أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 33 - صـ 736

جلسة 7 من أكتوبر سنة 1982

برئاسة السيد المستشار/ الدكتور ابراهيم على صالح نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ أحمد أبو زيد، محمد نجيب صالح، عوض جادو ومصطفى طاهر.

(152)
الطعن رقم 4402 لسنة 52 القضائية

(1) رابطة السببية. جريمة "أركانها". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل".
رابطة السببية فى المواد الجنائية. تعريفها؟
تقدير توافر رابطة السببية. تستقل به محكمة الموضوع.
(2) مسئولية جنائية. ضرب. رابطة السببية. نقض "أسباب الطعن. مالا يقبل منها".
مسئولية المتهم فى جريمة الضرب أو احداث جرح عمدا. عن جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكة الاجرامى. لا يدفع المسئولية الا ما يقطع رابطة السببية بين فعل الجانى والنتيجة.
(3) اثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دفاع "الاخلال بحق الدفاع. مالا يوفره". نقض "أسباب الطعن. مالا يقبل منها". ضرب افضى الى موت.
تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير. تختص به محكمة الموضوع.
عدم التزام المحكمة باستدعاء الطبيب الشرعى لمناقشته. مادام أن الواقعة قد وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج.
قرار المحكمة فى صدد تجهيز الدعوى وجمع الأدلة. تحضيرى. للمحكمة العدول عنه.
4 - دفاع "الاخلال بحق الدفاع. مالا يوفره". اجراءات "اجراءات المحاكمة". نقض "أسباب الطعن. مالا يقبل منها".
سكوت الطاعن أو المدافع عنه. لا يصح أن يبنى عليه الطعن. مادام لا يدعى أن المحكمة منعته من ابداء دفاعه.
5 - ضرب "أفضى الى موت". قصد جنائى. جريمة "أركانها".
القصد الجنائى فى جريمة الضرب أو احداث جرح عمدا. مناط تحققه؟
6 - مسئولية جنائية. جريمة "أركانها" باعث.
اثبات الحكم فى حق الطاعن تعمد قذف المجنى عليها بمصباح مشتعل. لا ينال من مسئوليته - من بعد - الا يكون قد قصد غير تهديدها. علة ذلك؟
7 - اثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة أن تورد من أقوال الشهود الا ماتقيم عليه قضاءها.
8 - اثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تناقض أقوال الشهود لا يعيب الحكم. مادام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم بما لا تناقض فيه.
9 - دستور. قانون. شريعة اسلامية "مناط تطبيقها".
النص فى المادة الثانية من الدستور على ان الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للتشريع. دعوة للشارع بالتزام ذلك فيما يشرعه من قوانين.
تطبيق أحكام الشريعة الاسلامية. منوط باستجابة الشارع لتلك الدعوى وافراغ مبادئها فى نصوص محددة.
10 - اثبات "بوجه عام". نقض "أسباب الطعن. مالا يقبل منها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
بلاغ الواقعة. لاعبرة بما اشتمل عليه مغايرا لما استند اليه الحكم. العبرة بما اطمأنت اليه المحكمة مستخلصا بعد التحقيقات.
1 - لما كان رابطة السببية وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة هى علاقة مادية تبدأ بالفعل الضار الذى قارفه الجانى وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله اذا ما أتاه عمدا، وثبوت قيام هذه العلاقة من المسائل الموضوعية التى ينفرد قاضى الموضوع بتقديرها فمتى فصل فى شأنها اثباتا أو نفيا فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام أنه أقام قضاءه فى ذلك على أسباب سائغة تؤدى الى ما انتهى اليه.
2 - فى جريمة الضرب أو احداث جرح عمدا قال الجانى يكون مسئولا عن جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه الاجرامى - كاطالة أمد علاج المجنى عليه أو تخلف عاهة مستديمة به أو الافضاء الى موته - ولو كانت عن طريق غير مباشر ما دام لم تتداخل عوامل أجنبية غير مألوفة تقطع رابطة السببية بين فعل الجانى والنتيجة، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل بأسباب سائغة على أن وفاة المجنى عليها كانت نتيجة اعتداء الطاعن، وفند دفاعه فى هذا الشأن بما أثبته من أن المجنى عليها ظلت تعانى من الحروق المبرحة التى أصيبت بها منذ وقوع الحادث ونقلها الى المستشفى فى 22/ 2/ 1977 وحتى مغادرتها لها فى 8/ 5/ 1977 واعادتها الى بلدتها ووفاتها أثر ذلك مباشرة فى 10/ 5/ 1977، وكان الطاعن لا يمارى فى أن ما أقام الحكم عليه قضاءه له معينة الصحيح من الأوراق، فان ما أثاره عن انقطاع علاقة السببية تأسيسا على فوات الفترة السالفة ما بين اصابة المجنى عليها ووفاتها لا محل له ما دام أنه لا يدعى بوقوع أهمال متعمد فى علاجها.
3 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم اليها والفصل فيما يوجه اليه من اعتراضات، وأنها لا تلزم باستدعاء الطبيب الشرعى لمناقشته ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هى من جانبها حاجة الى اتخاذ هذا الاجراء أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج، وطالما ان استنادها الى الرأى الذى انتهى اليه الخبير هو استناد سليم لا يجافى المنطق والقانون، واذ كانت المحكمة - فى الدعوى الماثلة - قد استخلصت من التقارير الطبية أن وفاة المجنى عليها انما كانت بسبب الحروق التى حدثت بها نتيجة اعتداء الطاعن، وكان ما أوردته فى مدونات حكمها وفى ردها على دفاعه ما يبرر رفض طلبه استدعاء الطبيب الشرعى، ومن ثم فلا تثريب عليها اذا هى لم تستجب الى هذا الطلب، ولا جناح على المحكمة اذا أصدرت قرارا باستدعاء الطبيب الشرعى ثم عدلت عن قرارها، اذ أن القرار الذى تصدره المحكمة فى مجال تجهيز الدعوى وجمع الأدلة لا يعدو أن يكون قرارا تحضيريا لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتما العمل على تنفيذه صونا لهذه الحقوق، ويكون النعى على الحكم فيما سلف جميعه غير سديد.
4 - لما كان الطاعن لا يدعى أن المحكمة منعت محاميه من الاستطراد فى دفاعه فلا محل للنعى عليها أن هو أمسك عن ذلك لما هو مقرر من أن سكوت الطاعن أو المدافع عنه لا يصح أن يبنى عليه طعن ما دامت المحكمة لم تمنعه من مباشرة حقه فى الدفاع.
5 - لما كانت جريمة الضرب أو احداث جرح عمدا لا تتطلب غير القصد الجنائى العام وهو يتوفر كلما ارتكب الجانى الفعل عن ارادة وعن علم بأن هذا الفعل يترتب عليه المساس بسلامة جسم المجنى عليه أو صحته،
6 - لا ينال من مسئولية الطاعن - وقد أثبت فى حقه أنه تعمد قذف المجنى عليها بمصباح مشتعل - ألا يكون قد قصد من ذلك غير تهديدها، لأن هذا الأمر انما يتصل بالباعث وهو لا يؤثر فى قيام الجريمة ولا عبرة به فى المسئولية.
7 - لا تلتزم المحكمة بحسب الأصل أن تورد النص الكامل لأقوال الشهود وبحسبها أن تورد منها ما تقيم عليه قضاءها.
8 - من المقرر أن تناقض الشهود أو تضاربهم فى أقوالهم لا يعيب الحكم أو يقدح فى سلامته ما دام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصا سائغا لا تناقض فيه.
9 - لما كان ما نص عليه الدستور فى المادة الثانية منه من أن الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للتشريع ليس واجب الاعمال بذاته أنما هو دعوة للشارع بأن تكون الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى فيما يشرعه من قوانين ومن ثم فان المناط فى تطبيق أحكام الشريعة الاسلامية استجابة الشارع لدعوته وافراغ مبادئها السمحاء فى نصوص محددة ومنضبطة يلتزم القضاء بالحكم بمقتضاها بدءا من التاريخ الذى تحدده السلطة التشريعية لسريانها.
10 - لا عبرة بما اشتمل عليه بلاغ الواقعة وانما العبرة بما أطمأنت اليه المحكمة مما تستخلصه بعد التحقيقات.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: ضرب عمدا........ بأن قذفها بمصباح كيروسين مشتعل فأحدث بها الاصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصد من ذلك قتلا ولكن الضرب افضى الى موتها وطلبت الى مستشار الاحالة احالته الى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقا للقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام. فقرر ذلك. وادعى كل من...... و...... مدنيا قبل المتهم بمبلغ عشرة الاف جنيه على سبيل التعويض. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضوريا عملا بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبالزامه بأن يدفع للمدعيين بالحق المدنى مبلع خمسة الاف جنيه تعويضا نهائيا.
فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض.. الخ.


المحكمة

حيث ان مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه اذ دان الطاعن بجريمة الضرب المفضى الى الموت قد انطوى على اخلال بحق الدفاع وشابه قصور فى التسبيب وخطأ فى الاسناد وفساد فى الاستدلال كما أخطأ فى تطبيق القانون، ذلك بأن الطاعن تمسك بانقطاع رابطة السببية بين فعل الاعتداء المسند اليه وموت المجنى عليها لمضى مدة طويلة ما بين اصابتها ووفاتها وطلب استدعاء الطبيب الشرعى لاستجلاء ذلك الدفاع، ورغم استجابة المحكمة للطلب وتأجيلها الدعوى لحضوره فانها اذ عادت وقضت فيها دون سماعه وردت على هذا الطلب الجوهرى بما لا يصلح ردا فقد ترتب على ذلك حرمان الطاعن من ابداء دفاعه لاقتصار مرافعة المدافع عنه على الطلب المقدم دون موضوع الدعوى، كما أن الحكم لم يورد فى بيان كاف مضمون التقارير الطبية التى اعتمد عليها، وأخطأ فيما نقله عنها بشأن سبب الوفاة، ولم يفطن كذلك الى ما اعتورها من قصور. هذا الى أن الحكم اجترأ أقوال المجنى عليها والضابط الذى قام بسؤالها فاطرح منها أن الطاعن لم يكن يقصد غير تهديدها، وعول على أقوال والدة المجنى عليها رغم تناقضها، فضلا عن أنه اعتمد شهادتها هى والمجنى عليها مع مخالفة ذلك لأحكام الشريعة الغراء مما يتعارض مع أحكام الدستور الذى نص عليها كمصدر رئيسى للتشريع، وأخيرا فقد التفت الحكم عما جاء ببلاغ المستشفى من أن المجنى عليها أصيبت من موقد غاز، وأغفل كلية دفاع الطاعن من أنها التى أضرمت النار بنفسها بما يفصح عن عدم المام المحكمة بعناصر الدعوى وذلك كله يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث ان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما محصله ان نزاعا حدث بين الطاعن وزوجته المجنى عليها بسبب بيعه مصوغاتها فكان ان ثار عليها وقذفها بمصباح كيروسين فاشتعلت النار بها وأصيبت بحروق أدت الى وفاتها، وأوردت على ثبوت الواقعة على هذه الصورة فى حق الطاعن أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى الى مارتب عليها مستمدة من أقوال المجنى عليها والشهود وما جاء بالتقارير الطبية، وقد حصل الحكم أقوال المجنى عليها قبل وفاتها فى ان الطاعن قذفها بمصباح مشتعل فأمسكت النار بملابسها وجسمها، وأورد أقوال الشهود المنقولة عنها ومن بينهم والدتها بما يطابق ذلك، ونقل عن التقارير الطبية أن وفاتها تعزى الى الامتصاص التوكسيمى والتعفن الناجم عن اصابتها بحروق فى معظم أجزاء الجسم لما كان ذلك، وكانت رابطة السببية وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة هى علاقة مادية تبدأ بالفعل الضار الذى قارفه الجانى وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب أو يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله اذا ما أتاه عمدا، وثبوت قيام هذه العلاقة من المسائل الموضوعية التى ينفرد قاضى الموضوع بتقديرها فمتى فصل فى شأنها اثباتا أو نفيا فلا رقابة لمحكمة النقض عليه مادام أنه أقام قضاءه فى ذلك على أسباب سائغة تؤدى الى ما انتهى اليه، وأنه فى جريمة الضرب أو احداث جرح عمدا فان الجانى يكون مسئولا عن جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه الاجرامى - كاطاله أمد علاج المجنى عليه أو تخلف عاهة مستديمة به أو الافضاء الى موته - ولو كانت عن طريق غير مباشر ما دام لم تتداخل عوامل أجنبية غير مألوفة تقطع رابطة السببية بين فعل الجانى والنتيجة، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل بأسباب سائغة على أن وفاة المجنى عليها كانت نتيجة اعتداء الطاعن، وفند دفاعه فى هذا الشأن بما أثبته من أن المجنى عليها ظلت تعانى من الحروق المبرحة التى أصيبت بها منذ وقوع الحادث ونقلها الى المستشفى فى 22/ 2/ 1977 وحتى مغادرتها لها فى 8/ 5/ 1977 واعادتها الى بلدتها ووفاتها أثر ذلك مباشرة فى 10/ 5/ 1977، وكان الطاعن لا يمارى فى أن ما أقام الحكم عليه قضاءه له معينه الصحيح من الأوراق، فان ما أثاره عن انقطاع علاقة السببية تأسيسا على فوات الفترة السالفة ما بين اصابة المجنى عليها ووفاتها لا محل له مادام أنه لا يدعى بوقوع اهمال متعمد فى علاجها بقصد تجسيم مسئوليته أو بتداخل عوامل غير مألوفه بين فعله والنتيجة. ولما كان من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم اليها والفصل فيما يوجه اليه من اعتراضات، وأنها لا تلزم باستدعاء الطبيب الشرعى لمناقشته ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هى من جانبها حاجة الى اتخاذ هذا الاجراء أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج، وطالما أن استنادها الى الرأى الذى انتهى اليه الخبير هو استناد سليم لا يجافى المنطق والقانون، واذ كانت المحكمة - فى الدعوى الماثلة - قد استخلصت من التقارير الطبية أن وفاة المجنى عليها انما كانت بسبب الحروق التى حدثت بها نتيجة اعتداء الطاعن، وكان ما أوردته فى مدونات حكمها وفى ردها على دفاعه ما يبرر رفض طلبه استدعاء الطبيب الشرعى، ومن ثم فلا تثريب عليها اذا هى لم تستجب الى هذا الطلب، ولا جناح على المحكمة اذا أصدرت قرارا باستدعاء الطبيب الشرعى ثم عدلت عن قرارها، اذ أن القرار الذى تصدره المحكمة فى مجال تجهيز الدعوى وجمع الأدلة لا يعدو أن يكون قرارا تحضيريا لا تتولد عنه حقوق الخصوم توجب حتما العمل على تنفيذه صونا لهذه الحقوق، ويكون النعى على الحكم فيما سلف جميعه غير سديد. لما كان ذلك، وكان الطاعن لا يدعى أن المحكمة منعت محاميه من الاستطراد فى دفاعه فلا محل للنعى عليها ان هو أمسك عن ذلك لما هو مقرر من أن سكوت الطاعن أو المدافع عنه لا يصح أن يبنى عليه طعن ما دامت المحكمة لم تمنعه من مباشرة حقه فى الدفاع. لما كان ذلك، وكان الحكم قد نقل عن التقريرين الطبيين الابتدائى والشرعى أن المجنى عليها أصيبت بحروق فى الجسم بنسبة 80% وحدثت وفاتها نتيجة هبوط فى القلب بسبب امتصاص توكسيمى وعفن من التقرحات الناتجة من حروق نارية من الدرجة الثالثة والرابعة مع التهاب رئوى، فان هذا الذى أورده كاف فى بيان مؤدى الدليل الفنى فى الدعوى. واذ كان الطاعن لا ينازع فى صحة ما نقله الحكم عن التقرير الطبى الشرعى من أن وفاة المجنى عليها حدثت نتيجة امتصاص توكسيمى وعفن نجم عن الحروق فلا يعيب الحكم خطؤه فى الاسناد فيما نقله بموضع منه عن ذلك التقرير من ان الوفاة حدثت نتيجة هبوط فى القلب بسبب الامتصاص التوكسيمى والعفن رغم خلو التقرير الطبى الشرعى من ذكر عبارة "الهبوط فى القلب" على ما جاء بأسباب الطعن - ذلك ان هذا الخطأ - بفرض صحته لم يكن له أثر على عقيدة المحكمة والنتيجة التى انتهت اليها من أن الوفاة مردها الى الحروق كما لا يقدح فى سلامة الحكم ما أثاره الطاعن من أن التقرير المذكور أشار الى اصابة المجنى عليها بالتهاى رئوى ساهم فى الوفاة دون بيان سببه مادام أنه لا يزعم أنها كانت مصابة بهذا المرض قبل وقوع الحادث وأنه وحده دون الحروق كان السبب فى وفاتها وتنتفى بذلك عن الحكم قالة القصور والخطأ فى الاسناد. لما كان ذلك، وكانت جريمة الضرب أو احداث جرح عمدا لا تتطلب غير القصد الجنائى العام وهو يتوفر كلما ارتكب الجانى الفعل عن ارادة وعن علم بأن هذا الفعل يترتب عليه المساس بسلامة جسم المجنى عليه أو صحته، فانه لا ينال من مسئولية الطاعن - وقد أثبت الحكم فى حقه أنه تعمد قذف المجنى عليها بمصباح مشتعل - ألا يكون قد قصد من ذلك غير تهديدها، لأن هذا الأمر انما يتصل بالباعث، وهو لا يؤثر فى قيام الجريمة ولا عبرة به فى المسئولية، فلا على المحكمة ان هى اطرحت أقوال الشهود بشأنه - على فرض صحة ذلك - ولا يعد مسلكها بترا لفحوى شهادتهم أو مسخا لها بما يحيلها عن معناها، طالما أن الطاعن لا ينازع فى صحة ما نقله الحكم عنهم من اتيانه الفعل عمدا، اذ لا تلتزم المحكمة بحسب الأصل أن تورد النص الكامل لأقوال الشهود وبحسبها أن تورد منها ما تقيم عليه قضاءها. وكان من المقرر أن تناقض الشهود أو تضاربهم فى أقوالهم لا يعيب الحكم أو يقدح فى سلامته مادام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصا سائغا لا تناقض فيه، فانه لا يكون ثمة محل لتعييب الحكم فى هذا الوجه، ولما كان ما نص عليه الدستور فى المادة الثانية منه أن الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للتشريع ليس واجب الاعمال بذاته انما هو دعوة للشارع بأن تكون الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى فيما يشرعه من قوانين ومن ثم فان المناط فى تطبيق أحكام الشريعة الاسلامية استجابة الشارع لدعوته وافراغ مبادئها السمحاء فى نصوص محددة ومنضبطة يلزم القضاء بالحكم بمقتضاها بدءا من التاريخ الذى تحدده السلطة الشرعية لسريانها، والقول بغير ذلك يؤدى الى الخلط بين التزام القضاء بتطبيق القانون الوضعى وبين اشتراع القواعد القانونية التى تتأبى مع حدود ولايته، فضلا عن أن تطبيق الشريعة الاسلامية يقتضى تحديد المعين الذى يستقى منه الحكم الشرعى من بين مذاهب الأئمة المتعددة والمتباينة فى القضية الشرعية الواحدة ويؤكد هذا النظر أنه لما كان الدستور المصرى قد حدد السلطات الدستورية وأوضح اختصاص كل منها وكان الفصل بين السلطات هو قوام النظام الدستورى مما لازمه أنه لا يجوز لاحداها أن تجاوز ما قرره الدستور باعتباره القانون الأسمى، وكان من المقرر وفقا لأحكامه أن وظيفة السلطة القضائية أن تطبق القانون وتختص محكمة النقض بالسهر على صحة تطبيقه فانه يتعين على السلطة القضائية وغيرها من السلطات النزول على أحكامه، وفضلا عن ذلك فان المادة 191 من الدستور تنص على أنه "كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الدستور يبقى صحيحا ونافذا، ومع ذلك يجوز الغاؤها أو تعديلها وفقا للقواعد والاجراءات المقررة فى هذا الدستور" ومن ثم فانه لا مجال للتحدى باحكام الشريعة الاسلامية ما دام أن السلطة التشريعية لم تقنن مبادئها فى تشريع وضعى، واذ ما كان القاضى الجنائى غير مقبد بأدلة معينة فى الاثبات - الا فى الحالات المنصوص عليها صراحة بالنسبة لجرائم معينة - فانه لا تثريب على الحكم ان هو اعتمد شهادة المجنى عليها ووالدتها ضمن أدلة الاثبات التى عول عليها مادام أن ذلك لا ينطوى على مخالفة أحكام القانون الوضعى فى الدعوى المطروحة لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن بشأن اغفال الحكم الاشارة الى بلاغ المستشفى مردودا بأنه لا عبرة بما اشتمل عليه بلاغ الواقعة وانما العبرة بما اطمأنت اليه المحكمة مما استخلصته بعد التحقيقات، وكان الحكم قد حصل دفاع الطاعن المشار اليه باسباب طعنه وخلص فى حدود ما لمحكمة الموضوع من سلطة التقدير الى اطراحه، فان ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ما تقدم فان الطعن يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.