أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 33 - صـ 1046

جلسة 26 من ديسمبر سنة 1982

برياسة السيد المستشار/ أمين أمين عليوه نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ جمال الدين منصور، صفوت مؤمن، محمد صلاح خاطر وحسين لبيب.

(214)
الطعن رقم 4321 لسنة 52 القضائية

1 - رشوة. اثبات "بوجه عام". دفاع "الاخلال بحق الدفاع. مالا يوفره". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. مالا يقبل منها".
تطلب الفصل فى الدعوى تحقيق دليل بعينه. على المحكمة تحقيقه مادام ذلك ممكنا. استغناؤها عن تحقيق هذا الدليل وتضمينها حكمها أسبابا سائغة دعتها الى العدول عن تنفيذ ما سبق ان أمرت به من تحقيق هذا الدليل. لا تثريب. مثال لتسبيب غير معيب فى رفضه طلب انابه قضائية.
2 - اثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". رشوة. اخلال بواجبات الوظيفة.
كفاية الشك فى صحة اسناد التهمة الى المتهم سندا للبراءة متى أحاطت المحكمة بالدعوى عن بصر وبصيره. مثال.
1 - من المقرر أنه اذا كانت المحكمة قد رأت أن الفصل فى الدعوى يتطلب تحقيق دليل بعينه اظهارا لوجه الحق فيه - فواجب عليها أن تعمل على تحقيق هذا الدليل مادام ذلك ممكنا، فاذا استحال تحقيق الدليل أو تعذر فلا على المحكمة أن هى مضت فى نظر الدعوى وفصلت فى أدلتها القائمة، ولا يكون هناك محل للنعى عليها أنها حكمت فى الدعوى دون اجراء هذا التحقيق التى أمرت نفسها بتحقيقه مادام هذا التحقيق لم يكن فى مقدورها تنفيذه - وكان ما أورده الحكم فيما سلف - قاطعا فى الدلالة على أن المحكمة لم تأل جهدا فى سبيل تحقيق طلب النيابة العامة اتخاذ اجراءات الانابة القضائية لتقديم حقيقة الحساب المصرفى، واذ تبين لها ان اتخاذ هذا الاجراء - الذى قدرت جديته - أضحى متعذرا للاسباب السائغة التى أوردتها، فانه لا يعيب الحكم أن يفصل فى الدعوى بحالتها استنادا الى الادلة والعناصر المطروحة.
2 - ان المادة 310 من قانون الاجراءات الجنائية لم تشترط أن يتضمن الحكم بالبراءة أمورا أو بيانات معينة اسوة بأحكام الادانة، وانما يكفى لسلامة الحكم بالبراءة أن تتشكك المحكمة فى صحة اسناد التهمة الى المتهم، اذ المرجع فى ذلك الى ما تطمئن اليه من تقدير الدليل مادام ان الظاهر من الحكم انه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة، وكان الثابت من الاطلاع على مدونات الحكم انه أحاط بالدعوى وبظروفها وكافة أدلتها وتصدى بالرد على كل أوجه الدفاع والدفوع التى أثارها الخصوم، وانتهى الى براءة المتهمين لعدم اطمئنانه الى أدلة الاثبات المقدمة فى الدعوى بعد تشككه فيها، للاسباب السائغة التى أوردها - والتى تكفى لحمل النتيجة التى خلص اليها، وكان لا يصح النعى على المحكمة انها قضت بالبراءة بناء على احتمال ترجح لديها بدعوى قيام احتمالات أخرى قد لا تصح لدى غيرها، لان ملاك الأمر كله يرجع الى وجدان قاضيها وما يطمئن اليه مادام أقام قضاءه على أسباب تحمله - كما هو الحال فى الدعوى المطروحة، ومن ثم فلا محل لتعييب الحكم بقالة الفساد فى الاستدلال أو القصور فى التسبيب أو الخطأ فى الاسناد.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم فى المدة من عام 1974 حتى 1977 بدائرة قسم الوايلى محافظة القاهرة: - المتهم الأول: (أولا) بصفته موظفا عموميا وزيرا للكهرباء طلب وأخذ عطيه للاخلال بواجبات وظيفته. ثانيا: بصفته سالفة الذكر أخل عمدا بأموال ومصالح وزارة الكهرباء. المتهم الثانى: قدم عطيه للمتهم الأول بصفته الوظيفية للاخلال بواجبات وظيفته. المتهم الثالث: اشترك بطريق المساعدة مع المتهم الثانى فى ارتكاب جريمة الرشوة. ومحكمة جنايات أمن الدولة بالقاهرة قضت حضوريا للمتهمين الأول والثالث وغيابيا للثانى.
مما أسند اليهم.
فطعنت النيابة العامة فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث ان مبنى طعن النيابة العامة أن الحكم المطعون فيه اذ قضى بتبرئة المطعون ضدهم من جرائم الرشوة والاضرار العمدى بالمال العام والاشتراك فيها، قد شابه الفساد فى الاستدلال والقصور فى التسبيب فضلا عن مخالفة الثابت بالأوراق، ذلك بأن النيابة العامة طلبت الى المحكمة اتخاذ اجراءات الانابه القضائية لتقديم حقيقة الحساب المصرفى للمطعون ضده الأول فى بنوك سويسرا - بيد أن المحكمة التفتت عن هذا الطلب وردت عليه برد غير سائغ، هذا الى أن النيابة - ساقت فى معرض الاتهام - عدة قرائن من بينها أن المطعون ضده الأول كان شديد اللهفة على ابرام العقد مع شركة.......، وأن هناك تواكبا زمنيا بين واقعة ابرام العقد وواقعة الرشوة، وان المتهم الأول تجاوز اختصاصه الوظيفى باصدار أمر مباشر بالتعاقد مع الشركة الراشية وهو أمر نيط بمجلس ادارة مؤسسة الكهرباء وحده طبقا لنصوص لوائحها ونظمها المالية. الا أن المحكمة لم تفطن الى دلالة هذه القرائن واطرحتها بدعوى أن موافقة المتهم الأول لم تكن هى الخطوة النهائية بل كان لابد مع الحصول بعد ذلك على موافقة لجنة البت باعتبارها السلطة المختصة لاعتماد الشراء بهذه الطريقة بعد موافقة الوزير - وهو ما يخالف الثابت بالاوراق، بالاضافة الى ما ينطوى عليه رد الحكم من تجهيل فى تحديد المسئول عن اصدار الأمر المباشر المقصود - هل هو الوزير أم مجلس ادارة المؤسسة أم لجنة البت - كل هذا مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث أنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه عرض لطلب النيابة العامة اتخاذ اجراءات الانابه القضائية لبيان حقيقة الحساب المصرفى ببنوك سويسرا واطرحه فى قوله "وحيث انه عن طلب النيابة العامة اصدار انابه قضائية للسلطات السويسرية المختصة للكشف عن حقيقة صاحب الحساب السرى الذى جاء ذكره على لسان شاهد الاثبات الأول بمقولة انه خاص بالمتهم الأول وتلقى بيانه هذا منه ليودع له فيه الجزء الرئيسى من مبلغ الرشوة البالغ وقدره 250 ألف دولار، وانه قد تم ايداع هذا المبلغ فى هذا الحساب فعلا كما علم منه على حد قول هذا الشاهد. وقد استندت النيابة فى طلبها هذا الى القول بأن سرية الحسابات السويسرية ليست مطلقة بل هناك حالات ترفع فيها السرية منها حالة ارتكاب صاحب الحساب جريمة جنائية تتعلق بهذا الحساب شريطة أن تقوم دلائل على جدية الاتهام، وذلك حسب قانون المصارف السويسرى - والذى قدمت صورة منه مترجمة ضمت للاوراق - وهو ما ينطبق على حالة المتهم الأول أيضا - كما قدمت تأييد كذلك خطابا مؤرخا 9/ 12/ 1980 صادرا من البنك الاهلى السويسرى لمحافظ البنك المركزى المصرى ردا على الاستعلام من هذا الأخير تضمن ان البنوك السويسرية ملزمة بتقديم الدليل فى الموضوعات الجنائية ويمكن أن يستفيد بهذا الالتزام الدول الأجنبية التى بينها وبين سويسرا معاهدات قضائية أو تلك التى تتعاون معها سويسرا على أساس متبادل، وان السلطة المختصة بالمساعدة المتبادلة فى الموضوعات الجنائية هى الادارة الادارية للعدل والبوليس "بيرن" لما كان ذلك، وكان من المقرر أيضا ان فى فقه القانون الدولى العام ان الانابة القضائية الدولية يجب أن تستند أصلا الى معاهدة دولية أو حتى اتفاقية دولية فى الشكل البسيط فاذا لم يتوافر شئ من ذلك فلا أقل من أن تستند الى مبادئ المجاملة الدولية والمعاملة بالمثل بين الدولة الطالبة للاجراء وتلك المطلوب منها، واذا كان ذلك وكانت النيابة العامة قد قدمت بجلسة 15/ 12/ 1981 بناء على استعلام المحكمة - خطابا صادرا من وزارة الخارجية المصرية تفيد ان جمهورية مصر العربية لم يسبق لها توقيع اتفاقية تعاون قضائى مع سويسرا وانها - أى الوزارة - فى سبيلها الى الاستعلام عن مدى استعداد السلطات السويسرية المختصة للموافقة على طلبات الانابة القضائية فى المسائل الجنائية التى يقدم بها الجانب المصرى على أساس مبدأ المجاملة الدولية - وكانت النيابة العامة - رغم استعجال المحكمة لها عدة مرات بايراد هذا البيان الأخير - لم تقدمه حتى قفل باب المرافعة فى الدعوى وحجزها للحكم - فان المحكمة ازاء عدم وجود معاهدة أو اتفاقية بين جمهورية مصر العربية وبين السلطات السويسرية المختصة بشأن طلبات الانابه القضائية فى المسائل الجنائية - وازاء عدم تقديم النيابة العامة البيان الخاص بمدى استعداد السلطات السويسرية المختصة للاستجابة الى مثل تلك الطلبات من الجانب المصرى على أساس مبدأ المجاملة الدولية ولخلو الأوراق مما يفيد شيئا من ذلك، فان المحكمة - والأمر كذلك لا يمكنها الاستجابة لطلب اصدار انابه قضائية للسلطات السويسرية المختصة للكشف عما طلبته النيابة فى هذا الشأن وذلك لافتقاره الى الأساس الدولى والقانونى الذى يمكن أن يرتكز عليه مثل هذا الطلب، وذلك دون ما حاجه للخوض فى بحث مدى انطباق شروط قانون المصارف السويسرى على حالة المتهم الأول تمهيدا لطلب تلك الانابه ولا الى بحث اجراءاتها"، ثم أفصحت المحكمة عن ارتيابها وعدم اطمئنانها لقول الشاهد الأول..... بايداع الجزء الأكبر من مبلغ الرشوة بحساب سرى للمطعون ضده الأول بأحد بنوك سويسرا فى قولها. أن واقعة قيام المتهم الثالث "......." - بتنفيذ تعليمات الشاهد المذكور بتحويل مبلغ 250 ألف دولار الذى يمثل الجزء الأكبر من مبلغ الرشوة من حساب البنك العربى المحدود فى بيروت الى البنك السويسرى فى الحساب السرى الذى أرشد عن رقمه بمقولة "أنه خاص بالمتهم الأول. فان مستندات البنك المذكور وكشف حساب المتهم الثالث فيه وأقوال ذلك الأخير على ضوء تلك المستندات وكشف الحساب فى شأن هذه الواقعة، لم تكشف عن حصول شئ من ذلك على وجه التحديد، وغاية ما تمحضت عنه هذه الأقوال والمستندات وكشف الحساب أن المتهم الثالث حرر فى 5/ 6/ 1975 شيكا لحامله بمبلغ 450 ألف دولار من حسابه - قال ذلك المتهم أنه سلمه للمتهم الثانى - ....... - تنفيذا لتعليمات الشاهد، ولم تكشف تحقيقات الدعوى ولا مستنداتها عن مصير ذلك المبلغ بعد ذلك - لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه اذا كانت المحكمة قد رأت أن الفصل فى الدعوى يتطلب تحقيق دليل بعينه اظهارا لوجه الحق فيه - فواجب عليها أن تعمل على تحقيق هذا الدليل مادام ذلك ممكنا، فاذا استحال تحقيق الدليل أو تعذر فلا على المحكمة أن هى مضت فى نظر الدعوى وفصلت فى أدلتها القائمة، ولا يكون هناك محل للنعى عليها أنها حكمت فى الدعوى دون اجراء هذا التحقيق التى أمرت نفسها بتحقيقه مادام هذا التحقيق لم يكن فى مقدورها تنفيذه - وكان ما أورده الحكم فيما سلف - قاطعا فى الدلالة على أن المحكمة لم تأل جهدا فى سبيل تحقيق طلب النيابة العامة اتخاذ اجراءات الانابة القضائية لتقديم حقيقة الحساب المصرفى، واذ تبين لها ان اتخاذ هذا الاجراء - الذى قدرت جديته - أضحى متعذرا للاسباب السائغة التى أوردتها، فانه لا يعيب الحكم أن يفصل فى الدعوى بحالتها استنادا الى الادلة والعناصر المطروحة - واذ خلصت المحكمة فى تدليل سائغ الى ارتيابها كلية فى أقوال شاهد الاثبات الاول...... وأفصحت عن عدم الاطمئنان اليها جملة بما فيها قوله بايداع الجزء الأكبر من مبلغ الرشوة بحساب سرى للمطعون ضده الاول بأحد بنوك سويسرا - على ما سلف بيانه - فان ذلك مما يدخل فى سلطتها التقديرية بغير معقب عليها فى ذلك، وينحل وجه الطعن فى حقيقته الى جدل موضوعى حول سلطة المحكمة فى تقدير الادلة القائمة فى الدعوى ومبلغ اطمئنانها اليها مما لا يجوز مصادرتها فيه أو التعرض فى شأنه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم المطعون انه اعتمد فى قضائه بتبرئة المطعون ضدهم - ضمن ما اعتمد - على ما شهد به أعضاء اللجنة التى انتدبتها المحكمة لفحص العقود ومدى صحتها وملائمتها وصحة الاجراءات التى اتخذت فيها - وقد انتهوا جميعا فى شهادتهم حسبما حصلها الحكم - بما له سنده من أقوالهم بمحاضر جلسات المحاكمة - من ان العقود قد اتخذت فيها الاجراءات الصحيحة قانونا، وان قرار الوزير بالموافقة لم يكن نهائيا، بل تم العرض على لجنة البت وكان بوسعها لو ان العقد فيه تجاوزات أن ترفضه، لكنها بعد أن بحثته وافقت عليه وهى السلطة المختصة فى ذلك، فضلا عن ان العرض المقدم من الشركة يعتبر عرضا صالحا للموافقة عليه من ناحية الأثمان وكذلك التنفيذ ويعتبر مناسبا فى الظروف الفنية والواقعية التى تم فيها التعاقد - وان بعض الاعتراضات كانت من باب التمويه وشد أزر المفاوض المصرى ووسائل ضغط لامكان الحصول على شروط أفضل ان امكن ذلك، وانتهت المحكمة فى حكمها الى أن التهم المسندة الى المتهمين لا أساس لها ومن ثم قضت ببراءتهم، لما كان ذلك، وكان الأصل - على ما جرى به قضاء النقض - ان المادة 310 من قانون الاجراءات الجنائية لم تشترط أن يتضمن الحكم بالبراءة أمورا أو بيانات معينة اسوة بأحكام الادانة، وانما يكفى لسلامة الحكم بالبراءة أن تتشكك المحكمة فى صحة اسناد التهمة الى المتهم، اذ المرجع فى ذلك الى ما تطمئن اليه من تقدير الدليل مادام ان الظاهر من الحكم انه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة، وكان الثابت من الاطلاع على مدونات الحكم انه أحاط بالدعوى وبظروفها وكافة أدلتها وتصدى بالرد على كل أوجه الدفاع والدفوع التى أثارها الخصوم، وانتهى الى براءة المتهمين لعدم اطمئنانه الى أدلة الاثبات المقدمة فى الدعوى بعد تشككه فيها، للاسباب السائغة التى أوردها - والتى تكفى لحمل النتيجة التى خلص اليها، وكان لا يصح النعى على المحكمة انها قضت بالبراءة بناء على احتمال ترجح لديها بدعوى قيام احتمالات أخرى قد لا تصح لدى غيرها، لان ملاك الأمر كله يرجع الى وجدان قاضيها وما يطمئن اليه مادام أقام قضاءه على أسباب تحمله - كما هو الحال فى الدعوى المطروحة، ومن ثم فلا محل لتعييب الحكم بقالة الفساد فى الاستدلال أو القصور فى التسبيب أو الخطأ فى الاسناد، لما كان ما تقدم فان الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.