أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 33 - صـ 830

جلسة أول نوفمبر سنة 1982

برياسة السيد المستشار/ محمد عبد الحميد صادق نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: حسن عمار، مسعد الساعى، أحمد سعفان ومحمود البارودى.

(170)
الطعن رقم 4217 لسنة 52 القضائية

1 - محكمة الاحالة. اجراءات المحاكمة. دفاع "الاخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محكمة الاعادة. نقض "أسباب الطعن. مالا يقبل منها".
نقض الحكم واعادة المحاكمة. أثره؟
2 - محكمة الموضوع "سلطتها فى استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى". اثبات "بوجه عام" "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق محكمة الموضوع فى استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى واطراح ما يخالفها.
3 - اثبات "شهادة" "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق محكمة الموضوع فى تجزئة الدليل. والأخذ بما تطمئن اليه واطراح ما عداه.
4 - محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". اثبات "شهود" "خبرة". دفاع "الاخلال بحق الدفاع. مالا يوفره". نقض "أسباب الطعن. مالا يقبل منها".
تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه الى تقاريرهم من مطاعن. موضوعى.
5 - سبق اصرار. اثبات "بوجه عام".
البحث فى توافر ظرف سبق الاصرار. موضوعى. حد ذلك؟
6 - قصد جنائى. ضرب "ضرب أفضى الى موت".
كفاية توافر القصد الجنائى العام لتحقق احداث جريمة الجروح عمدا.
تحدث الحكم عن هذا القصد استقلالا. غير لازم. كفاية أن يكون مستفادا من وقائع الدعوى.
7 - ضرب أفضى الى موت. سبق اصرار. اثبات "بوجه عام". فاعل أصلى. مسئولية جنائية. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
سبق الاصرار على الضرب المفضى الى موت فى حق المتهمين. أثره؟
تضامنهم فى المسئولية عن تلك الجريمة كفاعلين أصليين. المادة 39 عقوبات.
1 - الأصل أن نقض الحكم واعادة المحاكمة يعيد الدعوى الى محكمة الاعادة بحالتها التى كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض فلا تتقيد بما ورد فى الحكم الأول فى شأن تقدير وقائع الدعوى ولا يقيدها حكم النقض فى اعادة تقديرها بكامل حريتها، فيصبح الحكم المنقوض لا وجود له، وتضحى مناعى الطاعن على هذا الحكم غير ذات موضوع، ومن ثم فانه لا يقبل من الطاعنين أن يطالبا المحكمة - محكمة الاعادة - بالرد على ما أثاره الطاعن من أوجه نعى على الحكم المنقوض.
2 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة العدوى حسبما يؤدى اليه اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا الى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق.
3 - لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة فى تقدير الدليل فلها أن تجزئ الدليل المقدم لها وأن تأخذ بما تطمئن اليه من أقوال الشهود وتطرح ما لا تثق فيه من تلك الأقوال، اذ مرجع الأمر فى هذا الشأن الى أقتناعها هى وحدها ومن ثم فلا تثريب على الحكم المطعون فيه ان كان قد عول على شق من أقوال الشاهدة زوجة المجنى عليه وهو ما تعلق باعتداء الطاعن الأول على زوجها بأن ضربه بعصا على رأسه ولم يعبأ بقالتها فى الشق الآخر الخاص باشتراك آخرين مع الطاعن المذكور فى الاعتداء على زوجها بضربه فى جميع أجزاء جسمة - وعلى ما كشف عنه الدليل الفنى من حدوث اصابة المجنى عليه التى أودت بحياته من الضرب بعصا على رأسه - ولا يعتبر هذا الذى تناهى اليه الحكم افتئاتا منه على الشهادة ببترها أو مما يقوم به التعارض بين الدليلين ويكون ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن فى غير محله.
4 - من المقرر أن تقدير أراء الخبراء والفصل فيما يوجه الى تقاريرهم من مطاعن مرجعه الى محكمة الموضوع التى لها كامل الحرية فى تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه فى ذلك شأن سائر الأدلة.
5 - من المقرر أن البحث فى توافر ظروف سبق الاصرار من اطلاقات قاضى الموضوع يستنتجة من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلا مع ذلك الاستنتاج.
6 - من المقرر أن جريمة احداث الجروح عمدا لا تتطلب غير القصد الجنائى العام، وهو يتوافر كلما ارتكب الجانى الفعل عن ارادة وعن علم بأن هذا الفعل يترتب عليه المساس بسلامة جسم المجنى عليه أو صحته، وكانت المحكمة لا تلتزم بأن تتحدث استقلالا عن القصد الجنائى فى هذه الجرائم بل يكفى أن يكون القصد مستفادا من وقائع الدعوى كما أوردها الحكم.
7 - لما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت توافر ظرف سبق الاصرار فى حق الطاعنين مما يرتب فى صحيح القانون تضامنا بينهما فى المسئولية الجنائية، فان كلا منهما يكون مسئولا عن جريمة الضرب المفضى الى الموت التى وقعت تنفيذا لقصدهما المشترك الذى بيتا النية عليه باعتبارهما فاعلين أصليين طبقا لنص المادة 39 من قانون العقوبات.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين فى الجنائية...... بانهما: ... ... - ضربا.... عمدا مع سبق الاصرار بان بيتا النية على ذلك وأعد لهذا الغرض آلات راضة وتوجها الى مسكنه وما أن ظفرا به حتى عاجله المتهم الاول بضربه بعصا على رأسه فاحدث به الاصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصد من ذلك قتله ولكن الضرب أفضى الى موته. وطلبت من مستشار الاحالة احالتهما الى محكمة الجنايات لمحاكمتهما وفقا للقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام فقرر بذلك. ودعت...... مدنيا قبل المتهمين بمبلغ واحد وخمسين جنيها على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات بنى سويف قضت حضوريا عملا بالمادة 236/ 1 - 2 من قانون العقوبات (1) بمعاقبة المتهم الأول بالسجن لمدة ثلاث سنوات (2) بمعاقبة المتهمة الثانية بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحد وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات (3) بالزامهما - متضامنين بأن يؤديا للمدعية بالحق المدنى مبلغ واحد وخمسين جنيها على سبيل التعويض المؤقت. فطعن المحكوم عليه الأول فى هذا الحكم بطريق النقض وقيد الطعن برقم..... وقضى فيه بقبوله شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم الطعون فيه بالنسبة للطاعن والمحكوم عليها الأخرى واحالة القضية الى محكمة جنايات بنى سويف لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى. والمحكمة الأخيرة بهيئة أخرى قضت حضوريا عملا بالمادة 236/ 1 - 2 من قانون العقوبات مع تطبيق المواد 17، 55، 56 منه (1) بمعاقبة المتهم الاول بالسجن ثلاث سنوات (2) بمعاقبة المتهمة الثانية بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وأمرت بايقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات (3) الزامهما متضامنين بأن يدفعا للمدعية بالحق المدنى مبلغ واحد وخمسين جنيها على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف ومبلغ عشرة جنيهات مقابل اتعاب المحاماه.


المحكمة

وحيث ان الطاعنيين ينعيان على الحكم المطعون فيه انه اذ دانهما بجريمة الضرب المفضى الى الموت مع سبق الاصرار قد شابه القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال والاخلال بحق الدفاع كما أخطأ فى الاسناد وفى تطبيق القانون، ذلك بأنه لم يعرض بالرد على أوجه النعى التى رمى بها الطاعن الحكم المنقوض واقتصر على الوجه الذى نقض الحكم من أجله، كما تمسك الدفاع عن الطاعن بعدم صحة تصوير زوجة المجنى عليه للواقعة الا أن الحكم عول - من بين ما عول عليه فى ادانة الطاعنين - على شهادتها التى تناولها بالمسخ والتحوير اذ وقف بتلك الشهادة عند حد القول برؤيتها الطاعن الأول يضرب المجنى عليه بالعصا على رأسه دون ايراد لما قاله من أن المتهمين انهالوا على زوجها بالضرب فى جميع اجزاء جسمه بالاضافة الى أن الحكم أسند الى تقرير الصفة التشريحية القول بأن اصابة المجنى عليه جاءت وفقا لتصوير زوجته للواقعة خلافا لما جاء بذلك التقرير من أن اصابة المجنى عليه لا تحدث وفقا لذلك التصوير مما يشكل تعارضا بين الدليلين، هذا الى أن الطاعن قد نعى على ما قرره الطبيب الشرعى بجلسة المحاكمة من امكان المجنى عليه التحدث بتعقل عقب اصابته بأنه لم يورد الأسباب التى تساند اليها وصولا الى تلك النتيجة الا أن الحكم رد على هذا الدفاع بما لا يصلح ردا وأخيرا فقد استدل الحكم على ظرف سبق الاصرار بما لا يسوغ به توافره ولم يستظهر القصد الجنائى فى حق الطاعنين سيما الطاعنة الثانية التى لم تقم بالاعتداء على المجنى عليه، وكل ذلك مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث ان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الضرب المفضى الى الموت مع سبق الاصرار التى دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها فى حقها أدلة سائغة لها معينها الصحيح من الأوراق ومن شأنها أن تؤدى الى ما رتبه عليها، لما كان ذلك، وكان الأصل أن نقض الحكم واعادة المحاكمة يعيد الدعوى الى محكمة الاعادة بحالتها التى كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض فلا تتقيد بما ورد فى الحكم الاول فى شأن تقدير وقائع الدعوى ولا يقيدها حكم النقض فى اعادة تقديرها بكامل حريتها، فيصبح الحكم المنقوض لا وجود له، وتضحى مناعى الطاعن على هذا الحكم غير ذات موضوع، ومن ثم فانه لا يقبل من الطاعنين أن يطالبا المحكمة - محكمة الاعادة - بالرد على ما أثاره الطاعن من أوجه نعى على الحكم المنقوض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى اليه اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا الى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق، كما أن لها السلطة المطلقة فى تقدير الدليل فلها أن تجزئ الدليل المقدم لها وأن تأخذ بما تطمئن اليه من أقوال الشهود وتطرح مالا تثق فيه من تلك الأقوال، اذ مرجع الأمر فى هذا الشأن الى اقتناعها هى وحدها ومن ثم فلا تثريب على الحكم المطعون فيه ان كان قد عول على شق من أقوال الشاهدة زوجة المجنى عليه وهو ما تعلق باعتداء الطاعن الأول على زوجها بأن ضربه بعصا على رأسه ولم يعبأ بقالتها فى الشق الآخر الخاص باشتراك آخرين مع الطاعن المذكور فى الاعتداء على زوجها بضربه فى جميع أجزاء جسمه - وعلى ما كشف عنه الدليل الفنى من حدوث اصابة المجنى عليه التى أودت بحياته من الضرب بعصا على رأسه - ولا يعتبر هذا الذى تناهى اليه الحكم افتئاتا منه على الشهادة ببترها أو مما يقوم به التعارض بين الدليلين ويكون ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن فى غير محله. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير أراء الخبراء والفصل فيما يوجه الى تقاريرهم من مطاعن مرجعه الى محكمة الموضوع التى لها كامل الحرية فى تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه فى ذلك شأن سائر الأدلة، وكانت المحكمة قد أطمأنت الى ما قرره مساعد كبير الاطباء الشرعيين بجلسة المحاكمة من استطاعة المجنى عليه الادلاء بأقواله لشرطى النجدة عمن ضربه وأحدث اصابته وبامكانه التكلم بتعقل خلال الفتره البيضاء التى تعقب زوال الصدمة العصبية الأولى تلك الفترة التى استمرت من الساعة الثالثة مساء حتى استقبل بالمستشفى الساعة الخامسة من مساء يوم الحادث، فانه لا يجوز مصادرتها فى عقيدتها ويكون منعى الطاعن فى هذا الصدد مجرد جدل فى تقدير الدليل مما لا يجوز الخوض فيه أمام محكمة النقض وما يبرأ به الحكم من قالتى الاخلال بحق الدفاع وقصور التسبيب. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لظرف سبق الاصرار وكشف عن توافره فى قوله: "وحيث ان الثابت بالأوراق بلا جدال من الطرفين أو خلاف سواء فيما قررته المتهمة الثانية أو ما قرره المجنى عليه وزوجته أن الخلاف محتدم بينهما على مدى ست سنوات سابقة على الحادث ضبط عن بعضها محاضر بالشرطة، ومن ثم كان توجه المتهمين الى شقة المجنى عليه وطرقهما الباب بقصد الاعتداء عليه بعد أن فكرا مليا فى تدبير هذا الاعتداء ودبرا أمرهما باستحضار أدوات الاعتداء وهى أيدى المقشات الخشبية وبعد أن عقدا العزم على الاعتداء على المجنى عليه وما أن فتح الباب وظفرا به عاجله الأول بالضربة التى أودت بحياته، كان فى كل ما تقدم ما يكفى لتوافر ركن سبق الاصرار فى حق المتهمين ويتعين وتبعا لذلك مساءلتهما معا عن جريمة الضرب المفضى الى الموت"، وكان من المقرر أن البحث فى توافر ظرف سبق الاصرار من اطلاقات قاضى الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلا مع ذلك الاستنتاج، فان ما أورده الحكم - فيما سلف - يتحقق به ظرف سبق الاصرار على النحو المعرف قانونا، ويكون النعى على الحكم فى هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن جريمة أحداث الجروح عمدا لا تتطلب غير القصد الجنائى العام، وهو يتوافر كلما ارتكب الجانى الفعل عن ارادة وعن علم بأن هذا الفعل يترتب عليه المساس بسلامة جسم المجنى عليه أو صحته، وكانت المحكمة لا تلتزم بأن تتحدث استقلالا عن القصد الجنائى فى هذه الجرائم بل يكفى أن يكون القصد مستفادا من وقائع الدعوى كما أوردها الحكم - وهو ما تحقق فى واقعة الدعوى - ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت توافر ظرف سبق الاصرار فى حق الطاعنين مما يرتب فى صحيح القانون تضامنا بينهما فى المسئولية الجنائية، فأن كلا منهما يكون مسئولا عن جريمة الضرب المفضى الى الموت التى وقعت تنفيذا لقصدهما المشترك الذى بيتا النيه عليه باعتبارهما فاعلين أصليين طبقا لنص المادة 39 من قانون العقوبات، فان ما يثيره الطاعنان فى هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا لا يقبل منهما أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فان الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.