أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 49 - صـ 316

جلسة 5 من مارس سنة 1998

برئاسة السيد المستشار/ محمد يحيى رشدان نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ مجدي الجندي ووفيق الدهشان ومحمود شريف فهمي نواب رئيس المحكمة ومحمود مسعود شرف.

(49)
الطعن رقم 2111 لسنة 67 القضائية

(1) خطأ. رابطة سببية. مسئولية جنائية "موانع المسئولية". أسباب الإباحة وموانع العقاب. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
تقدير توافر رابطة السببية بين الخطأ والضرر من عدمه. موضوعي. ما دام سائغاً.
رابطة السببية بين خطأ المتهم والضرر الواقع. ما يكفي لتوافرها؟
الحادث القهري. شرطه. ألا يكون للجاني يد في حصول الضرر أو في قدرته منعه.
(2) بناء. إثبات "بوجه عام". قصد جنائي. جريمة "أركانها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
جريمة عدم مراعاة الأصول الفنية في تصميم العقار أو تنفيذه. مناط توافرها وأساسه؟ لا تستلزم قصداً خاصاً لقيامها. كفاية تحقق القصد العام. تقدير قيام هذا القصد أو عدم قيامه. موضوعي.
مثال لتسبيب سائغ لتوافر أركان جريمة عدم مراعاة الأصول الفنية في تصميم العقار واستظهار القصد الجنائي فيها.
(3) محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
المنازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة. جدل موضوعي في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها. غير جائز.
(4) بناء. وصف التهمة. محكمة الموضوع "سلطتها في تعديل وصف التهمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم تقيد المحكمة بالوصف القانوني الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم. لها أن تمحص الواقعة وتطبق عليها الوصف القانوني الصحيح. دون لفت نظر الدفاع. ما دامت الواقعة المادية المبينة بأمر الإحالة هي بذاتها التي اتخذت أساساً للوصف الجديد. قيام المحكمة بتعديل وصف التهمة المسندة إلى الطاعنين. بجعلها إقامتهم لخزان مياه دون مراعاة الأصول الفنية في التصميم وفي التنفيذ وفي الإشراف عليه أعلى البناء محل الدعوى. مجرد بيان لوجه من أوجه كيفية ارتكاب الجريمة تناوله الدفاع بالتفنيد والمناقشة. تنبيه الدفاع إليه. غير لازم.
(5) نيابة عامة. إجراءات "إجراءات التحقيق". إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم حلف أعضاء اللجنة اليمين القانونية. قبل مباشرة عملها. لا ينال منه. أساس ذلك؟
حق عضو النيابة العامة بوصفه رئيساً للضبطية القضائية في الاستعانة بأهل الخبرة وفي طلب رأيهم شفهياً أو بالكتابة بغير حلف يمين. أساس ذلك؟
لمحكمة الموضوع الاستناد إلى تقرير اللجنة المشكلة التي لم يحلف أعضاؤها اليمين القانونية. متى كان مطروحاً على بساط البحث وتناوله الدفاع بالتفنيد والمناقشة.
مثال لتسبيب سائغ للرد على الدفع ببطلان تقرير اللجنة المشكلة لمعاينة العقار لعدم حلف أعضائها اليمين القانونية أمام سلطة التحقيق.
(6) إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لمحكمة الموضوع تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن وتقدير القوة التدليلية لها والمفاضلة بينها والأخذ منها بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه. أساس ذلك؟
عدم التزام المحكمة بندب خبيراً آخر أو لجنة من الخبراء. ما دامت الواقعة وضحت لديها ولم تر من جانبها حاجة لذلك.
مثال لتسبيب سائغ لرفض طلب الدفاع بتشكيل لجنة من كليات الهندسة للاطلاع على التقارير الهندسية المقدمة في الدعوى وإعداد تقرير برأيها.
(7) نقض "نقض الحكم. أثره". محكمة الإحالة.
نقض الحكم وإعادة المحاكمة يعيد الدعوى إلى محكمة الإعادة بالحالة التي كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوص. مؤدى ذلك؟
(8) غرامة "توقيعها". محكمة الإحالة "سلطتها". عقوبة "تطبيقها".
المصاريف والغرامات. يحكم بها في الأمور الجنائية بالتضامن على جميع المحكوم عليهم في حالة تعددهم. سقوطها عن متهم قضى بانقضاء الدعوى الجنائية قبله لوفاته. لا يتضمن زيادتها بالنسبة لزملائه في الجناية المحكوم عليهم فيها بأدائها. علة ذلك؟
قضاء محكمة الإعادة بتغريم المحكوم عليهم بذات الغرامة المقضى بها في الحكم المنُقوض. دون إنقاص نصيب المحكوم عليه المتوفى فيها. لا يشكل زيادة في عقوبة الغرامة المقضى بها بالحكم المنقوض أو إضراراً لهم بطعنهم.
(9) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
مثال لتسبيب سائغ للرد على دفاع الطاعنة بأنها مالكة العقار وليست مقاولة خاصة.
(10) مسئولية مدنية. مسئولية جنائية. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
ضمان المقاول والمهندس المعماري لتهدم البناء والعيوب التي تهدد سلامته. اقتصاره على المسئولية المدنية دون الجنائية. أساس ذلك؟
التفات الحكم عن دفاع قانوني ظاهر البطلان. لا يعيبه.
(11) إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
جواز إثبات الجرائم على اختلاف أنواعها بكافة طرق الإثبات. إلا ما استثنى بنص خاص.
مثال لتسبيب سائغ للرد على الدفع بعدم جواز إثبات جريمة عدم مراعاة الأصول الفنية في تصميم عقار بالبينة.
(12) حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل".
التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله. ماهيته؟
مثال لنفي التناقض.
(13) إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الخطأ في الإسناد لا يعيب الحكم ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة ولم يكن له أثر في منطقه أو النتيجة التي انتهى إليها.
مثال:
(14) إثبات "بوجه عام". قرائن. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". بناء.
استناد الحكم إلى الرسم المعماري للمسقط الأفقي للدور المتكرر الذي عليه اسم الطاعن الثالث. كقرينة معززة ومؤيدة لما ارتكن عليه من أدلة أخرى. لا يعيبه. متى لم يتخذ منها دليلاً أساسياً في ثبوت التهمة.
تحديد موضع القرينة من الأوراق. غير لازم. متى كان لها أصلاً فيها.
(15) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
للمحكمة التعويل على أقوال شهود الإثبات والإعراض عن قاله شهود النفي. قضاؤها بالإدانة لأدلة الثبوت. مفاده؟ إطراحها لها.
(16) محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي. ما دام سائغاً.
(17) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي.
مفاد أخذ المحكمة بشهادة الشاهد؟
(18) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
عدم التزام المحكمة أن تورد في حكمها من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها.
(19) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
عدم التزام المحكمة بسرد روايات الشاهد المتعددة. حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه.
(20) إثبات "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تناقض وتضارب الشهود في أقوالهم أو مع غيرهم. لا يعيب الحكم. ما دام استخلص الحقيقة. بما لا تناقض فيه.
(21) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
لمحكمة الموضوع تجزئة أقوال الشاهد والأخذ منها بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه.
ورود شهادة الشاهد على الحقيقة لمراد إثباتها بأكملها بجميع تفاصيلها على وجه دقيق. غير لازم. حد ذلك؟
(22) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
لمحكمة الموضوع تحصيل أقوال الشاهد وتفهم سياقها وتستشف مراميها. حد ذلك؟
(23) إثبات "اعتراف". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
للمحكمة الأخذ بإقرار المتهم في حق نفسه وعلى غيره من المتهمين في أي دور من أدوار التحقيق ولو عدل عنه بعد ذلك. متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للواقع ولها الالتفات عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها.
خطأ المحكمة في تسمية أقوال المتهم إقراراً. لا ينال من سلامة الحكم طالما أنها لم ترتب عليه وحده الأثر القانوني للاعتراف. أخذ الحكم بالمستندات التي اطمأن إليها وإطراحه لأخرى قدمها الطاعنون. لا يعيبه.
الجدل الموضوعي في تقدير الأدلة. غير جائز. أمام النقض.
(24) دفوع "الدفع بنفي التهمة". إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
الدفع بنفي التهمة. موضوعي. استفادة الرد عليه من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
تمسك الطاعنين بمساهمة آخرين في ارتكاب الجريمة. غير مجد. ما دام ذلك لا يحول دون مساءلتهم عنها.
(25) محكمة الجنايات "حقها في التصدي للدعوى الجنائية".
حق التصدي من سلطة محكمة الجنايات. عدم التزامها بإجابة طلبات الخصوم في شأنه. أساس ذلك؟
(26) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
عدم التزام المحكمة بتعقب المتهم في كل جزئية من جزئيات دفاعه الموضوعي. اطمئنانها إلى الأدلة التي عولت عليها. مفاده؟
1 - لما كان من المقرر أن تقدير رابطة السببية بين الخطأ والضرر أو عدم توافرها هو من المسائل الموضوعية التي تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب عليها ما دام تقديرها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة ولها أصلها في الأوراق وكان يكفي لتوافر رابطة السببية بين خطأ المتهم والضرر الواقع أن تستخلص المحكمة من وقائع الدعوى أنه لو لا الخطأ المرتكب لما وقع الضرر - وهو الحال في الدعوى المطروحة حسبما أفصح عنه الحكم........ - وكان يشترط لتوافر حالة الحادث القهري ألا يكون للجاني يد في حصول الضرر أو في قدرته منعه فإذا اطمأنت المحكمة إلى توافر الخطأ في حق المتهم في حق المتهم بما تترتب عليه مسئوليته فإن في ذلك ما ينتفي معه القول بحصول الواقعة عن حادث قهري ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص يكون غير سديد.
2 - لما كان مفاد نص المادة 22 مكرراً من القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء أن الجريمة التي ترتكب بطريق العمد أو الإهمال الجسيم بعدم مراعاة الأصول الفنية في تصميم البناء أو تنفيذه أو الإشراف على التنفيذ أو الغش أو استخدام مواد البناء أو استعمال مواد غير مطابقة للمواصفات لا تستلزم قصداً خاصاً بل تتوافر أركانها بتحقق الفعل المادي والقصد الجنائي العام وهو انصراف قصد الجاني إلى إقامة البناء على النحو سالف البيان، وكان تحقق هذا القصد أو عدم قيامه - من ظروف الدعوى - يعد مسألة تتعلق بالواقع تفصل فيها المحكمة بغير معقب وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن الطاعنة الأولى والطاعن الثاني لم يراعيا في تنفيذ العقار موضوع الدعوى الأصول الفنية المقررة بتنفيذهما التصميمات رغم علمهما بما شابها من أخطاء واستخدامهما كميات من مواد البناء - أسمنت وزلط وحديد تسليح - دون الحد الأدنى الذي تقتضيه المواصفات المصرية المقررة مع سوء توزيع ورص الحديد وعدم جودة خلط مكونات الخرسانة المسلحة وإقامتهما تعلية وخزان مياه رغم أن الهيكل الخرساني الإنشائي للبناء لم يكن صالحاً لإقامتهما، كما أثبت أن الطاعن الثالث أهمل إهمالاً جسيماً في الإشراف على تنفيذ البناء المشار إليه فسمح للطاعنة الأولى وللطاعن الثاني بعدم مراعاة الأصول الفنية في البناء المذكور على النحو سالف البيان، فإن هذا الذي أورده الحكم يعد كافياً وسائغاً لاستظهار تحقق القصد الجنائي لدى الطاعنين في الجرائم التي دانهم بها باعتبارهم فاعلين أصليين - على خلاف ما يذكره الطاعن الثالث في أسباب طعنه من أن الحكم خلا من بيان ما إذا كان فاعلاً أو شريكاً. ومن ثم فإن ما أثير من الطاعنين أجمعين في هذا الشأن لا يكون صائباً.
3 - لما كان ما أورده الحكم المطعون فيه في مدوناته تتوافر به جناية العمد والإهمال الجسيم بعدم مراعاة الأصول الفنية في تصميم البناء موضوع الدعوى وفي تنفيذه والإشراف على التنفيذ واستعمال مواد البناء رغم عدم مطابقتها للمواصفات، المؤثمة بنص المادة 22 مكرراً من القانون رقم 106 لسنة 1976 المضافة بالقانون رقم 30 لسنة 1983، وذلك بكافة أركانها كما هي معرفة به في القانون، وكان النعي بأن الواقعة مجرد جنحة لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها. مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعنون في هذا المقام لا يكون قويماً.
4 - لما كان من المقرر أن المحكمة لا تتقيد بالوصف القانوني الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم بل هي مكلفة بتمحيص الواقعة المطروحة أمامها بجميع كيوفها وأوصافها وأن تطبق عليها نصوص القانون تطبيقاً صحيحاً دون حاجة إلى لفت نظر الدفاع إلى ذلك، ما دام أن الواقعة المادية المبينة بأمر الإحالة والتي كانت مطروحة بالجلسة هي بذاتها الواقعة التي اتخذها الحكم أساساً للوصف الذي دان المتهم به دون أن تضيف إليها المحكمة شيئاً - كما هو واقع الحال في الدعوى المطروحة - وكان الحكم المطعون فيه قد أشار إلى إقامة الطاعنين لخزان مياه دون مراعاة الأصول الفنية في التصميم وفي التنفيذ وفي الإشراف عليه أعلى البناء محل الدعوى دون لفت نظر الدفاع إلى ذلك، وكان ما أورده الحكم على هذه الصورة لا يخرج عن ذات الواقعة التي تضمنها أمر الإحالة وهي التي كانت مطروحة على بساط البحث بالجلسات ودارت عليها المرافعة، وهو وصف غير جديد في الدعوى ولا مغايرة فيه للعناصر الني كانت مطروحة على المحكمة ولا يعد ذلك في حكم القانون تغييراً لوصف المتهم المحال بها الطاعنون - وهي عدم مراعاتهم للأصول الفنية في تصميم البناء محل الدعوى وفي تنفيذه وفي الإشراف على تنفيذه - بل هو مجرد بيان لوجه من أوجه كيفية ارتكاب الجريمة مما يصح إجراؤه في الحكم دون تنبيه الدفاع إليه في الجلسة ليترافع على أساسه وفضلاً عن ذلك فإن الدفاع عن الطاعنين الأولى والثاني قد ضمن مذكرته بأن بناء خزان المياه فوق العقار قد تم بمعرفة إتحاد ملاك العقار المنهار وليس بمعرفة الطاعنين المذكورين، وهو دفاع مكتوب وتتمة للدفاع الشفوي المبدى بجلسة المرافعة وقد ردت المحكمة عليه بما يسوغ إطراحه، ومفاد ذلك أن الواقعة المار ذكرها كانت مطروحة على بساط البحث وتناولها الدفاع بالتفنيد والمناقشة. فإن المحكمة لا تكون ملزمة بعد ذلك بلفت نظر الدفاع إليها. ومن ثم يضحى النعي على الحكم المطعون فيه بالإخلال بحق الدفاع غير سديد.
5 - إذ كان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان التقرير الذي أعدته اللجنة المشكلة بقرار من محافظ القاهرة والتي نيط بها معاينة العقار وبيان أسباب انهياره تأسيساً على عدم قيام أعضائها بحلف اليمين أمام سلطة التحقيق قبل مباشرة مهمتها ورد عليه بقوله "المحكمة تلتفت عنه، ذلك أن عدم حلف أعضاء اللجنة المذكورة اليمين قبل مباشرة مهمتهم لا يخرج التقرير عن كونه من أوراق الاستدلال في الدعوى المقدمة للمحكمة وعنصراً من عناصرها ما دامت مطروحة على بساط البحث وتناولها الدفاع بالمناقشة سيما وأن الدليل الجنائي لا يكتسب قوته الإقناعية من إسباغ الصفة الرسمية عليه أو من إحاطته باليمين وإنما من اطمئنان المحكمة إليه أياً كان الشكل الذي أفرغ فيه ما لم يقيده القانون وإن العبرة في الإثبات في المواد الجنائية هي باقتناع القاضي واطمئنانه إلى الأدلة المطروحة عليه يضاف إلى ذلك أن أعضاء اللجنة سالفة الذكر قد سئلوا كشهود في تحقيقات النيابة العامة بعد تحليفهم اليمين القانونية قبل الإدلاء بشهادتهم المتضمنة رأيهم ومعلوماتهم بشأن العقار المنهار وسبب انهياره كما أن المحكمة بهيئة سابقة ولدى نظر الدعوى في المحاكمة الأولى التي أسفرت عن الحكم الذي نقض قد حققت الدعوى وسألت من بين من سألتهم أعضاء تلك اللجنة كشهود إثبات بالإضافة إلى من طلب الدفاع سؤاله من خبراء كشهود نفي وكافة هذه الأوراق عرضت على هذه المحكمة في المحاكمة الراهنة وأصبحت ضمن أوراق الدعوى المطروحة للمناقشة ولا تثريب على المحكمة أن تستخلص من كل تلك الأوراق الدليل اليقيني الذي ترتاح إليه وأن تقدير المحكمة لأدلة الدعوى لا يجوز مصادرتها فيه وبذلك يكون ما انتهت إليه المحكمة استخلاصهاً لواقعة الدعوى قد بنى على دليل يقيني ثابت في أوراقها في مرحلتي المحاكمة ولما كان ما سرده الحكم على ما سلف كافياً وسائغاً ويتفق وصحيح القانون وذلك لأن عدم حلف أعضاء اللجنة اليمين القانونية لا ينال من عملها لما هو مقرر من أن عضو النيابة العامة بوصف كونه صاحب الحق في إجراء التحقيق ورئيس الضبطية القضائية له من الاختصاص ما خوله القانون لسائر رجال الضبطية القضائية طبقاً للمادتين 24 و31 من قانون الإجراءات الجنائية، ولما كانت المادة 29 من هذا القانون تجيز لمأموري الضبط القضائي أثناء جمع الاستدلالات لمن يستعينوا بأهل الخبرة وأن يطلبوا رأيهم شفهياً أو بالكتابة بغير حلف يمين فإنه ليس ثمة ما يمنع من الأخذ بما جاء بتقرير اللجنة المشار إليها وبما شهد به أعضاؤها ولو لم يحلفوا اليمين قبل مباشرة المأمورية على أنه ورقة من أوراق الاستدلال في الدعوى المقدمة للمحكمة وعنصراً من عناصرها ما دام أنه كان مطروحاً على بساط البحث وتناوله الدفاع بالتفنيد والمناقشة.
6 - لما كان تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقارير الخبراء المقدمة إليها ولها أن تفاضل بين هذه التقارير فتأخذ منها بما تراه وتطرح ما عداه إذ أن ذلك الأمر متعلق بسلطتها في تقدير الدليل ولا معقب عليها في ذلك، وهي غير ملزمة من بعد بإجابة الدفاع إلى ما طلبه من ندب خبير آخر أو لجنة من الخبراء ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء وإذ كانت المحكمة - في الدعوى الماثلة - قد استظهرت مسئولية الطاعنين بما ينتجها واستندت في إثبات الاتهام في حق الطاعنين إلى التقرير الأساسي للجنة الفنية المنتدبة - دون تقريرها التكميلي الذي لم تعول عليه ولم يشر إليه حكمها في مدوناته - كما استندت إلى أقوال شهود الإثبات وأطرحت في حدود سلطتها التقديرية أقوال وتقدير الخبير الاستشاري فضلاً عن أنها في حكمها المطعون فيه قد ردت برد سائغ على الطلب الاحتياطي المبدى من الطاعنة الأولى بتشكيل لجنة من كليات الهندسة للاطلاع على التقارير الهندسية المقدمة في الدعوى وإعداد تقرير برأيها - ورفضته بقولها إنه "مردود، بأنه طالما أن الواقعة قد اتضحت لدى المحكمة - كما هو واقع الحال في الدعوى - فإن المحكمة لا تكون ملزمة بإجابة هذا الطلب كما أنها غير ملزمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة" فإن كافة أوجه النعي تكون لا محل لها.
7 - الأصل أن نقض الحكم وإعادة المحاكمة يعيد الدعوى إلى محكمة الإعادة بالحالة التي كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض فلا تتقيد تلك المحكمة - محكمة الإعادة - بما ورد بالحكم الأخير ولها في سبيل ذلك أن تقضى في الدعوى بما يطمئن إليه وجدانها ولو خالفت ذلك الحكم وبغير أن تعتبر هذه المخالفة وجهاً للطعن.
8 - لما كان يبين من المفردات المضمومة ومن كشف الحساب المقدم من المتهم المتوفى...... وما قرره الطاعن الثاني في التحقيقات أن قيمة العقار المخالف تزيد عن مليون جنيه ومن ثم تكون الغرامة المقضى بها في الحدود التي قررتها المادة 22 مكرراً من القانون رقم 106 لسنة 1976 المضافة بالقانون رقم 30 لسنه 1983 وقد بنى الحكم تقديره لها على أسس ثابتة في أوراق الدعوى، ولما من كانت القواعد الأساسية أن المصاريف والغرامات يحكم بها في الأمور الجنائية بالتضامن على جميع المحكوم عليهم في حالة تعددهم فسقوطها عن المتهم المقضي بانقضاء الدعوى الجنائية قبله لوفاته لا تعني زيادتها بالنسبة لزملائه في الجناية المحكوم عليهم فيها بأدائها كلها لكونهم متضامنين في هذا الأداء ومن ثم لا يشكل القضاء من محكمة الإعادة بتغريمهم المبلغ المشار إليه زيادة في عقوبة الغرامة المقضى بها بالحكم المنقوض أو إضراراً للطاعنين من طعنهم ويكون الحكم قد أسس تقديره للغرامة على ما ورد بالأوراق ويكون النعي في هذا الخصوص لا سند له.
9 - لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعنة الأولى بأنها مالكة للعقار وليست مقاولة خاصة وأن نفس التهمة وجهت لزوجها الطاعن الثاني باعتباره مقاول العقار - ودحضه بقوله أنه "دفاع ظاهر البطلان ويجافى الحقيقة والواقع ذلك أن المحكمة وهي بصدد استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من جماع عناصرها ووزن أقوال الشهود والمتهمين وتقدير الأدلة بالنسبة لكل متهم قد تيقنت وهي بكامل اطمئنانها من أن المتهمة...... كانت تعمل مع زوجها المتهم الثاني..... بالمقاولات وأنها كانت تدير العمل بصفة دائمة ومباشرة منذ بدء العمل في العمارة محل الدعوى الماثلة حتى الانتهاء منها بدليل موافقتها على تعلية الأدوار المخالفة وإبرامها العقد - المؤرخ 30/ 11/ 1979 مع المتهم المتوفى...... بشأن أسعار الخرسانة المسلحة والمباني المتعلقة بالعقار المذكور ومن قيامها بعمل حسابات العمارة وأنها كانت تتخذ مكتباً لإدارة أعمالها ومقابلة عملائها بدائرة..... ثم نقلت نشاطها إلى حيث مقر محل...... بشارع.... ويعمل تحت إشرافها وبأمرها مجموعة من المهندسين والعمال وما قرره المتهم الثاني...... أن زوجته المتهمة الأولى كانت تقوم بالعمل عندما كان مريضاً بما يقطع بأن المتهمة الأولى..... كانت تقوم بأعمال المقاولات وأنها اشتركت بصورة فعلية مع زوجها المتهم الثاني وزوج شريكتها المتهم الثالث المتوفى في إقامة العقار وتعليته وبناء الخزان أعلاه على الصورة الهزيلة التي أدت إلى انهياره وإحداث الآثار التي نجمت عن هذا الانهيار فضلاً عن أن المتهم الثاني...... أقر بأنة كان الذي يشرف علي أعمال صب الخرسانة والتنفيذ كما أقر بأن سبب انهيار العمارة هو عيوب التصميم ورغم ذلك قام بتنفيذ التصميم الذي يشوبه العيب الذي حدده في أقواله والخاص بأعمدة العقار وكان يتعين عليه الامتناع عن تنفيذ التصميم السيئ" وكان هذا الرد من الحكم كافياً وسائغاً في التدليل على مباشرة تلك الطاعنة لأعمال مقاولة البناء ويؤدى إلى ما رتبه الحكم عليه فإن ما تثيره الطاعنة الأولى في هذا الخصوص يكون على غير سديد.
10 - لما كان ما ينعاه الطاعنان الثاني والثالث بانتفاء مسئولية أولهما كمقاول للبناء وانتفاء مسئولية ثانيهما كمهندس له لانقضاء مدة الضمان عملاً بحكم المادتين 651، 652 من القانون المدني مردوداً بأن مفاد نص المادتين المشار إليهما أن الضمان قاصر على المسئولية المدنية سواء كانت مسئولية عقدية أو تقصيرية ولا تتعداه إلى نطاق المسئولية الجنائية يؤيد ذلك ما نصت عليه المادة الثامنة من القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء المعدلة بالقانون رقم 30 لسنة 1983 أنه "لا يجوز صرف ترخيص البناء أو البدء في التنفيذ بالنسبة إلى الأعمال التي تصل قيمتها ثلاثين ألف جنيه والتعليات مهما بلغت قيمتها إلا بعد أن يقدم طالب الترخيص وثيقة تأمين...... وتغطي وثيقة التأمين المسئولية المدنية للمهندسين والمقاولين عن الأضرار التي تلحق بالغير بسبب ما يحدث في المباني والمنشآت من تهدم كلي أو جزئي"، ومن ثم فلا ينال من سلامة الحكم المطعون فيه التفاته عن الرد على ما دفع به الطاعنان الثاني والثالث في هذا الشأن لأنه دفاع قانوني ظاهر البطلان.
11 - لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفع الطاعن الثالث بعدم جواز الإثبات بالبينة ورد عليه بقوله إن دفعه "بعدم إثبات صفته كمهندس مصمم للعقار ومشرف على التنفيذ إلا بالكتابة إعمالاً لنص المادتين 651، 652 من القانون المدني والمادتين الخامسة والثانية عشرة من القانون 106 لسنة 1976 فالمحكمة تلتفت عن هذا الدفع لأنه يتجافى وصحيح القانون فالمشرع حين أوجب في الفقرة الثانية من المادة الخامسة من القانون سالف الذكر أن تكون رسومات إنشاء العقار أو أية تعديلات فيها موقعاً عليها من مهندس نقابي مختص وفقاً للقواعد التي يصدر بها قرار من وزير الإسكان والتعمير بعد أخذ رأي مجلس نقابة المهندسين إنما قصد من وراء ذلك تحقيق مصلحة عامة تتمثل في حماية الأرواح والأموال بأن لا يقدم على إجراء هذه الرسومات أو تعديلها إلا شخص تتوافر فيه صلاحيات معينة تقرها الدولة ونقابة المهندسين ولم يكن يهدف من وراء التوقيع على تلك الرسومات تقييد الدليل الجنائي في شأن إثبات شخص المهندس الذي قام بعمل الرسومات لتحديد من تقع عليه المسئولية الجنائية عند عدم مراعاة الأصول الفنية فيها وكذا الشأن فيما نصت عليه المادة 12 من القانون 106 لسنة 1976 والتي اشترطت أن يقدم المالك للجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم تعهداً كتابياً من المهندس الذي اختاره يلتزم فيه بالإشراف على تنفيذ الأعمال المرخص بها وفي حالة تحلل المهندس من الإشراف عليه إخطار الجهة كتابة بذلك فقد قصد المشرع من ذلك ذات المصلحة العامة سالفة البيان ولا تتضمن المادتان سالفتا الذكر أي استثناء على حرية القاضي الجنائي في تكوين عقيدته وتحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة المقدمة فيها فإذا ما ثبت بالدليل اليقيني الذي اطمأنت إليه المحكمة أن المتهم الرابع..... هو القائم بالإشراف على أعمال البناء ولم يقدم ذلك المتهم ما يناقض ذلك القول فإنه يتعين رفض ذلك الدفع إذ أن الكتابة ليست شرطاً لإثبات اقتراف المتهم الرابع للاتهام المسند إليه" وما أورده الحكم - على ما سلف - رداً على الدفع المشار إليه سائغ وكاف وصحيح في القانون ذلك أنه من المقرر أن الجرائم على اختلاف أنواعها إلا ما استثنى بنص خاص جائز إثباتها بكافة الطرق بما في ذلك البينة وقرائن الأحوال وإذ كانت الجريمة التي دين بها الطاعن الثالث ليست من الجرائم المستثناة من هذا الأصل كما أن صفته كمهندس هي عنصر من عناصر هذه الجريمة ومن ثم تعتبر مسألة جناية ولا تعد من المسائل الغير جنائية التي يسري عليها نص المادة 225 من قانون الإجراءات الجنائية ويكون نعيه في هذا الصدد غير سديد.
12 - لما كان من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة، وإذ كان لا يوجد ثمة تعارض بين إرجاع الحكم انهيار العقار إلى ضعف النظام الإنشائي تارة وإلى سوء التنفيذ تارة أخرى وإلى بناء الخزان تارة ثالثة إذ أن كل هذه الأمور ما هي إلا صور وعوامل للجريمة التي دان الطاعنين بها وهي عدم مراعاتهم للأصول الفنية المقررة في تصميم العقار وفي تنفيذه وفي الإشراف على هذا التنفيذ مما أدى إلى انهياره، كما أنه لا تناقض أيضاً بين قول الحكم في موضع منه من أنه سبق الفصل في جريمة تعلية العقار ستة أدوار بغير ترخيص ثم قوله في موضع آخر أن الطاعنين أهملوا إهمالاً جسيماً والمتوفى......... في الإشراف على تنفيذ العقار وسمحوا أيضاً بتعلية ستة طوابق وإنشاء خزان دون ترخيص كما أن قوله نقلاً عن الطاعن الثاني أن الطاعن الثالث كان يحضر بنفسه للإشراف على تنفيذ الخرسانة المسلحة، وعودته إلى القول في موضع آخر أن الطاعن الثاني قرر أنه كان يقوم هو بنفسه والمتهم المتوفى........ بالإشراف على صب الخرسانة والتنفيذ لا تناقض فيه إذ القول الثاني لا ينفي القول الأول بل مؤداهما معاً أن ثلاثتهم أسهموا في الإشراف على تنفيذ الخرسانة المسلحة، كما تبين من الاطلاع على المفردات المضمونة أن ما حصله الحكم المطعون فيه بشأن ما تقدم وبشأن عدم سابقة محاكمة الطاعنة الأولى عن واقعة بناء الخزان بأعلى العقار بعد تعلية العقار إلى الطابق الرابع عشر، وما أحال إليه الحكم في بيان شهادة الشهود.... و..... و..... و..... و..... و..... من أنهم شهدوا بمضمون ما شهد به الشاهد...... من أن السبب المباشر لانهيار العقار هو ضعف النظام الإنشائي المستخدم لكي يتحمل 16 سقفاً خرسانياً وخزان مياه - له صداه وأصله الثابت في الأوراق فإن النعي على الحكم بدعوى الخطأ في الإسناد لا يكون له محل.
13 - لما كان لا يعيب الحكم خطؤه في الإسناد ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر على عقيدة المحكمة وكان البين من الحكم المطعون فيه أن ما ينعاه الطاعن الثالث من خطئه فيما نقله عن إقراره من أنه بدأ تشطيب شقته سنة 1994 - بينما أن الثابت بالأوراق أنه بدأ تشطيبها سنة 1990 - وكذلك في أن تفتيش النيابة لمكتبه أسفر عن ضبط أربع صور ضوئية للرسم المعماري للدور المتكرر - على حين أن الثابت بالتحقيقات أنها أربع صور ضوئية للرسم الكروكي لهذا الدور، لم يكن له أثر في منطق الحكم أو في النتيجة التي انتهى إليها فإن ما يثار في هذا المقام لا يكون مقبولاً.
14 - لما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تبن قضاءها بصفة أصلية على ما استبان لها من رسم معماري للمسقط الأفقي للدور المتكرر عليه اسم الطاعن الثالث وإنما استندت إلى هذا الرسم كقرينة تعزز بها أدلة الثبوت التي أوردتها فإنه لا جناح على الحكم المطعون فيه إن عول على تلك القرينة تأييداً وتعزيزاً للأدلة الأخرى التي اعتمد عليها في قضائه ما دام أنه لم يتخذ من هذا الرسم والمعماري دليلاً أساسياً في ثبوت التهمة قبل هذا الطاعن وإذ كان لا يوجد في القانون ما يلزم المحكمة بتحديد موضع تلك القرينة المشار إليها من أوراق الدعوى ما دام لها أصل فيها حسبما استبان من المفردات المضمومة فإن النعي في هذا الصدد يكون لا أساس له.
15 - من المقرر أن للمحكمة أن تعول على أقوال شهود الإثبات وتعرض عن قالة شهود النفي دون أن تكون ملزمة بالإشارة إلى أقوالهم أو الرد عليها رداً صريحاً فقضاؤها بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي بينتها يفيد دلالة أنها أطرحت شهادتهم ولم تر الأخذ بها.
16 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصهاً سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
17 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب. والأصل أنه متى أخذت المحكمة بأقوال الشاهد فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
18 - من المقرر أن الأحكام لا تلتزم بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها.
19 - من المقرر أن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد وإن تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه.
20 - من المقرر أن تناقض الشهود وتضاربهم في أقوالهم أو مع أقوال غيرهم لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه.
21 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تجزئ أقوال الشاهد فتأخذ منها بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه لتعلق ذلك بسلطتها في تقدير أدلة الدعوى وفي إغفالها إيراد بعض الوقائع من أقوال الشاهد ما يفيد ضمناً عدم اطمئنانها إليها ولا يشترط في شهادة الشاهد أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفي أن يكون من شأن الشهادة أن تؤدى إلى تلك الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة يتلاءم به ما قاله الشاهد بالقدر الذي رواه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها.
22 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تحصل أقوال الشاهد وتفهم سياقها وتستشف مراميها ما دامت فيما تحصله لا تحرف الشهادة عن موضعها وهم في ذلك غير مقيدة بألا تأخذ إلا بالأقوال الصريحة أو مدلولها الظاهر.
23 - لما كان للمحكمة سلطة مطلقة في الأخذ بإقرار المتهم في حق نفسه وعلى غيره من المتهمين في أي دور من أدوار التحقيق ولو عدل عنه بعد ذلك متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع ولها أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة القائمة في الدعوى، وكانت الصورة التي استخلصتها المحكمة من أقوال شهود الإثبات والتقرير الفني لا تخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي ومن إقرار الطاعنين الثاني والثالث بالتحقيقات وهما لا ينازعان في صحة ما نقله الحكم من أقوالهما التي حصلها الحكم بوصفها إقراراً لا اعترافاً فإنه لا تثريب على الحكم إن هو استمد من تلك الأقوال ما يدعم الأدلة الأخرى التي أقام عليها قضاءه بالإدانة، كما أنه لا يقدح في سلامته تسمية هذه الأقوال إقراراً طالما أن المحكمة لم ترتب عليها وحدها الأثر القانوني للاعتراف. كما لا ينال من الحكم أخذه بالمستندات التي اطمأن إليها وإطراحه لمستندات أخري قدمها الطاعنون وأشاروا إليها في أسباب طعنهم ويكون منعاهم على الحكم في شأن ما تقدم لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الأدلة واستخلاص ما تؤدى إليه بما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب طالما كان استخلاصها سائغاً - كما هو الحال في واقع الدعوى - فلا يجوز مصادرتها في شأنه أمام محكمة النقض.
24 - لما كان دفاع كل من الطاعنين بعدم ارتكاب الجريمة وأن مرتكبها أشخاص غيرهم تقع المسئولية عليهم مردوداً بأن نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم كما لا يجديهم النعي يعدم إقامة الدعوى الجنائية على هؤلاء الآخرين - بفرض إسهامهم في الجريمة - ما دام لم يكن ليحول دون مساءلتهم عما هو مسند إليهم والذي دلل الحكم على مقارفتهم إياه تدليلاً سائغاً ومقبولاً.
25 - لما كان حق التصدي المنصوص عليه في المادة 11 من قانون الإجراءات الجنائية متروك لمحكمة الجنايات تستعمله متى رأت ذلك دون أن تلتزم بإجابة طلبات الخصوم في هذا الشأن ومن ثم تضحى أوجه النعي في هذا الخصوص لا سند لها.
26 - لما كان ما يثيره الطاعنون في أسباب طعنهم لا يعدو أن يكون دفاعاً موضوعياً، لا على المحكمة إن هي لم تتعقبه في كل جزئية منه إذ أن اطمئنانها إلى الأدلة التي عولت عليها يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، دون أن تكون ملزمة ببيان علة إطراحها، فإنه لا يقبل من الطاعنين إثارتها أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من (1)...... (طاعنة) (2)....... (طاعن) (3)...... (توفى) (4)....... (طاعن) (5)...... (6)..... بأنهم أولاً: المتهمون الأولى والثاني والثالث: (1) لم يراعوا في تنفيذ البناء رقم.... الأصول الفنية المقررة لذلك بأن نفذوا التصميمات التي أعدت بمعرفة باقي المتهمين والمخالفة لرسومات الترخيص رغم علمهم بما شابها من أخطار واستخدموا كميات من مواد البناء (أسمنت وحديد تسليح) دون الحد الأدنى الذي تقتضيه المواصفات المصرية المقررة واستخدموا مواد البناء (زلط وحديد تسليح) غير مطابق للمواصفات المقررة مع سوء في توزيع ورص الحديد وعدم جودة خلط مكونات الخرسانات المسلحة وأجروا أعمال تعلية ستة طوابق على الأدوار المرخص بها رغم أن الهيكل الإنشائي للبناء لم يكن صالحاً لإقامتها وكان ذلك بطريق العمد بغية تخفيض نفقات إنشاء العقار وتحقيق عائد من بيع الوحدات السكنية المخالفة وذلك على النحو الموضح بالتحقيقات (2) أقاموا البناء - آنف البيان - مخالفاً للرسومات المعتمدة من شركة..... ومن إدارة حي..... والتي منح الترخيص على أساسها وقاموا بتعلية ستة طوابق دون الحصول على ترخيص بذلك. ثانياً: المتهمون الرابع والخامس والسادس (1) أهملوا والمتهم المتوفى حسين...... إهمالاً جسيماً في تصميم البناء سالف البيان ولم يلتزموا في إعداد الرسومات بالأصول الفنية والمواصفات القياسية المصرية المعمول بها بأن صمموا قطاعات أعمدة لا تتحمل بأمان الأحمال الرأسية التي كانت قائمة عليها وأساءوا توزيعها على مساحة البناء ولم يراعوا في اختيار النظام الإنشائي مقاومة القوى الأفقية الناتجة من تأثير الرياح فأضاف ذلك إجهادات إضافية على الأعمدة علاوة على الإجهادات الناتجة عن الأحمال الرأسية (2) أهملوا والمتهم المتوفى حسين...... إهمالاً جسيماً في الإشراف على تنفيذ بناء العقار سالف البيان فسمحوا للمتهمين من الأولى إلى الثالث باستخدام مواد بناء غير مطابقة للمواصفات ودون الحد الأدنى الذي تقتضيه المواصفات مع سوء توزيع الحديد بالهيكل الخرساني للبناء وعدم جودة الخلط لمكونات الخرسانة المسلحة وسمحوا لهم أيضاً بتعلية ستة طوابق دون ترخيص وأشرفوا على تنفيذ بنائها رغم أن الهيكل الإنشائي للبناء لم يكن صالحاً لإقامتها. ثالثاً: المتهمون جميعاً: (1) تسببوا بأخطائهم - موضوع التهم السابقة - وبإهمالهم وعدم مراعاتهم القوانين والقرارات واللوائح المنظمة لأعمال البناء وبإخلالهم إخلالاً جسيماً بما يفرضه عليهم أصول عملهم في زيادة الإجهادات الكلية على قطاعات أعمدة العقار - سالف البيان مما أفقد البناء معامل البناء الذي تقتضيه المواصفات المصرية القياسية وجعله في حالة اتزان لحظي بحيث انهار فور وقوع الزلزال يوم 12/ 10/ 1992 دون أن يتمكن شاغلوه من النجاة بحياتهم وقد أدى ما وقع منهم من خطأ وإهمال وإخلال إلى وفاة سبعة وستين شخصاً وإصابة ثمانية أشخاص المبينة أسماؤهم بالتحقيقات (2) تسببوا بأخطائهم موضوع التهم السابقة في إتلاف المنقولات المملوكة لشاغلي وحدات العقار - وأحالتهم إلى محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة لمحاكمتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 4/ 1، 5/ 3، 11/ 1، 12/ 6، 22/ 1، 22 مكرراً من القانون رقم 106 لسنة 1976 المعدل بالقانون رقم 30 لسنة 1983 والمواد 238/ 1، 2، 3، 244/ 1، 2، 3، 378/ 6 من قانون العقوبات أولاً: بمعاقبة المتهمين الأولى والثاني والثالث بالسجن لمدة عشر سنوات. وبمعاقبة المتهم الرابع والسادس بالسجن لمدة خمس سنوات وبتغريمهم مليون جنيه عما أسند إليهم - ثانياً: يحظر التعامل نهائياً مع كل من الأولى حتى الثالث - ثالثاً: بشطب اسم كل من المتهمين الرابع والسادس من سجلات نقابة المهندسين لمدة خمس سنوات، رابعاً: براءة المتهم الخامس مما نسب إليه.
فطعن المحكوم عليهم الأولى والثاني والثالث والرابع في هذا الحكم بطريق النقض (قيد بجدول محكمة النقض برقم 25614 لسنة 63 القضائية).
وبجلسة 7 من مارس سنة 1996 قضت هذه المحكمة بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة لتفصل فيها مجدداً دائرة أخرى بالنسبة لجميع الطاعنين.
ومحكمة الإعادة - بهيئة مغايرة - قضت عملاً بالمواد 4/ 1، 5/ 3، 11/ 1، 12، 22/ 1، 22 مكرر من القانون رقم 106 لسنة 1976 المعدل بالقانون رقم 30 لسنة 1983 والمواد 238/ 1، 2، 3، 244/ 1، 2، 3، 378/ 6 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 32 من قانون العقوبات. أولاً حضورياً بمعاقة كل من المتهمين الأولى والثاني بالسجن لمدة عشر سنوات. ثانياً حضورياً بمعاقبة الرابع بالسجن لمده خمس سنوات - ثالثاً: بتغريم المتهمين الثلاثة سالفى الذكر مليون جنيه عما أسند إليهم - رابعاً: يحظر التعامل نهائياً مع المتهمين الأولى والثاني - خامساً: يشطب اسم المتهم الرابع من سجلات نقابة المهندسين لمدة خمس سنوات - سادساً: بانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة للمتهم الثالث لوفاته.
فطعم المحكوم عليهما الأولى والثاني في 6، 16 من نوفمبر سنة 1996 والأستاذ/..... عن المحكوم عليه الرابع في هذا الحكم بطريق النقض........ إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجرائم عدم مراعاة الأصول الفنية في تصميم العقار - موضوع الدعوى - وفي تنفيذه وفي الإشراف على هذا التنفيذ واستخدام مواد بناء غير مطابقة للمواصفات، وإذ دانهم أيضاً بجرائم القتل والإصابة الخطأ والإتلاف بإهمال قد شابه الخطأ في تطبيق القانون والقصور والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع والخطأ في الإسناد، ذلك بأن رد بردود غير سائغة على ما أبدى من دفوع بشأن عدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها، وأنها قد انقضت بمضي المدة لكون واقعتها مجرد جنحة ولا يسرى عليها القانون رقم 30 لسنة 1983 والدفع المبدى بأن الزلزال هو السبب الرئيسي والمنتج في الحادث وهو الذي أدى إلى انهيار العقار بما يمثله من قوة قاهرة لا يمكن توقعها وردها، ودفع الطاعن الثالث بانتفاء مسئوليته لانقطاع علاقة السببية بين إشرافه على العقار وبين الواقعة لحدوثها بفعل عمدي من غيره، ولم يستظهر الحكم القصد الجنائي وتوافره في حق الطاعنين باعتبارهم فاعلين أصليين، فضلاً عن قصوره في بيان الجريمة التي دانهم بها بكافة أركانها، كما أنه أورد وقائع تخالف ما جاء بوصف التهم الواردة بأمر الإحالة دون لفت نظر الدفاع، ورد بما لا يصلح رداً على الدفع ببطلان التقرير الذي أعدته اللجنة المشكلة بقرار من محافظ القاهرة والتي نيط بها معاينة العقار وبيان أسباب انهياره لعدم حلف أعضائها اليمين القانونية ولما شاب أعمالها من قصور ومع ذلك أخذ الحكم بما جاء بتقرير تلك اللجنة الأصلي والتكميلي ولم يأخذ بما جاء بالتقارير الفنية الاستشارية ولم يجب الدفاع إلى ما طلبه من ندب خبير آخر أو لجنة من الخبراء لفحص المسائل الفنية محل النزاع رغم أن هذا الطلب أصرت عليه الطاعنة الأولى على سبيل الجزم في ختام مرافعتها ولكن الحكم رد عليه بما لا يصلح لإطراحه، وزاد الحكم في عقوبة الغرامة المقضى بها في الحكم المنقوض وذلك بعدم إنقاصه لنصيب المتهم الذي قضى بانقضاء الدعوى لوفاته ودون أن يورد أسس تقديره لها، ودافعت الطاعنة الأولى بأنها مالكة العقار وليست مقاولة خاصة أن نفس التهمة وجهت إلى زوجها الطاعن الثاني باعتباره مقاول العقار كما دفع الطاعنان الثاني والثالث بانتفاء مسئولية أولهما كمقاول للبناء وانتفاء مسئولية ثانيهما كمهندس له لانقضاء مدة الضمان عملاً بحكم المادتين 651، 653 من القانون المدني، ودفع الطاعن الثالث بعدم جواز الإثبات بالبينة لصفته كمهندس للعقار ومشرف على تنفيذه - وقد رد الحكم على بعض هذه الدفوع برد غير مقبول وأغفل البعض منها، وجاء الحكم متناقضاً إذ أرجع انهيار العقار إلى ضعف النظام الإنشائي تارة وإلى سوء التنفيذ تارة أخرى وإلى بناء الخزان تارة ثالثة كما أورد في موضع منه أنه سبق الفصل في جريمة تعلية العقار ستة أدوار بغير ترخيص ثم عاد وأورد في موضع آخر أن الطاعنين أهملوا إهمالاً جسيماً والمتوفى حسين...... في الإشراف على تنفيذ العقار وسمحوا أيضاً بتعليته ستة طوابق وإنشاء خزان دون ترخيص، وفي قوله نقلاً عن الطاعن الثاني أن الطاعن الثالث كان يحضر بنفسه للإشراف على تنفيذ الخرسانة المسلحة ثم عودته بعد ذلك إلى القول أن الطاعن الثاني قرر أنه كان يقوم هو بنفسه والمتهم المتوفى عبد الله..... في الإشراف على صب الخرسانة والتنفيذ كما أن ما حصله بشأن ما تقدم وبشأن عدم سابقة محاكمة الطاعنة الأولى عن واقعة بناء الخزان وما أحال إليه في بيان شهادة بعض الشهود إلى ما شهد به الشاهد محمد..... من أن السبب المباشر لانهيار العقار هو ضعف النظام الإنشائي المستخدم لكي يحمل 16 سقفاً خرسانياً وخزان مياه كل ذلك لا أصل له في الأوراق، كما أن الحكم أخطأ فيما نقله عن إقرار الطاعن الثالث من أنه بدأ تشطيب شقته سنة 1994 بينما أن الثابت بالأوراق أنه بدأ تشطيبها سنة 1990 وكذلك في أن تفتيش النيابة لمكتبه أسفر عن ضبط أربع صور ضوئية للرسم المعماري للدور المتكرر - على حين أن الثابت بالتحقيقات - أنها أربع صور ضوئية للرسم الكروكي لهذا الدور. كما أن الحكم بنى قضاءه على ما استبان للمحكمة من رسم معماري للمسقط الأفقي للدور المتكرر عليه اسم الطاعن الثالث وهو ما لا يصلح الاستناد إليه حيث لم يفصح الحكم عن مصدر وموضع ذلك الرسم بأوراق الدعوى، كما عول الحكم في قضائه على أقوال شهود الإثبات - رغم ما وجهه الدفاع إليها من مطاعن وتعدد رواياتهم وتناقضهم وتضاربهم في أقوالهم وعدم ورود شهاداتهم على الحقيقة كاملة، وأخذ الطاعنين الثاني والثالث بإقرارهما رغم عدم صلاحية ما بدر منهما ليكون دليلاً للإدانة وأخذ الحكم بما اطمأن إليه من مستندات وأطرح مستندات وأدلة النفي المقدمة من الطاعنين، وأغفل دفاعهم بعدم ارتكاب الجريمة وبأن مرتكبيها أشخاص غيرهم تقع المسئولية عليهم بيد أن الدعوى الجنائية لم ترفع قبلهم ولم تستعمل محكمة الموضوع - حيالهم - حقها في التصدي المخول لها بموجب المادة 11 من قانون الإجراءات الجنائية وأغفل الحكم المطعون فيه باقي أوجه دفوعهم الموضوعية دون أن يعرض لها إيراداً ورداً - وكل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بقوله إنها "تتحصل في أنه في يوم الاثنين 12/ 10/ 1992 تعرضت مصر لزلزال استمر ما يقارب الدقيقة أسفر عن تهدم بعض العقارات القديمة التي كانت بمضي الزمن آيلة للسقوط وعن تصدع بعض العقارات الحديثة لأسباب مختلفة، وانهيار البناء محل الدعوى الراهنة الكائن بشارع...... بدائرة قسم النزهة والمكون من بدروم ودور ارضي وأربعة عشر طابقاً وهو العقار الوحيد الحديث الذي انهار بالمنطقة كلها في هذا التاريخ وكان ذلك راجعاً إلى إقامة خزان من الخرسانة المسلحة أعلى البناء يزن خالياً من المياه حوالي 50 طن وعند ملئه بالمياه 150 طن أنشئ في ظل القانون 30 لسنة 1983 بالإضافة إلى ما شاب أعمال تصميم البناء وإنشائه من مخالفات تمثلت في عدم مطابقة ما تم تنفيذه على الطبيعة لما هو مرخص بإنشائه من حيث الرسومات المعمارية الإنشائية والأساسات وعدد الطوابق وعدم تحمل الأعمدة للأحمال الناتجة عن ستة عشر سقفاً خرسانياً وضعف وسوء النظام الإنشائي واستخدم مواد البناء دون الحد الأدنى الذي تقتضيه المواصفات المصرية المقررة وكان قد سبق ضبط المحاضر أرقام..... لسنة 1981 جنح بلدية النزهة و...... لسنة 1981 جنح بلدية النزهة و..... لسنة 1982 جنح بلدية النزهة و...... لسنة 1989 جنح بلدية النزهة عن تلك الوقائع فيما عدا واقعة بناء الخزان أعلى العقار بدون ترخيص والتي لم يحرر عنها ثمة محاضر وبالتالي لم يصدر في شأنها أحكام وقد أدى انهيار هذا العقار إلى مقتل سبعة وستين شخصاً وإصابة ثمانية آخرين وإتلاف منقولات ملاك الوحدات." وقد أقام الحكم الدليل على صحة الواقعة ونسبتها إلى الطاعنين من أقوال شهود الإثبات وإقرار الطاعنين الثاني والثالث بالتحقيقات وتقرير اللجنة الفنية المشكلة بقرار من محافظ القاهرة وهي أدلة سائغة ومن شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها، وبأن الواقعة لا تتعدى كونها جنحة ولا يسرى عليها القانون 30 لسنة 1983، ومن ثم تكون قد انقضت بمضي المدة - ورد على ذلك بقوله "إن هذا الدفع قد جانبه الصواب بالنسبة لواقعتين من واقعات الاتهام الماثل الأولى وهي بناء خزان المياه أعلى العقار موضوع الاتهام وهو البناء الذي استحدث بعد سريان القانون 30 لسنة 1983 وفي ظله ولم تراع فيه الأصول الفنية المقررة من جميع الوجوه والذي مثل حملاً على العقار بمقدار خمسين طناً تزاد إلى مائة وخمسين طناً في حالة امتلائه بالمياه وهذه الواقعة لم يشملها أي من محاضر الجنح السابقة ولم يقض فيها بثمة قضاء ومن ثم ينتفي بالنسبة - للطاعنة الأولى - الدفاع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها ولا تعول المحكمة على ما ضمنه دفاع المتهمة المذكورة في تلك المذكرة المقدمة منه بجلسة المرافعة من أن بناء هذا الخزان قد تم بمعرفة إتحاد ملاك العقار المنهار ولخلو الأوراق من الدليل الجازم على ذلك فضلاً عن أن إتحاد الملاك في مثل هذا العقار المبني ينشأ لمباشرة أعمال الصيانة وليس البناء ولأن بائع وحدات العقار بعد أن يتسلم ثمنها هو المكلف بإعدادها للسكني كاملة المرافق أما الواقعة الثانية فهي تنحصر في تعمد وإهمال المتهمة في عدم مراعاة الأصول الفنية المقررة في تنفيذ التصميمات المخالفة وفي استخدام مواد بناء من أسمنت وحديد تسليح غير مطابقة للمواصفات المصرية المقررة بالنسبة للأعمال موضوع محضر الجنحة...... لسنة 1989 والتي أنشئت بالقطع بعد سريان القانون 30 لسنة 1983 وفي ظله حسبما تيقنت المحكمة من ذلك على النحو السابق سرده وحسبما ورد في تاريخ تحرير المحضر المذكور ذلك أنه ولئن كانت هذه الوقائع تعتبر قريناً متلازماً مع واقعة البناء دون ترخيص والتي قدمت المتهمة الأولى للمحاكمة عنها من قبل إلا أنه كان يتعين معاقبتها عنها بعقوبة الجريمة الأشد وهي جريمة العمد والإهمال في البناء المؤثمة بنص المادة 22 مكرراً من القانون 106 لسنة 1976 المعدل بالقانون 30 لسنة 1983 باعتبار أن الجريمتين مرتبطتين ارتباطاً لا يقبل التجزئة أما وأن المتهمة الأولى المذكورة قد عوقبت بجريمة الجنحة وهي الجريمة الأخف فإنه لا جناح على النيابة العامة في تقديمها للمحاكمة الراهنة لمعاقبتها بعقوبة الجريمة الأشد باعتبارها العقوبة الواجبة التطبيق عملاً بالمادة 32 من قانون العقوبات ولا يصح في هذا الحالة الماثلة قبول الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها ويتعين القضاء برفضه" واستطرد الحكم مشيراً إلى أن الطاعن الثاني لا يقبل منه هذا الدفع أيضاً" لانتقاء وحدة الخصوم في الدعويين إذ إنه لم يكن متهماً في جميع الدعاوى السابقة عدا المحضر...... لسنة 1989 ومن ثم يسرى في شأن المتهم المذكور فيما عدا هذا المحضر ما سلف أن قررته هذه المحكمة رداً على الدفع بالنسبة للمتهمة الأولى وذلك باعتباره فاعلاً مثلها في الجرائم سالفة الذكر" ثم أضاف الحكم رداً على ما أثير من أن العقار قديم واكتمل قبل صدور القانون 30 لسنة 1983 موضحاً أن هذا القول "يجافى الحقيقة والواقع بدليل ما أثبته المهندس...... في التقرير الاستشاري المقدم منه بناء على طلب المتهمة الأولى وشريكتها...... وشهد به في التحقيقات أنه عند إعداد التقرير في 25/ 4/ 1983 كان العقار عبارة عن بدروم وأرضي وثلاثة عشر طابقاً متكرراً ولم يكن قد أنشئ الدور الرابع عشر ولا خزان المياه وكانت الأساسات والتربة قادرة بأمان على تحمل هذا المبنى إلا أن ما تم بعد ذلك من تعلية الدور الرابع عشر وتركيب خزان علوي خرساني مسلح يصل وزنه بدون مياه 50 طن وعند ملئه بالمياه يصل إلى 150 طن بما يتبعه من زيادة الأحمال التي لم تكن في الحسبان أثناء المعاينة وإعداد التقرير وأن هذا الدور الرابع عشر والخزان لم يكن موجوداً عند إعداد التقرير وإلا كان التقرير قد تضمنه، وبدليل ما شهد به...... حارس العقار منذ 1/ 1/ 1982 وحتى انهياره أن أعمال الخرسانة استمرت سنتين بعد تسلمه العمل. فضلاً عما قرره المتهم الرابع..... بالتحقيقات من أنه عند تسلمه الوحدة التي قام بشرائها في العقار في 8/ 1/ 1984 كانت العمارة حوالي ستة أو سبعة طوابق فقط ولم تكن قد وصلت إلى ثلاثة عشر طابقاً بأي حال وأنه لم يتم تشطيب العمارة حتى سنة 1990، وما ثبت أيضاً من الطلب المقدم من المتهمة الأولى....... وشريكتها في ملكية العقار للجنة التصالح عن المخالفات السابقة على صدور القانون 30 لسنة 1983 والمحرر في 1/ 12/ 1983 وإنهما يطلبان التصالح عن أربعة أدوار متكررة أقيمت بغير ترخيص فضلاً عن الثمانية أدوار الصادر بها الترخيص بما يفيد بالقطع أن ارتفاع العقار في تاريخ طلب التصالح - وهو تال لتاريخ صدور القانون 30 لسنة 1983 - كان عبارة عن 12 طابقاً بما مؤداه أن بناء الدورين الثالث عشر والرابع عشر وخزان المياه قد تم إنشاؤها في ظل القانون 30 لسنة 1983" وما شهد به أيضاً...... الذي قام بإعمال النجارة والإشراف على بعض الأعمال بتكليف من المتهم..... أنه عمل بالعمارة خلال عامي 87 و88 وأن الدور الرابع عشر لم يكن قد اكتمل وكانت العمارة غير كاملة التشطيب من الداخل وحوالي 17 شقة بها بدون تشطيب ولم يكن قد تم عمل المدخل وأنه ترك العمل بالعمارة سنة 1988 وكانت أعمال التشطيب ما زالت جارية فيها، وما شهد به...... أستاذ ميكانيكا التربة والأساسات بكلية الهندسة جامعة الأزهر بتحقيقات النيابة العامة حين عرض عليه بيان مصروفات العمارة المذكورة عن الأعوام من 1987 حتى 1989 فقرر أن ذلك البيان يتضمن فواتير شراء رمل وأسمنت وجيروسون للنقاشة وأدوات صحية وسيراميك وقيشاني وطوب وحديد تسليح ورخام وأرضيات خشب وأشياء أخرى كما توجد بيانات عن صرف مبالغ البياض والنقاشة ومباني للخزانات وتركيب السباكة والسيراميك وأجور عمال وجميع هذه الأعمال تمثل أعمال إنشاء في العمارة ويدخل حساب هذه الأعمال كأحمال مبينة في التصميم الإنشائي للعقار بحيث إن المبنى لا يعتبر مستكملاً من الناحية الإنشائية إلا بعد الانتهاء من جميع هذه الأعمال وبدليل ما ثبت على وجه القطع واليقين من إنشاء الخزان الخاص بالمياه بأعلى العقار والمكون من الخرسانة المسلحة وهو البناء لم يحرر عنه أي محضر ولم يشمله أي من المحاضر السابقة ولم يكن محلاً لمحاكمة ولا أحكام من قبل" وانتهى الحكم إلى رفض ذات الدفوع سالفة البيان - والتي كرر الطاعن الثالث إثارتها محيلاً في رفضها إلى ما ساقه من أسباب في رفضه لها بصدد إبدائها من جانب الطاعنين الأولى والثاني على النحو المار بيانه. وإذ كان ما ساقه الحكم بشأن ما تقدم كافياً وسائغاً ويتفق وصحيح القانون، فإن ما يثار بصدده يكون لا أساس له. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع المبدى من الطاعنين بأن الزلزال هو السبب الرئيسي والمنتج في الحادث وهو الذي أدى إلى انهيار العقار بما يمثله من قوة قاهرة ولم يكن لأي منهم أن يتوقعه أو يدفعه رد عليه بقوله إن "هذا الدفاع مخالف للثابت بأوراق الدعوى، ذلك أن المحكمة تطمئن تماماً إلى ما قرره جميع الشهود من أن انهيار العقار وما ترتب عليه من وفاة 67 شخصاً وإصابة ثمانية آخرين كان نتيجة سوء التصميم وسوء التنفيذ على النحو الموضح آنفاً، وأن المبني كان محكوماً عليه بالانهيار في أية لحظة وأن الزلزال لم يكن السبب الرئيسي والمنتج في سقوطه ولكنه كان كاشفاً للعيوب التي شابته وأدت إلى سقوطه وهي كانت موجودة قبل حدوث الزلزال وأنه لو كان المتهمان الأولى والثاني قد راعياً الأصول الفنية للمواصفات القياسية المصرية ولم يقوما بالارتفاع بالبناء إلى الحد الذي وصل إليه ثم إقامة خزان المياه أعلاه بما يمثله من إضافة أحمال وحمل زائد على أعمدة العقار التي كانت من الضعف بحيث لم تتحمل تلك الإضافة مما أدى إلى سقوطه ولو كان المتهم الرابع - الطاعن الثالث - لم يهمل في الإشراف على البناء على النحو الوارد بالأوراق لما حدثت تلك النتيجة الأمر الذي يقطع بتوافر رابطة السببية بين أفعال المتهمين والنتيجة التي حدثت بانهيار العقار وموت 67 شخصاً دفنوا تحت أنقاضه وإصابة ثمانية آخرين ويضحى دفاع المتهمين في ذلك قد جاء واهياً متعيناً الالتفات عنة". كما عرض الحكم لدفاع الطاعن الثالث بانقطاع علاقة السببية بين إشرافه على العقار وبين الواقعة لحدوثها بفعل عمدي من غيره بقوله "إن ذلك مردود كذلك إذ كان عليه أن ينسحب من الإشراف وفقاً لنص المادة 12 من قانون 106 لسنة 1976 أما وهو لم ينسحب من الإشراف فقد تأكدت رابطة السببية بين عدم انسحابه عن الإشراف والنتيجة التي حدثت وهي انهيار العقار وما صاحبه من وفيات وإصابات، ولما كان الاتهام قبل المتهم الرابع - الطاعن الثالث - قد قام الدليل عليه مما يلي (1) ما شهد به المهندس...... من أن المتهم الرابع كلفه بعمل جستين للأرض التي بنى عليها العقار وإعداد تقرير عن ذلك سلمه له بعد الانتهاء منه وتقاضى أجره عن عمله هذا من المتهم الرابع (2) ما شهد به...... من أنه شاهد لافتة عليها اسم وعنوان مكتب المتهم الرابع بصفته مهندس المشروع (3) ما قرره المتهم الثاني...... أنه توجه وزوجته المتهمة الأولى إلى مكتب المتهم الرابع وقدم لهم رسومات للمشروع فكلفوه بالإشراف على التنفيذ، وكان يحضر بنفسه للإشراف خاصة الإشراف على تنفيذ الخرسانة المسلحة (4) أسفر تفتيش مكتب المتهم الرابع عن ضبط أربع صور ضوئية للرسم المعماري للدور المذكور للعقار (5) اللوحة المعمارية بملف المستندات المقدمة من شركة مصر للتأمين مدون عليها اسم المتهم الرابع وعنوان مكتبه (6) رسم معماري أخر للمسقط الأفقي للدور المذكور عليه اسم المتهم الرابع - والمحكمة تخلص مما تقدم إلى أن الاتهام المسند إلى المتهم الرابع ثابت في حقه على وجه القطع واليقين". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير رابطة السببية بين الخطأ والضرر أو عدم توافرها هو من المسائل الموضوعية التي تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب عليها ما دام تقديرها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة ولها أصلها في الأوراق وكان يكفي لتوافر رابطة السببية بين خطأ المتهم والضرر الواقع أن تستخلص المحكمة من وقائع الدعوى أنه لو لا الخطأ المرتكب لما وقع الضرر - وهو الحال في الدعوى المطروحة حسبما أفصح عنه الحكم فيما سلف - وكان يشترط لتوافر حالة الحادث القهري ألا يكون للجاني يد في حصول الضرر أو في قدرته منعه فإذا اطمأنت المحكمة إلى توافر الخطأ في حق المتهم في حق المتهم بما تترتب عليه مسئوليته فإن في ذلك ما ينتفي معه القول بحصول الواقعة عن حادث قهري ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان مفاد نص المادة 22 مكرراً من القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء المضافة بالقانون رقم 30 لسنة 1983 أن الجريمة التي ترتكب بطريق العمد أو الإهمال الجسيم بعدم مراعاة الأصول الفنية في تصميم البناء أو تنفيذه أو الإشراف على التنفيذ أو الغش أو استخدام مواد البناء أو استعمال مواد غير مطابقة للمواصفات لا تستلزم قصداً خاصاً بل تتوافر أركانها بتحقق الفعل المادي والقصد الجنائي العام وهو انصراف قصد الجاني إلى إقامة البناء على النحو سالف البيان، وكان تحقق هذا القصد أو عدم قيامه - من ظروف الدعوى - يعد مسألة تتعلق بالواقع تفصل فيها المحكمة بغير معقب وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن الطاعنة الأولى والطاعن الثاني لم يراعيا في تنفيذ العقار موضوع الدعوى الأصول الفنية المقررة بتنفيذهما التصميمات رغم علمهما بما شابها من أخطاء واستخدامهما كميات من مواد البناء - أسمنت وزلط وحديد تسليح - دون الحد الأدنى الذي تقتضيه المواصفات المصرية المقررة مع سوء توزيع ورص الحديد وعدم جودة خلط مكونات الخرسانة المسلحة وإقامتهما تعلية وخزان مياه رغم أن الهيكل الخرساني الإنشائي للبناء لم يكن صالحاً لإقامتهما، كما أثبت أن الطاعن الثالث أهمل إهمالاً جسيماً في الإشراف على تنفيذ البناء المشار إليه فسمح للطاعنة الأولى وللطاعن الثاني بعدم مراعاة الأصول الفنية في البناء المذكور على النحو سالف البيان، فإن هذا الذي أورده الحكم يعد كافياً وسائغاً لاستظهار تحقق القصد الجنائي لدى الطاعنين في الجرائم التي دانهم بها باعتبارهم فاعلين أصليين - على خلاف ما يذكره الطاعن الثالث في أسباب طعنه من أن الحكم خلا من بيان ما إذا كان فاعلاً أو شريكاً. ومن ثم فإن ما أثير من الطاعنين أجمعين في هذا الشأن لا يكون صائباً. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه في مدوناته تتوافر به جناية العمد والإهمال الجسيم بعدم مراعاة الأصول الفنية في تصميم البناء موضوع الدعوى وفي تنفيذه والإشراف على التنفيذ واستعمال مواد البناء رغم عدم مطابقتها للمواصفات، المؤثمة بنص المادة 22 مكرراً من القانون رقم 106 لسنة 1976 المضافة بالقانون رقم 30 لسنة 1983، وذلك بكافة أركانها كما هي معرفة به في القانون، وكان النعي بأن الواقعة مجرد جنحة لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها. مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعنون في هذا المقام لا يكون قويماً. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن محكمة الموضوع لا تتقيد بالوصف القانوني الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم بل هي مكلفة بتمحيص الواقعة المطروحة أمامها بجميع كيوفها وأوصافها وأن تطبق عليها نصوص القانون تطبيقاً صحيحاً دون حاجة إلى لفت نظر الدفاع إلى ذلك، ما دام أن الواقعة المادية المبينة بأمر الإحالة والتي كانت مطروحة بالجلسة هي بذاتها الواقعة التي اتخذها الحكم أساساً للوصف الذي دان المتهم به دون أن تضيف إليها المحكمة شيئاً - كما هو واقع الحال في الدعوى المطروحة - وكان الحكم المطعون فيه قد أشار إلى إقامة الطاعنين لخزان مياه دون مراعاة الأصول الفنية في التصميم وفي التنفيذ وفي الإشراف عليه أعلى البناء محل الدعوى دون لفت نظر الدفاع إلى ذلك، وكان ما أورده الحكم على هذه الصورة لا يخرج عن ذات الواقعة التي تضمنها أمر الإحالة وهي التي كانت مطروحة على بساط البحث بالجلسات ودارت عليها المرافعة، وهو وصف غير جديد في الدعوى ولا مغايرة فيه للعناصر الني كانت مطروحة على المحكمة ولا يعد ذلك في حكم القانون تغييراً لوصف المتهم المحال بها الطاعنون - وهي عدم مراعاتهم للأصول الفنية في تصميم البناء محل الدعوى وفي تنفيذه وفي الإشراف على تنفيذه - بل هو مجرد بيان لوجه من أوجه كيفية ارتكاب الجريمة مما يصح إجراؤه في الحكم دون تنبيه الدفاع إليه في الجلسة ليترافع على أساسه وفضلاً عن ذلك فإن الدفاع عن الطاعنين الأولى والثاني قد ضمن مذكرته بأن بناء خزان المياه فوق العقار قد تم بمعرفة إتحاد ملاك العقار المنهار وليس بمعرفة الطاعنين المذكورين، وهو دفاع مكتوب وتتمة للدفاع الشفوي المبدى بجلسة المرافعة وقد ردت المحكمة عليه بما يسوغ إطراحه، ومفاد ذلك أن الواقعة المار ذكرها كانت مطروحة على بساط البحث وتناولها الدفاع بالتفنيد والمناقشة. فإن المحكمة لا تكون ملزمة بعد ذلك بلفت نظر الدفاع إليها. ومن ثم يضحى النعي على الحكم المطعون فيه بالإخلال بحق الدفاع غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان التقرير الذي أعدته اللجنة المشكلة بقرار من محافظ القاهرة والتي نيط بها معاينة العقار وبيان أسباب انهياره تأسيساً على عدم قيام أعضائها بحلف اليمين أمام سلطة التحقيق قبل مباشرة مهمتها ورد عليه بقوله "المحكمة تلتفت عنه، ذلك أن عدم حلف أعضاء اللجنة المذكورة اليمين قبل مباشرة مهمتهم لا يخرج التقرير عن كونه من أوراق الاستدلال في الدعوى المقدمة للمحكمة وعنصراً من عناصرها ما دامت مطروحة على بساط البحث وتناولها الدفاع بالمناقشة سيما وأن الدليل الجنائي لا يكتسب قوته الإقناعية من إسباغ الصفة الرسمية عليه أو من إحاطته باليمين وإنما من اطمئنان المحكمة إليه أياً كان الشكل الذي أفرغ فيه ما لم يقيده القانون وإن العبرة في الإثبات في المواد الجنائية هي باقتناع القاضي واطمئنانه إلى الأدلة المطروحة عليه يضاف إلى ذلك أن أعضاء اللجنة سالفة الذكر قد سئلوا كشهود في تحقيقات النيابة العامة بعد تحليفهم اليمين القانونية قبل الإدلاء بشهادتهم المتضمنة رأيهم ومعلوماتهم بشأن العقار المنهار وسبب انهياره كما أن المحكمة بهيئة سابقة ولدى نظر الدعوى في المحاكمة الأولى التي أسفرت عن الحكم الذي نقض قد حققت الدعوى وسألت من بين من سألتهم أعضاء تلك اللجنة كشهود إثبات بالإضافة إلى من طلب الدفاع سؤاله من خبراء كشهود نفي وكافة هذه الأوراق عرضت على هذه المحكمة في المحاكمة الراهنة وأصبحت ضمن أوراق الدعوى المطروحة للمناقشة ولا تثريب على المحكمة أن تستخلص من كل تلك الأوراق الدليل اليقيني الذي ترتاح إليه وأن تقدير المحكمة لأدلة الدعوى لا يجوز مصادرتها فيه وبذلك يكون ما انتهت إليه المحكمة استخلاصاً لواقعة الدعوى قد بنى على دليل يقيني ثابت في أوراقها في مرحلتي المحاكمة ولما كان ما سرده الحكم على ما سلف كافياً وسائغاً ويتفق وصحيح القانون وذلك لأن عدم حلف أعضاء اللجنة اليمين القانونية لا ينال من عملها لما هو مقرر من أن عضو النيابة العامة بوصف كونه صاحب الحق في إجراء التحقيق ورئيس الضبطية القضائية له من الاختصاص ما خوله القانون سائر رجال الضبطية القضائية طبقاً للمادتين 24 و31 من قانون الإجراءات الجنائية، ولما كانت المادة 29 من هذا القانون تجيز لمأموري الضبط القضائي أثناء جمع الاستدلالات أن يستعينوا بأهل الخبرة وأن يطلبوا رأيهم شفهياً أو بالكتابة بغير حلف يمين فإنه ليس ثمة ما يمنع من الأخذ بما جاء بتقرير اللجنة المشار إليها وبما شهد به أعضاؤها ولو لم يحلفوا اليمين قبل مباشرة المأمورية على أنه ورقة من أوراق الاستدلال في الدعوى المقدمة للمحكمة وعنصراً من عناصرها ما دام أنه كان مطروحاً على بساط البحث وتناوله الدفاع بالتفنيد والمناقشة، ولما كان تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقارير الخبراء المقدمة إليها ولها أن تفاضل بين هذه التقارير فتأخذ منها بما تراه وتطرح ما عداه إذ أن ذلك الأمر متعلق بسلطتها في تقدير الدليل ولا معقب عليها في ذلك، وهي غير ملزمة من بعد بإجابة الدفاع إلى ما طلبه من ندب خبير آخر أو لجنة من الخبراء ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء وإذ كانت المحكمة - في الدعوى الماثلة - قد استظهرت مسئولية الطاعنين بما ينتجها واستندت في إثبات الاتهام في حق الطاعنين إلى التقرير الأساسي للجنة الفنية المنتدبة - دون تقريرها التكميلي الذي لم تعول عليه ولم يشر إليه حكمها في مدوناته - كما استندت إلى أقوال شهود الإثبات وأطرحت في حدود سلطتها التقديرية أقوال وتقدير الخبير الاستشاري فضلاً عن أنها في حكمها المطعون فيه قد ردت برد سائغ على الطلب الاحتياطي المبدى من الطاعنة الأولى بتشكيل لجنة من كليات الهندسة للاطلاع على التقارير الهندسية المقدمة في الدعوى وإعداد تقرير برأيها - ورفضته بقولها إنه "مردود، بأنه طالما أن الواقعة قد اتضحت لدى المحكمة - كما هو واقع الحال في الدعوى - فإن المحكمة لا تكون ملزمة بإجابة هذا الطلب. كما أنها غير ملزمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة" فإن كافة أوجه النعي تكون لا محل لها. لما كان ذلك، وكان الأصل أن نقض الحكم وإعادة المحاكمة يعيد الدعوى إلى محكمة الإعادة بالحالة التي كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض فلا تتقيد تلك المحكمة - محكمة الإعادة - بما ورد بالحكم الأخير ولها في سبيل ذلك أن تقضى في الدعوى بما يطمئن إليه وجدانها ولو خالفت ذلك الحكم وبغير أن تعتبر هذه المخالفة وجهاً للطعن، وكان يبين من المفردات المضمومة ومن كشف الحساب المقدم من المتهم المتوفى عبد الله...... وما قرره الطاعن الثاني في التحقيقات أن قيمة العقار المخالف تزيد عن مليون جنيه ومن ثم تكون الغرامة المقضى بها في الحدود التي قررتها المادة 22 مكرراً من القانون رقم 106 لسنة 1976 المضافة بالقانون رقم 30 لسنه 1983 وقد بنى الحكم تقديره لها على أسس ثابتة في أوراق الدعوى، ولما كانت امن لقواعد الأساسية أن المصاريف والغرامات يحكم بها في الأمور الجنائية بالتضامن على جميع المحكوم عليهم في حالة تعددهم فسقوطها عن المتهم المقضى بانقضاء الدعوى الجنائية قبله لوفاته لا يعني زيادتها بالنسبة لزملائه في الجناية المحكوم عليهم فيها بأدائها كلها لكونهم متضامنين في هذا الأداء ومن ثم لا يشكل القضاء من محكمة الإعادة بتغريمهم المبلغ المشار إليه زيادة في عقوبة الغرامة المقضى بها بالحكم المنقوض أو إضراراً للطاعنين من طعنهم ويكون الحكم قد أسس تقديره للغرامة على ما ورد بالأوراق ويكون النعي في هذا الخصوص لا سند له. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعنة الأولى بأنها مالكة للعقار وليست مقاولة خاصة وأن نفس التهمة وجهت لزوجها الطاعن الثاني باعتباره مقاول العقار - ودحضه بقوله أنه "دفاع ظاهر البطلان ويجافى الحقيقة والواقع ذلك أن المحكمة وهي بصدد استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من جماع عناصرها ووزن أقوال الشهود والمتهمين وتقدير الأدلة بالنسبة لكل متهم قد تيقنت وهي بكامل اطمئنانها من أن المتهمة...... كانت تعمل مع زوجها المتهم الثاني..... بالمقاولات وأنها كانت تدير العمل بصفة دائمة ومباشرة منذ بدء العمل في العمارة محل الدعوى الماثلة حتى الانتهاء منها بدليل موافقتها على تعلية الأدوار المخالفة وإبرامها العقد المؤرخ 30/ 11/ 1979 مع المتهم المتوفى عبد الله..... بشأن أسعار الخرسانة المسلحة والمباني المتعلقة بالعقار المذكور ومن قيامها بعمل حسابات العمارة وأنها كانت تتخذ مكتباً لإدارة أعمالها ومقابلة عملائها بدائرة مصر الجديدة ثم نقلت نشاطها إلى حيث مقر محل...... بشارع..... ويعمل تحت إشرافها وبأمرها مجموعة من المهندسين والعمال وما قرره المتهم الثاني...... أن زوجته المتهمة الأولى كانت تقوم بالعمل عندما كان مريضاً بما يقطع بأن المتهمة الأولى...... كانت تقوم بأعمال المقاولات وأنها اشتركت بصورة فعلية مع زوجها المتهم الثاني وزوج شريكتها المتهم الثالث المتوفى في إقامة العقار وتعليته وبناء الخزان أعلاه على الصورة الهزيلة التي أدت إلى انهياره وإحداث الآثار التي نجمت عن هذا الانهيار فضلاً عن أن المتهم الثاني...... قد أقر بأنة كان الذي يشرف على أعمال صب الخرسانة والتنفيذ كما أقر بأن سبب انهيار العمارة هو عيوب التصميم ورغم ذلك قام بتنفيذ التصميم الذي يشوبه العيب الذي حدده في أقواله والخاص بأعمدة العقار وكان يتعين عليه الامتناع عن تنفيذ التصميم السيئ". وكان هذا الرد من الحكم كافياً وسائغاً في التدليل على مباشرة تلك الطاعنة لأعمال مقاولة البناء ويؤدى إلى ما رتبه الحكم عليه فإن ما تثيره الطاعنة الأولى في هذا الخصوص يكون على غير سند. لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعنان الثاني والثالث بانتفاء مسئولية أولهما كمقاول للبناء وانتفاء مسئولية ثانيهما كمهندس له لانقضاء مدة الضمان عملاً بحكم المادتين 651، 652 من القانون المدني مردوداً بأن مفاد نص المادتين المشار إليهما أن الضمان قاصر على المسئولية المدنية سواء كانت مسئولية عقدية أو تقصيرية ولا تتعداه إلى نطاق المسئولية الجنائية يؤدى ذلك ما نصت عليه المادة الثامنة من القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء المعدلة بالقانون رقم 30 لسنة 1983 أنه "لا يجوز صرف ترخيص البناء أو البدء في التنفيذ بالنسبة إلى الأعمال التي تصل قيمتها ثلاثين ألف جنيه والتعليات مهما بلغت قيمتها إلا بعد أن يقدم طالب الترخيص وثيقة تأمين..... وتغطى وثيقة التأمين المسئولية المدنية للمهندسين والمقاولين عن الإضرار التي تلحق بالغير بسبب ما يحدث في المباني والمنشآت من تهدم كلي أو جزئي". ومن ثم فلا ينال من سلامة الحكم المطعون فيه التفاته عن الرد على ما دفع به الطاعنان الثاني والثالث في هذا الشأن لأنه دفاع قانوني ظاهر البطلان لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفع الطاعن الثالث بعدم جواز الإثبات بالبينة ورد عليه بقوله أن دفعه "بعدم إثبات صفته كمهندس مصمم للعقار ومشرف على التنفيذ إلا بالكتابة إعمالاً لنص المادتين 651 و652 من القانون المدني والمادتين الخامسة والثانية عشرة من القانون 106 لسنة 1976 فالمحكمة تلتفت عن هذا الدفع لأنه يتجافى وصحيح القانون فالمشرع حين أوجب في الفقرة الثانية من المادة الخامسة من القانون سالف الذكر أن تكون رسومات إنشاء العقار أو أية تعديلات فيها موقعاً عليها من مهندس نقابي مختص وفقاً للقواعد التي يصدر بها قرار من وزير الإسكان والتعمير بعد أخذ رأي مجلس نقابة المهندسين إنما قصد من وراء ذلك تحقيق مصلحة عامة تتمثل في حماية الأرواح والأموال بأن لا يقدم على إجراء هذه الرسومات أو تعديلها إلا شخص تتوافر فيه صلاحيات معينة تقرها الدولة ونقابة المهندسين ولم يكن يهدف من وراء التوقيع على تلك الرسومات تقييد الدليل الجنائي في شأن إثبات شخص المهندس الذي قام بعمل الرسومات لتحديد من تقع عليه المسئولية الجنائية عند عدم مراعاة الأصول الفنية فيها وكذا الشأن فيما نصت عليه المادة 12 من القانون 106 لسنة 1976 والتي اشترطت أن يقدم المالك للجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم تعهداً كتابياً من المهندس الذي اختاره يلتزم فيه بالإشراف على تنفيذ الأعمال المرخص بها وفي حالة تحلل المهندس من الإشراف عليه إخطار الجهة كتابة بذلك فقد قصد المشرع من ذلك ذات المصلحة العامة سالفة البيان ولا تتضمن المادتان سالفتا الذكر أي استثناء على حرية القاضي الجنائية في تكوين عقيدته وتحصل فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة المقدمة فيها فإذا ما ثبت بالدليل اليقيني الذي اطمأنت إليه المحكمة أن المتهم الرابع... هو القائم بالإشراف على أعمال البناء ولم يقدم ذلك المتهم ما يناهض ذلك القول فإنه يتعين رفض ذلك الدفع إذ أن الكتابة ليست شرطاً لإثبات اقتراف المتهم الرابع للاتهام المسند إليه" وما أورده الحكم - على ما سلف - رداً على الدفع المشار إليه سائغ وكاف وصحيح في القانون ذلك أنه من المقرر أن الجرائم على اختلاف أنواعها إلا ما استثنى بنص خاص جائز إثباتها بكافة الطرق بما في ذلك البينة وقرائن الأحوال وإذ كانت الجريمة التي دين بها الطاعن الثالث ليست من الجرائم المستثناة من هذا الأصل كما أن صفته كمهندس هي عنصر من عناصر هذه الجريمة ومن ثم تعتبر مسألة جنائية ولا تعد من المسائل الغير جنائية التي يسري عليها نص المادة 225 من قانون الإجراءات الجنائية ويكون نعيه في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة، وإذ كان لا يوجد ثمة تعارض بين إرجاع الحكم انهيار العقار إلى ضعف النظام الإنشائي تارة وإلى سوء التنفيذ تارة أخرى وإلى بناء الخزان تارة ثالثة إذ أن كل هذه الأمور ما هي إلا صور وعوامل للجريمة التي دان الطاعنين بها وهي عدم مراعاتهم للأصول الفنية المقررة في تصميم العقار وفي تنفيذه وفي الإشراف على هذا التنفيذ مما أدى إلى انهياره، كما أنه لا تناقض أيضاً بين قول الحكم في موضع منه من أنه سبق الفصل في جريمة تعلية العقار ستة أدوار بغير ترخيص ثم قوله في موضع آخر أن الطاعنين أهملوا إهمالاً جسيماً والمتوفى حسين...... في الإشراف على تنفيذ العقار وسمحوا أيضاً بتعلية ستة طوابق وإنشاء خزان دون ترخيص كما أن قوله نقلاً عن الطاعن الثاني أن الطاعن الثالث كان يحضر بنفسه للإشراف على تنفيذ الخرسانة المسلحة، وعودته إلى القول في موضع آخر أن الطاعن الثاني قرر أنه كان يقوم هو بنفسه والمتهم المتوفى عبد الله..... بالإشراف على صب الخرسانة والتنفيذ لا تناقض فيه إذ القول الثاني لا ينفي القول الأول بل مؤداهما معاً أن ثلاثتهم أسهموا في الإشراف على تنفيذ الخرسانة المسلحة، كما تبين من الاطلاع على المفردات المضمونة أن ما حصله الحكم المطعون فيه بشأن ما تقدم وبشأن عدم سابقة محاكمة الطاعنة الأولى عن واقعة بناء الخزان بأعلى العقار بعد تعلية العقار إلى الطابق الرابع عشر، وما أحال إليه الحكم في بيان شهادة الشهود.... و..... و..... و..... و..... و..... من أنهم شهدوا بمضمون ما شهد به الشاهد...... من أن السبب المباشر لانهيار العقار هو ضعف النظام الإنشائي المستخدم لكي يتحمل 16 سقفاً خرسانياً وخزان مياه - له صداه وأصله الثابت في الأوراق فإن النعي على الحكم بدعوى الخطأ في الإسناد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان لا يعيب الحكم خطؤه في الإسناد ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر على عقيدة المحكمة وكان البين من الحكم المطعون فيه أن ما ينعاه الطاعن الثالث من خطئه فيما نقله عن إقراره من أنه بدأ تشطيب شقته سنة 1994 - بينما أن الثابت بالأوراق أنه بدأ تشطيبها سنة 1990 - وكذلك في أن تفتيش النيابة لمكتبه أسفر عن ضبط أربع صور ضوئية للرسم المعماري للدور المتكرر - على حين أن الثابت بالتحقيقات أنها أربع صور ضوئية للرسم الكروكي لهذا الدور، لم يكن له أثر في منطق الحكم أو في النتيجة التي انتهى إليها فإن ما يثار في هذا المقام لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تبن قضاءها بصفة أصلية على ما استبان لها من رسم معماري للمسقط الأفقي للدور المتكرر عليه اسم الطاعن الثالث وإنما استندت إلى هذا الرسم كقرينة تعزز بها أدلة الثبوت التي أوردتها فإنه لا جناح على الحكم المطعون فيه إن عول على تلك القرينة تأييداً وتعزيزاً للأدلة الأخرى التي اعتمد عليها في قضائه ما دام أنه لم يتخذ من هذا الرسم المعماري دليلاً أساسياً في ثبوت التهمة قبل هذا الطاعن وإذ كان لا يوجد في القانون ما يلزم المحكمة بتحديد موضع تلك القرينة المشار إليها من أوراق الدعوى ما دام لها أصل فيها حسبما استبان من المفردات المضمومة فإن النعي في هذا الصدد يكون لا أساس له. لما كان ذلك، وكان للمحكمة أن تعول على أقوال شهود الإثبات وتعرض عن قالة شهود النفي دون أن تكون ملزمة بالإشارة إلى أقوالهم أو الرد عليها رداً صريحاً فقضاؤها بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي بينتها يفيد دلالة أنها أطرحت شهادتهم ولم تر الأخذ بها، وكان لها أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصاً سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق وأن وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب وإذ كان الأصل أنه متى أخذت المحكمة بأقوال الشاهد فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، كما أن الأحكام لا تلتزم بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها أن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد وإن تعددت وبيان وجه أخذتها بما اقتنعت به بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه وإذ كان تناقض الشهود وتضاربهم في أقوالهم أو مع أقوال غيرهم لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه - كما هو الحال في الدعوى الماثلة - كما أن لمحكمة الموضوع أن تجزئ أقوال الشاهد فتأخذ منها بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه لتعلق ذلك بسلطتها في تقدير أدلة الدعوى وفي إغفالها إيراد بعض الوقائع من أقوال الشاهد ما يفيد ضمناً عدم اطمئنانها إليها ولا يشترط في شهادة الشاهد أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل تكفي أن يكون من شأن الشهادة أن تؤدى إلى تلك الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة يتلاءم به ما قاله الشاهد بالقدر الذي رواه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها، كما أن لمحكمة الموضوع أن تحصل أقوال الشاهد وتفهم سياقها وتستشف مراميها ما دامت فيما تحصله لا تحرف الشهادة عن موضعها وهم في ذلك غير مقيدة بألا تأخذ إلا بالأقوال الصريحة أو مدلولها الظاهر، كان للمحكمة سلطة مطلقة في الأخذ بإقرار المتهم في حق نفسه وعلى غيره من المتهمين في أي دور من أدوار التحقيق ولو عدل عنه بعد ذلك متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع ولها أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي طمأنت إليها من باقي الأدلة القائمة في الدعوى، وكانت الصورة التي استخلصتها المحكمة من أقوال شهود الإثبات والتقرير الفني لا تخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي ومن إقرار الطاعنين الثاني والثالث بالتحقيقات وهما لا ينازعان في صحة ما نقله الحكم من أقوالهما التي حصلها الحكم بوصفها إقراراً لا اعترافاً فإنه لا تثريب على الحكم إن هو استمد من تلك الأقوال ما يدعم الأدلة الأخرى التي أقام عليها قضاءه بالإدانة، كما أنه لا يقدح في سلامته تسمية هذه الأقوال إقراراً طالما أن المحكمة لم ترتب عليها وحدها الأثر القانوني للاعتراف. كما لا ينال من الحكم أخذه بالمستندات التي اطمأن إليها وإطراحه لمستندات أخري قدمها الطاعنون وأشاروا إليها في أسباب طعنهم ويكون منعاهم على الحكم في شأن ما تقدم لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الأدلة واستخلاص سائغاً - كما هو الحال في واقع الدعوى - فلا يجوز مصادرتها في شأنه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان دفاع كل من الطاعنين بعدم ارتكاب الجريمة وأن مرتكبها أشخاص غيرهم تقع المسئولية عليهم مردوداً بأن نفي المتهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم كما لا يجديهم النعي يعدم إقامة الدعوى الجنائية على هؤلاء الآخرين - بفرض إسهامهم في الجريمة - ما دام لم يكن ليحول دون مساءلتهم عما هو مسند إليهم والذي دلل الحكم على مقارفتهم إياه تدليلاً سائغاً؟ ومقبولاً، كما أن حق التصدي المنصوص عليه في المادة 11 من قانون الإجراءات الجنائية متروك لمحكمة الجنايات تستعمله متى رأت ذلك دون أن تلتزم بإجابة طلبات الخصوم في هذا الشأن، ومن ثم تضحى أوجه النعي في هذا الخصوص لا سند لها. لما كان ذلك، وكان باقي ما يثيره الطاعنون في أسباب طعنهم لا يعدو أن يكون دفاعاً موضوعياً، لا على المحكمة إن هي لم تتعقبه في كل جزئية منه إذ أن اطمئنانها إلى الأدلة التي عولت عليها يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، دون أن يكون ملزمة ببيان علة إطراحها، فإنه لا يقبل من الطاعنين إثارتها أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.