أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 33 - صـ 1093

جلسة 29 من ديسمبر سنة 1982

برياسة السيد المستشار/ محمد وجدى عبد الصمد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ ابراهيم حسين رضوان، حسين كامل حنفى، محمد ممدوح سالم ومحمد رفيق البسطويسى.

(223)
الطعن رقم 2014 لسنة 52 القضائية

1 - حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". أسباب الاباحة "الدفاع الشرعى".
حالة الدفاع الشرعى. مناط توافرها؟
تجريد المجنى عليه من آلة العدوان وطعنه بها تنتفى بها حالة الدفاع الشرعى. حد ذلك؟
2 - دعوى مدنية. مسئولية جنائية. ضرر. أسباب الاباحة "الدفاع الشرعى".
صدور خطر من المضرور واستلزم الفعل الضار. مؤداه انتفاء مسئولية المتهم مادام لم يجاوز فى دفاعه القدر الضرورى. أثر ذلك: وجوب رفض الدعوى المدنية. م 166 مدنى.
1 - من المقرر قانونا ان حالة الدفاع الشرعى تتوافر بوقوع فعل ايجابى يخشى منه المتهم وقوع جريمة من الجرائم التى يجوز فيها الدفاع الشرعى سواء وقع الاعتداء بالفعل أو بدر من المجنى عليه بادرة اعتداء تجعل المتهم يعتقد لاسباب معقولة وجود خطر حال على نفسه أو على نفس غيره أو ماله، أنه وان كان الأصل ان تجريد المجنى عليه من آلة العدوان ثم طعنه بها يعد محض عدوان ولا يعد من قبيل الدفاع الشرعى، الا أنه اذا كان تجريد المجنى عليه من آلة العدوان ليس من شأنه - بمجرده - أن يحول دون مواصلة العدوان، فأنه يحق للمعتدى عليه ان يستعمل القوة اللازمة لدرئه مع الاخذ فى الاعتبار ما يحيط بالمدافع من مخاطر وملابسات تتطلب منه معالجة الموقف على الفور مما لا يصح معه محاسبته على مقتض التفكير الهادئ المتزن الذى كان يتعذر عليه وهو محفوف بالمخاطر.
2 - لما كان الفعل الضار الصادر عن المتهمة، لم يدفع اليه ضرر خارجى، وانما استلزمه خطر صادر من المضرور نفسه، فهو بذاته محدث ذلك الخطر الذى توفرت به حالة الدفاع الشرعى عن النفس، فان مسئولية المتهمة تنتفى بتاتا، ما دامت لم تجاوز فى دفاعها القدر الضرورى، بما يوجب رفض الدعوى.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنة بأنها (أولا) قتلت....... عمدا بأن طعنته فى صدره بمدية وأطلقت عليه عيارا ناريا من مسدس قاصدة بذلك قتله فأحدثت به الاصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته. (ثانيا) أحرزت بدون ترخيص سلاحا ناريا مششخنا (مسدس). (ثالثا) أحرزت ذخائر "ثلاث طلقات" مما تستعمل فى السلاح النارى آنف البيان دون ان يكون مرخصا لها بحيازتها أو احرازها. وطلبت الى مستشار الاحالة احالتها الى محكمة الجنايات لمعاقبتها طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الاحالة، فقرر ذلك. فأدعى المدعون بالحق المدنى مدنيا قبل المتهمة بالزامها بدفع مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات الجيزة قضت حضوريا عملا بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1 و6 و26/ 2 - 4 و30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقم 546 لسنة 1954، ورقم 57 لسنة 1958 والبند ( أ ) من القسم الأول من الجدول رقم 3 الملحق بمعاقبة المتهمة بالاشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة عما اسند اليها وبالزامها بان تدفع للمدعين بالحق المدنى مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. فطعنت المحكوم عليها فى هذا الحكم بطريق النقض. وبتاريخ 12 نوفمبر سنة 1980 قضت محكمة النقض بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه فيما قضى به فى الدعويين الجنائية والمدنية وباعادة القضية الى محكمة جنايات الجيزة للفصل فيها مجددا من دائرة أخرى والزمت المدعين بالحقوق المدنية المصاريف المدنية ومبلغ عشرين جنيها مقابل أتعاب للمحاماه. ومحكمة جنايات الجيزة (بدائرة أخرى) قضت حضوريا أولا: فى الدعوى الجنائية بمعاقبة المتهمة بالاشغال الشاقة لمدة عشر سنوات. ثانيا: فى الدعوى المدنية بالزامها بان تدفع للمدعين بالحق المدنى مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف.
فطعنت المحكوم عليها فى هذا الحكم بطريق النقض (للمرة الثانية) وقضت هذه المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وتحديد جلسة لنظر الموضوع.


المحكمة

من حيث ان النيابة العامة اسندت الى المتهمة انها بتاريخ 5 نوفمبر سنة 1977 أولا: قتلت زوجها..... عمدا بأن طعنته فى صدره بمدية وأطلقت عليه عيارا ناريا من مسدس فأحدثت به الاصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية التى أودت بحياته. ثانيا: أحرزت سلاحا ناريا مششخنا "مسدسا" بدون ترخيص. ثالثا: أحرزت ثلاثة طلقات مما يستعمل فى السلاح النارى دون ان يكون مرخصا لها بأحرازه وركنت النيابة العامة فى أثبات الاتهام الى أقوال المتهمة فى التحقيقات وتقرير الصفة التشريحية.
ومن حيث ان واقعة الدعوى تجعل فيما أبلغت به المتهمة ان زوجها المجنى عليه قد داب على ضربها وتهديدها باطلاق النار عليها، وفى صباح يوم الحادث شجر بينهما خلاف فضربها ثم حاول أن يطعنها بسكين فى رقبتها فقاومته لتدرأ عدوانه فأصيب فى صدره نتيجة التماسك فهم بالتقاط مسدس من فوق السرير بيد انها سبقته اليه فتوجه صوب بندقية معلقة فوق الحائط فأطلقت عليه عيارا من المسدس اصابه فى رأسه. وقد تبين من تقرير الصفة التشريحية ان المجنى عليه أصيب فى مؤخرة الرأس من عيار نارى معمر بمقذوف مفرد يتعذر تحديد نوعه وعياره أطلق عليه من مسافة تجاوز مسافة الاطلاق القريب ونظرا لان الرأس عضو متحرك فأنه يتعذر فنيا تحديد اتجاه الاطلاق على وجه الدقة وان كان المقذوف قد اتخذ مسارا أساسيا فى الرأس من الخلف الى الامام ويميل بسيط لاعلا وانحراف قليل الى اليسار، كما أصيب بثلاث اصابات طعنية بالصدر نفذت أثنتان منها الى تجويف الصدر محدثة تمزقات بالقلب والرئة اليمنى ومن الجائز حدوثهما بعد تمكن المتهمة من آلة الاعتداء، ولم تنفذ الثالثة وهى جائزة الحدوث أثناء التماسك وفق تصويرها، وأنه لا يوجد فنيا ما ينفى احتمال ان المجنى عليه كان - بعد اصابته بطعنتى الصدر مباشرة - فى حالة تسمح له أن يتجه لالتقاط مسدس من فوق السرير ثم يحاول تناول سلاح معلق فوق الحائط، وتعزى الوفاة الى اصابة الرأس واصابات الصدر مجتمعة. ويتبين من الكشف الطبى على المتهمة ان بها اصابتين بمقدم اعلا الفخذ ومفصل الركبة اليمنى يجوز حدوثها نتيجة الاعتداء عليها بجسم أو أجسام صلبة راضة فى وقت يتفق وتاريخ الحادث كما تبين ان بها حروقا نارية نتيجة الكى وكدمات بالفخذ الايسر وأثار التئام بظهر اليد اليسرى يجوز حدوثها من المصادمة بجسم صلب ذى حافة كسكين وأثر التئام بالعضد الايمن يجوز حدوثها من خدش أظافر نتيجة التماسك وهذه الاصابات قديمة يجوز حدوثها نتيجة الاعتداء عليها فى تواريخ مختلفة سابقة على الحادث.
ومن حيث ان كلا من...... عن نفسه وبصفته وليا شرعيا على القاصرة..... ادعى مدنيا بملبغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت.
ومن حيث ان الدفاع عن المتهمة طلب القضاء ببرائتها لانها كانت فى حالة دفاع شرعى عن نفسها.
ومن حيث أنه من المقرر قانونا ان حالة الدفاع الشرعى تتوافر بوقوع فعل ايجابى يخشى منه المتهم وقوع جريمة من الجرائم التى يجوز فيها الدفاع الشرعى سواء وقع الاعتداء بالفعل أو بدر من المجنى عليه بادرة اعتداء تجعل المتهم يعتقد لاسباب معقولة وجود خطر حال على نفسه أو على نفس غيره أو ماله، أنة وان كان الأصل ان تجريد المجنى عليه من آلة العدوان ثم طعنه بها يعد محض عدوان ولا يعد من قبيل الدفاع الشرعى، الا أنه اذا كان تجريد المجنى عليه من آلة العدوان ليس من شأنه - بمجرده - أن يحول دون مواصلة العدوان، فأنه يحق للمعتدى عليه ان يستعمل القوة اللازمة لدرئه مع الاخذ فى الاعتبار ما يحيط بالمدافع من مخاطر وملابسات تتطلب منه معالجة الموقف على الفور مما لا يصح معه محاسبته على مقتض التفكير الهادئ المتزن الذى كان يتعذر عليه وهو محفوف بالمخاطر. لما كان ذلك، وكان الثابت من أقوال المتهمة - التى تسترسل المحكمة بثقتها اليها - ان المجنى عليه حاول طعنها بسكين فى رقبتها فأمسكت بيده ولوتها مما أدى الى اصابته بجرح قطعى فى صدره تبين من تقرير الصفة التشريحية أنه جائز الحدوث أثناء التماسك وفق تصويرها، فانها تكون فى حالة دفاع شرعى، ولا يحول دون ذلك ما ورد بالتقرير الطبى الشرعى أنه من الجائز أن تكون المتهمة قد طعنت المجنى عليه بعد ذلك طعنتين فى صدره بعد ان تمكنت من السكينة، ذلك ان انتزاع السكين من يده فى هذه الحالة - ليس من شأنه أن يضع حدا لمخاوف المتهمة من مواصلة العدوان عليها، وقد كان لهذا التخوف أسباب معقولة تتمثل فى محاصرتها فى حجرة موصدة بها أكثر من سلاح نارى، ولم ينف التقرير الطبى الشرعى ان يكون المجنى عليه بعد اصابته فى صدره - فى حالة تمكنه من ان يحاول تناول المسدس ثم يتوجه لمحاولة تناول البندقية، وقد عزز مخاوفها أنه سبق أن أعتدى عليها أكثر من مرة مخلفا بها اصابات أثبتها التقرير الطبى الشرعى، بل ومحاولة الفتك بها منذ نحو ثلاثة أشهر سابقة على الحادث عندما ضربها وألفى بها من سيارته أثناء عودتهما ليلا الى منزلهما وهو ما شهد به رئيس المتهمة فى العمل أنها أبلغته به فى حينه. لما كان ذلك، فان الظروف التى نشأ عنها حق الدفاع الشرعى تكون قد توافرت بما يبيح للمتهمة طعن المجنى عليه فى صدره بالسكين واطلاق العيار النارى عليه من المسدس الذى سبقته اليه، اذ كانت بذلك تدرأ عن نفسها خطر عدوان حال خشيت لأسباب معقولة أن يسفر عن موتها أو اصابتها بجراح بالغة، مما يبيح لها قتل المعتدى عمدا، وبالتالى أحراز اداة القتل وهى السلاح موضوع التهمتين الثانية والثالثة، وذلك عملا بنص المادتين 245، 249 أولا من قانون العقوبات، ويتعين من ثم الحكم ببراءتها مما نسب اليها عملا بالمادة 304/ 1 من قانون الاجراءات الجنائية.
ومن حيث أنه بشأن الدعوى المدنية، فانه لما كان الفعل الضار الصادر عن المتهمة، لم يدفع اليه ضرر خارجى، وانما استلزمه خطر صادر من المضرور نفسه، فهو بذاته محدث ذلك الخطر الذى توفرت به حالة الدفاع الشرعى عن النفس، فان مسئولية المتهمة تنتفى بتاتا، مادامت لم تجاوز فى دفاعها القدر الضرورى، بما يوجب رفض الدعوى عملا بصريح نص المادة 166 من القانون المدنى والزام رافعها مصاريفها.