مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثاني (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1936م لغاية 26 أكتوبر سنة 1939م) - صـ 8

جلسة 12 نوفمبر سنة 1936

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمي حسين بك وحامد فهمي بك وعلي حيدر حجازي بك المستشارين.

(5)
القضية رقم 37 سنة 6 القضائية

( أ ) مسئولية مدنية. مسئولية السيد عن أعمال خادمه. مناطها.
(ب) قاصر. مسئوليته في ما له عن خطأ خادمه. (المادة 152 مدني)
1 - لا يشترط لانطباق المادة 152 من القانون المدني إلا أن يكون الخطأ الذي نشأ الضرر عنه قد وقع من الخادم في أثناء قيامه بتأدية عمله. فمتى توافر ذلك ثبتت مسئولية السيد بحكم القانون بغض النظر عما إذا كان قد أحسن أو أساء في اختيار خادمه أو في مراقبته، وبغض النظر عما إذا كان الخادم فيما وقع منه قد خالف أو أطاع أوامره. وذلك لأن هذه المسئولية إنما فرضها القانون مفترضاً قيام موجبها على الدوام.
2 - يسأل القاصر في ما له، عملاً بالمادة 152 مدني، عن خطأ خادمه ولا يحمل عنه وصيه هذه المسئولية.


المحكمة

ومن حيث إن الطعن يرجع في فحواه إلى سبب واحد وهو أن الحكم المطعون فيه قد خالف قواعد المسئولية عن فعل الغير، إذ قضى بإلزام ورثة المرحوم سليم قسيم المشمولين بوصاية الطاعنة متضامنين مع ورثة أمين قسيم عن تعويض ما لحق ورثة جرجس أفندي صالح كرمة من الضرر بخطأ سائق السيارة، مع أن أولئك الورثة كانوا إذ ذاك قُصراً لا يملكون على السائق المذكور رقابة واختياراً، بل كان أمر ذلك السائق موكولاً لوصيهم المرحوم أمين قسيم. وطلبت الطاعنة من أجل ذلك نقض الحكم المطعون فيه بالنسبة للقصر المشمولين بوصايتها وإخراجهم وإياها من الدعوى بلا مصاريف.
وحيث إن الطاعنة تدعي أن العلة في مسئولية المخدوم عن خادمه هي الاختيار والمراقبة، وإذن فلا مسئولية على مخدوم قاصر عن خطأ خادمه لأنه ليس أهلاً لذلك.
وحيث إن الطاعنة قد خلطت بين ما قيل في تعليل التشريع للمادة 152 من القانون المدني وبين شروط تطبيق هذه المادة حيث جاء صراحة في تلك المادة ما نصه: "يلزم السيد أيضاً بتعويض الضرر الناشئ للغير عن أفعال خدمه متى كان واقعاً منهم في حال تأدية وظائفهم". فيكفي لتطبيق هذه المادة أن يقع الخطأ المنتج للضرر من خادم، وأن يكون الخطأ قد وقع أثناء تأدية الخادم عمله. ومتى توافرت هذه الشروط ثبتت مسئولية السيد بحكم القانون وبغير حاجة إلى البحث فيما إذا كان السيد قد أحسن أو أساء اختيار خادمه ومراقبته أو أن الخادم قد خالف أوامر سيده، لأن هذه المسئولية إن هي إلا مسئولية مفترضة افتراضاً قانونياً.
أما بالنسبة للطاعنة الوصية فقد جاء بأسباب الحكم الاستئنافي أن بعقد البدل الرقيم 28 يوليه سنة 1928 وخطاب بنك الكنتوار الرقيم 30 ديسمبر سنة 1928 وكذا كشف الحساب الخاص بإخوان قسيم لدى البنك المذكور ما يثبت أن سائق السيارة عين في حياة مورّث القصر واستمر في خدمتهم بعد وفاته فهو خادمهم وسائق سيارتهم.
وحيث إنه لذلك جميعه يكون الحكم المطعون فيه لم يخالف القانون عند قضائه بمسئولية الطاعنة مدنياً في تعويض الضرر الذي لحق ورثة المطعون ضدّهم الثلاثة الأول، وإذن يكون هذا الطعن متعين الرفض كما طلبت النيابة بحق في مذكرتها.


(1) ننشر فيما يلي مذكرة النيابة العمومية المقدّمة من حضرة الأستاذ محمد عبد الله محمد لأهميتها:
. . . . . . . وشروط تطبيق نص المادة 152 من القانون المدني ظاهرة. هي أن يقع الخطأ المنتج للضرر من خادم، وأن يكون ذلك أثناء تأدية عمله (ديموج مصادر الالتزامات جـ 5 نبذة 88). ومتى توافرت هذه الشروط تحققت مسئولية السيد بحكم القانون وبغير حاجة إلى نسبة فعل أو ترك إلى السيد. بل ولا يمكن للسيد أن يتخلص من هذه المسئولية أو يدفعها بإثبات أنه أحسن اختيار خادمه أو أحسن مراقبته أو أن الخادم هو الذي خالف أوامره أو خرج على نواهيه. ولذلك قالوا إن مسئولية السيد مسئولية مفترضة افتراضاً قانونياً لا يسمح بإقامة الدليل على نفيها (راجع رسالة الدكتور سليمان مرقس في أسباب دفع المسئولية المدنية «بالفرنسية» ص 119 وما بعدها والمراجع المشار إليها فيها).
أما علة تشريع هذا النص فغير منضبطة وغير متفق عليها. وقد قال البعض إنها سوء الاختيار، واعترض عليهم بأن الاختيار قد يكون محدوداً ومع ذلك يسأل السيد، وقد لا يكون للسيد اختياراً مطلقاً في تعيين التابع أو الخادم ومع ذلك يسأل عنه. فقد قضي في فرنسا بمسئولية البلدة عن أخطاء رجال البوليس مع أن الذي يختارهم هو مدير البلدة الذي لا يمثل البلدة في شيء (حكم محكمة استئناف إكس في 24 فبراير سنة 1880 دالوز 1880 - 2 - 243) كما قضي فيها بمسئولية صاحب السفينة عن أخطاء دليل البوغاز pilote مع أنه يفرض عليها فرضاً (راجع حكم محكمة النقض الفرنسية في 23 يونيه سنة 1896 سيري 1898 - 1 - 209 وتعليق ليون كان وحكم دائرة العرائض في 24 يناير سنة 1923 سيري 1924 - 1 - 229)، وبمسئولية صاحب نادي الرماية الذي يستدعي عدداً من الجنود لتنظيم بعض التمرينات عن أخطاء أولئك الجنود مع أن اختيارهم ليس من عمله (حكم دائرة العرائض في 6 أغسطس سنة 1907 سيري 1908 - 1 - 281 ومازو جزء 1 ص 622).
وقال غيرهم إن علته هي التقصير في الرقابة. واعترض على هؤلاء بأنه لو كان الأمر كذلك لأتاح المشرع للسيد أن يثبت أنه أحسن رقابة خادمه أو اتخذ قبله كل أسباب الاحتياط (راجع مسئولية السيد للأستاذ بهجت بدوي بالفرنسية ص 45).
ومن هؤلاء من يجمع في بيان علة النص بين الأمرين سوء الاختيار والتقصير في الرقابة. ويحتجون لذلك بأنه إذا وقع من الخادم أو التابع خطأ فسببه التقصير في الرقابة - فإن كانت الرقابة كافية ووقع الخطأ مع ذلك دل هذا وحده على فساد الاختيار. وهو كلام ظاهر الضعف. وقد أحسن بلانيول التهكم على أصحابه إذ قال في مقال له نشر في المجلة الانتقادية:

''Ainsi chassés de l'une de leurs forteresses ils se réfugient dans l'autre et continuent indéfiniment ce petit jeu, bien qu'ils ne trouvent d'appui solide ni sur un point ni sur un autre."

(المجلة المذكورة سنة 1909 ص 297).
وآخرون يقولون إن علة النص هي النيابة والتمثيل في معناهما الأعم. فالسيد يسأل عن خادمه أو تابعه لأنه يمثله، فما يقع من الخادم يجب اعتباره واقعاً من السيد نفسه. ومن ثم لم يكن هناك من داعٍ لإلزام المجني عليه بإثبات خطأ خاص في جانب السيد (راجع نظرية شيروني كما لخصها ديموج في المرجع السابق بند 883).
ويقول غير هؤلاء وأولئك إن علة النص هي رغبة الشارع في إيجاد نوع من الضمان القانوني رفقاً بالمجني عليهم وتأميناً لهم لغلبة الفقر في الخدم والأتباع واليسار في السادة. كما يرى البعض أن هذا النص تطبيق لنظرية الغرم بالغنم (راجع حكم محكمة الاستئناف المختلطة في 7 مايو سنة 1925 مج 37 ص 415) أو لنظرية المجموع organisme ينبغي أن يسأل فيه من يقوم مقام الرأس عن أخطاء من يقوم مقام الجوارح (راجع ديموج المرجع السابق ص 75).
وما أشبه هذا كله بما قيل في شأن ضمان العاقلة في القتل الخطأ. فإن الشريعة الإسلامية قد حملت أهل المتسبب في القتل دية القتيل. وذلك لأن في إيجاب الدية على الفاعل وحده - وهي مال عظيم - استئصالاً له فضم إليه العاقلة لأنه إنما قصر بقوّة أنصاره وهم العاقلة فكانوا مقصرين في ترك مراقبته فخصوا به (نقلاً عن الدرر على الغرر لملا خسرو جزء 2 ص 125).
وقد تكون علة تشريع النص في الواقع مزيجاً مما تقدّم كله أو بعضه. ومع ذلك فإنها مهما كانت ليست منضبطة، أي لا توجد دائماً حيث يتحقق حكمها، فهي كعلة الشفعة التي قالوا إنها دفع سوء الجوار والشركة. فكما أن سوء الجوار أو الشركة لا يتحقق في كل أحوال الأخذ بالشفعة وليس شرطاً له فكذلك سوء الاختيار أو التقصير في الرقابة لا يتحقق في كل حالة تنطبق فيها المادة 152 مدني وليس شرطاً في تطبيقها.
ونحن حيال ذلك جديرون بأن ننظر إلى النص كما هو في القانون ونقف في تطبيقه عند حدود عبارته، وما فرض الشارع من القيود والشروط على اعتبار أنه قد فرض على السيد التزاماً أساسه القانون ex lege لا الخطأ (راجع ديموج جـ 1 ص 75).
وفي الواقع لا يحتاج الفقيه لتعرف علة المادة 152 باعتبار أن تحقيق هذه العلة شرط في تطبيق هذا النص. إنما قد يحتاج لتعرّفها في تعيين معنى التابع ومن يصح أن يوصف بهذا الوصف ومن لا يصح (لاحظ ذلك في تقسيم ديموج للفصل الخاص بمسئولية السيد).
وإذا تأملنا ما تقدّم ألفينا أننا بصدد نوع من المسئولية لا يعصم منه رشد ولا عقل ولا يفيد في دفعه استشهاد الشخص بحيطته أو تبصره، إذ هي مسئولية فرضها القانون فرضاً وقصد منها فيما قصد أن يضم بها ذمة السيد إلى ذمة الخادم تأميناً للمضرور وتيسيراً له في اقتضاء التعويض الذي يستحقه.
وإذا تقرر هذا كان احتجاج الطاعنة بقصر محجوريها غير منتج في دفع مسئوليتهم عن خطأ السائق الذي تبين أنه كان في خدمتهم وقت وقوع الحادث. ذلك لأن شروط المادة 152 مدني قد توافرت في حقهم بوقوع الخطأ من خادمهم في أثناء عمله.
أما القول بأن الوصي هو الذي يحمل عن القصر هذه المسئولية فمردود لأن هذه المسئولية قد فرضها القانون ليضمن للمضرور الحصول على التعويض من ذمة السيد على اعتبار أن هذه الذمة هي التي تستفيد في الغالب من نشاط الخادم. وبديهي أن الوصي في إدارته أموال القصر لا يعمل إلا لهم ولا يخلط ذمته بذمتهم، ولا يتصوّر أن تؤدّى الوصاية - وهي في الأغلب من غير مقابل - إلى أن يضمن الوصي في ما له أخطاء خدم القاصر ويعقل عن أتباعه فيما ليس أساسه خطأ منسوباً إليه هو يستطيع أن يدفعه عن نفسه أو أن ينحى باللائمة عليها من أجله. ولو قيل بغير ذلك لأجفل الناس من قبول الوصاية هرباً من مثل هذه المغارم التي لا تندفع.
هذا ومن المقرّر أن القصر والجنون لا تندفع بهما المسئولية متى افترضها القانون، فالصغير والمجنون يسألان عما يقع من الحيوان عملاً بالمادة 153 مدني.

''On admet généralement (cette responsabilité). En effet, la preuve de l'absence de faute ne libère pas le gardien, il importe donc peu que l'aliéné on l'enfant démontre qu'en raison de sa situation il n'a pas commis de faute. (Mazeaud T.1.P. 783;v. Aussi Demogue V. 10,20).

يضاف إلى ما تقدّم أن قانوننا لم يشترط الأهلية في المادة 151 لتحقق المسئولية التقصيرية مخالفاً في ذلك القانون المختلط. فما يقع من القاصر من الأخطاء يضمنها في ما له، ولا محل عندئذ للتفرقة بين الخطأ الثابت والخطأ المفترض وسؤال القاصر في ما له عن الأوّل وإعفائه من المسئولية عن الثاني.