أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 49 - صـ 100

جلسة 18 من يناير سنة 1998

برئاسة السيد المستشار/ عوض جادو نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ حسام عبد الرحيم وسمير أنيس وفتحي الصباغ نواب رئيس المحكمة وفتحي جوده.

(15)
الطعن رقم 22509 لسنة 65 القضائية

(1) إعلان. إجراءات "إجراءات المحاكمة". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدفع ببطلان الإجراءات السابقة على المحاكمة. وجوب إبدائه أمام محكمة الموضوع. إثارته لأول مرة أمام النقض. غير جائز، مؤدى ذلك؟
(2) دعوى جنائية "انقضاؤها بمضي المدة". دفوع "الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة". إجراءات "إجراءات المحاكمة". عقوبة "سقوطها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية. متعلق بالنظام العام. إثارته لأول مرة أمام النقض. جائز. ما دامت مدونات الحكم ترشح له.
الحكم الصادر غيابياً بعقوبة مقيدة للحرية في جناية رفعت بها الدعوى أمام محكمة الجنايات. خضوعه لمدة السقوط المقررة للعقوبة في الجنايات. أساس ذلك ومؤداه؟
(3) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم. موضوعي.
مفاد أخذ المحكمة بشهادة الشهود؟
(4) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
عدم التزام المحكمة بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها. عدم التزامها بسرد روايات الشاهد إن تعددت. لها أن تورد منها ما تطمئن إليه وإطراح ما عداه.
(5) إثبات "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تناقض الشهود وتضاربهم. لا يعيب الحكم. ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من أقوالهم بما لا تناقض فيه.
(6) إثبات "بوجه عام".
تساند الأدلة في المواد الجنائية. مؤداه؟
(7) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
للمحكمة الأخذ برواية منقولة عن آخر. متى اطمأنت إليها.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام النقض.
(8) إثبات "شهود". إجراءات "إجراءات المحاكمة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
للمحكمة الاستغناء عن سماع شهود الإثبات. متى قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً.
(9) دفوع "الدفع بنفي التهمة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
دفاع الطاعن بأن مرتكب الجريمة شخص آخر. نفي للتهمة. استفادة الرد عليه من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
(10) إثبات "بوجه عام". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه إيراد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم. تعقب المتهم في كل جزئية من جزئيات دفاعه. غير لازم. التفات الحكم عنها. مفاده. إطراحها.
(11) إثبات "خبرة" "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". ضرب "ضرب أفضى إلى موت".
مثال لتسبيب سائغ لنفي التناقض بين الدليليين القولي والفني في جريمة ضرب أفضى إلى موت.
(12) وصف التهمة. محكمة الموضوع "سلطتها في تعديل وصف التهمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". بطلان.
عدم تقيد المحكمة بالوصف الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم. لها تعديله متى رأت أن ترد الواقعة إلى وصفها القانوني السليم.
اقتصار التعديل على استبعاد أحد عناصر الجريمة من جناية قتل عمد إلى ضرب أفضى إلى موت دون إسناد واقعة مادية أو عناصر جديدة لا يستلزم تنبيه الدفاع. أساس ذلك؟
1 - لما كان الثابت من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يثر شيئاً في شأن عدم إعلانه بالجلسة التي حوكم فيها غيابياً عن هذه الدعوى بتاريخ..... وأنزل عليه عقابها، فإنه ليس له من بعد أن يتحدث عما ادعى به من بطلان ذلك الحكم الغيابي لما هو مقرر في القانون من أن أوجه البطلان المتعلقة بالإجراءات السابقة على المحاكمة يجب إبداؤها أمام محكمة الموضوع، ومن ثم لا يجوز له إثارة الدفع بذلك لأول مرة أمام محكمة النقض، ويضحى الحكم الغيابي صحيحاً منتجاً لآثاره القانونية.
2 - لما كان يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة التي صدر فيها الحكم المطعون فيه أن الطاعن أو المدافع عنه لم يدفع أيهما بانقضاء الدعوى الجنائية بالتقادم، وكان من المقرر أن الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية من الدفوع المتعلقة بالنظام العام ويجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض ما دامت مدونات الحكم ترشح له، وكان قانون الإجراءات الجنائية في الفصل الثالث من الباب الثاني من الكتاب الثاني الذي بسط الإجراءات التي تتبع في مواد الجنايات في حق المتهمين الغائبين قد نص في المادة 394 على أن "لا يسقط الحكم الصادر غيابياً من محكمة الجنايات في جناية بمضي المدة، وإنما تسقط العقوبة المحكوم بها، ويصبح الحكم نهائياً بسقوطها"، ونص في المادة 395 على أنه "إذا حضر المحكوم عليه في غيبته أو قبض عليه قبل سقوط العقوبة بمضي المدة، يبطل حتماً الحكم السابق صدوره سواء فيما يتعلق بالعقوبة أو بالتضمينات، ويعاد نظر الدعوى أمام المحكمة......"، ونصت الفقرة الأولى من المادة 528 من هذا القانون على أن "تسقط العقوبة المحكوم بها في جناية بمضي عشرين سنة ميلادية إلا عقوبة الإعدام فإنها تسقط بمضي ثلاثين سنة". وواضح من هذه النصوص أنه ما دامت الدعوى قد رفعت أمام محكمة الجنايات عن واقعة يعتبرها القانون جناية، فإن الحكم الذي يصدر فيها غيابياً بعقوبة مقيدة للحرية يجب أن يخضع لمدة السقوط المقررة للعقوبة في مواد الجنايات وهي عشرين سنة ميلادية، وإذن فمتى كان الثابت من الأوراق أن الدعوى العمومية قد رفعت على الطاعن لارتكابه جناية وقضت محكمة الجنايات غيابياً في...... بمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر سنة - وهو حكم صحيح لابتنائه على إجراءات صحيحة، وإذ قبض عليه وأعيدت محاكمته وقضت محكمة الجنايات بتاريخ..... بمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات، وذلك قبل انقضاء عشرين سنة من تاريخ صدور الحكم الغيابي السابق صدوره في حقه عن ذات الدعوى المطروحة، فإن الدعوى الجنائية لا تكون قد انقضت بالتقادم، ويكون النعي على الحكم في هذا الخصوص في غير محله.
3 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف أتى يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
4 - من المقرر أن الأحكام لا تلتزم بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها وأن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إن تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها بل حسبما أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه.
5 - من المقرر أن تناقض الشهود وتضاربهم في أقوالهم أو مع أقوال غيرهم لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه.
6 - من المقرر أنه لا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل ويقطع في كل جزئية من جزيئات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية ضمائم متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
7 - لما كان من المقرر أنه ليس ثمة ما يمنع المحكمة من الأخذ برواية ينقلها شخص عن آخر متى رأت أن تلك الأقوال قد صدرت منه حقيقة وكانت تمثل الواقع في الدعوى، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير محكمة الموضوع للأدلة القائمة في الدعوى، وهو من إطلاقاتها التي لا يجوز مصادرتها فيها لدى محكمة النقض.
8 - لما كان من المقرر أن من حق المحكمة أن تستغني عن سماع شهود الإثبات إذا ما قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً دون أن يحول ذلك دون الاعتماد على أقوالهم التي أدلوا بها في التحقيقات ما دامت هذه الأقوال مطروحة على بساط البحث في الجلسة، وكان الثابت بمحضر جلسة المحاكمة أن النيابة العامة والدفاع اكتفيا بأقوال الشهود بالتحقيقات، وأن المحكمة أمرت بتلاوتها فتليت، ولم يعترض الطاعن على مسلك مدافعه، فإن ما يثيره في هذا الصدد لا يكون مقبولاً.
9 - من المقرر أن دفاع الطاعن القائم على أن مرتكب الجريمة شخص آخر ليس من الدفوع الجوهرية التي يتعين على المحكمة أن تقوم بتحقيقه بغير موجب تراه، إذ هو في حقيقته نفي للتهمة يكفي لرده ما ساقته المحكمة من أدلة الثبوت.
10 - حسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاءه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه أطرحها.
11 - لما كان الحكم المطعون فيه قد أطرح الدفع بتناقض الدليل القولي مع الدليل الفني تأسيساً على انتفاء التناقض بينهما، وكان البين مما أورده الحكم نقلاً عن تقرير الصفة التشريحية أن إصابة المجني عليه بكسور جسيمة في العمود الفقري وتهتك بالوريد الكهفي السفلي الأيسر والأمعاء والمساريقا نتجت عن عيار ناري أطلق من الأمام واليسار قليلاً للخلف من مسافة جاوزت مدى الإطلاق القريب، وكان هذا الذي أورده مطابقاً لما أثبت في تقرير الصفة التشريحية - المرفق بالمفردات المضمومة - والذي - أيضاً - أثبت وجود آثار نارية بملابس المجني عليه، فإنه لا يكون ثمة تناقض بين الدليل الفني والدليل القولي الذي لم يرميه الطاعن بشائبة الخطأ في الإسناد، ومن ثم لا محل لما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص.
12 - لما كان البين من الحكم المطعون فيه أن الدعوى الجنائية رفعت على الطاعن بتهمة القتل العمد، فعدلت المحكمة وصف التهمة إلى الضرب المفضي إلى الموت، وكان الأصل أن المحكمة لا تتقيد بالوصف القانوني الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم لأن هذا الوصف ليس نهائياً بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف القانوني السليم الذي ترى انطباقه على الواقعة، وإذ كانت الواقعة المبينة بأمر الإحالة والتي كانت مطروحة بالجلسة هي بذاتها تلك التي اتخذها الحكم أساساً للوصف الجديد الذي دان الطاعن به، وكان مرد التعديل - على ما أفصح عنه الحكم - هو استبعاد نية القتل دون أن يتضمن إسناد واقعة مادية أو عناصر جديدة، فإن الوصف المعدل الذي نزلت إليه المحكمة حين اعتبرت الطاعن مرتكباً جريمة الضرب المفضي إلى الموت، لم يكن يقتضى من المحكمة تنبيه الطاعن أو المدافع عنه ما دام قد اقتصر على استعباد أحد عناصر الجريمة التي رفعت بها الدعوى، ومن ثم فإن دعوى البطلان في الإجراءات والإخلال بحق الدفاع لا يكون لها محل.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه قتل عمداً....... بأن أطلق عليه عياراً نارياً قاصداً قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وأحالته إلى محكمة جنايات الإسكندرية لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 236 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات باعتبار أن الواقعة ضرب أفضى إلى الموت.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض...... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الضرب المفضي إلى الموت قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، والبطلان في الإجراءات والإخلال بحق الدفاع والخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن الدعوى الجنائية قد انقضت بمضي المدة إذ أن الطاعن أحيل إلى المحاكمة بتاريخ 22/ 3/ 1976 ، ولم يعلن قانوناً بجلسة المحاكمة التي قضى فيها غيابياً بتاريخ 13/ 11/ 1977 بمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عاماً، ولم يتخذ ضده إجراء قاطع للتقادم حتى قبض عليه في 31/ 5/ 1995 كما اعتمد الحكم في إدانة الطاعن على أقوال شهود الإثبات رغم تناقضها وأن بعضها سماعية، ودون سماع هؤلاء الشهود في حضرة الطاعن، وإغفال تحقيق دفاعه بأن مرتكب الجريمة شخص آخر هذا ولم يفطن الحكم إلى ما أثبته التقرير الطبي من أن إصابة المجني عليه من دبر في عموده الفقري وهو ما يناقض رواية شهود الإثبات من أن إطلاق النار تم في المواجهة. وأخيراً عدلت المحكمة وصف التهمة من قتل عمد إلى ضرب أفضى إلى الموت دون تنبيه الدفاع. وكل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الضرب المفضي إلى الموت التي دان بها الطاعن، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، كان الثابت من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يثر شيئاً في شأن عدم إعلانه بالجلسة التي حوكم فيها غيابياً عن هذه الدعوى بتاريخ 13/ 11/ 1977 وأنزل عليه عقابها، فإن ليس له من بعد أن يتحدث عما ادعى به من بطلان ذلك الحكم الغيابي لما هو مقرر في القانون أن أوجه البطلان المتعلقة بالإجراءات السابقة على المحاكمة يجب إبداؤها أمام محكمة الموضوع، ومن ثم لا يجوز له إثارة الدفع بذلك لأول مرة أمام محكمة النقض، ويضحى الحكم الغيابي صحيحاً منتجاً لآثاره القانونية. وإذ كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على محضر المحاكمة التي صدر فيها الحكم المطعون فيه أن الطاعن أو المدافع عنه لم يدفع أيهما بانقضاء الدعوى الجنائية بالتقادم، وكان من المقرر أن الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية من الدفوع المتعلقة بالنظام العام ويجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض ما دامت مدونات الحكم ترشح له، وكان قانون الإجراءات الجنائية في الفصل الثالث من الباب الثاني الذي بسط الإجراءات التي تتبع في مواد الجنايات في حق المتهمين الغائبين قد نص في المادة 394 على أن "لا يسقط الحكم الصادر غيابياً من محكمة الجنايات في جناية بمضي المدة، وإنما تسقط العقوبة المحكوم بها، ويصبح الحكم نهائياً بسقوطها"، ونص في المادة 395 على أنه "إذا حضر المحكوم عليه في غيبته أو قبض عليه قبل سقوط العقوبة بمضي المدة، يبطل حتماً الحكم السابق صدوره سواء فيما يتعلق بالعقوبة أو بالتضمينات، ويعاد نظر الدعوى أمام المحكمة......."، ونصت الفقرة الأولى من المادة 528 من هذا القانون على أن "تسقط العقوبة المحكوم بها في جناية بمضي عشرين سنة ميلادية إلا عقوبة الإعدام فإنها تسقط بمضي ثلاثين سنة"، وواضح من هذه النصوص أنه ما دامت الدعوى قد رفعت أمام محكمة الجنايات عن واقعة يعتبرها القانون جناية، فإن الحكم الذي يصدر فيها غيابياً بعقوبة مقيدة للحرية يجب أن يخضع لمدة السقوط المقررة للعقوبة في مواد الجنايات وهي عشرين سنة ميلادية، وإذن فمتى كان الثابت من الأوراق أن الدعوى العمومية قد رفعت على الطاعن لارتكابه جناية وقضت محكمة الجنايات غيابياً في 13/ 11/ 1977 بمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر سنة - وهو حكم صحيح لابتنائه على إجراءات صحيحة كما سلف بيانه - وإذ قبض عليه وأعيدت محاكمته وقضت محكمة الجنايات بتاريخ 10/ 8/ 1995 بمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات، وذلك قبل انقضاء عشرين سنة من تاريخ صدور الحكم الغيابي السابق صدوره في حقه عن ذات الدعوى المطروحة، فإن الدعوى الجنائية لا تكون قد انقضت بالتقادم، ويكون النعي على الحكم في هذا الخصوص في غير محله. لما كان ذلك، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكان من المقرر أن الأحكام لا تلتزم بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها وأن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إن تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه، وإذا كان تناقض الشهود وتضاربهم في أقوالهم أو مع أقوال غيرهم لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه - كما هو الحال في الطعن الماثل وكان لا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل ويقطع في كل جزئية من جزيئات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية ضمائم متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده منها الحكم ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، وليس ثمة ما يمنع المحكمة من الأخذ برواية ينقلها شخص عن آخر متى رأت أن تلك الأقوال قد صدرت منه حقيقة وكانت تمثل الواقع في الدعوى، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في شأن كل ما تقدم، لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير محكمة الموضوع للأدلة القائمة في الدعوى، وهو من إطلاقاتها التي لا يجوز مصادرتها فيها لدى محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من حق المحكمة أن تستغني عن سماع شهود الإثبات إذا ما قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً دون أن يحول ذلك دون الاعتماد على أقوالهم التي أدلوا بها في التحقيقات ما دامت هذه الأقوال مطروحة على بساط البحث في الجلسة، وكان الثابت بمحضر جلسة المحاكمة أن النيابة العامة والدفاع اكتفيا بأقوال الشهود بالتحقيقات، وأن المحكمة أمرت بتلاوتها فتليت، ولم يعترض الطاعن على مسلك مدافعه، فإن ما يثيره في هذا الصدد لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان دفاع الطاعن القائم على أن مرتكب الجريمة شخص آخر ليس من الدفوع الجوهرية التي يتعين على المحكمة أن تقوم بتحقيقه بغير موجب تراه، إذ هو في حقيقته نفي للتهمة يكفي لرده ما ساقته المحكمة من أدلة الثبوت، وبحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاءه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه أطرحها، ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أطرح الدفع بتناقض الدليل القولي مع الدليل الفني تأسيساً على انتفاء التناقض بينهما، وكان البين مما أورده الحكم نقلاً عن تقرير الصفة التشريحية أن إصابة المجني عليه بكسور جسيمة في العمود الفقري وتهتك بالوريد الكهفي السفلي الأيسر والأمعاء والمساريق نتجت عن عيار ناري أطلق من الأمام واليسار قليلاً للخلف من مسافة جاوزت مدى الإطلاق القريب، وكان هذا الذي أورده مطابقاً لما أثبت في تقرير الصفة التشريحية - المرفق بالمفردات المضمومة - والذي - أيضاً - أثبت وجود آثار نارية بملابس المجني عليه، فإنه لا يكون ثمة تناقض بين الدليل الفني الدليل القولي الذي لم يرميه الطاعن بشائبة الخطأ في الإسناد، ومن ثم لا محل لما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص. لما كان ذلك، وكان البين من الحكم المطعون فيه أن الدعوى الجنائية رفعت على الطاعن بتهمة القتل العمد، فعدلت المحكمة وصف التهمة إلى الضرب المفضي إلى الموت، وكان الأصل أن المحكمة لا تتقيد بالوصف القانوني الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم لأن هذا الوصف ليس نهائياً بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف القانوني السليم الذي ترى انطباقه على الواقعة، وإذ كانت الواقعة المبينة بأمر الإحالة والتي كانت مطروحة بالجلسة هي بذاتها تلك التي اتخذها الحكم أساساً للوصف الجديد الذي دان الطاعن به، وكان مرد التعديل - على ما أفصح عنه الحكم - هو استبعاد نية القتل دون أن يتضمن إسناد واقعة مادية أو عناصر جديدة، فإن الوصف المعدل الذي نزلت إليه المحكمة حين اعتبرت الطاعن مرتكباً جريمة الضرب المفضي إلى الموت، لم يكن يقتضي من المحكمة تنبيه الطاعن أو المدافع عنه ما دام قد اقتصر على استبعاد أحد عناصر الجريمة التي رفعت بها الدعوى، ومن ثم فإن دعوى البطلان في الإجراءات والإخلال بحق الدفاع لا يكون لها محل. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.