أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 33 - صـ 468

جلسة 8 من إبريل سنة 1982

برياسة السيد المستشار/ صلاح نصار نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: حسن جمعه وأحمد أبو زيد ومحمد نجيب صالح وعوض جادو.

(95)
الطعن رقم 4527 لسنة 51 القضائية

1 - إهانة. جريمة "أركانها". قصد جنائي. باعث.
تعرف حقيقة ألفاظ السب أو القذف أو الإهانة. حد ذلك؟
2 - أسباب الإباحة وموانع العقاب. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير توافر أركان الجريمة". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". حكم. "تسبيبه تسبيب غير معيب". دفوع "الدفع بالإعفاء من العقاب".
عدم التزام محكمة الموضوع بتقصي أسباب إعفاء المتهم من العقاب إلا إذا دفع بذلك أمامها. أثر ذلك؟
3 - قذف. جريمة "أركانها". قصد جنائي. باعث؟
حسن النية في جريمة قذف الموظفين. ماهيته؟
4 - محكمة الاستئناف "الإجراءات أمامها". معارضة "نظرها والحكم فيها". نقض "ما لا يجوز الطعن فيه من الأحكام".
إلغاء الحكم الغيابي الاستئنافي بالحكم الصادر في المعارضة الاستئنافية أثره؟
5 - نقض "أسباب الطعن. تحديدها" "ما لا يقبل منها". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
وجه الطعن. وجوب أن يكون واضحاً محدداً.
النعي على الحكم عدم رده على أوجه دفاع دون الإفصاح عن ماهية هذه الأوجه أو تحديدها. أثره عدم قبول النعي. علة ذلك؟
6 - إثبات "شهود". إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه تسبيب غير معيب".
للمحكمة الاستغناء عن سماع شهود الإثبات. إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك. صراحة أو ضمناً.
7 - إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع ما لا يوفره".
عدم التزام المحكمة بإجابة طلب تحقيق قدم في مذكرة بعد حجز الدعوى للحكم. أو الرد عليه.
1 - الأصل أن المرجع في تعرف حقيقة ألفاظ السب أو القذف أو الإهانة هو بما يطمئن إليه القاضي من تحصيله لفهم الواقع في الدعوى ولا رقابة عليه في ذلك لمحكمة النقض ما دام لم يخطئ في التطبيق القانوني على الواقعة.
2 - لما كانت محكمة الموضوع ليست ملزمة بتقصي أسباب إعفاء المتهم من العقاب في حكمها إلا إذا دفع بذلك أمامها، فإذا هو لم يتمسك أمام المحكمة بسبب الإعفاء فلا يكون له أن ينعى على حكمها إغفاله التحدث عنه - وإذ كان الثابت أن الطاعن لم يتمسك لدى محكمة الموضوع بحقه في الإعفاء من العقوبة إعمالاً للفقرة الثانية من المادة 302 من قانون العقوبات فليس له من بعد هذا لأول مرة أمام محكمة النقض.
3 - من المقرر أن كنه حسن النية في جريمة قذف الموظفين هو أن يكون الطعن عليهم صادراً عن حسن نية أي عن اعتقاد بصحة وقائع القذف ولخدمة مصلحة عامة لا عن قصد التشهير والتجريح شفاء لضغائن أو دوافع شخصية - ولا يقبل من موجه الطعن في هذه الحالة إثبات صحة الوقائع التي أسندها إلى الموظف بل يجب إدانته حتى ولو كان يستطيع إثبات ما قذف به.
4 - لما كان إلغاء الحكم الغيابي الاستئنافي بالحكم المطعون فيه لا يدع أي سبيل لاندماج بين هذين الحكمين، بل يعتبر الحكم الأخير وكأنه وحده الصادر من محكمة آخر درجة، ولما كان لا يجوز الطعن بطريق النقض إلا في الحكم النهائي الصادر من محكمة آخر درجة فإن ما ينعاه الطاعن في طعنه على الحكم الغيابي الاستئنافي يكون غير مقبول.
5 - من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً، ولما كان الطاعن لم يبين أوجه الدفاع التي أبداها أثناء نظر معارضته الاستئنافية ولم يحددها لمراقبة ما إذا كان الحكم قد تناولها بالرد من عدمه، وهل كان دفاعاً جوهرياً مما يجب على المحكمة أن تجيبه أو ترد عليه أم هو من قبيل الدفاع الموضوعي الذي لا يستلزم في الأصل رداً بل يعتبر الرد عليه مستفاداً من القضاء بالإدانة للأدلة التي أوردتها المحكمة في حكمها فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير مقبول.
6 - من المقرر قانوناً أن للمحكمة أن تستغني عن سماع شهود الإثبات إذا ما قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً دون أن يحول عدم سماعهم أمامها من أن تعتمد في حكمها على أقوالهم التي أدلوا بها في التحقيقات الأولية ما دامت هذه الأقوال مطروحة على بساط البحث في الجلسة.
7 - من المقرر أن المحكمة متى أمرت بإقفال باب المرافعة في الدعوى وحجزتها للحكم فهي بعد لا تكون ملزمة بإجابة طلب التحقيق الذي يبديه الطاعن في مذكرته التي يقدمها فترة حجز القضية للحكم أو الرد عليه - سواء قدمها بتصريح منها أو بغير تصريح ما دام لم يطلب ذلك بجلسة المحاكمة وقبل إقفال باب المرافعة في الدعوى ومن ثم فإن النعي بقالة الإخلال بحق الدفاع يكون في غير محله.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه أولاً: قذف عمداً بسوء القصد في حق هيئة المحكمة المدنية المستأنفة بمحكمة سوهاج الابتدائية (الدائرة الثالثة) قولاً وكتابة بأن أسند إليها قبول الوساطة وانتهاك القانون أثناء انعقاد الجلسة العلنية ووزع مكاتيب تتضمن هذه الأمور على العديد من الجهات على النحو المبين بالتحقيقات. ثانياً: أهان بالقول موظفاً عمومياً هو عضو اليمين بهيئة المحكمة القضائية السالفة بأن وجه إليه العبارات الموضحة بالتحقيق وكان ذلك أثناء انعقاد الجلسة وبسبب تأديته لوظيفته. وطلبت معاقبته بمواد الاتهام. ومحكمة بندر سوهاج الجزئية قضت حضورياً عملاً بالمواد 123، 302/ 1، 303 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالحبس ثلاثة أشهر وغرامة مائة جنيه وكفالة مائة جنيه لوقف التنفيذ فاستأنف المحكوم عليه كما استأنفت النيابة العامة هذا الحكم ومحكمة سوهاج الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت غيابياً بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع برفض استئناف المحكوم عليه وبإجماع الآراء بتعديل الحكم المستأنف إلى حبس المتهم ستة أشهر مع الشغل وتغريمه مائتي جنيه. فعارض المحكوم عليه وقضي في معارضته بقبولها شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المعارض فيه وبقبول الاستئنافين شكلاً وفي موضوعهما بتعديل الحكم المستأنف إلى حبس المتهم خمسة عشر يوماً مع الشغل والنفاذ وتغريمه مائة جنيه.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي القذف والإهانة قد انطوى على خطأ في تطبيق القانون وشابه البطلان والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه دانه عن فعل مباح أتاه بسلامة نية إذ أن العبارات التي صدرت منه كانت رداً على سؤال رئيس هيئة المحكمة المعتدى عليها عن سبب إقامته دعوى مخاصمة وقد قصد بها توضيح معنى الخطأ المهني الجسيم الذي نسبه إلى عضو يمين تلك الهيئة. وقد دانه الحكم بمقتضى الفقرة الأولى للمادة 302 من قانون العقوبات في حين أن فقرتها الثانية هي واجبة التطبيق باعتبار أن طعنه موجه إلى موظف عمومي، ولم تعمل المحكمة في حقه حكم الإعفاء الوارد بتلك الفقرة فصادرت بذلك حقه في إثبات صحة الوقائع المقذوف بها، هذا فضلاً عن أن إجراءات الدعوى الجنائية لم يباشرها النائب العام تطبيقاً لما نصت عليه المادة 96 من قانون المحاماة إذ أن الفعل المنسوب للطاعن وقعت أثناء تأدية أعمال مهنته وبسببها أثناء وجوده بالجلسة، كما لم تخطر نقابة المحامين بالواقعة على ما نصت عليه المادة 95 من القانون سالف الذكر. وأخيراً فإن المحكمة الاستئنافية التفتت عن عذره في التخلف عن حضور الجلسة التي نظرت فيها الدعوى وقضت غيابياً بتشديد العقوبة المقضى بها عليه ابتدائياً وقد أطرحت عند نظر معارضته الاستئنافية دفاعه ولم تسمع شهود الإثبات رغم تمسكه بسماعهم كما التفتت عن طلب إعادة القضية إلى المرافعة الذي ضمنه طلب سماع شهود نفي - كل ذلك مما يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المعدل والمكمل بالحكم المطعون فيه - بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتبه عليها - لما كان ذلك، وكان الأصل أن المرجع في تعرف حقيقة ألفاظ السب أو القذف أو الإهانة هو بما يطمئن إليه القاضي من تحصيله لفهم الواقع في الدعوى ولا رقابة عليه في ذلك المحكمة النقض ما دام لم يخطئ في التطبيق القانوني على الواقعة - ولما كانت محكمة الموضوع قد اطمأنت في فهم سائغ لواقعة الدعوى أن العبارات التي صدرت من الطاعن في حق هيئة المحكمة المعتدى عليها وأحد أعضائها أثناء انعقاد الجلسة تفيد بذاتها قصد الإهانة والقذف فإن ما ينعاه على الحكم بشأن مدلول الألفاظ التي قررها والباعث على صدورها لا يكون له أساس. لما كان ذلك، وكانت محكمة الموضوع ليست ملزمة بتقصي أسباب إعفاء المتهم من العقاب في حكمها إلا إذا دفع بذلك أمامها، فإذا هو لم يتمسك أمام المحكمة بسبب الإعفاء فلا يكون له أن ينعى على حكمها إغفاله التحدث عنه - وإذ كان الثابت أن الطاعن لم يتمسك لدى محكمة الموضوع بحقه في الإعفاء من العقوبة وإعمالاً للفقرة الثانية من المادة 302 من قانون العقوبات فليس له من بعد أن يثير هذا لأول مرة أمام محكمة النقض فضلاً عن أن المقرر أن كنه حسن النية في جريمة قذف الموظفين هو أن يكون الطعن عليهم صادراً عن حسن نية أي عن اعتقاد بصحة وقائع القذف ولخدمة مصلحة عامة لا عن قصد التشهير والتجريح شفاء لضغائن أو دوافع شخصية - ولا يقبل من موجه الطعن في هذه الحالة إثبات صحة الوقائع التي أسندها إلى الموظف بل يجب إدانته حتى ولو كان يستطيع إثبات ما قذف به، ولما كان الحكم المطعون فيه قد استخلص استخلاصاً سائغاً من الأدلة التي أوردها وما اعتنقه من أسباب الحكم المستأنف ثبوت جريمتي القذف والإهانة في حق الطاعن وأنه كان سيء القصد حين وجه مطاعنه إلى عضو يمين هيئة المحكمة - وهو موظف عام - مما ينتفي معه شرط حسن النية الواجب توافره للإعفاء من العقوبة فإن ما يثيره الطاعن من مجادلة حول تطبيق الفقرة الثانية من المادة 302 من قانون العقوبات ومصادرة حقه في إثبات ما قذف به يكون ولا محل له. لما كان ذلك، وكان مفاد ما نصت عليه المادة 96 من القانون رقم 61 لسنة 1968 بإصدار قانون المحاماة أنه إذا وقع من المحامي أثناء وجوده بالجلسة لأداء واجبه أو بسببه جريمة معاقب عليها في قانون العقوبات فللنائب العام أن يتخذ فيه الإجراءات الجنائية - ولم يورد هذا النص قيداً على النيابة العامة في إجراءات التحقيق أو تحريك ورفع الدعوى الجنائية، وإنما حدد في تلك الحالة اختصاص للنائب العام لا يثبت لغيره من أعضاء النيابة العامة غير أنه لا يلزم أن يباشر بنفسه رفع الدعوى بل يكفي أن يأذن برفعها ليتولى عضو النيابة المختص إجراءات الرفع، كما أن ما نصت عليه المادة 95 من القانون سالف الذكر من تبليغ صورة المحضر المحرر عما ينسب للمحامي من جرائم القذف والسب والإهانة بسبب أقوال أو كتابات صدرت عنه أثناء أو بسبب ممارسة المهنة إلى مجلس نقابة المحامين إنما قصد به تمكين النقابة من ممارسة اختصاصاتها المهنية المنوطة لها، ولم يرتب القانون على مخالفة ذلك بطلاناً. وإذ كان الطاعن لا يمارى في أن الدعوى لم ترفع قبله إلا بعد موافقة النائب العام، وكان الثابت من الأوراق أن نقابة المحامين قد أخطرت بالواقعة قبل مباشرة التحقيق فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان إلغاء الحكم الغيابي الاستئنافي بالحكم المطعون فيه لا يدع أي سبيل لاندماج بين هذين الحكمين، بل يعتبر الحكم الأخير وكأنه وحده الصادر من محكمة آخر درجة، ولما كان لا يجوز الطعن بطريق النقض إلا في الحكم النهائي الصادر من محكمة آخر درجة فإن ما ينعاه الطاعن في طعنه على الحكم الغيابي الاستئنافي يكون غير مقبول - لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً، ولما كان الطاعن لم يبين أوجه الدفاع التي أبداها أثناء نظر معارضته الاستئنافية ولم يحددها لمراقبة ما إذا كان الحكم قد تناولها بالرد من عدمه، وهل كان دفاعاً جوهرياً مما يجب على المحكمة أن تجيبه أو ترد عليه أم هو من قبيل الدفاع الموضوعي الذي لا يستلزم في الأصل رداً بل يعتبر الرد عليه مستفاداً من القضاء بالإدانة للأدلة التي أوردتها المحكمة في حكمها فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير مقبول. لما كان ذلك، وكان البين من الاطلاع على محضر جلسة 19/ 2/ 1979 أن المحكمة استمعت إلى أقوال الشاهدين "..... و....." نقيب المحامين سوهاج وبجلسة 12/ 3/ 1979 قرر الطاعن صراحة بتنازله عن سماع باقي الشهود فقررت المحكمة حجز القضية للحكم لجلسة 30/ 4/ 79 ثم مدت أجل النطق بالحكم أخيراً لجلسة 25/ 6/ 1979 حيث صدر الحكم المطعون فيه، وكان من المقرر قانوناً أن للمحكمة أن تستغني عن سماع شهود الإثبات إذا ما قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً دون أن يحول عدم سماعهم أمامها من أن تعتمد في حكمها على أقوالهم التي أدلوا بها في التحقيقات الأولية ما دامت هذه الأقوال مطروحة على بساط البحث في الجلسة، وأن لمحكمة ثاني درجة أن تحكم على مقتضى الأوراق وهي لا تجري من التحقيقات إلا ما ترى هي لزوماً لإجرائه، فلا محل من بعد للنعي على المحكمة قعودها عن سماع شهود الإثبات الذين تنازل الطاعن عن سماعهم. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المحكمة متى أمرت بإقفال باب المرافعة في الدعوى وحجزتها للحكم فهي بعد لا تكون ملزمة بإجابة طلب التحقيق الذي يبديه الطاعن في مذكرته التي يقدمها فترة حجز القضية للحكم أو الرد عليه - سواء قدمها بتصريح منها أو بغير تصريح ما دام لم يطلب ذلك بجلسة المحاكمة وقبل إقفال باب المرافعة في الدعوى ومن ثم فإن النعي بقالة الإخلال بحق الدفاع يكون في غير محله - لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.