مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثاني (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1936م لغاية 26 أكتوبر سنة 1939م) - صـ 13

جلسة 19 نوفمبر سنة 1936

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمي حسين بك وحامد فهمي بك وعلي حيدر حجازي بك المستشارين.

(7)
القضية رقم 14 سنة 6 القضائية

( أ ) دعوى إبطال التصرف. تصرف تدليسي. ماهيته. تصرف بالبيع. كيفية الطعن فيه. الصورية. الدعوى البوليصية. إعسار المدين بالصفقة المطعون فيها. إثباته على الدائن.
(ب) صورية. دفع بصورية عقد. دفع احتياطي بحصول البيع إضراراً بالدائن. رفض الدفع بالصورية لجدّية العقد. إبطال العقد على أساس قواعد الدعوى البوليصية. غير جائز. نقض. (المادتان 143 و556 مدني)
1 - التصرف التدليسي هو أن يشارك المتصرف له المدين في إجراء تصرف صوري أو في إجراء تصرف حقيقي يجعله في حالة إعسار بإخراج جزء من أملاكه عن متناول دائنيه. فإذا كان التصرف بيعاً فسبيل إبطاله هو الطعن المبني على الصورية أو على الدعوى البوليصية. وفي هذه الحالة الأخيرة يجب التمسك بأن الثمن وهمي أو بخس، أو بأنه حقيقي ولكن المتصرف له اشترك مع المدين في إخراج هذا الثمن كله أو بعضه من مجموعة أمواله حتى أصبح في حالة إعسار لا يفي ماله بمطلوب غرمائه. والعبء في إثبات إعسار المدين بالصفقة المطعون فيها يقع على الدائن.
2 - إذا تمسك الدائن أصلياً بصورية عقد البيع الحاصل من مدينه واحتياطياً بأن هذا البيع حصل إضراراً به، وبحثت المحكمة في صورية العقد فتبين لها أنه جدّي، فلا يجوز لها بعد ذلك أن تبطله على أساس أنه صوري تدليسي.


الوقائع

تتلخص وقائع هذه الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه والحكم الابتدائي ومن سائر المستندات المقدّمة من طرفي الخصومة وكانت من قبل مقدّمة لمحكمة الاستئناف - في أن الطاعن تعاقد عرفياً في 26 مايو سنة 1927 مع محمود فهمي بدر أفندي على أن يشتري الأوّل من الثاني منزله الكائن بالعباسية البحرية بثمن مقداره ثلاثة آلاف جنيه، دفع له منها في 27 مايو سنة 1927 ألفين، وتعهد بدفع الألف الجنيه الباقية على أربعة أقساط متساوية في أربع سنين ابتداءً من تاريخ عقد البيع النهائي.
وفي 11 سبتمبر سنة 1927 أنذر رئيس مجلسي أسيوط وملوي المحليين الطاعن بأن محمود فهمي بدر أفندي باع له منزله بطريق التواطؤ والصورية إضراراً بالمجلسين. وكان الطاعن في هذه الأثناء رفع على محمود فهمي بدر أفندي دعوى أمام محكمة إسكندرية الابتدائية بصحة تعاقده الحاصل في 26 مايو سنة 1927، فحكمت تلك المحكمة بتاريخ 24 أكتوبر سنة 1927 برفض الدعوى. فاستأنف الطاعن هذا الحكم وقضى نهائياً من محكمة استئناف مصر في 19 فبراير سنة 1928 في القضية رقم 105 سنة 45 قضائية بإلغاء الحكم الابتدائي وبصحة التعاقد. وقد أودع الطاعن بخزانة محكمة طنطا بعد تسلمه إنذار 11 سبتمبر سنة 1927 الأقساط المستحقة من باقي ثمن المنزل، وذلك على ذمة كل من البائع ومجلسي أسيوط وملوي المحليين. وفي أوّل أكتوبر سنة 1927 ردّ الطاعن على هذا الإنذار بما يفيد أنه متمسك بالعقد الصادر إليه، وأنه قد أودع ما استحق عليه من باقي الثمن ثم أودع باقي الأقساط في تواريخ لاحقة. وبعد ذلك أي في 15 يوليه سنة 1931 أعلن الطاعن محمود فهمي بدر أفندي بعريضة دعوى أمام محكمة مصر الابتدائية قيدت تحت رقم 2204 كلي سنة 1931 طلب فيها للأسباب التي أوردها الحكم له عليه ببراءة ذمته من مبلغ الألف الجنيه المصري الذي سبق أن أودعه خزانة محكمة طنطا وهو الباقي عليه من ثمن العقار المبيع له بعقد 26 مايو سنة 1927 المحكوم نهائياً بصحته في 19 فبراير سنة 1928 من محكمة استئناف مصر، والذي سجل تحت رقم 1393 بقلم الرهون المختلطة بالقاهرة في 5 مارس سنة 1928، وطلب الطاعن أيضاً الحكم بشطب الامتياز الذي كان مترتباً على المنزل المبيع لمصلحة البائع من أجل مبلغ الألف الجنيه باقي الثمن.
وبتاريخ 13 إبريل سنة 1932 أدخل الطاعن وزارة الداخلية في الدعوى طالباً الحكم بأن الإنذار المعلن إليه في 11 سبتمبر سنة 1927 لا يمنع محمود فهمي بدر أفندي البائع من صرف المبلغ المودع بخزينة محكمة طنطا أو الحكم بأحقية الحكومة في ذلك المبلغ مع الحكم في الحالين ببراءة ذمته من مبلغ الألف الجنيه الباقية عليه من الثمن.
وبتاريخ 31 مايو سنة 1932 أدخل الطاعن مجلسي أسيوط وملوي المحليين في الدعوى بعريضة طلب فيها نفس الطلبات التي وجهها إلى وزارة الداخلية.
وفي 15 أغسطس سنة 1932 رفع رئيساً مجلسي أسيوط وملوي المحليين دعوى فرعية على الطاعن وعلى محمود فهمي بدر أفندي أمام محكمة مصر طالباً الحكم عليهما (أوّلاً) برفض الدعوى الأصلية المرفوعة من الطاعن على المجلسين. (وثانياً) ببطلان عقد البيع الصادر من محمود فهمي بدر أفندي إلى الطاعن بتاريخ 26 مايو سنة 1927 وهو الذي أثبت وقوعه حكم محكمة استئناف مصر المؤرخ في 19 فبراير سنة 1928 واعتبار ذلك البيع كأنه لم يكن ومحو التسجيل الذي أجري عنه في محكمة مصر الابتدائية المختلطة بتاريخ 5 مارس سنة 1928 مع إلزام الخصوم متضامنين بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة والأمر بالنفاذ المؤقت بلا كفالة.
نظرت المحكمة الدعويين فتمسك الطاعن في دعواه الأصلية بعقد 26 مايو سنة 1927 الذي قضى نهائياً بصحته من محكمة استئناف مصر، وتمسك الحاضر عن مجلسي أسيوط وملوي المحليين (أولاً) بأن البيع الحاصل للطاعن هو بيع صوري. (وثانياً) من قبيل الاحتياط أنه حصل إضراراً بالمجلسين وهما دائنان للبائع. واستند في دفاعه إلى نص المادة 143 من القانون المدني. فاعترض الحاضر عن الطاعن على توجيه دعوى الصورية مع الدعوة البوليصية. والمحكمة بعد أن سمعت دفاع طرفي الخصومة حكمت حضورياً في 15 يناير سنة 1934 في الدعويين الأصلية والفرعية بإبطال عقد البيع الصادر من محمود فهمي بدر أفندي إلى أحمد كامل أفندي بتاريخ 26 مايو سنة 1927 وإلغاء التسجيلات المترتبة على هذا البيع، وإلزام الاثنين متضامنين بأن يدفعا لمجلسي محلي أسيوط وملوي مصاريف الدعوى الفرعية ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة وبرفض طلبات أحمد كامل أفندي المدّعي في الدعوى الأصلية وإلزامه بمصاريفها.
استأنف أحمد أفندي كامل الطاعن هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر بعريضة أعلنت لخصومه في 21 إبريل سنة 1934 وقيدت تحت رقم 662 سنة 51 قضائية طالباً الحكم بقبول استئنافه شكلاً وفي الموضوع (أولاً) بإلغاء الحكم المستأنف فيما يختص بالدعوى الفرعية وبرفضها، (ثانياً) الحكم في الدعوى الأصلية بالطلبات الابتدائية المبينة في صحيفة افتتاح الدعوى المعلنة في 15 يوليه سنة 1931 لمحمود فهمي بدر أفندي، (ثالثاً) بإلزام وزارة الداخلية ورئيسي مجلسي محلي أسيوط وملوي متضامنين بجميع المصاريف الخاصة بالدعوى الفرعية وإلزام محمود فهمي بدر أفندي بمصاريف الدعوى الأصلية.
نظرت محكمة استئناف مصر القضية وحكمت في 7 نوفمبر سنة 1935 في غيبة محمود فهمي بدر أفندي وحضور سائر الخصوم بقبول الاستئناف شكلاً وبرفضه موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف وألزمت أحمد كامل أفندي المستأنف (الطاعن) بالمصاريف وبألف قرش مقابل أتعاب المحاماة لمن عدا محمود فهمي بدر أفندي من المستأنف عليهم. أعلن هذا الحكم الخ.


المحكمة

وبما أن أهم ما جاء في التقريرين المقدمين من الطاعن أن الحكم المطعون فيه، فضلاً عن تناقض أسبابه مع منطوقه، فإنه قد أخطأ في تطبيق القانون. وآية هذا وذاك أن محكمة الاستئناف بينما اعتبرت عقد 26 مايو سنة 1927 المحرر للطاعن عقداً جدياً لا صورياً، فإنها ذهبت مع محكمة أول درجة في تعليل إبطاله طبقاً لقواعد الدعوى البوليصية إلى ما يؤذن باعتبارها إياه عقداً صورياً تدليسياً، فاختلط الأمر، وبدا الخطأ في القانون.
وبما أن الحكم الابتدائي الذي اعتمدت أسبابه محكمة الاستئناف - بعد أن قرر أن لا مانع من أن يدفع الدائن بالصورية مع الدعوى البوليصية - جعل يبحث نقطة النزاع الجوهرية موازناً بين ما قالته الحكومة من أن البيع صوري لا ثمن فيه وبين ما قاله الطاعن عن جديته وقيامه بدفع الثمن فقال الحكم ما يأتي:
"وحيث إنه ثابت من الاطلاع على دوسيه الدعوى أن أحمد كامل أفندي سحب في تاريخ 27 مايو سنة 1927 من البنك الأهلي مبلغ 600 جنيه بشيك رقم 56287 ومن بنك مصر فرع طنطا 1200 جنيه بشيك رقم 603526 ومن صندوق التوفير بالبوستة مبلغ 220 جنيهاً والمجموع 2020 جنيهاً".
"وحيث إن سحب المبلغ هذا اليوم التالي لتاريخ عقد البيع لهو دليل على أن البيع لم يكن صورياً، فإن الثمن قد سلم فعلاً إلى البائع محمود بدر أفندي كما قرر محمود بدر أفندي ذلك أمام النيابة أنه دفع هذا المبلغ لسداد ثمن العزبة التي اشتراها باسم زوجته".
"وحيث إن الحكومة في قضية الموسكي التي رفعت ضد زوجة محمود بدر أفندي قد تمسكت بأن محمود بدر أفندي باع منزله الكائن بالعباسية ليدفع ثمن العزبة التي اشتراها باسم زوجته تهريباً لأمواله كما ورد ذلك في مذكرة طرفي الخصومة".
"وحيث إن المحكمة ترى من جميع ما تقدم أن التمسك بدعوى الصورية باعتبار أن البيع وهمي لم يقم عليه من الأدلة ما يكفي لإقناع المحكمة ولا تأخذ المحكمة بهذا الدفع".
انتقل الحكم بعد ذلك إلى معالجة شرائط الدعوى البوليصية وتطبيقها على العقد محل النزاع فتكلم أولاً عن تدليس البائع ثم عن تواطؤ المشتري وسوء نيته إلى آخره.
وبما أن الذي ذكرته المحكمة في صدر حكمها عن كون العقد صورياً أو جدياً ما كان ينتج قانوناً ومنطقاً إلا أنه عقد بيع جدي فيه ثمن بعضه مقبوض وبعضه مودع، فما كان لها بعد ذلك أن تبحث النزاع على أنه دعوى بوليصية طلب فيها إبطال عقد صوري تدليسي، فإن هذا البحث عقيم لا نتيجة له بعد أن تبين لنفس المحكمة أن العقد جدي. ولا يرفع عقم هذا البحث ما عرضت له المحكمة في آخر حكمها من حصول ضرر بتصرف البائع، فإن ذلك كان استدراكاً أقحم على منحى الحكم فزاده اضطراباً.
وبما أن هذا الذي جاء في الحكم هو خطأ في القانون يوجب نقضه. ولا داعي بعد ذلك لبحث سائر ما جاء في تقريري الطعن.
وبما أن الدعوى صالحة للحكم في موضوعها.
وبما أن المستفاد من وقائع الدعوى ومستنداتها المقدمة أن أحمد كامل أفندي اشترى منزل محمود فهمي بدر أفندي بعقد عرفي مؤرخ في 26 مايو سنة 1927 حكمت محكمة استئناف مصر في 19 فبراير سنة 1928 بصحة التعاقد الوارد فيه، ودفع للبائع من الثمن - وهو 3000 جنيه - مبلغ ألفي جنيه في 27 مايو سنة 1927 ثاني يوم التعاقد فسدد البائع هذا المبلغ ضمن أربعة آلاف جنيه دفعها من ثمن عزبة مساحتها 197 فداناً وكسراً، كان اتفق في 10 مايو سنة 1927 على شرائها باسم زوجته السيدة حميدة مصطفى راشد من سونبري باكوبلو وزكريا بادوراكس بمبلغ 10700 جنيه. وقد علل بدر أفندي شراء العزبة باسم زوجته بأنه أراد أن يرتب شئون أولاده وزوجته على حدّ قوله المروي عنه في مذكرة لمجلسي أسيوط وملوي المحليين قدّماها لمحكمة الموسكي في الدعوى رقم 3587 سنة 1931 المحكوم فيها بتاريخ 28 ديسمبر سنة 1932، وتعهدت الزوجة التي اشتريت الأطيان باسمها بأن لا تتصرف فيها كما ورد ذلك في إنذار المجلسين للطاعن المؤرّخ في 11 سبتمبر سنة 1927، فقد جاء به عن بيان أملاك محمود فهمي بدر أفندي أن له 197 فداناً ولو أنها مشتراة باسم زوجته إلا أنها اعترفت بأن الثمن دفع من مال زوجها وتعهدت بعدم التصرف فيها.
ولقد كان علم الحكومة بحصول التصرف المطعون فيه راجعاً إلى 21 يونيه سنة 1927 حيث أرسل قسم البلديات إلى الطاعن كتاباً فحواه علم ذلك القسم بالصفقة وطلبه إليه موافاته بموقع المنزل المبيع وثمنه ومساحته وغير ذلك من البيانات، فأجاب القسم إلى ما طلب، وأعقب ذلك وصول إنذار 11 سبتمبر سنة 1927 إليه، فرد على ذلك الإنذار بآخر مؤرخ في أول أكتوبر سنة 1927 ذكر فيه أنه حسن النية، ولا يعلم من أمر الاختلاسات المعزوّة إلى بدر أفندي شيئاً، فسكتت الحكومة حتى أدخلها الطاعن بتاريخ 13 إبريل سنة 1932 في الدعوى الحالية. عندئذٍ رفعت دعواها الفرعية بتاريخ 15 أغسطس سنة 1932 أي بعد أكثر من خمس سنين من تاريخ علمها بالصفقة.
وبما أن القاعدة الفقهية في التصرف التدليسي هي مشاركة المتصرف له المتصرف في إجراء تصرف صوري أو تصرف حقيقي يعسر المدين بإخراج جزء من أملاكه عن متناول الدائنين، فإذا كان التصرف بيعاً وحب أن يكون الطعن فيه إما بصورتيه وإما - إذا أريد التمسك بالدعوى البوليصية - بأن الثمن وهمي أو بخس، أو أنه حقيقي ولكن المتصرف له اشترك مع المدين في تيسير إخراج هذا الثمن كله أو بعضه من مجموعة أمواله فأصبح المدين معسراً لا يفي ماله بما لغرمائه. والدائن هو الذي يقع عليه عبء إثبات إعسار المدين بالصفقة المطعون فيها.
وبما أن وقائع الدعوى الحالية لا تنطبق عليها هذه القاعدة. فالتصرف الذي صدر من بدر أفندي كان بيعاً جدّياً دفع فيه الثمن قبضاً وإيداعاً، وإعسار المدين لم يثبت أنه كان نتيجة للصفقة، بل على العكس ثبت أن الثمن المقبوض باقٍ لم يبدّد، وفي وسع الدائن الوصول إليه لو أنه عني بذلك.
وبما أنه يبين مما تقدّم أن الحكم المستأنف غير سائغ ويتعين إلغاؤه والقضاء بطلبات أحمد كامل أفندي في دعواه الأصلية وبرفض الدعوى الفرعية.
وبما أن المتسبب في هذا النزاع إنما هو جهة الحكومة فهي الملزمة بمصاريف الدعويين الأصلية والفرعية عن الدرجتين.