أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 23 - صـ 1175

جلسة 12 من يوليه سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ أحمد حسن هيكل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد أسعد محمود، وجودة أحمد غيث، وحامد وصفي، وإبراهيم السعيد ذكري.

(186)
الطعن رقم 10 لسنة 31 ق "أحوال شخصية"

(أ، ب) نقض. "إعلان الطعن". بطلان. "بطلان الإجراءات". إعلان. "بطلان الإعلان".
( أ ) ميعاد إعلان الطعن بالنقض في ظل القانون 106 لسنة 1962. لا يعد ميعاداً حتمياً بل مجرد ميعاد تنظيمي. بطلان إعلان بعض المطعون عليهم. لا يترتب عليه سوى إعادة إعلانهم إعلاناً صحيحاً ولو بعد فوات الميعاد.
(ب) تقديم المطعون عليهم مذكرة بدفاعهم في الميعاد القانوني وحضور محام عنهم بالجلسة.
تمسكهم ببطلان إعلانهم بالطعن. غير مقبول طالما لم يبينوا وجه مصلحتهم في التمسك بالبطلان.
(ج، د) وقف. "الاستحقاق في الوقف".
(ج) إطلاق الاستحقاق في الوقف. ينصرف إلى استحقاق غلة الوقف ومنافعه. إنهاء الوقف الأهلي بالقانون 180 لسنة 1952. اعتبار كل هؤلاء مستحقين ممن يؤول لهم ملكية الوقف.
(د) زيادة غلة الوقف عما سمي لكل مستحق، وجوب تقسيم الزيادة على هؤلاء المستحقين بنسبة عدد الرؤوس.
(هـ) أحوال شخصية. "دعوى الأحوال الشخصية". دعوى. "منع سماع الدعوى". دفوع. وقف.
منع سماع الدعوى. المادة 375 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية. إقرار ناظرة الوقف في دعوى سابقة باستحقاق المستحقين وتنفيذها ذلك. أثره. وقف سريان المدة المانعة من سماع الدعوى.
1 - متى كان إعلان الطعن قد تم بمعرفة قلم الكتاب في ظل القانون رقم 106 لسنة 1962 الذي رفع عن كاهل الطاعن عبء إعلان الطعن، وألقاه على عاتق قلم الكتاب بقصد التيسير على الطاعن والإقلال من مواطن البطلان في التشريع فإنه - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(1)] - بفرض وقوع البطلان المدعى به في إعلان بعض المطعون عليهم، فذلك لا يترتب عليه سوى إعادة إعلانهم بالطعن إعلاناً صحيحاً، ولو بعد فوات الميعاد المحدد للإعلان في المادة 11 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، ذلك أن هذا الميعاد بعد صدور القانون رقم 106 لسنة 1962 لم يعد ميعاداً حتمياً بل مجرد ميعاد تنظيمي لا يترتب على تجاوزه البطلان.
2 - متى كان المطعون عليهم المدعي بوقوع بطلان في إعلانهم بالطعن، قد أودعوا مذكرة بدفاعهم في الميعاد القانوني، وحضر محام عنهم أمام هذه المحكمة، ولم يثبت بذلك وقوع ضرر لهم، ولم يبينوا وجه مصلحتهم في التمسك بالبطلان، فإنه لا محل بعد ذلك لإعلانهم بالطعن، ويكون الدفع - ببطلان الطعن - على غير أساس متعيناً رفضه.
3- الاستحقاق في الوقف متى أطلق فإنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(2)] - ينصرف إلى استحقاق غلة الوقف ومنافعه، يستوي في ذلك أن يكون نصيب المستحق حصة أو سهماً مرتباً أو منفعة، ويعتبر كل هؤلاء مستحقين وينطبق عليهم حكم المادة الثالثة من القانون رقم 180 لسنة 1952 بإنهاء الوقف التي نصت على أنه يؤول الملك فيما ينتهي فيه الوقف للمستحقين الحاليين كل بقدر نصيبه فيه.
4- فقه الحنفية - طبقاً لما جرى به قضاء هذه المحكمة [(3)] - على أنه لو جعل الواقف وقفه على جماعة سماهم وسمي لكل إنسان منهم شيئاً معلوماً، فزادت الغلة، أعطى كل منهم ما سمي له، وكان ما بقى بينهم على عدد الرؤوس ولا يصرف هذا الباقي إلى الفقراء ما داموا موجودين.
5- تنص المادة 375 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية على أن "القضاة ممنوعون من سماع الدعوى التي مضى عليها خمس عشرة سنة مع تمكن المدعي من رفعها وعدم العذر الشرعي له في عدم إقامتها... وهذا كله مع إنكار الحق في تلك المدة..." وإذ يبين من الحكم المطعون فيه أنه استند في رفض الدفع بعدم سماع الدعوى إلى أن الناظرة السابقة أقرت باستحقاق المستحقين لفاضل الريع في عقد الصلح - المقدم في دعوى سابقة - وأنها ظلت تنفذ هذا الصلح حتى عزلت من النظارة في سنة 1940، ولم تمض بين هذا التاريخ ورفع الدعوى الحالية في سنة 1954 المدة المانعة من سماع الدعوى، وأن هذا الإقرار من الناظرة قد أوقف سريان المدة إلى أن عزلت من النظارة في سنة 1940، وكانت هذه الدعامة الصحيحة تكفي لحمل الحكم في هذا الخصوص، بصرف النظر عما تثيره الطاعنة من أن المحكمة لم تعتمد عقد الصلح إلا في خصوص ما عرض عليها من نفقة الخصوم - في الدعوى السابقة دون باقي المستحقين، فإنه لا يؤثر في سلامة الحكم ما قرره خطأ من أن خفاء شرط الواقف يعد عذراً مانعاً من رفع الدعوى.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الوقائع - حسبما ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليهم أقاموا الدعوى رقم 1350 لسنة 1956 أحوال شخصية لدى محكمة القاهرة الابتدائية ضد وزارة الأوقاف - الطاعنة - بصفتها ناظرة على أوقاف المرحوم أيوب جمال الدين بصحيفة معلنة في 22 من سبتمبر سنة 1954، وقالوا شرحاً لها إنه بمقتضى كتب الوقف المؤرخة 21 المحرم سنة 1298 هجرية و24 من شوال سنة 1298 هجرية و11 من شوال سنة 1300 هجرية وإشهادات الاستبدال المؤرخة 24 من رمضان سنة 1352 هجرية و11 من جمادى الأولى سنة 1356 هجرية و21 من مايو سنة 1944 ميلادية وقف المرحوم أيوب جمال الدين الأعيان المعينة بهذه الكتب والإشهادات طبقاً للشروط الواردة بها، وهي تفيد أنها أوقاف أهلية، لأن مصرفها ليس خالصاً في الحال لجهة من جهات البر مما يترتب عليه اعتبارها منتهية طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952، ويجوز لملاكها أن يمارسوا عليها كافة حقوقهم القانونية، وإذ كان المطعون عليهم هم المستحقون لهذه الأوقاف فيما عدا ما خصص منها للخيرات، ونازعتهم الطاعنة الاستحقاق بحجة أن الأوقاف المذكورة خيرية، فقد انتهوا إلى طلب الحكم (أولاً) باستحقاقهم لأعيان الوقف المشار إليها بعد استبعاد الحصة المعينة للخيرات في كتاب الوقف المؤرخ 21 المحرم سنة 1298 هجرية ومقدارها 3 ط من 24 ط والحصة المعينة للخيرات في كتاب الوقف المؤرخ 24 شوال سنة 1298 هجرية ومقدارها 2 ط من 24 ط وحصة مقابل المقررات والخيرات في جميع كتب الوقف وما يصرف عادة للواردين والمترددين على منزل الواقف ومجموع ذلك 318 ج و500 م. (ثانياً) أمر وزارة الأوقاف بتسليمهم منزل الواقف الكائن ببندر منفلوط وملحقاته المبين بكتاب الوقف المؤرخ 11 شوال سنة 1300 هجرية وكذلك باقي الأطيان والأعيان والملحقات الموضحة بصحيفة الدعوى بعد استبعاد حصص الخيرات سالفة الذكر، وأثناء نظر الدعوى أقامت وزارة الأوقاف - الطاعنة - الدعوى رقم 762 لسنة 1957 أحوال شخصية أمام نفس المحكمة ضد المطعون عليهما الثالثة والرابعة بطلب إبطال النفقة المقررة لهما في وقف أيوب جمال الدين بمقتضى الأحكام الصادرة لصالحهما ومنع تعرضهما لجهة الوقف بهذه الأحكام تأسيساً على أن سبب هذه النفقة التي فرضت لهما أن كلاً منهما كانت زوجاً لحفيد من ذرية الواقف وقد زال هذا السبب بوفاة زوجيهما. قررت محكمة أول درجة ضم هذه الدعوى إلى الدعوى رقم 1350 لسنة 1956 ليصدر فيهما حكم واحد، دفعت وزارة الأوقاف دعوى المطعون عليهم بانعدام صفتهم فيها لأن الوقف خيري محض وليس لهم استحقاق فيه، وجرى النزاع في الدعويين حول مصرف فائض ريع الوقف بعد الخيرات صاحبة السهام والخيرات صاحبة المرتبات والخيرات صاحبة المرتبات والخيرات المشترط صرفها على المترددين والواردين على منزل الواقف وهل يؤول إلى المدعين لأنهم مستحقون ويكون الوقف أهلياً أم هو حق للفقراء باعتبارهم المصرف العام للأوقاف ويكون الوقف خيرياً، وبتاريخ 23 من فبراير سنة 1959 حكمت محكمة أول درجة في الدعوى رقم 1350 لسنة 1956 أحوال شخصية بإجابة المدعين إلى طلباتهم وفي الدعوى رقم 672 لسنة 1957 أحوال شخصية برفضها. استأنفت وزارة الأوقاف هذا الحكم بالاستئناف رقم 42 لسنة 76 قضائية القاهرة أحوال شخصية، ودفعت الوزارة بعدم سماع الدعوى لمضي المدة استناداً إلى المادة 375 من اللائحة الشرعية، ومحكمة الاستئناف حكمت في 31 من ديسمبر سنة 1960 برفض هذا الدفع وتأييد الحكم المستأنف. طعنت وزارة الأوقاف في هذا الحكم بطريق النقض، ودفع المطعون عليهم ببطلان الطعن، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الدفع وفي الموضوع برفض الطعن، وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مبنى الدفع ببطلان الطعن المقدم من المطعون عليهم أن الطاعنة وجهت الطعن إلى المطعون عليه الثاني بصفته ولياً على أولاده القصر محمد وسلوى وأحلام خليل محمد سري، ووجهته إلى المطعون عليها الرابعة بصفتها وصية على ولديها القاصرين محمد وليلى أيوب جمال الدين، في حين أن هؤلاء المطعون عليهم كانوا قد بلغوا سن الرشد وأعلنوا الحكم المطعون فيه بصفتهم الشخصية إلى وزارة الأوقاف بتاريخ 21 من يناير سنة 1961 قبل التقرير بالطعن الحاصل في 30 من يناير سنة 1961، الأمر الذي يجعل الطعن باطلاً بالنسبة إليهم، لأن الطاعنة رغم علمها ببلوغهم سن الرشد قد اختصمتهم في شخص الولي أو الوصية بعد زوال صفتيهما في تمثيلهم، وإنه إذ كان النزاع الذي صدر فيه الحكم المطعون فيه غير قابل للتجزئة لأنه يدور حول التكييف القانوني للوقف بعد استبعاد نصيب الخيرات وما إذا كان وقفاً أهلياً كله أو خيرياً كله، فإنه يترتب على بطلان الطعن بالنسبة للمطعون عليهم المذكورين بطلانه أيضاً بالنسبة للباقين.
وحيث إن هذا الدفع في غير محله، ذلك إنه لما كان إعلان الطعن قد تم بمعرفة قلم الكتاب في ظل القانون رقم 106 لسنة 1962 الذي رفع عن كاهل الطاعن عبء إعلان الطعن وألقاه على عاتق قلم الكتاب بقصد التيسير على الطاعن والإقلال من مواطن البطلان في التشريع، فإنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - بفرض وقوع البطلان المدعى به في إعلان بعض المطعون عليهم فذلك لا يترتب عليه سوى إعادة إعلانهم بالطعن إعلاناً صحيحاً ولو بعد فوات الميعاد المحدد للإعلان في المادة 11 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، ذلك أن هذا الميعاد بعد صدور القانون رقم 106 لسنة 1962 لم يعد ميعاداً حتمياً بل مجرد ميعاد تنظيمي لا يترتب على تجاوزه البطلان، ولما كان المطعون عليهم المدعي بوقوع بطلان في إعلانهم بالطعن قد أودعوا مذكرة بدفاعهم في الميعاد القانوني وحضر محام عنهم أمام هذه المحكمة، ولم يثبت بذل وقوع ضرر لهم، ولم يبينوا وجه مصلحتهم في التمسك بالبطلان، فإنه لا محل بعد ذلك لإعلانهم بالطعن، ويكون الدفع على غير أساس متعيناً رفضه.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب حصل أولها أن الحكم المطعون فيه خالف القانون بمسخ شرط الواقف، وفي بيان ذلك تقول الطاعنة إن الحكم قضى بأن الأوقاف محل النزاع أوقاف أهلية استناداً إلى ما ورد في كتب الوقف من أن الفائض من الغلة بعد الخيرات يصرف على ذرية الواقف وعلى خدمهم وعائلتهم من نفقة وكسوة تليق بهم، وإنه بسبب تكاثر أفراد الذرية وما ابتغاه الواقف من توفير رغد العيش لهم قد أوجب على الناظر أن يحتفظ بين يديه بما يتبقى من الريع ولم يشترط إنفاقه على وجوه البر، وإنه لو أراد ذلك لأفصح عنه في كتب الوقف، في حين أن الواقف نص في حجة 25 صفر سنة 130 هجرية على أن أوقافه كلها تعد وقفاً واحداً إيراداً ومنصرفاً وشرط أن يعمل الناظر حساباً عن كل سنة للإيراد والمصروفات والمرتبات الخيرية وما صرف في إطعام الضيوف والفقراء الواردين والمترددين على منزله وطعام وكسوة ذريته المقيمين فيه وما يبقى من غلة الوقف بعد ذلك يحفظ تحت يد الناظر، وهذا النص يدل على أنه ليس لذرية الواقف إلا ما شرطه لهم من نفقة تليق بهم من طعام وكسوة دون الفائض من الريع بعد الخيرات الذي يحفظ تحت يد الناظر، وإذ سكت الواقف عن بيان مصرف ذلك الفائض فيكون للفقراء باعتباره المصرف العام لجميع الأوقاف، وبذلك يتحقق قصد الواقف من ضمان استمرار الصرف على الخيرات عند عدم كفاية الغلة الناتجة من الأطيان ولو قصد الواقف توفير رغد العيش لذريته لجعل وقفه منذ البداية على الذرية وشرط لجهات البر ما يكفيها من الغلة أو لنص صراحة على أن يكون الباقي للذرية بدلاً من إبقائه تحت يد الناظر، الأمر الذي يعيب الحكم بمخالفة القانون.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه يبين من مطالعة حكم محكمة أول درجة المؤيد بالحكم المطعون فيه أنه نقل عن كتب الوقف العبارات المختلف على تفسيرها سواء فيما يتعلق بالمنزل أو بالأطيان الزراعية، وفي مقام بحث صفة الوقف محل النزاع وتعرف قصد الواقف قرر بشأن حجة 11 من شوّال سنة 1300 هجرية الخاصة بالمنزل أنه "... يبين من هذه الشروط أن الواقف قد قصد أن يجعل سكن المنزل من بعده وقفاً على ذريته ذكوراً وإناثاً وعلى أولادهم وعائلاتهم وخدمهم، كما يبين أنه قصد من قوله (وعلى الواردين والمترددين من الفقراء والضيوف وغيرهم على المنزل المذكور في أيام المواسم وغيرها مثل عادته حال حياته) أن يجعل للواردين والمترددين الفقراء أو الضيوف حق الورود والتردد على محل سكن أولاد الواقف والاستضافة لديهم حتى ينالوا منهم الإكرام والبر بمثل ما كانوا ينالونه حال حياة الواقف، ولا شك أن الواقف لم يقصد من مجموع كلامه في عبارته السالفة أن يجعل المنزل أو جزءاً منه مضيفة بالمعنى المتعارف عليه في بعض الأوقاف الأخرى، أو أن يجعل لهؤلاء المترددين حق السكن مع أولاده وورثته، بل أنه قيد حقهم في التردد والورود بأن جعله في أيام المواسم وغيرها مثل عادته حال حياته وفي هذا التحديد ما يشير إلى أن الواقف لم يقصد أن يقف على هؤلاء المترددين شيئاً من المنزل، ولا يفوت المحكمة في هذا المقام أن تذكر أن الواقف لم يقصد من قوله (وعلى خدمهم) أن يقف على الخدم شيئاً من المنزل لأن الخدم غير محددين وغير معينين، ولأنهم قابلون للعزل والتغيير كما أراد ورثة الواقف، ولأن الخدم يتبعون الورثة، الأمر الذي يبين منه أن غرض الواقف أن يجعل سكنى المنزل وقفاً على ورثته الذكور والإناث وأولادهم وعائلاتهم فقط، ومن ثم يكون هذا الوقف وبالتطبيق على ما سلف وقفاً أهلياً لا وقفاً خيرياً.... "وقرر الحكم بشأن حجة 21 المحرم سنة 1298 هجرية الخاصة بوقف 300 فدان المعدلة بالإشهاد المؤرخ غاية شوال سنة 1298 هجرية وحجة 24 من شوّال سنة 1298 هـ الخاصة بوقف 402 فدان وكسور أنه "... يبين من هذه الشروط تأسيساً على ما استقام للمحكمة من تلمس قصد الواقف وسياق كلامه عملاً بالمادة 10 من القانون رقم 48 لسنة 1946، وعلى الأسس السابق إيرادها بشأن التفرقة بين الوقف الأهلي والوقف الخيري، أن الواقف قد جعل باقي الأوقاف المشار إليها بعد الخيرات صاحبة السهام، والخيرات صاحبة المرتبات، موقوفاً على جهتين، الجهة الأولى أهلية، وهي ذرية الواقف وعائلتهم، والثانية خيرية، وعنى بالموقوف عليهم في هذا الصدد الواردين والمترددين على منزله حسب عادته حال حياته، وأنه لم يخصص لكل جهة من الجهتين حصة أو نصيباً فيما وقفه إلا بقوله بالنسبة للذرية ما نصه، (يصرف عليهم هم وعائلتهم وخدمهم النفقة والكسوة اللائقين لهم)، وبقوله بالنسبة للواردين والمترددين، (ويصرف نفقة للواردين والمترددين على منزله حسب عادته حال حياته)... وأنه لا نزاع في أن مقدار حصة الخيرات صاحبة السهام هي ثلاثة قراريط من أربعة وعشرين قيراطاً تنقسم إليها أعيان وقف 21 محرم سنة 1298 وقيراطان من 24 قيراطاً تنقسم إليها أعيان وقف 24 شوال سنة 1298، وأن مقدار حصة الخيرات صاحبة المرتبات والخيرات التي تصرف عادة للواردين والمترددين على منزل الواقف حسب عادته حال حياته كان مقدراً لها في بادئ الأمر 398 ج و500 م وقد أقامت وزارة الأوقاف الدعوى رقم 1970 لسنة 1951 القاهرة الابتدائية الشرعية بطلب زيادة هذا المبلغ فقضت المحكمة المذكورة في الدعوى المشار إليها بزيادة المبلغ المقرر لحصة الخيرات صاحبة المرتبات والخيرات المقرر صرفها على الواردين والمترددين بنسبة قدرها 25% فأصبح مقدارها 486 ج و875 م ولا يقال إن المشروط للذرية والعائلة من غلة الوقف بعد الخيرات في قول الواقف إن ما بقى منه بعد الخيرات يصرف على ذرية الواقف، وعلى خدمهم وعائلتهم من نفقة وكسوة تليق بهم أنه منفعة وأنه وقف خيري، ذلك لأن الوقف هنا ليس على سبيل الصدقة القربى، بل على سبيل البر والصلة، ومن ثم فهو استحقاق أهلي...، وغرض الواقف الظاهر من مجموع كلامه تطبيقاً لحكم المادة 10 من القانون رقم 48 لسنة 1946، هو أن تستقل وتنفرد الذرية والعائلة بكل باقي غلة الوقف بعد الخيرات صاحبة السهام والخيرات صاحبة المرتبات على أن يكون في هذا الباقي أيضاً ما يكفي نفقة الواردين والمترددين على منزل الواقف أيام المواسم وحسب عادته، حال حياته، ولا يقدح في ذلك القول بأن الواقف أراد أن يحدد فيما تأخذه الذرية والعائلة من هذا الباقي بالقدر اللازم للنفقة والكسوة لأنه لا تخصيص بغير مخصص..." وكان الحكم المطعون فيه قد أضاف إلى ذلك قوله "... أنه لا ينال من اعتبار ذرية الواقف (المستأنف ضدهم) المطعون عليهم مستحقين أن يكون الواقف قد شرط لهم نفقة وكسوة، ذلك أنه لم يقرن هذا ولم يشترط فيهم سفهاً ولا فقراً، بل إنه على عكس ذلك كان حريصاً على تسجيل وصف النفقة والكسوة بأنهما اللائقتان بهما فهو بهذا قد أفصح عن إرادته أن يخصص لكل من ذريته ما يجعله في رغد من العيش مع اتباعه والمترددين على منزله كما كان ذلك أثناء حياة الواقف... وإنه بسبب تكاثر أفراد الذرية وما ابتغاه الواقف من توفير رغد العيش قد أوجب للناظر أن يبقى بين يديه ما يتبقى من الريع، وهذا هو المستفاد من مجموع عبارات الواقف التي تستخلص منها المحكمة هذه الإرادة الواضحة لا سيما وأنه لم يشترط إنفاق هذا الفائض على الخيرات، ولو أراد ذلك لما توانى في الإفصاح عنه في كتاب وقفه... وكان يبين من كتاب الوقف المؤرخ أول شوال سنة 1300 هجرية الخاص بالمنزل الكائن بمنفلوط أن الواقف أنشأ وقفه هذا على نفسه أيام حياته ثم من بعده يكون المنزل على سكنى ورثته ذكوراً وإناثاً ثم من بعدهم على أولادهم ثم على أولاد أولادهم ثم على أولاد أولادهم ذكوراً وإناثاً وعلى خدمهم وعائلاتهم وعلى الواردين والمترددين من الفقراء والضيوف وغيرهم على المنزل المذكور في أيام المواسم والأعياد وغيرها مثل عادته حال حياته... ويبين من حجة 21 المحرم سنة 1298 هجرية الخاصة بوقف 300 فدان بزمام مديرية قنا أنه وقف هذا القدر على نفسه حال حياته على أن يصرف بعد وفاته الثمن على خيرات معينة، وما بقى من ريع النصف والربع والثمن فيصرف نفقة للفقراء والمحتاجين المترددين بمنزل الواقف، والنصف الآخر يقسم بين ذرية الواقف للذكر مثل حظ الأنثيين فإن انقرضت ذرية الواقف رجع النصف للفقراء والمحتاجين، وبما للواقف من حق الإدخال والإخراج والإعطاء والحرمان والزيادة والنقصان والاستبدال أشهد على نفسه بموجب الإشهاد المؤرخ غاية شوال سنة 1298 هجرية إن بقى من ريع النصف والربع والثمن في الوقف سالف الذكر يصرف على الذرية وخدمهم وعائلتهم نفقة وكسوة تليق بهم ما داموا قائمين بمنزله، ويصرف نفقة للواردين والمترددين على منزله حسب عادته حال حياته فإن انقطع الواردون والمترددون عن منزله فيكون نفقة لعموم الفقراء، ولو خرج أحد من المنزل وترك المقام مع العائلة وكان ذلك سفهاً منه فلا يستحق في ريع الوقف المذكور، ويبين من حجة 24 من شوال سنة 1298 هجرية الخاصة بوقف 402 فدان وكسور بزمام منفلوط أن الواقف وقف هذا القدر على نفسه حال حياته ومن بعد وفاته وقف منه 2 ط من 24 ط على خيرات عينها والباقي وقدره 22 ط وقف بعضه على خيرات بينها وما بقى من ريع هذا القدر "يصرف على ذرية الواقف وعلى خدمهم وعائلتهم من نفقة وكسوة تليق بهم ما داموا قائمين بمنزله ويصرف نفقة للواردين والمترددين على منزله حسب عادته حال حياته، فإن انقطع الواردون والمترددون عن منزله فيكون نفقة لعموم الفقراء وإن خرج أحد من المنزل وترك المقام مع العائلة وكان ذلك سفهاً منه فلا يستحق شيئاً من ريع الوقف المذكور"، وظاهر هذا الإنشاء والتغيير الذي أدخل عليه يدل على أن الواقف لم يجعل الاستحقاق للقدر الموقوف فيما عدا أنصبة الخيرات المحددة منوطاً بوصف يدخله في نطاق الوقف على وجوه البر وإنما هو صلة واستحقاق خاص بالذرية إذ جعل لهم حق السكنى في المنزل وحق النفقة والكسوة اللائقين بهم، ولما كان الاستحقاق في الوقف متى أطلق فإنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ينصرف إلى استحقاق غلة الوقف ومنافعه يستوي في ذلك أن يكون حصة أو سهماً مرتباً أو منفعة، ويعتبر كل هؤلاء مستحقين وينطبق عليهم حكم المادة الثالثة من القانون رقم 180 لسنة 1952 بإنهاء الوقف التي نصت على أنه يؤول الملك فيما ينتهي فيه الوقف للمستحقين الحاليين كل بقدر نصيبه فيه. والقول من وزارة الأوقاف بأنه ليس لذرية الواقف إلا ما شرطه لهم من نفقة تليق بهم دون الفائض من الريع بعد الخيرات، وأن هذا الفائض يحفظ تحت يد الناظر مستندة في ذلك إلى ما نص عليه الواقف في حجة 25 من صفر سنة 1301 هجرية التي جعل بمقتضاها الأوقاف وقفاً واحداً إيراداً ومنصرفاً، وأنه إذا سكت الواقف عن بيان مصرف ذلك الفائض فيكون للفقراء مردود (أولاً) بأن الواقف لم يصرح بذلك وكان يسعه التصريح به، ومردود (ثانياً) بأنه يبين من حجة 25 من صفر سنة 1301 هجرية الخاصة بوقف 17 فدان بزمام منفلوط وقد أشير فيها إلى حجج الوقف السابقة جميعاً أنه نص فيها على أن "ما بقى من ريع الوقف بعد المنصرف يحفظ تحت يد الناظر بخزينة الوقف ومع انتهاء السنة وعمل المحاسبة، فما يكون فائضاً يوضح في دفاتر السنة التي بعدها أما الدفاتر التي قبلها تحفظ بالخزينة" وهو ما يدل على أن الواقف لم يخص جهات الخير بالفائض من الريع ولو كان قد أراد ذلك لما نص على أن ما بقى من الريع يحفظ في خزينة الوقف، ومردود (ثالثاً) بأن فقه الحنفية - طبقاً لما جرى به قضاء هذه المحكمة على أنه لو جعل الواقف وقفه على جماعة سماهم وسمي لكل إنسان منهم شيئاً معلوماً فإذا زادت الغلة أعطى كل منهم ما سمي له وكان ما بقى بينهم على عدد الرؤوس ولا يصرف هذا الباقي إلى الفقراء ما داموا موجودين، ومردود (رابعاً) بأنه لو كان الواقف قد أراد أن يخص الخيرات بفائض ريع الوقف لما زاد في القدر الموقوف على ذريته في حجة 21 المحرم سنة 1298 هـ كما هو ثابت من إشهاد التغيير المؤرخ غاية شوال سنة 1298 هـ وعلى النحو السالف البيان، مما يفصح عن إرادته في توفير سبل العيش لذريته واستمرار شغلهم المكان اللائق بهم بعد أن يتكاثر عددهم على مر الزمن. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وأوضح رأيه في تفسير شرط الواقف في المسألة محل النزاع ودلل على ذلك بأدلة سائغة مستمدة من كتب الوقف، فإن النعي عليه بمخالفة القانون لأنه مسخ شرط الواقف يكون في غير محله.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون ومخالفة الثابت بالأوراق والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك تقول إنها دفعت أمام محكمة الاستئناف بعدم سماع الدعوى طبقاً للمادة 375 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية استناداً إلى أن النظار الذين تعاقبوا على الوقف مدة تزيد على خمسين سنة أنكروا على المطعون عليهم استحقاقهم لفائض الغلة وصرفوه في جهات البر تنفيذاً لأحكام وقرارات صادرة من الجهات المختصة ولم يرفع المطعون عليهم دعواهم بهذا الحق طوال هذه المدة مع التمكن وعدم العذر، وقضى الحكم المطعون فيه برفض هذا الدفع تأسيساً على أن شرط الواقف كان محل خفاء لدى الخصوم ويكفي ذلك عذراً مسوغاً لسماع الدعوى بعد المدة التي حددها القانون، وأضاف الحكم رداً على الدفع أن المحكمة العليا الشرعية صادقت في الاستئناف رقم 85 لسنة 35/ 1936 على عقد صلح بين الناظرة السابقة على الوقف وبين سائر المستحقين يتضمن صرف فائض الريع إليهم على أن يتم ذلك في آخر ديسمبر من كل سنة، وأن هذا الصلح استمر ينفذ حتى سنة 1940 فلم تكن مدة السقوط قد اكتملت عند إقامة الدعوى الحالية في 22 من سبتمبر سنة 1954، في حين أن شرط الواقف كنص الشارع لا يعذر أحد بالجهل به، ولا يعد خفاء هذا الشرط عذراً يمنع من رفع الدعوى وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون، أما بالنسبة للاستناد إلى الحكم الصادر من المحكمة العليا الشرعية، فإن الحكم لم يأمر الناظرة السابقة بتنفيذ جميع ما ورد في عقد الصلح وإنما أمرها بأداء نفقة المطعون عليها الرابعة وأولادها وزوجها بالمقادير الواردة بمحضر الجلسة، وهو الموضوع الذي كان معروضاً على المحكمة دون نفقة غيرهم من المستحقين الذين شملهم الصلح فلم تكن محل نزاع أمام المحكمة ولم تتعرض لها في حكمها، وإذ خلص الحكم المطعون فيه إلى غير ذلك فإنه يكون قد خالف الثابت بالأوراق وشابه فساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه وفقاً للمادة 370 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية القضاة ممنوعون من سماع الدعوى التي مضى عليها خمس عشرة سنة مع تمكن المدعي من رفعها وعدم العذر الشرعي له في عدم إقامتها... وهذا كله مع الإنكار للحق في تلك المدة... ولما كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه استند في رفض الدفع بعدم سماع الدعوى إلى أن الناظرة السابقة أقرت باستحقاق المستحقين لفاضل الريع في عقد الصلح الذي قدم في الاستئناف رقم 85 لسنة 35/ 1936 وأنها ظلت تنفذ هذا الصلح حتى عزلت من النظارة في سنة 1940، ولم تمض بين هذا التاريخ ورفع الدعوى الحالية في سنة 1954 المدة المانعة من سماع الدعوى، ولما كان هذا الإقرار من الناظرة قد أوقف سريان المدة إلى أن عزلت من النظارة في سنة 1940 وكانت هذه الدعامة الصحيحة تكفي لحمل الحكم في هذا الخصوص بصرف النظر عما تثيره الطاعنة من أن المحكمة لم تعتمد عقد الصلح إلا في خصوص ما عرض عليها من نفقة الخصوم دون باقي المستحقين، فإنه لا يؤثر في سلامة الحكم ما قرره خطأ من أن خفاء شرط الواقف يعد عذراً مانعاً من رفع الدعوى ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن السبب الثالث يتحصل في النعي على الحكم المطعون فيه بالقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك تقول الطاعنة إن محكمة أول درجة رفضت الدعوى رقم 762 لسنة 1957 المضمومة التي أقامتها ضد المطعون عليهما الثالثة والرابعة بانية حكمها على أنهما تستحقان في الوقف وأن الأحكام المقررة للنفقة كاشفة للحق وليست منشئة له، وأن استحقاقهما يعد استحقاقاً أصلياً يمتلكان بمقتضاه نصيبهما في الأعيان الموقوفة وفقاً للقانون رقم 180 لسنة 1952، وتقول الطاعنة إنها تمسكت في صحيفة الاستئناف بأن أحكام النفقة تزول بزوال سببها وأن الزوجية التي كانت سبباً في تقرير النفقة للمطعون عليهما سالفتي الذكر قد زالت قبل صدور القانون المشار إليه فزال بذلك استحقاقهما في الوقف، غير أن الحكم المطعون فيه لم يرد على هذا الدفاع مما يعيبه بالقصور.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان البين من الاطلاع على حكم محكمة أول درجة أن وزارة الأوقاف أقامت الدعوى رقم 762 لسنة 1957 القاهرة الابتدائية للأحوال الشخصية بطلب إبطال النفقة المقررة للمطعون عليهما الثالثة والرابعة في الوقف على سند من أن هذه النفقة إنما قررت لهما باعتبارهما زوجين لحفيدين من ذرية الواقف وأن هذا السبب قد زال بوفاة زوجيهما، وكان الحكم قد أقام قضاءه برفض تلك الدعوى على أنه قد ثبت أن المطعون عليهما المذكورتين مستحقتان مع باقي المطعون عليهم في الوقف موضوع النزاع استحقاقاً أصلياً، وأن الوزارة لم تقدم ما يثبت إلغاء الأحكام الصادرة لمصلحتهما بتقرير النفقة والمثبتة لاستحقاقهما في الوقف قبل صدور القانون رقم 180 لسنة 1952 بإنهاء الوقف، ولما كان اعتبار المطعون عليهما الثالثة والرابعة من بين المستحقين في الوقف يكفي بمجرده للرد على دفاع الوزارة المشار إليه دون اعتداد بوفاة زوجيهما قبل صدور القانون بإنهاء الوقف، وكان الحكم المطعون فيه قد أخذ في قضائه بأسباب حكم محكمة أول درجة في هذا الخصوص، وهي أسباب تكفي، لحمله فإن النعي عليه بالقصور لعدم رده على دفاع الطاعنة سالف الذكر يكون في غير محله.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن برمته.


[(1)] نقض 4/ 12/ 1969 مجموعة المكتب الفني. س 20. ص 1258.
[(2)] نقض 30/ 4/ 1959 مجموعة المكتب الفني. س 10. ص 384.
[(3)] نقض 19/ 1/ 1966 مجموعة المكتب الفني س 17 ص 163.