أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 33 - صـ 547

جلسة 5 من مايو سنة 1982

برياسة السيد المستشار/ محمد وجدى عبد الصمد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: ابراهيم حسين رضوان وحسين كامل حنفى ومحمد ممدوح سالم ومحمد رفيق البسطويسى.

(112)
الطعن رقم 1265 لسنة 52 القضائية

1 - حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". اثبات "بوجه عام". مواد مخدرة.
التناقض الذى يعيب الحكم. ماهيته؟
2 - حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
كفاية الشك فى صحة اسناد التهمة الى المتهم. سندا للبراءة. متى أحاطت المحكمة بالدعوى عن بصر وبصيرة. وخلا حكمها من عيوب التسبيب.
3 - حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم التزام محكمة الموضوع فى حالة القضاء بالبراءة بالرد على كل دليل من أدلة الثبوت متى داخلتها الريبة فى عناصر الاثبات.
4 - مواد مخدرة. وصف التهمة. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم تقيد المحكمة بالوصف القانونى الذى تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند الى المتهم. حقها فى تعديله متى رأت أن ترد الواقعة الى الوصف القانونى السليم.
- اقتصار التعديل على استبعاد قصد الاتجار باعتباره ظرفا مشددا فى جريمة حيازة مواد مخدرة. لا يقتضى تنبيه الدفاع. أساس ذلك؟
5 - دفاع "الاخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
تعارض المصلحة فى الدفاع. مناط تحققه؟
6 - دفاع "الاخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محاماة. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تولى ثلاثة محامين الدفاع عن الطاعن وطلب أولهم اجراء تحقيق ومعاينة. نزول الثانى صراحة عن هذا الطلب. واكتفاء الثالث بطلب القضاء بالبراءة دون اعتراض من الطاعن أو تعقيب من المحامى الأول. اعراض المحكمة عما طلبه الأول. لا اخلال بحق الدفاع. أساس ذلك؟
7 - مواد مخدرة. قصد جنائى. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
القصد الجنائى فى جريمة حيازة مواد مخدرة. ماهيته؟ تحدث الحكم استقلالا عنه غير لازم.
8 - حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". عقوبة "العقوبة المبررة". طعن "المصلحة فيه". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". اثبات "بوجه عام".
اثبات الحكم من واقع دليل فنى ضبط مخدر الحشيش مع الطاعن ومعاقبته بعقوبة تدخل فى نطاق العقوبة المقررة لجريمة احراز الحشيش. أثره: انتفاء المصلحة فى النعى على الحكم اغفاله التدليل على حيازة مادة الأفيون من واقع دليل فنى.
9 - تفتيش "اذن التفتيش" "اصداره". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل".
تقدير جدية التحريات وكفايتها لاصدار الاذن بالتفتيش. موضوعى. عدم جواز المجادلة فيه أمام النقض.
10 - اثبات "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
اختلاف الشهود فى بعض التفصيلات لا يعيب الحكم. متى حصل أقوالهم بما لا تناقض فيه. عدم إيراد الحكم لهذه التفصيلات. مفاده. إطراحها.
11 - اثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل".
حق محكمة الموضوع فى تقدير الأدلة وتجزئة أقوال الشاهد والمواءمة بين ما أخذته عنه وبين ما أخذته من قول أخرين. وان تجمع بين هذه الأقوال جملة. اسقاط الحكم بعض ما ورد بأقوال شاهد. مفاده. اطراحه.
12 - حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". اثبات "بوجه عام".
محكمة الموضوع غير ملزمة بالرد على كل دفاع موضوعى للمتهم. اكتفاء بأدلة الثبوت التى عولت عليها.
13 - حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". ما لا يعيبه فى نطاق التدليل".
التناقض الذى يعيب الحكم. ماهيته؟
14 - حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الخطأ فى الاسناد. متى لا يعيب الحكم؟
1 - لما كان التناقض الذى يعيب الحكم هو الذى يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما يثبت البعض الآخر ولا يعرف أى الأمرين قصدته المحكمة، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه حصل واقعة الدعوى واورد أقوال شهود الاثبات كما هى قائمة فى الأوراق، ثم ساق ما قصد اليه فى اقتناعه من عدم توافر قصد الاتجار بما ينفى قيام التناقض، فان ما تثيره الطاعنة فى هذا الشأن لا يكون له محل.
2 - من المقرر أنه حسب محكمة الموضوع أن تتشكك فى قوة اسناد التهمة الى المتهم كى تقضى ببراءته ما دامت قد أحاطت بواقعة الدعوى عن بصر وبصيرة وخلا حكمها من عيوب التسبيب اذ مرجع الأمر فى ذلك الى مبلغ اطمئنانها فى تقدير الأدلة.
3 - محكمة الموضوع لا تلتزم فى حالة القضاء بالبراءة بالرد على كل دليل من أدلة الثبوت ما دام قد داخلتها الريبة والشك فى عناصر الاثبات ولأن فى اغفالها التحدث عنها ما يفيد أنها اطرحتها ولم تر فيها ما تطمئن معه الى ادانة المطعون ضده.
4 - لما كان الأصل أن المحكمة لا تتقيد بالوصف القانونى الذى تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند الى المتهم لأن هذا الوصف ليس نهائيا بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها الى الوصف القانونى السليم، واذ كانت الواقعة المادية المبينة بأمر الاحالة والتى كانت مطروحة بالجلسة ودارت حولها المرافعة وهى واقعة احراز المخدر، هى بذاتها الواقعة التى اتخذها الحكم المطعون فيه أساسا للوصف الجديد الذى دان الطاعن به وكان مرد التعديل هو عدم قيام الدليل على توافر قصد الاتجار لدى الطاعن واستبعاد هذا القصد باعتباره ظرفا مشددا للعقوبة دون أن يتضمن التعديل اسناد واقعة مادية أو اضافة عنصر جديد، فان الوصف الذى نزلت اليه المحكمة فى هذا النطاق حين اعتبرت احراز الطاعن للمخدر مجردا من أى من قصود الاتجار أو التعاطى أو الاستعمال الشخصى لا يقتضى تنبيه الدفاع ويكون ما يثيره الطاعن فى هذا الخصوص غير سديد.
5 - من المقرر أن تعارض المصلحة فى الدفاع يقتضى أن يكون لكل متهم دفاع يلزم عنه عدم صحة دفاع المتهم الاخر بحيث يتعذر على محام واحد ان يدافع عنهم معا، أما اذا التزم كل منهم جانب الانكار - كما هو الحال فى الدعوى المطروحة - ولم يتبادلوا الاتهام فلا محل للقول بقيام التعارض بينهم.
6 - لما كان الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن أول محام ترافع عن الطاعن اختتم مرافعته طالبا سماع أقوال شهود الاثبات ومعاينة مسكن ولدى الطاعن وضم دفاتر أحوال مكتب المخدرات ومركز شرطة بلبيس ومديرية أمن الشرقية، ثم تلاه محام ثان نزل صراحة فى مفتتح مرافعته عن هذه الطلبات وطلب الثالث فى مختتم مرافعته القضاء ببراءة المتهمين دون اعتراض من الطاعن ولا تعقيب ممن طلب سماع الشهود واجراء المعاينة وضم دفاتر الاحوال وكان كل ما يقرره الوكيل بحضور موكله - وعلى ما يفضى به نص المادة 79 من قانون المرافعات - يكون بمثابة ما يقرره الموكل نفسه الا اذا نفاه أثناء نظر القضية فى الجلسة وكان من المقرر أن نص المادة 289 من قانون اجراءات الجنائية بعد تعديله بالقانون رقم 113 لسنة 1957 يخول للمحكمة الاستغناء عن سماع الشهود اذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك، يستوى فى ذلك أن يكون القبول صريحا أو ضمنيا بتصرف المتهم أو المدافع عنه بما يدل عليه، وأن الطلب الذى تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذى يصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به والاصرار عليه فى طلباته الختامية، وكان الدفاع عن الطاعن وحدة لا تتجزأ لأن كل مدافع أنما ينطق بلسان موكله ولم يكن الدفاع مقسما بينه وهو ما لم يشر اليه الطاعن فى أسباب طعنه، فان ما يثيره فى شأن اغراض المحكمة عن طلبات تمسك بها أحد المدافعين عنه ثم نزل عنها - من بعد - مدافع آخر، يكون غير سديد.
7 - من المقرر أن القصد الجنائى فى جريمة حيازة المواد المخدرة انما هو علم الحائز أن المادة التى يحوزها هى من المواد المخدرة والمحكمة غير مكلفة فى الأصل بالتحدث استقلالا عن علم المتهم بحقيقة المادة المضبوطة اذا كان ما أوردته كافيا فى الدلالة على أن المتهم كان يعلم أن ما يحوزه مخدر.
8 - لما كان الحكم قد أثبت من واقع الدليل الفنى أن المضبوطات حشيش، فلا مصلحة للطاعن فى النعى عليه اغفاله التدليل على حيازته مادة الأفيون من واقع دليل فنى طالما أن الواقعة التى أوقعها الحكم عليه تدخل فى نطاق العقوبة المقررة لجريمة احراز الحشيش.
9 - تقدير جدية التحريات وكفايتها لاصدار الاذن بالتفتيش من المسائل الموضوعية التى يوكل الأمر فيها الى سلطة التحقيق تحت اشراف محكمة الموضوع، ومتى كانت المحكمة قد اقتنعت بتوافر مسوغات اصدار الاذن - كما هو الحال فى الدعوى - فلا يجوز المجادلة فى ذلك أمام محكمة النقض.
10 - لما كان لا يعيب الحكم اختلاف الشهود فى تفصيلات معينة ما دام قد حصل أقوالهم بما لا خلاف فيه ولم يورد هذه التفصيلات ولم يستند اليها فى تكوين عقيدته، اذ عدم ايراد الحكم لهذه التفصيلات يفيد اطراحها، فان ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من قالة الفساد فى الاستدلال بدعوى أخذه بأقوال شاهدين اختلفت أقوالهما فى تحديد من فض جوال المخدرات أنما ينحل الى جدل موضوعى فى تقدير أدلة الدعوى مما لا يجوز أثارته أمام محكمة النقض.
11 - من حق محكمة الموضوع السلطة المطلقة فى تقدير الأدلة ولها أن تجزئ أقوال الشاهد وأن توائم بين ما أخذته عنه بالقدر الذى رواه وبين ما أخذته من قول شهود آخرين وأن تجمع بين هذه الأقوال جملة وفى اسقاط الحكم لبعض ما ورد بأقوال شاهد ما يفيد اطراحه.
12 - محكمة الموضوع لا تلتزم بالرد على كل دفاع موضوعى للمتهم اكتفاء بأدلة الثبوت التى عولت عليها فى قضائها بالادانة.
13 - التناقض الذى يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث يثبت البعض ما ينفيه البعض الآخر ولا يعرف أى الامرين قصدته المحكمة.
14 - الخطأ فى الاسناد لا يعيب الحكم ما لم يتناول من الادلة ما يؤثر فى عقيدة المحكمة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلا من 1 - ...... 2 - ...... (حكم ببراءته).
3 - ...... (حكم ببراءته) بأنهم: المتهم الأول (الطاعن) 1 - أحرز بقصد الاتجار جوهرين مخدرين "أفيونا وحشيشا" فى غير الأحوال المصرح بها قانونا. 2 - أحرز بغير ترخيص سلاحين ناريين مششخنين (مسدسين) 3 - أحرز ذخيرة ثمانى طلقات مما تستعمل فى السلاحين الناريين سالفى الذكر دون أن يكون مرخصا له فى حيازتهما واحرازهما المتهم الثالث (المطعون ضده الثاني): أحرز بقصد الاتجار جوهرا مخدرا "حشيشا" فى غير الأحوال المصرح بها قانونا. وطلبت الى مستشار الاحالة احالتهم الى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الاحالة، فقرر ذلك. ومحكمة جنايات الزقازيق قضت حضوريا عملا بالمواد 1، 2، 37/ 1، 38، 42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 والبندين 9، 57 من الجدول رقم 1 المرفق والمواد 1/ 1، 6، 26/ 2 - 5، 30 من القانون رقم 394 سنة 1945 المعدل بالقوانين أرقام 546 لسنة 1954 و75 لسنة 1958 و26 لسنة 1978 والبند أ من القسم الأول من الجدول رقم 3 المرفق بمعاقبة (الطاعن) بالسجن مدة سبع سنين وتغريمه ألفى جنيه والمصادرة عن التهمة الأولى، وبالسجن مدة ثلاث سنوات والمصادرة عن التهمتين الثانية والثالثة باعتبار أن المتهم أحرز وحاز بغير قصد الاتجار أو التعاطى أو الاستعمال الشخصى - وببراءة..... و...... مما أسند اليهما والمصادرة وبتاريخ 11 يناير سنة 1981 طعنت النيابة العامة فى هذا الحكم، وفى التاريخ ذاته قدمت أسباب الطعن موقعا عليها من رئيسها.
كما طعن الأستاذ/ ...... المحامى بصفته وكيلا عن المحكوم عليه (الطاعن) فى هذا الحكم أيضا بطريق النقض.. الخ.


المحكمة

أولا - الطعن المقدم من النيابة العامة:
من حيث ان النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه اذ دان المطعون ضده الأول "......." بجريمة احراز جوهرين مخدرين بغير قصد الاتجار أو التعاطى أو الاستعمال الشخصى قد شابه التناقض، ذلك بأنه بعد أن أورد أن التحريات دلت على أنه يتجر فى المخدرات انتهى الى نفى هذا القصد عنه بقالة عدم توافر الدليل عليه، وأنه اذ قضى ببراءة المطعون ضده الثانى "......." من جريمة احراز جوهر مخدر بقصد الاتجار قد شابه فساد فى الاستدلال وقصور فى التسبيب ذلك بأنه أطرح أقوال الشاهد المقدم... بما لا يسيغ اطراحها ولم يعرض للدليل المستمد من أقواله أن المطعون ضده اعترف له باحراز المخدر المضبوط مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث ان الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى وأورد مؤدى أدلة الثبوت فيها عرض لقصد الاتجار ونفى توافره فى حق المطعون ضده الأول فى قوله "أما عن القصد من الاحراز والحيازة فانه لم يقم دليل يقينى على أنه كان للاتجار كما ذهبت الى ذلك سلطة الاتهام لعدم ضبط وسائل الاتجار لديه واحتمال أن يكون حائزها لغيره مما يباعد بينه وبين أن يكون القصد من الحيازة والاحراز للتعاطى أو الاستعمال الشخصى مما ترى معه المحكمة أن القصد من احراز المواد المخدرة وحيازتها كان لغير ما ذكر، لما كان ذلك وكان التناقص الذى يعيب الحكم هو الذى يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما يثبت البعض الآخر ولا يعرف أى الأمرين قصدته المحكمة، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه حصل واقعة الدعوى وأورد أقوال شهود الاثبات كما هى قائمة فى الأوراق، ثم ساق ما قصد اليه فى اقتناعه من عدم توافر قصد الاتجار بما ينفى قيام التناقض، فان ما تثيره الطاعنة فى هذا الشأن لا يكون له محل. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه ببراءة المطعون ضده الثانى..... "على تشككه فى أقوال المقدم..... وذلك فى قوله "أما بالنسبة للمتهم الثالث فان المحكمة لا تطمئن الى تصوير المقدم... لواقعة ضبطه اذ لو صح ان المتهم المذكور أراد الهرب بالمخدرات المضبوطة كما قرر الضابط لما حملها معه والمسكن قد اقتحمه الضابط من الداخل وحاصره الجند من الخارج الا اذا كان المقصود أن يقدم دليل ادانة بيده الأمر الغير مستساغ عقلا خاصة وأنه ضبط بالمنزل كميات أضخم من الكمية المقول بمحاولة الهرب بها مما يجعل محاولته عديمة القيمة ولا تحقق الغرض المقصود بها مما يأباه المنطق السليم ويغلف واقعة الضبط بالريب والشكوك، واذ يتسرب الشك الى وجدان المحكمة فى أن ضبط المتهم الثالث قد تم بالصورة التى يرويها ضابطها فان براءته تضحى حتما مقضيا..." وكان من المقرر أنه حسب محكمة الموضوع أن تتشكك فى قوة اسناد التهمة الى المتهم كى تقضى ببراءته ما دامت قد أحاطت بواقعة الدعوى عن بصر وبصيرة وخلا حكمها من عيوب التسبيب اذ مرجع الامر فى ذلك الى مبلغ اطمئنانها فى تقدير الأدلة واذ كان البين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تقض بالبراءة الا بعد أن أحاطت بمفردات الدعوى وألمت بأدلة الثبوت فيها وأن الأسباب التى ساقتها من شأنها أن تؤدى الى ما رتبه الحكم عليها من شك فى صحة اسناد التهمة الى المطعون ضده فان ما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه من سكوته عن مناقشة الاعتراف الصادر من المطعون ضده للضابط لا يكون له محل لما هو مقرر من أن محكمة الموضوع لا تلتزم فى حالة القضاء بالبراءة بالرد على كل دليل من أدلة الثبوت ما دام قد داخلتها الريبة والشك فى عناصر الاثبات ولان فى اغفالها التحدث عنها ما يفيد ضمنا أنها أطرحتها ولم تر فيها ما تطمئن معه الى ادانة المطعون ضده، لما كان ما تقدم فان طعن النيابة العامة يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.
ثانيا - الطعن المقدم من المحكوم عليه (الطاعن):
من حيث ان الطعن استوفى الشكل المقرر فى القانون.
ومن حيث أن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه اذ دان الطاعن بجرائم احراز جوهرين مخدرين بغير قصد الاتجار أو التعاطى أو الاستعمال الشخصى واحراز سلاح وذخيرة بدون ترخيص، قد انطوى على اخلال بحق الدفاع وشابه قصور وتناقض فى التسبيب وفساد فى الاستدلال ذلك بأنه نفى عن الطاعن قصد الاتجار دون أن ينبه الدفاع الى هذا التعديل فى وصف التهمة، وقبلت المحكمة حضور ثلاثة محامين عن الطاعن وولديه برغم تعارض مصالحهم، ولم تحقق ما أثاره الدفاع من استحالة وضع جوال المخدرات فى المكان المدعى بضبطه فيه، ولم يتجه الى طلبه سماع أقوال شهود الاثبات وضم دفاتر أحوال الشرطة واجراء معاينة ولم يدلل الحكم تدليلا سائغا على علم الطاعن بكمية المادة المضبوطة ودانة بجريمة احراز جوهرين مخدرين "حشيش وأفيون" ولم يدلل على واقعة احراز الافيون من واقع الدليل الفني، وأغفل التعرض لما قدمه الطاعن من مستندات دالة على عدم جدية التحريات وبالتالى بطلان اذن التفتيش واحال فى بيان أقوال المقدم.. الى أقوال المقدم.. برغم اختلافهما فى تحديد من فض جوال المخدرات، وأسقط الحكم من أقوالهما أنما لم يضبطا بحوزة الطاعن الا جوال المخدرات ولم يرد ردا سائغا على ما أثاره الطاعن من دفاع فى شأن المخدر المضبوط فى جيب جلبابه، وأخيراً فقد أورد الحكم فى قيام تحقيق واقعة الدعوى أنه ضبط داخل الجوال 32 طربة حشيش ثم أورد فى قيام تحصيل أقوال الشهود أن عدد الطرب المضبوطة 31 طربة، وكل هذا يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث ان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التى دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة سائغة تؤدى الى ما رتبه عليها، لما كان ذلك وكان الاصل أن المحكمة لا تتقيد بالوصف القانونى الذى تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند الى المتهم لأن هذا الوصف ليس نهائيا بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحصيها الى الوصف القانونى السليم، واذ كانت الواقعة المادية المبينة بأمر الاحالة والتى كانت مطروحة بالجلسة ودارت حولها المرافعة وهى واقعة احراز المخدر، هى بذاتها الواقعة التى اتخذها الحكم المطعون فيه أساسا للوصف الجديد الذى دان الطاعن به وكان مرد التعديل هو عدم قيام الدليل على توافر قصد الاتجار لدى الطاعن واستبعاد هذا القصد باعتباره ظرفا مشددا للعقوبة دون أن يتضمن التعديل اسناد واقعة مادية أو اضافة عنصر جديد، فان الوصف الذى نزلت اليه المحكمة فى هذا النطاق حين اعتبرت احراز الطاعن للمخدر مجردا من أى من قصود الاتجار أو التعاطى أو الاستعمال الشخصى لا يقتضى تنبيه الدفاع ويكون ما يثيره الطاعن فى هذا الخصوص غير سديد. لما كان ذلك وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن ثلاثة محامين حضروا عن الطاعن والمتهمين الآخرين فى الدعوى ودارت مرافعتهم على نفى الاتهام عنهم والتشكيك فى أقوال الشهود، وكان من المقرر أن تعارض المصلحة فى الدفاع يقتضى أن يكون لكل منهم دفاع يلزم عنه عدم صحة دفاع المتهم الاخر بحيث يتعذر على محام واحد ان يدافع عنهم معا، أما اذا التزم كل منهم جانب الانكار - كما هو الحال فى الدعوى المطروحة - ولم يتبادلوا الاتهام فلا محل للقول بقيام التعارض بينهم، فان ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد يعدو على غير سند، لما كان ذلك وكان ما أثاره الدفاع فى شأن تعذر وضع الجوال المضبوط تحت سرير الطاعن انما يتجه الى أثارة التشكيك فى أدلة الثبوت التى أطمأنت اليها المحكمة فضلا عن أن الطاعن لم يطلب تحقيق هذا الدفاع فانه لا يكون له أن ينعى على المحكمة قعودها عن اجراء تحقيق لم يطلب منها لما كان ذلك وكان الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن أول محام ترافع عن الطاعن اختتم مرافعته طالباً سماع أقوال شهود الاثبات ومعاينة مسكن ولدى الطاعن وضم دفاتر أحوال مكتب المخدرات ومركز شرطة بلبيس ومديرية أمن الشرقية، ثم تلاه محام ثان نزل صراحة فى مفتتح مرافعته عن هذه الطلبات وطلب الثالث فى مختتم مرافعته القضاء ببراءة المتهمين دون اعتراض من الطاعن ولا تعقيب ممن طلب سماع الشهود واجراء المعاينة وضم دفاتر الاحوال وكان كل ما يقرره الوكيل بحضور موكله - وعلى ما يقضى به نص المادة 79 من قانون المرافعات - يكون بمثابة ما يقرره الموكل نفسه الا اذا نفاه أثناء نظر القضية فى الجلسة وكان من المقرر أن نص المادة 289 من قانون الاجراءات الجنائية بعد تعديله بالقانون رقم 113 لسنة 1957 يخول للمحكمة الاستغناء عن سماع الشهود اذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك، يستوى فى ذلك أن يكون القبول صريحا أو ضمنيا بتصرف المتهم أو المدافع عنه بما يدل عليه، وأن الطلب الذى تلتزم محكمة الموضوع باجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذى يصر عليه مقدمه لا ينفك - عن التمسك به والاصرار عليه فى طلباته الختامية، وكان الدفاع عن الطاعن وحدة لا تتجزأ لأن كل مدافع انما ينطق بلسان موكله ولم يكن الدفاع مقسما بينه وهو ما لم يشر اليه الطاعن فى أسباب طعنه، فان ما يثيره فى شأن اعراض المحكمة عن طلبات تمسك بها أحد المدافعين عنه ثم نزل عنها - من بعد - مدافع آخر، يكون غير سديد. لما كان ذلك وكان من المقرر أن القصد الجنائى فى جريمة حيازة المواد المخدرة أنما هو علم الحائز أن المادة التى يحوزها هى من المواد المخدرة والمحكمة غير مكلفة فى الاصل بالتحدث استقلالا عن علم المتهم بحقيقة المادة المضبوطة اذا كان ما أوردته كافيا فى الدلالة على أن المتهم كان يعلم أن ما يحوزه مخدر، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن أورد ما أسفرت عنه تحريات الشرطة ومؤدى أقوال شهود الاثبات وتقرير التحليل قال "وبما أن علم المتهم أن ما يحوزه ويحرزه مخدر ثابت فى حقه من كبر كمية المواد المخدرة المضبوطة وتنوعها وحملها فى جيبه" واذ كان ما أورده الحكم المطعون فيه من أدلة الثبوت وما ساقه فيما تقدم تدليلا على علم الطاعن بحقيقه المادة المضبوطة يكفى فى الدلالة على علم الطاعن بكنهها، فان منعاه فى هذا الخصوص لا يكون له محل. لما كان ذلك وكان الحكم قد أثبت من واقع الدليل الفنى أن المضبوطات حشيش، فلا مصلحة للطاعن فى النعى عليه اغفاله التدليل على حيازته مادة الافيون من واقع دليل فنى طالما أن العقوبة التى أوقعها الحكم عليه تدخل فى نطاق العقوبة المقررة لجريمة احراز الحشيش. لما كان ذلك، وكان تقدير جدية التحريات وكفايتها لاصدار الاذن بالتفتيش من المسائل الموضوعية التى يوكل الأمر فيها الى سلطة التحقيق تحت اشراف محكمة الموضوع، ومتى كانت المحكمة قد اقتنعت بتوافر مسوغات اصدار الاذن - كما هو الحال فى الدعوى - فلا يجوز المجادلة فى ذلك أمام محكمة النقض. لما كان ذلك وكان لا يعيب الحكم اختلاف الشهود فى تفصيلات معينة ما دام قد حصل أقوالهم بما لا خلاف فيه ولم يورد هذه التفصيلات ولم يستند اليها فى تكوين عقيدته، اذ عدم ايراد الحكم لهذه التفصيلات يفيد اطراحها، فان ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من قالة الفساد فى الاستدلال بدعوى أخذه بأقوال شاهدين اختلفت أقوالهما فى تحديد من فض جوال المخدرات أنما ينحل الى جدل موضوعى فى تقدير أدلة الدعوى مما لا يجوز أثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك وكان من حق محكمة الموضوع السلطة المطلقة فى تقدير الادلة ولها أن تجزئ أقوال الشاهد وأن توائم بين ما اخذته عنه بالقدر الذى رواه وبين ما أخذته من قول شهود آخرين وأن تجمع بين هذه الاقوال جملة وفى اسقاط الحكم لبعض ما ورد بأقوال شاهد ما يفيد أطراحها، فان ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه فى هذا الخصوص يضحى غير سديد. لما كان ذلك وكان الثابت من محضر جلسة المحاكمة أو المدافع عن الطاعن قد أثار فى مرافعته أنه من غير المستساغ أن يضع الطاعن قطعة المخدر الصغيرة بين طيات جيب جلبابه وأن هذا الفتات سقط من الضابط داخل الجيب عند التفتيش، وقد رد الحكم عن هذا الدفاع بقوله "ولما كانت قطعة المخدر التى عثر عليها المحقق بثنايا خياطة جيب جلباب المتهم العلوى الأيسر لا يستقر لها وجود فى هذا المكان الا اذا كانت وليدة قطعة أكبر حجما كانت فى هذا الجيب وخلفتها فيه وليست مدسوسة عليه كما يدعى وموضوعة فى جيبه لا لصاق التهمة به والا لكانت أكبر من ذلك بحيث يسهل كشفها" وهو رد سائغ على ما أثاره الدفاع فى هذا الشأن، فضلا عن أن محكمة الموضوع لا تلتزم بالرد على كل دفاع موضوعى للمتهم اكتفاء بأدلة الثبوت التى عولت عليها فى قضائها بالادانة فان ما يثيره الطاعن فى هذا الخصوص لا يعدو ان يكون جدلا فى تقدير الدليل وفى سلطة محكمة الموضوع فى وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز أثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك وكان التناقص الذى يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث يثبت البعض ما ينفيه البعض الآخر ولا يعرف أى الامرين قصدته المحكمة، وأن الخطأ فى الاسناد لا يعيب الحكم ما لم يتناول من الادلة ما يؤثر فى عقيدة المحكمة، وكان الاختلاف فى بيان عدد الطرب المضبوطة - على النحو المشار اليه فى أسباب الطعن - لا أثر له فى عقيدة المحكمة ولا فى منطق الحكم، فان منعى الطاعن فى هذا الشأن لا يكون له محل. لما كان ما تقدم فان الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.