مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثاني (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1936م لغاية 26 أكتوبر سنة 1939م) - صـ 37

جلسة 3 ديسمبر سنة 1936

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمي حسين بك وحامد فهمي بك وعلي حيدر حجازي بك المستشارين.

(15)
القضية رقم 55 سنة 6 القضائية

تقادم مكسب للملكية. وضع يد الأجنبي. متى يكون قاطعاً للتقادم؟ عرض الأجنبي واضع اليد تعويضاً عن مدّة حيازته. وضع يده لا يقطع التقادم. (المواد 76 و77 و82 من القانون المدني)
وضع يد الغير على العين لا يكون قاطعاً للتقادم المدّعى به إلا إذا كانت حيازته لها لحسابه نفسه. فإذا كان هذا الغير قد عرض على ذي الشأن في وضع اليد تعويضاً عن مدّة حيازته، فإن يده على العين تكون بمثابة استمرار يد ذي الشأن عليها. وإذن فالحكم إذا أسقط من مدّة التقادم المدّة التي استولت فيها السلطة العسكرية البريطانية على الأرض المتنازع عليها مقابل تعويض دفعته لذي اليد، بانياً ذلك على أن هذا الاستيلاء يقطع التقادم لأنه كان بفعل من أجنبي ليس بينه وبين ذي اليد اتفاق يجعله نائباً عنه في وضع اليد - هذا الحكم يكون مخطئاً متعيناً نقضه.


الوقائع

تتلخص وقائع هذه الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه ومن سائر المستندات المقدّمة لهذه المحكمة وكانت من قبل مقدّمة لمحكمة الاستئناف - في أن المدّعى عليهم في الطعن رفعوا بتاريخ 6 فبراير سنة 1933 أمام محكمة إسكندرية الابتدائية الدعوى رقم 237 كلي سنة 1933 على الطاعنين وعلى كل من رئيس نيابة إسكندرية الأهلية ووكيل نيابة العطارين ومدير عام مجلس إسكندرية البلدي، وذكروا في عريضتها أن مورّث الطاعنين اشترى من عائلة سودان بعقد مسجل في 15 أكتوبر سنة 1903 : 2/80/9945 متراً بغيط بابين وصقرق بسيدي بشر حدّاهما الشرقي والقبلي ينتهيان إلى ملك البائعين. وقبل رفع هذه الدعوى ببضعة أيام أراد رجال الطاعنين أن يغتصبوا قطعة أرض مثلثة الشكل ملك المدّعى عليهم في الطعن بوضع كشك خشبي فيها فمنعهم المذكورون وبلغوا البوليس، ثم رفعوا الدعوى الحالية طالبين فيها: (أوّلاً) تثبيت ملكيتهم لقطعة الأرض المثلثة الشكل والمبينة الحدود والمعالم بالعريضة مع إلزام خصومهم بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. (وثانياً) بإلزام مجلس بلدي إسكندرية بطلبات عينوها. (وثالثاً) بطلبات أخرى قبل رئيس نيابة إسكندرية ووكيل نيابة العطارين. وهذه وتلك لا شأن لها بالطعن الحالي. فدفع الطاعنون الدعوى بأنهم ومورّثهم من قبل واضعو اليد على العين المتنازع عليها المدّة الطويلة المكسبة للملكية. وفي 7 إبريل سنة 1935 قضت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعنون وينفي خصومهم وضع يد الطاعنين ومورّثهم من قبلهم على العين المتنازع عليها المدّة الطويلة المكسبة للملكية.
استأنف المدّعى عليهم في الطعن هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر ... ... طلبوا... وأصلياً القضاء ببطلان الحكم التمهيدي واحتياطياً إلغاءه وفي الموضوع بثبوت ملكيتهم للمثلث المبين الحدود والمعالم بعريضة الدعوى الابتدائية وبإلزام مجلس بلدي إسكندرية بما سبق أن طلبوا ابتدائياً إلزامه به ... ... ... ... ...
والمحكمة حكمت في الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف ورفض طلب الإحالة إلى التحقيق وأمرت بإعادة القضية لمحكمة أوّل درجة للفصل في موضوعها الخ.
أعلن هذا الحكم للطاعنين في 12 مايو سنة 1936 فطعن فيه وكيلهم بطريق النقض الخ.


المحكمة

وبما أن مبنى الطعن وجهان: (الأوّل) يتلخص في أن الحكم المطعون فيه إذ اعتبر استيلاء السلطة العسكرية البريطانية على الأرض المتنازع عليها بغير اتفاق مع واضع اليد أو دخل لإرادته قطعاً لوضع يده رتب عليه استبعاد مدّة السلطة وما سبقها - إن الحكم إذ اعتبر ذلك قد أخطأ في التكييف القانوني لواقعة الاستيلاء. فإن أعمال السلطة العسكرية البريطانية في القطر المصري أثناء الحرب العامة وبعدها هو من قبيل القوّة القاهرة المقرر قانوناً أنها لا تقطع مدّة التقادم. ويقول الطاعنون إن تلك السلطة لم تنازع مورّث الطاعنين حقه على الأرض، بل اعترفت به وأبدت استعدادها لتعويضه عن الانتفاع، ودفعت فعلاً ذلك التعويض، فكانت بفعلها أشبه بمستأجر في نيابتها عنه في وضع اليد. أما الوجه الثاني فيتلخص في أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ أيضاً في التكييف القانوني حين ذكر أنه لو سلم جدلاً للطاعنين بأن السلطة العسكرية كانت نائبة عنهم في وضع اليد، فإنها بعد استيلائها على الأرض المتنازع عليها وعلى غيرها قد أزالت الحدود بين الممتلكات المختلفة، وهذا يجعل وضع اليد غامضاً غير ظاهر - أخطأ الحكم في ذلك لأن مجرّد إزالة الحدود بعد الاستيلاء لا عبرة به ما دام الثابت في الحكم أن الحدود كانت موجودة في بدايته، ثم أعيدت إلى سابق عهدها بعد انقضائه، فما كان للمحكمة أن تكيف الواقع الذي من حقها استخلاصه هذا التكييف الخاطئ وترتب عليه النتائج القانونية.
وبما أنه فيما يتعلق بما أتى به الطاعن في الوجه الأوّل من وجهي الطعن قد استهل الحكم المطعون فيه بالفقرة الآتية:
"وحيث إن الخلاف بين المستأنفين (المدعى عليهم في الطعن) وبين المستأنف ضدّهم الخمسة الأول (الطاعنين) ينحصر فيما إذا كان وضع يد هؤلاء الأخيرين ومورّثهم من قبلهم المدّة الطويلة على الأرض المتنازع عليها بفرض ثبوته قد أكسبهم ملكيتها من عدمه".
وبعد أن ذكر الحكم دفاع كل فريق ومستنداته وعلق على ذلك جميعاً أثبتت المحكمة نتيجة ما استخلصته فيما يأتي:
"وحيث إنه يؤخذ من ذلك أن استيلاء السلطة العسكرية على موقع النزاع لم يكن بناءً على اتفاق حصل بين الملاك أو واضعي اليد حتى يمكن اعتبارها نائبة عنهم قانوناً في وضع اليد كما يزعم المستأنف ضدّهم الخمسة الأوّلون (الطاعنون)، بل كان عملها قطعاً لوضع يدهم ومنعهم دون دخل لإرادتهم من حيازتها حيازة فعلية. وهذا يترتب عليه عدم احتسابه في مدة وضع اليد كما يترتب عليه ضياع حقهم في المدة السابقة عليه".
كان هذا نتيجة ما قطعت به محكمة الاستئناف.
وبما أن إسقاط الحكم المطعون فيه من مدّة التقادم المكسب للملكية المدّة التي استولت فيها السلطة العسكرية البريطانية على المثلث المتنازع عليه على أساس أن هذا الاستيلاء كان بفعل من أجنبي فهو قاطع للتقادم لعدم وجود اتفاق بين هذا الأجنبي وبين ذي اليد يجعله بمثابة نائب عنه - هذا الإسقاط، مبنياً على ذلك الأساس وحده، ينطوي على خطأ في القانون. لأن وضع يد الأجنبي لا يكون فعلاً قاطعاً للتقادم إلا إذا كانت حيازة الأجنبي لحساب نفسه. أما وقد جاء في الحكم المطعون فيه أن السلطة العسكرية عرضت على ذوي الشأن تعويضاً عن مدّة حيازتها، فوضع يدها يكون أشبه ما يكون بالاستمرار في وضع اليد السابق. فبناء الحكم على خلاف ذلك هو خطأ في القانون يوجب نقضه.
وبما أن الدعوى صالحة للحكم.
وبما أن ما قضت به المحكمة الابتدائية من إحالة الدعوى إلى التحقيق، جاء وفق القاعدة المتقدّم بيانها، ثم إن التحقيق يمكن به استجلاء ظروف وضع اليد وتوافر أو عدم توافر شروطه القانونية.