مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثاني (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1936م لغاية 26 أكتوبر سنة 1939م) - صـ 101

جلسة 4 مارس سنة 1937

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة باشا ومحمد فهمي حسين بك وحامد فهمي بك وعلي حيدر حجازي بك المستشارين.

(37)
القضية رقم 70 سنة 6 القضائية

بيع الوفاء. عقد بحسب نصه الظاهر يتضمن بيعاً باتاً. الادعاء بأنه يستر رهناً حيازياً. إثباته. كيفيته. (المادة 339 مدني)
إن المادة 339 من القانون المدني تجيز للبائع أن يثبت بكافة الطرق، ومنها البينة والقرائن، أن العقد لم يكن بيعاً باتاً وإنما هو - على خلاف نصوصه - يستر رهناً حيازياً.
فإذا ادعى المستأنف أن العقد الذي صدر منه في صورة بيع لم يكن إلا استدانة بفائدة ربوية مضمونة برهن تأميني أفرغ في قالب بيع بات اقترن به تأجير العين له، وكذلك إقرار من العاقد معه برد العين إليه في الأجل المحدّد وبالقيمة المتفق عليها في العقد، ثم أخذت محكمة الدرجة الأولى بدعواه وبينت الأدلة والقرائن التي استندت إليها، ولكن محكمة الاستئناف، رغم تمسكه بدعواه هذه وطلبه إجراء التحقيق لإثباتها، لم تأخذ بها متعللة في قضائها بأن محل ذلك أن يكون العقد قد اشتمل على شرط الاسترداد وإلا فلا يمكن إثبات عكس الوارد به بغير الكتابة، فقضاؤها بذلك مخالف لحكم المادة 339 السابقة الذكر.


المحكمة

وحيث إن وجوه الطعن تتلخص في أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله، كما أخطأ في تكييف العقود. هذا فضلاً عن أن به غموضاً وقصوراً يبطلانه. وفي بيان ذلك يقول الطاعنان إن محكمة الاستئناف قد اعتبرت ورقتي الضدّ عبارة عن وعد بالبيع، فلا يعطيان للبائعين حق استرداد المبيع بعلة أن تاريخهما لاحق لتاريخ عقدي البيع، ولأنهما لم يسجلا، ورتبت المحكمة على ذلك أن هذين العقدين ليسا عقدي بيع وفائي، ولا أنه قصد بهما إخفاء رهن حيازي. وفي ذلك مخالفة للقانون الذي لم يشترط أن يكون حق الاسترداد مذكوراً بصلب العقد. كما أن المحكمة برفضها طلب الطاعنين إحالة الدعوى إلى التحقيق عملاً بنص المادة 339 من القانون المدني قد خالفت نص تلك المادة. أما خطأ المحكمة في تكييف العقود فيقول الطاعنان إنه ظاهر من أخذها بمدلول عقد البيع على انفراد وبمدلول الإقرار على انفراد مع أنه كان يتعين أن تأخذ بمدلول هذه الأوراق مجتمعة لصدورها كلها في ظرف واحد ولغرض واحد. وأما ما وقع بالحكم من غموض وقصور فآيتهما أن محكمة الاستئناف، وقد ألغت الحكم الابتدائي، كان عليها أن تقيم الدليل على أن المتعاقدين إنما أرادا بيعاً منجزاً لا بيعاً وفائياً يخفي رهناً حيازياً، وأن ترد على المطاعن التي أوردها الطاعنان على عقود البيع وعلى ما قدّماه من دلائل وقرائن للتدليل على أن تلك العقود التي اقترنت بأوراق مشتملة على شرط الاسترداد من جهة وبعقود تأجير الأطيان المبيعة للطاعنين من جهة أخرى لم تكن سوى عقود رهن أفرغت في قالب عقود بيع بات. فأما اقتصار المحكمة في الرد على كل ذلك بقولها إن بخس الثمن وبقاء الأطيان المبيعة تحت يد البائعين لا تأثير لهما في الدعوى فقصور في التسبيب يجعل الحكم باطلاً. ومن أجل ذلك يطلب الطاعنان نقض الحكم المطعون فيه والحكم لهما بما جاء بصحيفة استئنافهما.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن قضى بأن العقود الثلاثة المتقدّم ذكرها هي عقود بيع بات، وأنه ليس في عباراتها ما يدل على أنها عقود بيع وفائي، وبعد أن ذكر أن كلاً من الإقرارين المؤرخين في 23 مايو سنة 1928 و17 مايو سنة 1929 الصادرين من المشتريين غير مسجل ولاحق لتاريخ العقد الخاص به، وأن عبارة كل منهما لا تتضمن إلا وعداً بالبيع لا منح حق استرداد المبيع للبائعين - بعد أن أورد الحكم ذلك قرر أن لا محل لاعتبار عقدي البيع الأصليين عقدي بيع وفائي ولا للقول بأنه قصد بهما إخفاء رهن حيازي، كما أنه لا محل لإجابة طلب البائعين الإحالة إلى التحقيق ذاكراً أن هذا التحقيق موضعه أن يكون العقدان المطعون فيهما قد اشتملا على شرط الاسترداد. أما وهما خلو منه فلا يمكن إثبات عكس ما هو وارد بهما إلا بالكتابة.
وحيث إنه متى لوحظ أن الطاعنين كانا يدعيان أن ما كان منهما من بيع اقترن باستئجارهما للمبيع، وما كان من المشتريين من إبقاء العين المبيعة تحت يد البائعين، واشتراطهما على نفسهما إعادتها إلى البائعين مقابل دفعهما الثمن الوارد بعقود البيع، وأن كل ذلك لم يكن إلا استدانة بفائدة ربوية ورهناً تأمينياً أفرغا في قالب بيع بات اقترن بتأجير المبيع للبائعين من جهة وبإقرار من جانب المشتريين ببيع هذه العين للبائعين في الأجل المحدّد وبالثمن المتفق عليه من جهة أخرى، ولم يكن الغرض من ذلك كله سوى التحيل على نص المادة 339 من القانون المدني التي نصت بأنه إذا كان الشرط الوفائي مقصوداً به إخفاء رهن حيازي فإن العقد يعتبر باطلاً لا أثر له سواء بصفته بيعاً أو رهناً. وقد قدّم الطاعنان للمحكمة القرائن التي تدل على صحة ما ادعياه، وطلبا من محكمة الاستئناف إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات هذا التحيل على القانون إن لم ترَ كفاية ما جاء من ذلك بالحكم المستأنف - إنه متى لوحظ ذلك ولوحظ أيضاً أن محكمة الدرجة الأولى قد أخذت بوجهة نظر الطاعنين وبينت الأدلة والقرائن التي استدلت منها على أن حقيقة الأمر في هذه الأوراق المختلفة أنها كلها متصلة بعضها ببعض، وأنها تدل في مجموعها على أن قصد المتعاقدين لم يكن سوى إخفاء رهن حيازي، وقضت ببطلان عقدي البيع الثاني والثالث - إنه متى لوحظ كل ذلك، ولوحظ أن محكمة الاستئناف قد أخذت بظاهر عقود البيع، كما أخذت بظاهر الأوراق الأخرى كل ورقة على حدة فقررت أن العقود بحسب ظاهرها هي بيوع باتة، وأن إقرار المشتريين لا يتضمن إلا وعداً بالبيع منهما للبائعين الأصليين. وقد دفعها هذا النظر إلى رفض طلب الإحالة على التحقيق بعلة أن محله أن يكون العقد قد اشتمل على شرط الاسترداد، فأما وهو خلو منه فلا يمكن إثبات عكس ما هو وارد به إلا بالكتابة.
وحيث إن المادة 339 من القانون المدني أجازت للبائع أن يثبت بالبينة وبالقرائن وبغيرها من طرق الإثبات أن العقد وإن كان بحسب نصوصه الظاهرة يتضمن بيعاً باتاً إلا أنه في حقيقة الأمر يستر رهناً حيازياً. وعلى ذلك يكون رفض محكمة الاستئناف إحالة الدعوى إلى التحقيق وقع مخالفاً للقانون، كما أن عدم بحثها فيما قدّمه الطاعنان وفيما جاء بالحكم المستأنف من الأدلة والقرائن على وقوع التحيل المتقدّم الذكر واكتفاءها بالتقرير بأن لا محل لإجابة طلب التحقيق في مثل هذه الدعوى يجعل حكمها خلواً من الأسباب. ولذا يتعين نقض الحكم المطعون فيه.