى من المادة 405 من القانون المدني، وحدة الموضوع في كل من الدعويين، فإذا كان يبين من الأوراق أن الحكم الصادر في إحدى الدعويين إنما صدر بتقدير أجرة حكر الأرض موضوع النزاع عن سنة 1931 بحسب صقع هذه الأرض في تلك المدة، في حين أن النزاع الحالي يدور حول تقدير أجرة الحكر عن المدة من سنة 1941 وما بعدها بما يتفق مع صقع الأرض المحكرة وأجرة المثل في هذه المدة، فإن ذلك يجعل شرط اتحاد الموضوع في الدعويين غير متوافر.
3 - أجرة الحكر - طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية التي رفعت الدعوى في ظلها - تتغير تبعاً لتغير أجرة المثل متى بلغ هذا التغيير حداً كبيراً زيادة أو نقصاً، فهي بطبيعتها قابلة للتغيير.
4 - حجية الحكم الذي قضى بوجوب اتباع قاعدة النسبة في تقدير أجرة الحكر عند طلب تصقيعه، لا تتعدى في هذا الخصوص نطاق الدعوى التي صدر فيها.
5 - القاعدة الصحيحة الواجبة الاتباع في تقدير أجرة الحكر عند طلب تصقيعه هي - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أخذاً من المبادئ الشرعية أن يكون التقدير على اعتبار أن الأرض المحكرة حرة خالية من البناء وألا يلاحظ فيه سوى حالة الصقع الذي فيه الأرض المحكرة ورغبات الناس فيها، وأن يصرف النظر عن التحسين اللاحق بذات الأرض وبصقع الجهة بسبب البناء الذي أقامه المحتكر وألا يكون لحق البناء والقرار الذي للمحتكر تأثير في التقدير وأنه لا محل للأخذ بنظرية "النسبة" التي تقضي بالمحافظة على النسبة بين أجرة الحكر وقت التحكير وبين قيمة الأرض المحكرة في ذلك الوقت، إذ لا أصل لها في الشريعة الإسلامية، وأن أجرة الحكر يجب أن تكون دائماً هي أجرة المثل. ولقد أخذ المشرع بهذه القاعدة وقننها بما نص عليه في المادة 1005 من القانون المدني، ولئن تضمنت المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني عبارات تفيد الأخذ بهذه النظرية، إلا أن الثابت من الأعمال التحضيرية أن المشرع قد نبذها بما أدخلته لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ من تعديلات على النص الذي كان وارداً في المشرع التمهيدي وما ظهر جلياً من اتجاه هذه اللجنة إلى عدم الأخذ بتلك النظرية، وإن فات واضعي المشروع بعد إدخال هذا التعديل أن يصححوا على مقتضاه ما تضمنته المذكرة في هذا الخصوص.
6 - إذا كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه أخذ في حدود سلطته الموضوعية بتقدير أجرة الحكر وفقاً لتقدير مكتب الخبراء الذي ندبته المحكمة، وكان يبين من هذا التقرير أن الخبير قدر أجرة الحكر مراعياً في ذلك أجرة المثل، وبين العناصر الواقعية التي روعيت فعلاً في هذا التقدير، وهى تتفق مع القواعد القانونية الصحيحة، والتي قررتها محكمة النقض قبل صدور القانون المدني القائم، وقننها هذا القانون، فإن الحكم المطعون فيه يكون في تقديره لأجرة الحكر قد طبق القاعدة القانونية الصحيحة.
7 - ليس على الحكم أن يرد استقلالاً على نظرية النسبة في تقدير أجرة الحكر التي طلب الطاعن إعمالها، إذ أن في أخذ الحكم بالقاعدة الصحيحة التي طبقها في هذا الشأن ما يفيد إطراحه ما يخالفها.
8 - إذا كان الحكم الصادر قبل الفصل في الموضوع، بندب مكتب الخبراء لتقدير أجرة الحكر، لم يقطع في تحديد الأساس الذي يجب أن يقام عليه هذا التقدير، وإنما رمى بقضائه إلى مجرد إعداد الدعوى للفصل فيها بعد أن يقدم الخبير تقريره. وكان هذا الخبير قد ضمن تقريره عدم وجود تحسين بالأرض نتيجة إنشاء شوارع أو ميادين بالجهة التي تقع بها، وأن التقدم العمراني قد زاد من قيمتها، وانتهى إلى تقدير أجرة الحكر على أساس أجرة المثل وبنى هذا التقدير على أسس تتفق مع القواعد القانونية الصحيحة. فإن الحكم المطعون فيه إذ أخذ بهذا التقدير لا يكون قد تناقض مع الحكم الصادر قبل الفصل في الموضوع بندب مكتب الخبراء لتقدير أجرة الحكر.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده بصفته أقام على الطاعن والسيدة "كاملة شريف" التي توفيت أثناء نظر الدعوى - بصفتهما ناظرين على وقف المرحومة "السيدة جذب كل" الدعوى رقم 517 سنة 1941 كلي القاهرة، وقال بياناً لها إن الوقف الذي يتنظر عليه يمتلك أرضاً محكرة مساحتها 3696.80 متراً بمدينة القاهرة بشارع الحوياتي بباب اللوق، وأن هذه الأرض مملوكة منفعتها "لوقف السيدة جذب كل" المذكور مقابل حكر سنوي قدر في سنة 1931 بمبلغ 31 ج و976 م، وإذ كان الحكر يتغير بتغير الزمان والمكان، وأن قومسيون وزارة الأوقاف قدر حكر تلك الأرض في 6/ 4/ 1939 بمبلغ 554 ج و520 م، فقد أقام المطعون ضده بصفته الدعوى الحالية بطلب زيادة أجرة الحكر إلى المبلغ المشار إليه وإلزام المدعى عليهما بصفتهما بأن يدفعا له هذا المبلغ سنوياً ابتداءً من سنة 1940 حتى السداد. دفع المدعى عليهما المذكوران بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها بالحكم الصادر في الدعوى رقم 42 سنة 1928 مدني كلي القاهرة المؤيد في الاستئناف رقم 1036 سنة 46 ق القاهرة الذي حدد أجرة الحكر بمبلغ 31 ج و976 م، وبتاريخ 12/ 12/ 1943، قضت المحكمة برفض هذا الدفع وبجواز نظر الدعوى وندبت أحد الخبراء المهندسين لتقدير أجرة الحكر - وقبل أن يقدم هذا الخبير تقريره صدر المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 الذي أنهى الوقف على غير الخيرات، فقضت المحكمة بتاريخ 11/ 11/ 1952 بانقطاع سير الخصومة بزوال صفة المدعى عليهما. عجل المطعون ضده الدعوى بعريضة أعلنت في 26/ 3/ 1953 ووجهها إلى المدعى عليهما بصفتهما حارسين قانونيين على الوقف، وبعد أن توفيت السيدة كاملة شريف قصر المطعون ضده دعواه قبل الطاعن بصفته وسارت الدعوى على هذا الأساس، وبتاريخ 28/ 6/ 1953 قضت المحكمة بندب مكتب الخبراء بوزارة العدل بدلاً من الخبير السابق ندبه وجعلت مهمة المكتب الانتقال إلى الأرض المحكرة وتقدير أجرة الحكر في سنة 1941 مراعياً في ذلك صقع هذه الأرض ورغبات الناس فيها بغض النظر عما يوجد فيها من بناء ودون اعتبار لما أحدثه الطاعن بصفته من تحسين أو إتلاف في تلك الأرض أو في صقع الجهة دون تأثر بما عليها من حق القرار، وقد باشر المكتب المأمورية، وقدم تقريراً انتهى فيه إلى تقدير أجرة الحكر بمبلغ 443 ج و616 م ابتداءً من سنة 1941، وبتاريخ 31/ 12/ 1956 أعادت المحكمة المأمورية إلى الخبير لبيان الأسس التي بنى عليها تقديره، وبعد أن قدم ملحقاً بتقريره حكمت تلك المحكمة في 31/ 1/ 1962 بتصقيع قيمة الحكر بواقع 443 ج و616 م سنوياً ابتداءً من أول سنة 1941 وبإلزام الطاعن بصفته بأن يدفع للمطعون ضده مبلغ 9315 ج و936 م قيمة الحكر المتجمد ابتداءً من سنة 1941 حتى تاريخ الحكم في الدعوى. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 803 سنة 79 ق القاهرة، كما استأنفه المطعون ضده بصفته، وقيد استئنافه برقم 1359 سنة 79 ق، وقد قررت محكمة الاستئناف ضم الاستئنافين وقضت فيهما بتاريخ 27/ 1/ 1965 بندب مكتب خبراء وزارة العدل بالقاهرة ليعهد إلى أحد خبرائه الهندسيين الانتقال إلى الأرض المحكرة لمعاينتها وتقدير حكرها في سنة 1941 مراعياً في ذلك التحسينات التي تمت بها منذ سنة 1931 حتى رفع الدعوى الحالية والتي من شأنها رفع قيمة حكرها عما كان مقدراً لها في هذه السنة الأخيرة مع بيان هذه التحسينات إن وجدت، وبعد أن قدم الخبير تقريره حكمت المحكمة في 18/ 5/ 1967 بتعديل الحكم المستأنف وجعل أجرة الحكر مبلغ 295 ج و744 م سنوياً ابتداءً من 1/ 1/ 1941 وبإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون ضده على هذا الأساس قيمة الحكر المتجمد من ذلك التاريخ. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدم المطعون ضده مذكرة دفع فيها بعدم جواز الطعن الموجه إلى قضاء الحكم الصادر في 27/ 1/ 1965، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيه الرأي برفض الدفع وفي موضوع الطعن برفضه، وبالجلسة المحددة لنظر الطعن صممت النيابة على رأيها.
وحيث إن مبنى الدفع المقدم من المطعون ضده أن الحكم الصادر من محكمة الاستئناف في 27/ 1/ 1965 والذي قضى قبل الفصل في الموضوع بندب مكتب الخبراء لتقدير قيمة الحكر في سنة 1941 قد رفض الأخذ بنظرية النسبة التي تقضي بالمحافظة على النسبة بين أجرة الحكر وقت التحكير وقيمة الأرض في ذلك الوقت، وحدد للخبير الأساس الذي يجب أن يقام عليه التقدير وهو مراعاة أجرة المثل على أن يلاحظ في ذلك التحسينات التي تمت بأرض النزاع في الفترة التالية لتقدير أجرة حكرها في سنة 1931، وعلى ذلك يكون هذا الحكم قد فصل في صميم موضوع النزاع وأنهى بصفة قطعية جزءاً من الخصومة فلا تملك المحكمة إعادة النظر فيه، ويكون الطعن فيه على استقلال عملاً بالمادة 378 من قانون المرافعات السابق، وإذ فات الطاعن أن يطعن في هذا الحكم في الميعاد المحدد بالقانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، فإن طعنه الموجه إلى الحكم المذكور يكون غير جائز.
وحيث إن هذا الدفع غير صحيح، ذلك أن محكمة الاستئناف قضت في 27/ 1/ 1965 قبل الفصل في الموضوع بندب خبير "للانتقال إلى العين المحكرة وتقدير حكرها في سنة 1941 مراعياً في ذلك التحسينات التي تمت بها منذ سنة 1931 حتى رفع الدعوى الحالية والتي من شأنها رفع قيمة حكرها عما كان مقدراً لها في هذه السنة الأخيرة مع بيان هذه التحسينات إن وجدت" وقد ورد بأسباب ذلك الحكم بعد استعراض وقائع النزاع وما أبداه الخصوم من اعتراضات على تقرير الخبير الذي ندبته محكمة أول درجة أن المحكمة "ترى تحقيقاً لدفاع الطرفين وقبل الفصل في الموضوع ندب مكتب خبراء وزارة العدل لأداء المأمورية المبينة بالمنطوق" ولما كان يبين من هذا الذي أورده الحكم أنه لا يعدو أن يكون ترديداً لأقوال الخصوم طلباً ودفعاً دون أن يقطع في الخصومة الأصلية، وهي في الدعوى الحالية بيان الأساس الذي يجب أن يقام عليه تقدير أجرة الحكر، وإنما رمى الحكم بقضائه إلى إعداد الدعوى للفصل في موضوعها بعد أن يقدم الخبير تقريره، وهو بهذه المثابة لا يكون قد أنهى الخصومة كلها أو في شق منها، فلا يجوز الطعن فيه إلا مع الطعن في الحكم الصادر في الموضوع عملاً بالمادة 378 من قانون المرافعات السابق ويتعين لذلك رفض الدفع.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن بني على خمسة أسباب يتحصل ثانيها في أن الحكم المطعون فيه خالف القانون، ذلك أنه سبق للوقف المحكر أن طلب زيادة أجرة الحكر بالدعوى رقم 42 سنة 1928 التي أقامها أمام محكمة القاهرة الابتدائية وقضي له فيها نهائياً في الاستئناف رقم 1036 سنة 46 ق القاهرة بزيادة الحكر إلى مبلغ 31 جنيه و976 م وذلك ابتداءً من سنة 1931، وقد قطع ذلك الحكم في أسبابه بأن الأساس الذي يجب أن يقام عليه تقدير أجرة الحكر هو قاعدة النسبة بين الحكر القديم وثمن الأرض وقت التحكير، وهو بذلك يجوز قوة الشيء المقضي بحيث يتعين الأخذ بهذه القاعدة عن تصقيع عين النزاع مستقبلاً، غير أن الحكم المطعون فيه لم يقض بتحديد أجرة الحكر على الأساس الذي اتخذه حكم محكمة الاستئناف المشار إليه وهو ما يعيب الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، لأن من شروط الأخذ بقرينة قوة الأمر المقضي وفقاً للفقرة الأولى من المادة 405 من القانون المدني وحدة الموضوع في كل من الدعويين، ويبين من الأوراق أن الحكم الصادر في الاستئناف رقم 1036 سنة 46 ق القاهرة إنما صدر بتقدير أجرة حكر الأرض موضوع النزاع عن المدة من سنة 1931 بحسب صقع هذه الأرض في تلك المدة، في حين أن النزاع الحالي يدور حول تقدير أجرة الحكر عن المدة من سنة 1941 وما بعدها بما يتفق مع صقع الأرض المحكرة وأجرة المثل في هذه المدة، وهو ما يجعل شرط اتحاد الموضوع في الدعويين غير متوافر، ولأن أجرة الحكر - طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية التي رفعت الدعوى في ظلها - تتغير تبعاً لتغير أجرة المثل متى بلغ هذا التغيير حداً كبيراً زيادة أو نقصاً - فهي بطبيعتها قابلة للتغير - والقول بأن الحكم السابق قد حسم النزاع من ناحية وجوب اتباع قاعدة النسبة في تقدير أجرة الحكر عند طلب تصقيعه مردود بأن حجية الحكم في هذا الخصوص لا تتعدى نطاق الدعوى التي صدر فيها ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ فصل في الدعوى على خلاف الحكم الصادر في الاستئناف رقم 1036 سنة 46 ق القاهرة لا يكون قد خالف القانون.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الأول وفي باقي أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والتناقض، ويقول في بيان ذلك إن الحكم لم يأخذ في اعتباره أن قيمة الأرض موضوع النزاع قدرت عند تحكيرها بمبلغ 427 ج و210 م، وأن حكرها في ذلك الوقت كان 52 قرشاً وأنه عند ما ثار النزاع بين المستحكر ومالك الرقبة في سنة 1931 حول الزيادة في قيمة الحكر لتصقيع هذه الأرض راعت محكمة القاهرة الابتدائية في الدعوى رقم 42 سنة 1928 عند تقديرها قيمة الحكر النسبة بين ثمن الأرض وقيمة الحكر عند التحكير، وانتهت إلى تقدير هذه القيمة بمبلغ 31 جنيه و976 م بعد أن قدرت ثمن المتر من الأرض بمبلغ سبعة جنيهات مراعية في ذلك تلك النسبة، وقد تأيد هذا الحكم في الاستئناف رقم 1036 سنة 46 ق القاهرة، ويقول الطاعن إنه على الرغم من أن الخبير المنتدب في الدعوى الحالية قدر ثمن المتر من أرض النزاع في سنة 1941 بمبلغ تسعة جنيهات، فإنه لم يلاحظ النسبة بين ثمن الأرض وقيمة الحكر عند التحكير، وهي ذات النسبة بين ثمن الأرض وقيمة حكرها في سنة 1931، وإنما قدر قيمة الحكر في سنة 1941 بمبلغ 295 ج و744 م، مع أن ثمن المتر في هذه الأرض في سنة 1931 كان سبعة جنيهات وثمنه الذي قدره الخبير في سنة 1941 هو تسعة جنيهات، وإذ كانت قيمة الحكر قد قدرت في سنة 1931 بمبلغ 31 جنيه و976 م فإنه كان يجب أن تتناسب الزيادة في هذه القيمة في سنة 1941 مع الزيادة في ثمن المتر من سبعة جنيهات إلى تسعة جنيهات، وهو ما يقتضيه تطبيق القانون على وجهه الصحيح حسبما أجمع عليه الفقه والقضاء، غير أن الحكم المطعون فيه اعتمد في تقديره لأجرة الحكر على تقرير الخبير، مع أن هذا الخبير علاوة على أنه لم يأخذ بنظرية النسبة على النحو السالف بيانه فإنه قدر أجرة الأرض ولم يقدر قيمة حكرها، كما أن الحكم أغفل الرد على ما تمسك به الطاعن من وجوب إعمال هذه النظرية، ويضيف الطاعن أن الحكم المطعون فيه جاء متناقضاً في أسبابه ومنطوقه مع الحكم الصادر من محكمة الاستئناف بتاريخ 27/ 1/ 1965، إذ أن هذا الحكم قضى بندب مكتب الخبراء لتقدير أجرة الحكر في سنة 1941 على أن يراعى في ذلك التحسينات التي تمت منذ سنة 1931 حتى رفع الدعوى الحالية والتي من شأنها رفع قيمة الحكر عما كان مقدراً لها في السنة الأخيرة مع بيان هذه التحسينات إن وجدت، وقد جاء تقرير الخبير متضمناً عدم وجود تحسينات سوى ما يعود على الأرض من فائدة بسبب التقدم العمراني، وأن ثمن المتر يقدر بمبلغ تسعة جنيهات أي بزيادة جنيهين في المتر عما كان عليه في سنة 1931، ومع ذلك فإنه قدر أجرة الحكر في سنة 1941 بمبلغ 295 جنيه و742 م، في حين أنه كان مقدراً في سنة 1931 بمبلغ 31 جنيه و972 م، وقد سايره الحكم المطعون فيه في النتيجة التي انتهى إليها، وبذلك يكون هذا الحكم - علاوة على خطئه في تطبيق القانون وقصوره في التسبيب - قد جاء متناقضاً مع حكم 27/ 1/ 1965.
وحيث إن هذا النعي مردود، بأن القاعدة الصحيحة الواجبة الاتباع في تقدير أجرة الحكر عند طلب تصقيعه هي - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أخذاً من المبادئ الشرعية أن يكون التقدير على اعتبار أن الأرض المحكرة حرة خالية من البناء وألا يلاحظ فيه سوى حالة الصقع الذي فيه الأرض المحكرة ورغبات الناس فيها وأن يصرف النظر عن التحسين اللاحق بذات الأرض وبصقع الجهة بسبب البناء الذي أقامه المحتكر وألا يكون لحق البناء والقرار الذي للمحتكر تأثير في التقدير - وأنه لا محل للأخذ بنظرية "النسبة" التي تقضي بالمحافظة على النسبة بين أجرة الحكر وقت التحكير وبين قيمة الأرض المحكرة في ذلك الوقت إذ لا أصل لها في الشريعة الإسلامية، وأن أجرة الحكر يجب أن تكون دائماً هي أجرة المثل، ولقد أخذ المشرع بهذه القاعدة وقننها بما نص عليه في المادة 1005 من القانون المدني من أنه "يرجع في تقدير الزيادة أو النقص إلى ما للأرض من قيمة إيجارية وقت التأجير، ويراعى في ذلك صقع الأرض ورغبات الناس فيها بغض النظر عما يوجد فيها من بناء أو غراس ودون اعتبار لما أحدثه المحتكر فيها من تحسين أو إتلاف في ذات الأرض أو في صقع الجهة ودون تأثر للمحتكر على الأرض من حق القرار" ولئن تضمنت المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني عبارات تفيد الأخذ بهذه النظرية، إلا أن الثابت من الأعمال التحضيرية أن المشرع قد نبذها بما أدخلته لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ من تعديلات على النص الذي كان وارداً في المشروع التمهيدي وما ظهر جلياً من اتجاه هذه اللجنة إلى عدم الأخذ بتلك النظرية وإن فات واضعي المشروع بعد إدخال هذا التعديل أن يصححوا على مقتضاه ما تضمنته المذكرة في هذا الخصوص. لما كان ذلك وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه أخذ في حدود سلطته الموضوعية بتقدير أجرة الحكر وفقاً لتقدير مكتب الخبراء الذي ندبته محكمة الاستئناف، وكان يبين من هذا التقرير أن الخبير قد قدر أجرة الحكر مراعياً في ذلك أجرة المثل، وبين العناصر الواقعية التي روعيت فعلاً في هذا التقدير وهي تتفق مع القواعد السابق بيانها والتي قررتها محكمة النقض من قبل صدور القانون المدني القائم وقننها هذا القانون، فإن الحكم المطعون فيه يكون في تقديره لأجرة الحكر قد طبق القاعدة القانونية الصحيحة، ومتى كان ذلك فإنه لم يكن عليه أن يرد استقلالاً على نظرية النسبة التي طلب الطاعن إعمالها، إذ أن في أخذه بالقاعدة الصحيحة التي طبقها ما يفيد إطراحه ما يخالفها. لما كان ذلك وكان الحكم الصادر في 27/ 1/ 1965 الذي قضى قبل الفصل في الموضوع بندب مكتب الخبراء لتقدير أجرة الحكر وعلى ما سلف البيان لم يقطع في تحديد الأساس الذي يجب أن يقام عليه هذا التقدير وإنما رمى بقضائه إلى مجرد إعداد الدعوى للفصل فيها بعد أن يقدم الخبير تقريره، وكان هذا الخبير قد ضمن تقريره عدم وجود تحسين بالأرض نتيجة إنشاء شوارع أو ميادين بالجهة التي تقع بها وأن التقدم العمراني قد زاد من قيمتها، وانتهى إلى تقدير أجرة الحكر على أساس أجرة المثل وبني هذا التقدير على أسس تتفق مع القواعد القانونية الصحيحة كما سبق القول، وكان الحكم المطعون فيه قد أخذ بهذا التقدير فإن التناقض المدعى به يكون لا وجود له. لما كان ذلك فإن النعي على الحكم المطعون فيه بهذه الأسباب يكون في جميع ما تضمنه على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.