مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثاني (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1936م لغاية 26 أكتوبر سنة 1939م) - صـ 76

جلسة 21 يناير سنة 1937

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وحامد فهمي بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد كامل الرشيدي بك المستشارين.

(31)
القضية رقم 78 سنة 6 القضائية

تنفيذ:
( أ ) وجود أموال للمدين ممكن التنفيذ عليها واستداد الدائن بدينه منها. تحصيل هذا الأمر من مصادره. موضوعي.
(ب) أيلولة ملك للمدين عن طريق الإرث أو نحوه. تعرّض محكمة الموضوع لبحث ذلك. لا مخالفة فيه للمادة 502 مدني.
(جـ) دفع بتجريد المدين. حق الكفيل غير المتضامن في إبدائه في أي وقت مناسب. حقه في تبيين ما استجد للمدين من مال جديد.
(د) أموال المدين الجائز حجزها. كفايتها أو عدم كفايتها للوفاء بالدين. تقديره موضوعي.
(هـ) عبارة "إيقاف المطالبة الحاصلة للكفيل" الواردة بالمادة 502 مدني. المراد منها. الحكم بإلغاء التنبيه العقاري. جوازه. (المادة 502 مدني)
1 - إذا حصلت محكمة الاستئناف من أوراق الدعوى أن للمدين أموالاً كان الدائن يمكنه التنفيذ عليها والاستداد بدينه منها، ولم يكن هناك من موجب لرجوعه على أموال الكفيل الذي لم يكن متضامناً في السداد، فإن تحصيل هذا الفهم لا يدخل في رقابة محكمة النقض متى كان مستقى من مصادر صالحة لأن تؤدّى إليه.
2 - إن تعرّض محكمة الموضوع لبحث ما آل للمدين بالإرث أو الهبة أو نحوهما من ملك جديد لا مخالفة فيه للمادة 502 من القانون المدني.
3 - للكفيل غير المتضامن أن يتمسك في أي وقت يكون مناسباً بالدفع بتجريد المدين. وذلك ما لم يصدر منه قول أو فعل أو ترك يدل على تنازله عن هذا الدفع.
فإذا كان عليه أن يبين للدائن ما عساه يكون للمدين من مال جائز الحجز عليه لاستيفاء دينه منه، وأن يكون تقديمه لهذا البيان على دفعة واحدة وعند البدء في التنفيذ، فإن له كذلك أن يبين ما يكون قد آل للمدين من مال بسبب جديد. وإذن فإذا كان الكفيل عند إعلانه من الدائن بتنبيه نزع الملكية قد بادر إلى المعارضة في التنبيه وأعلن صحيفة المعارضة للدائن في الميعاد القانوني مبيناً له ما يمتلكه المدين مما يجوز له أن يستد بدينه منه، ثم لما جدّ للمدين ميراث بادر أيضاً إلى إعلان الدائن بأن مدينه قد ورث ما يمكنه أن يستد بدينه منه بغير رجوع عليه، فإنه لا يصح اعتباره متوانياً في الدفع بتجريد المدين من هذا الملك الجديد الذي آل إليه ولا تاركاً له بمقولة إنه فاته أن يبديه عند البدء في التنفيذ. ولذلك لا تكون المحكمة مخطئة في تطبيق القانون إذا هي بحثت في قيام هذا الملك وإمكان استيفاء الدائن دينه منه.
4 - إن الشارع قد وكل إلى المحكمة التي يقدّم الكفيل إليها دفعه بتجريد المدين أمر الفصل فيما إذا كان الظاهر من أموال المدين الجائز حجزها يفي بأداء الدين بتمامه، ثم الحكم بإيقاف المطالبة الحاصلة للكفيل إيقافاً مؤقتاً أو بعدم إيقافها على حسب الأحوال، مع عدم الإخلال بالإجراءات التحفظية، فلا رقابة لمحكمة النقض على ما تراه محكمة الموضوع في ذلك.
5 - إن المراد من عبارة "إيقاف المطالبة الحاصلة للكفيل" الوارد ذكرها في المادة 502 من القانون المدني هو الكف عن متابعة السير في إجراءات التنفيذ مع عدم الإخلال بالإجراءات التحفظية. وهذا لا يتعارض مع قضاء المحكمة بإلغاء تنبيه نزع الملكية المعلن إلى الكفيل ومحو ما يترتب عليه من التسجيلات.


المحكمة

ومن حيث إن مبنى الوجه الأوّل أن الحكم المطعون فيه - إذ قضى بتكليف الطاعنة بتجريد مدينها الأصلي قبل التنفيذ على مال كفيله غير المتضامن معه وبإلغاء تنبيه نزع الملكية المعارض فيه ومحو كافة التسجيلات المترتبة عليه وإلزام الطاعنة بالمصاريف - قد خالف وأخطأ في تفسير وتطبيق المادة 502 من القانون المدني وذلك من النواحي الآتية:
(أوّلاً) من ناحية أن هذه المادة لا توجب الرجوع على المدين الأصلي أوّلاً، وقبل التنفيذ على الضامن غير المتضامن، إلا إذا كانت أملاك المدين خالية من كل حق عيني للغير ومن كل نزاع، وكان التنفيذ عليها سهلاً وسريعاً. ولذلك كان من الخطأ الجسيم إلزام الطاعنة بالتنفيذ أوّلاً على أموال مدينها على الرغم مما عليها من رهونات ومنازعات وإشكالات.
(ثانياً) من ناحية أن هذه المادة كانت توجب على المحكمة ألا تعتدّ بما جدّ للمدين من مال بالإرث لأن هذا الإيسار الجديد لا ينبغي أن يؤثر فيما سارت فيه الطاعنة من إجراءات التنفيذ على أموال الضامن.
(ثالثاً) من ناحية أن محكمة الاستئناف قد بحثت في حقيقة ما ادعاه الضامن من أن المدين قد ورث عن أخته والدة الطاعنة 5 أفدنة و13 قيراطاً و21 سهماً مع قيام النزاع عليها، وانتهت من بحثها إلى جواز الاعتداد بهذا المال الجديد ووجوب التنفيذ عليه قبل التنفيذ على أملاك الضامن.
(رابعاً) من ناحية أن محكمة الاستئناف بدلاً من أن تحكم بإيقاف التنفيذ مؤقتاً قد قضت بإلغاء تنبيه نزع الملكية واعتباره كأن لم يكن، وبمحو التسجيلات المترتبة عليه، وبإلزام الطاعنة بالمصاريف، مع أن المادة 502 المذكورة لا تجيز غير الحكم بإيقاف التنفيذ.
ومن حيث إن مبنى الوجه الثاني أن الحكم المطعون فيه بني على خلاف ما هو ثابت بأوراق الدعوى. فقد جاء به أن المنزل المشيد على الألف متر غير مرهون، وأنه كافٍ وحده لسداد الدين. وهذا يخالف الواقع الثابت بالأوراق. وقد جاء به أيضاً أن الباقي من أملاك المدين بعد الذي نزعت ملكيته هو فدانان و10 قراريط و23 سهماً مع أن الضامن لم يثبت لمحكمة الاستئناف وجود هذا القدر وبقاءه على ملك المدين خالياً من حق الغير عليه.
هذا. ومن حيث إن محكمة الاستئناف استهلت حكمها المطعون فيه بالتقرير بأن لا نزاع في أن المستأنف ملزم بدفع المبلغ المحكوم به بصفته ضامناً غير متضامن، ولا في عدم جواز التنفيذ عليه إلا بعد تجريد المدين مما يملكه، وبأن النزاع إنما ينحصر فيما إذا كان هذا المدين (الشيخ عبد الرحمن) يملك أو لا يملك أموالاً يمكن التنفيذ عليها أولاً، فتستولي الطاعنة منها على ما حكم لها به بغير حاجة إلى الرجوع على الضامن. ثم بحثت المحكمة في هذا النزاع فقالت إن محكمة الدرجة الأولى استندت في قضائها برفض معارضة المستأنف في تنبيه نزع الملكية على "أنه وإن كان المدين يملك أطياناً ومنزلاً إلا أنها كلها مستغرقة بالديون، وأن التنفيذ عليها لا ينتج منه شيء للدائنة". ثم عقبت على ذلك فقالت: "إنها باطلاعها على الكشف المقدّم من المستأنف عليها نفسها الخاص بالتسجيلات المتوقعة على ممتلكات الشيخ عبد الرحمن اتضح لها أن المرهون للبنك العقاري 53 فداناً و10 قراريط و20 سهماً بناحية البلاكوس بحوض الهيشة نمرة 3، واتضح لها أيضاً من الاطلاع على كشف التكليف المقدّم من المستأنف أنه (أي المدين) يملك بهذا الحوض 56 فداناً و4 قراريط و20 سهماً المستأنف عليها لا تنازع في ملكيته لهذا القدر". إلى أن قالت: "وعليه يكون باقياً للمدين بغير تصرف فدانان و10 قراريط و23 سهماً يمكن التنفيذ عليها". ثم قالت: "وحيث إنه ثابت من أقوال الطرفين أن للمدين منزلاً مشيداً من دورين تبلغ مساحته نحو الألف متر، ولو كان هذا المنزل مرهوناً أو حصل التصرف فيه لورد ذكر ذلك في شهادة التصرفات السالف ذكرها ... ... وعليه يكون هذا المنزل أيضاً خالياً من كل حق لآخر عليه، وهذا المنزل وحده كافٍ لتسديد دين المستأنف عليها". ثم قالت: "وفضلاً عما تقدّم فقد تبين من أقوال الطرفين بمذكراتهما أن الست حفيظة (أخت المدين ووالدة الطاعنة) توفيت وتركت 16 فداناً و12 قيراطاً و16 سهماً يخص المدين الثلث شرعاً، أي 5 فدادين و12 قيراطاً و5 أسهم، وقد نازعت المستأنف عليها في أحقية المدين لشيء مما تركته أخته الست حفيظة، لأنها على زعمها قد باعت كل ما كانت تملكه لبناتها الثلاث. وقد طعن المستأنف في عقود البيع بأنها عملت إضراراً به، وليس لهذه المحكمة أن تفصل في صحة هذه العقود أو عدم صحتها، غير أنها ترى أمام النزاع الجدّي في صحتها أنه لا شيء يمنع المستأنف عليها من اعتبارها من ملك المدين حتى يفصل نهائياً في صحة العقود المذكورة".
وحيث إنه يبين من ذلك أن محكمة الاستئناف نظرت فيما انحصر النزاع أمامها فيه بين طرفي الخصومة، ثم حصلت من الكشوف الرسمية وشهادات التصرفات، ومن أقوال الخصوم ومذكراتهم أن للمدين أموالاً كان يمكن للطاعنة التنفيذ عليها واستداد دينها منها بغير حاجة إلى الرجوع على أموال الضامن. ولا شك أن تحصيل هذا الفهم من مصادره هذه مما لا تراقبه محكمة النقض. أما ادعاء الطاعنة بأن الحكم المطعون فيه قد اعتبر المنزل المملوك للمدين خالياً من حقوق الغير على خلاف الثابت بالمستندات الجديدة التي قدّمتها لهذه المحكمة فادّعاء غير مقبول لتحدّيها فيه بمستندات جديدة لم تقدّمها من قبل لمحكمة الاستئناف ومن شأنها أن تجعل وجه الطعن نفسه جديداً غير مقبول.
ومن حيث إن محكمة الاستئناف لم تخالف نص المادة 502 من القانون المدني ولم تخطئ في تفسيرها لا من جهة تعرّضها لبحث ما آل للمدين الأصلي بالإرث عن أخته المرحومة الست حفيظة من ملك جديد، ولا من جهة قضائها بإلغاء التنبيه العقاري ومحو كافة التسجيلات المترتبة عليه وإلزام الطاعنة بالمصاريف. وذلك للأسباب الآتية:
(أوّلاً) لأن الشارع المصري لم ينقل إلى قانونه المدني أحكام المواد 2022 و2023 و2024 من القانون المدني الفرنسي التي تمسكت بها الطاعنة عند شرح الشقين الثالث والرابع من وجه الطعن الأوّل، وهي التي تحتم على الكفيل غير المتضامن أن يبدي دفعه بتجريد المدين من أمواله بمجرّد البدء في السير في إجراءات التنفيذ قبله، ثم توجب عليه إرشاد الدائن عما يملكه المدين الأصلي، في دائرة محكمة الاستئناف التابع لها محل الوفاء، من الأموال الجائز الحجز عليها الخالية هي عن النزاع وعن كل رهن يخرجها من حيازة مالكها، وأن يقدّم المال اللازم لإجراء هذا التجريد والتنفيذ على أموال المدين - لم ينقل الشارع أحكام هذه المواد إلى قانونه وإنما نقل إليه حكم المادة 2021 فنص في المادة 475 على أن معنى التزام الكفيل بأداء دين آخر هو أن يكون ملتزماً به إذا كان هذا الآخر لا يؤديّه. ثم نص في المادة 502 على أن للكفيل الغير المتضامن الحق - إذا لم يتركه - في إلزام رب الدين بمطالبة المدين بالوفاء إذا كان الظاهر أن أمواله الجائز حجزها تفي بأداء الدين بتمامه. وحينئذٍ فللمحكمة النظر والحكم في إيقاف المطالبة الحاصلة للكفيل إيقافاً مؤقتاً مع عدم الإخلال بالإجراءات التحفظية. والمفهوم من هذا النص أن للكفيل غير المتضامن الحق في إبداء الدفع بتجريد المدين في أي وقت مناسب ما لم يصدر منه قول أو فعل أو ترك يدل على تنازله عنه.
(ثانياً) لأن الفقه إذا كان قد أوجب على الكفيل غير المتضامن أن يبين للدائن ما عساه يكون للمدين من مال يجوز الحجز عليه والاستيفاء منه، وأوجب أن يقع هذا التبيين دفعة واحدة وعند البدء في التنفيذ، فقد أجاز له تبيين ما يستجد له من مال بسبب جديد من نحو إرث أو هبة. ولما كان الثابت من أوراق الدعوى التي كانت مقدّمة لمحكمة الاستئناف أن الطاعنة أعلنت الكفيل بتنبيه نزع الملكية في 10 نوفمبر سنة 1935، فبادر برفع معارضته في التنبيه، وأعلن لها صحيفة المعارضة بتاريخ 23 نوفمبر سنة 1935 مبيناً لها ما يمتلكه المدين مما يجوز أن تستدّ بدينها منه، وأنه لما توفيت والدة الطاعنة السيدة حفيظة في 19 إبريل سنة 1936 بادر الكفيل كذلك بإنذار الطاعنة في 29 إبريل سنة 1936 بأن مدينها (وهو خالها) قد ورث عن والدتها خمسة أفدنة وكسراً يمكن أن تستدّ بدينها منها لو رجعت عليه، فلا يمكن اعتبار هذا الكفيل لا مبطئاً ولا تاركاً الدفع بتجريد المدين من هذا الملك الجديد الذي آل للمدين عند نظر المعارضة أمام محكمة الاستئناف، والذي كانت الطاعنة أعرف به منه هو نفسه، كما لا يمكن اعتبار محكمة الاستئناف مخطئة في تطبيق القانون ببحثها في قيام هذا الملك وإمكان استيفاء الطاعنة منه.
(ثالثاً) لأن الشارع قد أوكل إلى المحكمة التي يبدي الكفيل أمامها دفعه بتجريد المدين النظر فيما إذا كان الظاهر من أموال المدين الجائز حجزها يفي بأداء الدين بتمامه ثم الحكم بإيقاف المطالبة الحاصلة للكفيل إيقافاً مؤقتاً أو بعدم إيقافها على حسب الأحوال مع عدم الإخلال بالإجراءات التحفظية. ومتى كان الأمر كذلك فما تراه تلك المحكمة من ذلك لا رقابة فيه لمحكمة النقض. على أن النص في الحكم المطعون فيه على إلغاء تنبيه نزع الملكية ومحو ما يترتب عليه من التسجيلات وإلزام الطاعنة بالمصاريف قد لوحظ فيه: (أوّلاً) أن المراد من عبارة إيقاف المطالبة الحاصلة للكفيل الوارد ذكرها في المادة 502 هو الكف عن متابعة السير في إجراءات التنفيذ مع عدم الإخلال بالإجراءات التحفظية. وظاهر أن تنبيه نزع الملكية ليس من هذه ولا من تلك. (ثانياً) لأن نص الحكم المطعون فيه يؤدي معنى إيقاف التنفيذ العقاري في مرحلته الأولى لأن المادة 539 من قانون المرافعات نصت على أن دعوى نزع الملكية يجب رفعها بعد مضي ثلاثين يوماً من تاريخ التنبيه الحاصل للمدين ولا ترفع بعد تسعين يوماً من التاريخ المذكور وإلا كان الطلب لاغياً. ونصت المادة 540 على وجوب تسجيل ورقة التنبيه وعلى أنه إذا مضى على ذلك التسجيل مائة وستون يوماً من تاريخه، غير ميعاد المسافة، ولم تقيد صورة الحكم المشتمل على الأمر بنزع الملكية يبطل فعل التسجيل المذكور بإلغائه ويؤشر قلم كتاب المحكمة بذلك من تلقاء نفسه. فكان لزاماً على محكمة الاستئناف أن تنص على إلغاء التنبيه ومحو كافة التسجيلات المترتبة عليه. أما القضاء على الطاعنة بمصاريف المعارضة فلأنها تلزمها لأنها الخصم الذي خسر دعواه.