أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 33 - صـ 1004

جلسة 15 من ديسمبر سنة 1982

برياسة السيد المستشار/ محمد وجدى عبد الصمد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: ابراهيم حسين رضوان، حسين كامل حنفى، محمد ممدوح سالم ومحمد رفيق البسطويسى.

(208)
الطعن رقم 4356 لسنة 52 القضائية

1 - خطأ. مسئولية جنائية. اثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. مالا يقبل منها". قتل خطأ. اصابة خطأ.
تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه. موضوعى. حد ذلك؟
2 - حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". اثبات "بوجه عام".
ابتناء الحكم على أدلة ليس بينها تناسق تام لا يعيبه. حد ذلك؟
3 - اثبات "اعتراف" "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. مالا يقبل منها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". اعتراف.
الاعتراف من المسائل الجنائية. من عناصر الاستدلال.
لمحكمة الموضوع ألا تعول عليه متى تراءى لها مخالفته للحقيقة والواقع.
4 - مسئولية جنائية. مسئولية مدنية. رابطة سببية. محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير توافر رابطة السببية بين الخطأ والنتيجة. موضوعى.
5 - حكم "بياناته. بيانات الديباجة". محضر الجلسة.
محضر الجلسة يكمل الحكم فى خصوص سائر بيانات الديباجة. عدا التاريخ.
6 - دعوى مدنية "تعويض". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". مسئولية مدنية. ضرر.
ادانة الطاعن عن القتل الذى حكم بالتعويض من أجله. كفايتها لبيان وجه الضرر المستوجب للتعويض. عدم بيان الحكم من بعد الضرر بنوعيه وعناصره. لا يعيبه. علة ذلك؟
7 - دعوى مدنية "نظرها والحكم فيها". تعويض. ضرر. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. مالا يقبل منها".
القضاء بتعويض والد المجنى عليهما عما لحقه من ضرر مباشر عن الجريمة وليس عن الضرر الذى أصاب ولديه شخصيا وانتقل اليه الحق فى التعويض عنه. صحيح. أساس ذلك؟
8 - دعوى مدنية. اختصاص.
اختصاص المحاكم الجنائية بنظر الدعوى المدنية. شرطه؟
القضاء على الطاعن لصالح المسئول عن الحقوق المدنية بأن يدفع له ما عساه أن يدفعه الأخير الى المدعى بالحقوق المدنية خطأ فى القانون. علة ذلك؟.
1 - من المقرر أن تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنائيا ومدنيا، هو من المسائل الموضوعية التى تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب، مادام تقديرها سائغا مستندا الى أدلة مقبولة لها أصلها فى الأوراق.
2 - لا يقدح فى الحكم، ابتناؤه على أدلة ليس بينها تناسق تام، مادام ترادفها وتظاهرها على الادانة قاضيا لها فى منطق العقل بعدم التناقض.
3 - من المقرر أن الاعتراف فى المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التى تملك المحكمة كامل الحرية فى تقدير صحتها وقيمتها فى الاثبات، ولها ألا تعول عليه متى تراءى لها أنه مخالف للحقيقة والواقع.
4 - تقدير توافر السببية بين الخطأ والنتيجة أو عدم توافرها، هو من المسائل الموضوعية التى تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب عليها، مادام تقديرها سائغا مستندا الى أدلة مقبولة لها أصلها فى الأوراق.
5 - من المقرر أن محضر الجلسة يكمل الحكم فى خصوص سائر بيانات الديباجة - عدا تاريخ صدوره.
6 - من المقرر أنه يكفى فى بيان وجه الضرر المستوجب للتعويض أن يثبت الحكم ادانة المحكوم عليه عن الفعل الذى حكم بالتعويض من أجله. ولا يعيب الحكم عدم بيانه الضرر بنوعيه المادى والأدبى، ولا عدم بيانه عناصر الضرر ذلك بأن فى اثبات الحكم وقوع الفعل الضار من المحكوم عليه، ما يتضمن فى ذاته الاحاطة بأركان المسئولية التقصيرية من خطأ وضرر وعلاقة سببية بينهما، ويوجب الحكم عليه بالتعويض.
7 - من المقرر أن القانون لا يمنع أن يكون المضرور أى شخص ولو كان غير المجنى عليه، مادام قد ثبت قيام هذا الضرر، وكان الضرر ناتجا عن الجريمة مباشرة، وكان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أمام أول درجة أن والد المجنى عليهما قد ادعى مدنيا قبل الطاعن والمسئول عن الحقوق المدنية بمبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت، وكان مفاد ما أورده الحكم المطعون فيه أنه قضى للمدعى بالحقوق المدنية بالتعويض عن الضرر المباشر الذى أصابه عن الجريمة موضوع الدعوى الجنائية، وليس عن الضرر الذى أصاب المجنى عليهما شخصيا وانتقل اليه الحق فى التعويض عنه منهما، وكان الأصل فى المساءلة المدنية، وجوب تعويض كل من أصيب بضرر يستوى فى ذلك الضرر المادى والضرر الأدبى، وكان الحكم قد انتهى الى تعويض المدعى بالحقوق المدنية (وهو والد المجنى عليهما) عما لحقه من ضرر، فأنه لا يكون قد أخطأ فى القانون. لما كان ذلك، وكان الطاعن لا يذهب فى طعنه الى أن المدعى بالحقوق المدنية قد رفع دعواه لحساب الغير أو نيابة عنه، فان أغفال الحكم ذكر صفته التى ادعى بها مدنيا صراحة، لا يترتب عليه تجهيل لها، باعتبار أن الأصل فى الشخص أنه يعمل لحساب نفسه.
8 - لما كان الأصل فى دعاوى الحقوق المدنية أن ترفع الى المحاكم المدنية وانما أباح الشارع استثناءا رفعها الى المحكمة الجنائية، متى كانت تابعة للدعوى الجنائية، وكان الحق المدعى به ناشئا عن ضرر للمدعى من الجريمة المرفوعة بها الدعوى الجنائية، أى أن يكون طلب التعويض ناشئا مباشرة عن الفعل الخاطئ المكون للجريمة محل الدعوى الجنائية المنظورة، فاذا لم يكن كذلك سقطت تلك الاباحة وكانت المحاكم الجنائية غير مختصة بنظر الدعوى المدنية، ومتى تقرر أن تلك الاجازة مبناها الاستثناء، فقد وجب أن تكون ممارستها فى الحدود التى رسمها القانون، ويكون توزيع الاختصاص على هذا النحو من النظام العام لتعلقه بالولاية، واذ كان ذلك، وكان الحكم قد قضى على الطاعن لصالح المسئول عن الحقوق المدنية بأن يدفع له ما عساه يدفعه الأخير الى المدعى بالحقوق المدنية، تأسيسا على حق المسئول فى الرجوع عليه بما يدفعه عنه من تعويض، فان الدعوى على هذا الاساس تكون محمولة على سبب غير الجريمة المطروحة على المحكمة، ويكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ فى القانون من هذه الناحية.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: (أولا) تسبب خطأ فى قتل...... وكان ذلك ناشئا عن أهماله ورعونته وعدم احترازه وعدم مراعاته للقوانين واللوائح بأن قاد سيارة بحالة ينجم عنها الخطر دون أن يتأكد من خلو الطريق أمامه ولدى تفاديه الاصطدام بسيارة أخرى اصطدم بالمجنى عليها مما أدى الى اصابتها بالاصابات الموصوفة بالتقرير الطبى والتى أودت بحياتها. (ثانيا) تسبب خطأ فى أصابة....... وكان ذلك ناشئا عن أهماله ورعونته وعدم احترازه وعدم مراعاته للقوانين واللوائح بأن قاد سيارة بحالة ينجم عنها الخطر دون أن يتأكد من خلو الطريق أمامه ولدى تفاديه الاصطدام بسيارة أخرى اصطدم بالمجنى عليه مما أدى الى اصابته على النحو المبين بالتقرير الطبى. (ثالثا) قاد سيارة بدون رخصة قيادة. (رابعا) قاد سيارة بحالة تعرض حياة الأشخاص والاموال للخطر. وطلبت عقابه بالمادتين 238/ 1 و244/ 1 من قانون العقوبات والمواد 1 و2 و3 و4 و75/ 3 و77 من القانون رقم 66 لسنة 1973 المعدل بالقانون رقم 78 لسنة 1976 واللائحة التنفيذية. وادعى والد المجنى عليهما مدنيا قبل المتهم والمسئول عن الحقوق المدنية، متضامنين بمبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت. كما أقامت وزارة الداخلية (المسئولة عن الحقوق المدنية) دعوى ضمان قبل المتهم بأن يدفع لها ما عسى أن يقوم المسئول عن الحقوق المدنية يدفعه من التعويض المقضى به. ومحكمة جنح قسم ثان أسيوط الجزئية قضت حضوريا عملا بمواد الاتهام (أولا) بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل ستة شهور وأمرت بايقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من يوم صيرورة الحكم نهائيا على أن يكون الايقاف شاملا لأى عقوبة تبعية ولكافة الآثار الجنائية المترتبة على الحكم وذلك عن التهم الأولى والثانية والرابعة ومعاقبته عن التهمة الثالثة بتغريمه عشرة جنيهات مع الايقاف - مع الزام المتهم متضامنا مع السيد وزير الداخلية باعتباره المسئول عن الحقوق المدنية بأن يدفعا الى المدعى بالحق المدنى مبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت. (ثانيا) وفى دعوى الضمان الفرعية بالزام المتهم...... بأن يدفع للمسئول عن الحقوق المدنية ما عسى أن يدفعه هذا الأخير عن المتهم من التعويض المقضى به. فاستأنف المحكوم عليه -. ومحكمة أسيوط الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضوريا بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف.
فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض..... الخ.


المحكمة

ومن حيث ان الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه، أنه اذ دانه بجرائم القتل الخطأ والاصابة الخطأ وقيادة سيارة بدون رخصة قيادة وقيادتها بحالة تعرض الأشخاص والأموال للخطر، قد شابه الفساد فى الاستدلال والقصور فى التسبيب والخطأ فى الاسناد وفى القانون، ذلك بأنه أقام قضاءه بتوافر الخطأ الموجب لمسئولية الطاعن الجنائية والمدنية على أنه لا يحسن القيادة مستدلا على ذلك بعدم حصوله على ترخيص بقيادة السيارة، وأنه كان يسير بسرعة 40 كيلو مترا وهى سرعة تجاوز السرعة الواجبة بالنظر الى ملابسات الحال ومقتضياته، فى حين أن عدم حصوله على رخصة قيادة لا يدل بذاته على جهله أصول القيادة أو ارتكابه الخطأ المؤدى الى حدوث الوفاة أو الاصابة، كما أن أحدا من الشهود لم يقرر أن السيارة كانت تسير بسرعة 40 كيلو مترا سوى الشاهد......، الذى أسند اليه الحكم القول بمشاهدته الطاعن ينزل من السيارة بعد أن صدمت المجنى عليه وأنه أصطحبه الى المستشفى ومعهما المجنى عليهما، حال أن الشاهد المذكور لم يقرر ذلك فى أية مرحلة من مراحل الدعوى، خاصة أن المدعو...... قد أعترف أنه هو الذى كان يقود السيارة وأن عدل عن ذلك من بعد، ولم يبين الحكم رابطة السببية بين الاصابة التى لحقت بالمجنى عليها الأولى وبين وفاتها استنادا الى دليل فنى اذ اقتصر التقرير الطبى على وصف اصابة المجنى عليها دون أن يبين سببها وصلتها بوفاتها، كما خلا من بيان المدعى بالحقوق المدنية، وخلا من بيان عناصر الضرر الذى أصابه ومداه، وهل هو ضرر شخصى أم أنه حاق بالمجنى عليهما وانتقل اليه، هذا الى أنه قضى فى دعوى الضمان الفرعية بالزام الطاعن أن يدفع للمسئول عن الحقوق المدنية ما عسى أن يدفعه الأخير من تعويض، حال أن المطلوب كان ألزامه بدفع ما عساه أن يحكم به عليه، وكل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث ان الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمتى القتل الخطأ والاصابة الخطأ اللتين دان الطاعن بهما، وأورد على ثبوتهما فى حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى الى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنائيا ومدنيا، هو من المسائل الموضوعية التى تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب، مادام تقديرها سائغا مستندا الى أدلة مقبولة لها أصلها فى الأوراق، وكان الحكم قد استظهر ركن الخطأ وأثبته فى حق الطاعن بقوله "أن الثابت فى يقين المحكمة أن المتهم المقدم...... رئيس وحدة مطافئ أسيوط كان يقود السيارة رقم 1 مطافئ أسيوط وقت ارتكاب الحادث وان التهمة المسندة اليه ثابته فى حقه من أقوال الشهود والمصابة، ذلك بأنه لم يتخذ الحيطة اللازمة عند انحرافه بالسيارة قيادته من شارع....... الى شارع....... وأنه لم يهدئ السرعة بالاضافة الى أنه لم يحسن القيادة ولا يحمل رخصة، وأنه قاد السيارة بحالة ينجم عنها الخطر مما أدى الى اصطدامه بالمجنى عليهما واحداث اصابتهما المبينة بالتقرير الطبى والتى أودت بحياة...... وأصابة شقيقها......، وأنه حسب أقوال الشهود كان يقود السيارة بسرعة 40 كيلو مترا فى الساعة، وأن المحكمة تأخذ من أقوال الشهود جملة وتفصيلا حقيقة مؤداها أن التهمة ثابتة فى حق المتهم بجميع أركانها من خطأ وضرر وتوافر السببية بينهما" ثم أضاف قوله أن "السرعة التى تصلح أساسا للمساءلة الجنائية فى جريمتى القتل الخطأ والاصابة الخطأ ليس لها حدود ثابتة وانما هى التى تجاوز الحد الذى تقتضيه ملابسات وظروف المرور وزمانه ومكانه، فيتسبب عن هذا التجاوز الموت أو الجروح" فان الحكم يكون قد خلص فى منطق سائغ وتدليل مقبول الى أن الطاعن كان يقود السيارة بسرعة فى ظروف كان يتحتم عليه فيها الاقلال من سرعته عند دخوله من شارع الى شارع آخر كان به المجنى عليهما مما ترتب عليه أن أصطدم بهما وأحدث بهما الاصابات المبينة بالتقرير الطبى والتى أودت بحياة المجنى عليها الأولى واصابة المجنى عليه الثانى، وهو ما يوفر قيام ركن الخطأ فى جانب الطاعن، فان ما يثيره الطاعن فى هذا الخصوص لا يكون له محل، ولا يقدح فى ذلك أن يكون أحد شهود الاثبات هو وحده الذى حدد مقدار السرعة التى كانت عليها السيارة وقت الحادث، دون غيره من الشهود، مادام الحكم قد استمد من أقوال هؤلاء الأخيرين - بما له معينه من المفردات المضمومة تحقيقا لوجه الطعن - أن سرعة السيارة كانت تتجاوز الحد الذى تقتضيه ظروف المرور وزمانه ومكانه، لما هو مقرر من أنه لا يقدح فى الحكم، ابتناؤه على أدلة ليس بينها تناسق تام، مادام ترادفها وتظاهرها على الادانة قاضيا لها فى منطق العقل بعدم التناقض، كما لا ينال منه ما أورده فى أسبابه من أن الطاعن لا يحمل رخصة قيادة، اذ أن هذا من الحكم لم يكن الا تقرير لواقع - لم يجحده الطاعن - لم يستند الحكم اليه فى قضائه، ولم يكن له أثر فى عقيدته. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن بشأن خطأ الحكم فيما نسبه الى الشاهد...... من مشاهدته للطاعن ينزل من السيارة بعد الحادث بعد أن صدمت المجنى عليهما ومصاحبته أياه والمجنى عليهما الى المستشفى، فى حين أن الشاهد جهل رتبة الضابط ولم يصفه أو يذكر اسمه لا يعدو كونه خطأ ماديا لا أثر له فى منطق الحكم واستدلاله على أرتكاب الطاعن للحادث، فان دعوى الخطأ فى الاسناد لا تكون مقبولة، لما هو مقرر أن الخطأ فى الاسناد الذى يعيب الحكم هو الذى يقع فيما هو مؤثر فى عقيدة المحكمة. لما كان ذلك، وكان يبين من الحكم أنه بعد أن حصل دفاع الطاعن بما مؤداه انكاره ما نسب اليه من اتهام وقوله أن آخر....... قد اعترف بأنه هو الذى كان يقود السيارة وقت الحادث، خلص الى أن الطاعن هو الذى كان يقود السيارة وقت الحادث وأنه مرتكبه، وكان من المقرر أن الاعتراف فى المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التى تملك المحكمة كامل الحرية فى تقدير صحتها وقيمتها فى الاثبات، ولها ألا تعول عليه متى تراءى لها أنه مخالف للحقيقة والواقع، وكان ما أورده الحكم من أدلة كافيا وسائغا على أن الطاعن هو مرتكب الحادث، فلا تقبل مجادلتها أو مصادرتها فى هذا الشأن لكونه من الأمور الموضوعية التى تستقل بها بغير معقب. لما كان ذلك، وكان تقدير توافر السببية بين الخطأ والنتيجة أو عدم توافرها، هو من المسائل الموضوعية التى تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب عليها، مادام تقديرها سائغا مستندا الى أدلة مقبولة لها أصلها فى الأوراق، وكان الحكم قد خلص فى منطق سائغ وتدليل مقبول الى ثبوت ما يوفر ركن الخطأ فى جانب الطاعن وتوافر رابطة السببية بين هذا الخطأ ووفاة المجنى عليها الاولى واصابة المجنى عليه الثانى استنادا الى التقرير الطبى الموقع عليهما، وان ما لحق بهما من اصابات نتيجة حادث عربة، فان ما يثيره الطاعن فى هذا المنحى لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن محضر الجلسة يكمل الحكم فى خصوص سائر بيانات الديباجة - عدا تاريخ صدوره - وكان الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه، وان خلت ديباجته من بيان المدعى بالحقوق المدنية الا أن البين من محاضر جلسات المحاكمة أمام محكمة أول درجة أنها استوفت هذا البيان، ومن ثم فان استناد الحكم المطعون فيه الى أسباب الحكم الابتدائى بجعله بمنأى عن البطلان. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه يكفى فى بيان وجه الضرر المستوجب للتعويض أن يثبت الحكم ادانة المحكوم عليه عن الفعل الذى حكم بالتعويض من أجله. ولا يعيب الحكم عدم بيانه الضرر بنوعية المادى والادبى، ولا عدم بيانه عناصر الضرر، ذلك بأن فى أثبات الحكم وقوع الفعل الضار من المحكوم عليه، ما يتضمن فى ذاته الاحاطة بأركان المسئولية التقصيرية من خطأ وضرر وعلاقة سببية بينهما، ويوجب الحكم عليه بالتعويض، وكان الحكم قد أثبت بالأدلة السائغة التى أوردها ارتكاب الطاعن لجريمتى القتل الخطأ والاصابة الخطأ اللتين دانه بهما، وهى الفعل الضار الذى ألزمه بالتعويض على مقتضاه، فلا تثريب على المحكمة من بعد أن لم تبين مدى الضرر ولا عناصره التى قدرت التعويض المحكوم به على أساسها، اذ الأمر فى ذلك متروك لتقديرها بغير معقب. فان ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك وكان القانون لا يمنع أن يكون المضرور أى شخص ولو كان غير المجنى عليه، مادام قد ثبت قيام هذا الضرر، وكان الضرر ناتجا عن الجريمة مباشرة، وكان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أمام أول درجة أن والد المجنى عليهما قد أدعى مدنيا قبل الطاعن والمسئول عن الحقوق المدنية بمبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت، وكان مفاد ما أورده الحكم المطعون فيه أنه قضى للمدعى بالحقوق المدنية بالتعويض عن الضرر المباشر الذى أصابه عن الجريمة موضوع الدعوى الجنائية، وليس عن الضرر الذى أصاب المجنى عليهما شخصيا وانتقل اليه الحق فى التعويض عنه منهما، وكان الأصل فى المساءلة المدنية، وجوب تعويض كل من أصيب بضرر يستوى فى ذلك الضرر المادى والضرر الأدبى، وكان الحكم قد انتهى الى تعويض المدعى بالحقوق المدنية (وهو والد المجنى عليهما) عما لحقه من ضرر، فانه لا يكون قد أخطأ فى القانون. لما كان ذلك، وكان الطاعن لا يذهب فى طعنه الى أن المدعى بالحقوق المدنية قد رفع دعواه لحساب الغير أو نيابة عنه، فان أغفال الحكم ذكر صفته التى أدعى بها مدنيا صراحة، لا يترتب عليه تجهيل لها، باعتبار أن الأصل فى الشخص أنه يعمل لحساب نفسه، ومن ثم يكون النعى على الحكم فى هذا الصدد على غير سند. لما كان ذلك، وكان الأصل فى دعاوى الحقوق المدنية أن ترفع الى المحاكم المدنية وانما أباح الشارع استثناءا رفعها الى المحكمة الجنائية، متى كانت تابعة للدعوى الجنائية، وكان الحق المدعى به ناشئا عن ضرر للمدعى من الجريمة المرفوعة بها الدعوى الجنائية، أى أن يكون طلب التعويض ناشئا مباشرة عن الفعل الخاطئ المكون للجريمة محل الدعوى الجنائية المنظورة، فاذا لم يكن كذلك سقطت تلك الاباحة وكانت المحاكم الجنائية غير مختصة بنظر الدعوى المدنية، ومتى تقرر أن تلك الاجازة مبناها الاستثناء، فقد وجب أن تكون ممارستها فى الحدود التى رسمها القانون، ويكون توزيع الاختصاص على هذا النحو من النظام العام لتعلقه بالولاية، واذ كان ذلك، وكان الحكم قد قضى على الطاعن لصالح المسئول عن الحقوق المدنية بأن يدفع له ما عساه يدفعه الأخير الى المدعى بالحقوق المدنية، تأسيسا على حق المسئول فى الرجوع عليه بما يدفعه عنه من تعويض، فان الدعوى على هذا الاساس تكون محمولة على سبب غير الجريمة المطروحة على المحكمة، ويكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ فى القانون من هذه الناحية، بما يتعين معه نقضه نقضا جزئيا فيما قضى به فى دعوى الضمان وبعدم اختصاص المحكمة الجنائية بنظرها، مع ألزام الطاعن مصاريف الدعوى المدنية، والزام المسئول عن الحقوق المدنية مصاريف دعواه.