مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثاني (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1936م لغاية 26 أكتوبر سنة 1939م) - صـ 144

جلسة 15 إبريل سنة 1937

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة باشا ومحمد فهمي حسين بك وحامد فهمي بك وعلي حيدر حجازي بك المستشارين.

(51)
القضية رقم 54 سنة 6 القضائية

( أ ) نقض وإبرام. إعلان الطعن. حصوله في المحل الأصلي للمطعون ضدّه المقيم خارج القطر المصري في مكان معروف. صحته. متى يتم هذا الإعلان؟ (المادتان 7 مرافعات و17 من قانون النقض)
(ب) شخص غير مقيم في الديار المصرية. محل إقامته في الخارج. معروف أو غير معروف. إعلانه الحاصل للنيابة. جوازه. متى يتم؟ (المادة 8 مرافعات)
(جـ) نزع ملكية للمنفعة العامة. مجلس بلدي. استيلاؤه على عقار عنوة دون اتباع الطريق القانوني. طلب التعويض عنه. تقديره على أساس العناصر الواقعية التي استخلصتها المحكمة. موضوعي.
(د) ثمن العين المنزوعة ملكيتها. إيداعه. متى ينقطع حق صاحب العين في المطالبة بغلة العين المنزوعة؟ من تاريخ إحاطته رسمياً بالإيداع. (المادتان 88 و89 مدني وقانون نزع الملكية للمنافع العامة نمرة 5 لسنة 1907)
1 - من يكون مقيماً خارج القطر إذا أعلن بالطعن في محله الأصلي كان إعلانه صحيحاً. فالإعلان الحاصل له في المحل الذي له فيه أملاك ومقرّ عمل ووكيل يقوم على أعماله ويمثله في دعاويه ينتج آثاره القانونية ولو كان محله في الخارج معلوماً. وهذا الإعلان يتم بتسليم صورته لوكيله شخصياً أو لمن يتسلمها عنه وفقاً للقانون في حالة غيابه أو لشيخ القسم إذا لم يوجد من هؤلاء من تسلم إليه.
2 - إن إعلان شخص غير مقيم في الديار المصرية يصح حصوله للنيابة العامة سواء أكان محله في الخارج معلوماً أم غير معلوم. وهذا الإعلان يتم بمجرّد إعلان المحضر الورقة لممثل النيابة. ولا عبرة بما يتخذ أو يتم بعد ذلك في صدد تسليم صورة الإعلان بالطرق السياسية للمعلن إليه، إذ أن كل هذا ليس من الشرائط الجوهرية لصحة الإعلان. فمهما شابه من التأخير أو العيوب الشكلية أو غير ذلك فإنه لا يؤثر إطلاقاً في الإعلان الذي تم صحيحاً بتسليم الصورة للنيابة في الميعاد القانوني.
3 - إذا طالب المنزوعة ملكيته المجلس البلدي بتعويض عن الضرر الذي أصابه بسبب ما قام به المجلس من إجراء غير مشروع باستيلائه عنوة على عقار له دون اتباع الطريق القانوني، ونظرت المحكمة الدعوى على هذا الاعتبار، وضمنت المجلس نتائج عمله، وقدّرت المستحق عليه من التعويض على مقتضى العناصر الواقعية التي استظهرتها في حكمها، فقضاؤها في هذا الأمر موضوعي لا يخضع لرقابة محكمة النقض.
4 - إيداع ثمن العين المنزوعة ملكيتها لا يحرم صاحبها من حقه في غلتها إلا من وقت إعلانه بالإيداع فإن إحاطته رسمياً بحصول هذا الإيداع هي المناط في الاحتجاع عليه بتمكنه من صرف ما لا نزاع عليه من الثمن.


المحكمة

بما أن المدعى عليهما في الطعن قد دفعا بأنه طعن باطل لأنه لم يعلن لهما بالأوضاع القانونية كما قضت المادة السابعة عشرة من قانون تشكيل محكمة النقض والإبرام التي تشترط أن يكون الإعلان بورقة من أوراق المحضرين وبالأوضاع العادية. ويقول المدعى عليهما في الطعن إنه ليس في ملف الدعوى إعلان بورقة من أوراق المحضرين بالأوضاع التي قررها قانون المرافعات في المادة الثالثة. وكذلك ليس بالملف ما يثبت أن من تولى الإعلان هو محضر بمقتضى نسختين أصل وصورة كما تقضي المادة الرابعة من ذلك القانون.
وأبدت النيابة العمومية في مذكرتها أن ما تمسك به المدّعى عليهما في الطعن لا أساس له، فإن إعلان تقرير الطعن ليس مشروطاً فيه أن يكون بأوضاع أوراق المحضرين المذكورة في قانون المرافعات. ولكنها في الوقت نفسه ذهبت إلى أن تقرير الطعن باطل لسبب آخر وهو أنه أعلن للمدّعى عليهما بعد الميعاد الذي اشترطته المادة 17 من قانون إنشاء محكمة النقض وهو خمسة عشر يوماً من تاريخ التقرير بالطعن حتى لو أضيف إلى هذا الميعاد تسامحاً مواعيد المسافة التي نصت عليها المادة 19/1 من قانون المرافعات. ثم عدلت في الجلسة عن هذا الرأي، وطلبت رفض الدفع. وظاهر أن كلا الدفعين المقدّمين إنما قصد بهما الإعلان الحاصل من المجلس البلدي للمدّعى عليهما في الطعن بتاريخ 20 يونيه سنة 1936 في مواجهة النيابة العمومية، ولا يمكن أن يكون قصد بهما الإعلان الذي حصل في 10 يونيه سنة 1936 في مقرّ دائرة المدّعى عليهما بالمنصورة وسلمت صورته لشيخ القسم لما لم يوجد أحد في مقرّ تلك الدائرة لتسلمه.
وبما أن الفصل فيما دفع به المدّعى عليهما في الطعن والنيابة العمومية يقتضي (أوّلاً) بحث إعلان 10 يونيه سنة 1936، (وثانياً) بحث إعلان 20 يونيه سنة 1936
وبما أنه فيما يتعلق بالإعلان الأوّل لا نزاع في أن المدّعى عليهما في الطعن عندما رفعا أمام محكمة المنصورة الابتدائية المعارضة رقم 343 سنة 1930 ذكرا في عريضتها أن محلهما المختار هو مدينة المنصورة على ما يؤخذ من ديباجة الحكم الصادر في تلك المعارضة، ثم أعلنا الحكم الصادر استئنافياً مذكوراً به هذا البيان. ولما أعلن لهما في 10 يونيه تقرير الطعن ذكر فيه المجلس البلدي أنهما من أهالي المنصورة، وأن مقرّ دائرتهما بها كائن بشارع الجامع، وأن وكيلهما هو محمود سلام أفندي، ولعدم وجوده وقت الإعلان أو وجود من يتسلمه عنه قد سلمت الصورة لشيخ القسم محمود سليمان المنزلاوي، ولا نزاع في أن محمود سلام أفندي هذا هو وكيل دائرة المدّعى عليهما، وأنه مثلهما في إجراءات الدعوى من وقت بدئها لحين إجراءات الطعن بطريق النقض، فإعلان 10 يونيه هو إعلان صحيح في الميعاد ينتج أثره إذ أنه وقع في المحل الأصلي بالمنصورة، وقد تمسك به المجلس البلدي عندما أعاد الإعلان بتاريخ 20 يونيه سنة 1936 في وجه النيابة العمومية.
وبما أنه ليس ثمت من حاجة إلى بحث إعلان 20 يونيه سنة 1936 إلا أنه يجب التقرير بأنه في الواقع إعلان صحيح أيضاً حصل لممثل النيابة العمومية في ميعاد الخمسة عشر يوماً التي تقتضيها المادة 17 من قانون إنشاء محكمة النقض. ذلك أن إعلان شخص غير مقيم في الديار المصرية ومعروف له محل إقامة في الخارج أو غير معروف إذا حصل للنيابة العمومية يتم بمجرّد إعلان المحضر الورقة لممثل النيابة. ولا عبرة لما يحصل بعد ذلك من إجراءات لتسليم صورة الإعلان في الخارج بالطرق السياسية، إذ أن هذه الإجراءات ليست من الأركان الجوهرية لصحة الإعلان قانوناً. وهي إذا ما شابها تأخير أو قصور في الشكل أو نحو ذلك، فإنه لا يؤثر إطلاقاً على صحة الإعلان الحاصل للنيابة في الميعاد ويبقى أثره قائماً.
وبما أنه يبين مما تقدّم أن الدفع ببطلان تقرير الطعن لا أساس له ويتعين رفضه.
وبما أن الطعن قدّم صحيحاً في ميعاده عن حكم قابل له فهو مقبول شكلاً.
وبما أن مبنى الطعن ثلاثة وجوه تتلخص فيما يأتي:
الوجه الأوّل - يقول الطاعن إن الحكم الاستئنافي قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه حين رفض ما تمسك به المجلس البلدي أمام محكمة الاستئناف من أن وقف الست فاطمة نزهت لم يعارض فعلاً أمام المحكمة الابتدائية في تقدير ثمن الجزء الخاص به إلا بعد فوات ميعاد المعارضة. ذلك أن قرار وزارة الأشغال بالاستيلاء على العقار التابع ثلثه لوقف الست فاطمة نزهت صدر بتاريخ 9 يوليه سنة 1931 وفي 16 من ذلك الشهر اتخذت الإجراءات الإدارية لإعلان هذا القرار لذوي الشأن وتم الإعلان في 22 منه، ومع ذلك فإن وقف الست فاطمة نزهت لم يعارض إلا بتاريخ 12 نوفمبر سنة 1935 حينما تمسك المجلس البلدي أمام محكمة الاستئناف بهذا الدفع، وأثيرت مناقشة ذكر فيها محامي المجلس أن المعارضة التي كانت رفعتها الست فاطمة نزهت في 5 يونيه سنة 1930 إنما رفعتها باسمها الشخصي لا باسم الوقف فهي لا تعتبر حاصلة من الوقف. ولما كانت المادة 20 من قانون نزع الملكية حدّدت للمعارضة في عمل الخبراء ثلاثين يوماً من تاريخ إعلان القرار الوزاري وإلا أصبح عمل الخبراء نهائياً، فإن معارضة الست فاطمة نزهت بصفتها ناظرة الوقف لم تحصل إلا في 12 نوفمبر سنة 1935 وهي إذن باطلة لحصولها بعد الميعاد.
الوجه الثاني - قد خالف الحكم المطعون فيه القانون وأخطأ في تطبيقه حين ألزم المجلس البلدي بمبلغ 1728 جنيهاً ريعاً عن الأرض المنزوعة ملكيتها. ذلك أن قانون نزع الملكية صريح في أنه متى أودع ثمن العقار المنزوعة ملكيته انقضى كل حق لمالكه الأصلي في ريعه. وبرغم ذلك قد قضت محكمة الاستئناف باستمرار حق المدّعى عليهما في الريع ابتداء من 28 يوليه سنة 1930 وهو تاريخ إيداع الثمن خزانة المحكمة حتى يوم 9 يوليه سنة 1931 وهو تاريخ صدور قرار الاستيلاء.
الوجه الثالث - أن الحكم المطعون فيه باطل بطلاناً جوهرياً لعدم تسبيبه. وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن المحكمة الابتدائية قضت للمدّعى عليهما بتعويض مقابل الاستيلاء على العقار قبل صدور القرار الوزاري بالاستيلاء عليه، وقدرت هذا التعويض على أساس فائدة للمبلغ المعادل لقيمته بواقع الماية خمسة، ولكن محكمة الاستئناف رجعت على أساس هذا التقدير وقدّرت التعويض بواقع الريع الشهري بدون أن تبين سبباً لهذا الرجوع. وكذلك أغفلت المحكمة الرد على ما كان المجلس البلدي تمسك به أمامها من أن المدّعى عليهما يطالبان بريع كل عقارهما، ما نزعت ملكيته وما لم تنزع، مع أهمية هذا الدفع.
تلك هي وجوه الطعن التي تقدّم بها الطاعن.

عن الوجه الأوّل

وبما أنه فيما يتعلق بهذا الوجه يجب أن يلاحظ بادي الرأي أنه لم تحصل قط معارضة بالمعنى القانوني في تقدير ثمن العقار بتاريخ 12 نوفمبر سنة 1935 كما زعم المجلس البلدي، وإنما هي مناقشة جرت بين طرفي الخصومة بدأها الطاعن بالاعتراض على الصفة التي رفعت بها الست فاطمة نزهت معارضتها فردت عليه بأن معارضتها في تقدير الخبير حصلت في 5 يونيه سنة 1930، وأنه كان ملحوظاً فيها صفتاها الشخصية والنظارة على الوقف، فليس الأمر إذن معارضة في تقرير الخبير من الوقف رفعت في الجلسة أمام محكمة الاستئناف وبعد الميعاد القانوني كما ذهب إليه المجلس البلدي.
وبما أنه قد تبين من مراجعة مستندات طرفي الخصومة السابق عرضها على محكمة الاستئناف أن نزع الملكية كان وارداً على أرض ثلثها وقف نظرت عليه المدّعى عليها الثانية في الطعن وثلثاها الآخران ملك لها ولأخيها المدّعى عليه الأوّل، وأن الإجراءات من يوم المساومة على الثمن ورفع الأمر للمحكمة لندب خبير، ثم المعارضة من الجانبين في تقرير الخبير المعين، وما تلا ذلك من إيداع الثمن، وما ذكر في محضر الإيداع - كل ذلك كان ملحوظاً فيه من طرفي الخصومة أن التداعي كان للوقف وللملك وعليهما. وإذن فيعتبر أن الدعوى والأحكام الصادرة فيها مردّدة بين وقف الست فاطمة نزهت العمري وتركة مورّثها حسين حسني بك من جهة، وبين مجلس بلدي المنصورة من جهة أخرى. وهذا يسقط ما يقول به الطاعن من خطأ الحكم من هذه الناحية.

عن الوجه الثاني

وبما أنه فيما يتعلق بالوجه الثاني من وجوه الطعن يجب أن يلاحظ أن دعوى المعارضة المرفوعة من المدّعى عليهما في الطعن كانت تشمل على مقتضى طلباتهما الأخيرة شقين: (الأوّل) المطالبة بتعويض عن إجراء غير قانوني قام به المجلس البلدي ضدّهما ونتج عنه ضرر لهما وهو استيلاؤه على عقارهما عنوة من غير اتخاذ الطريق القانوني لذلك. (والثاني) المنازعة في تقدير الخبير المعين لثمن العقار المنزوعة ملكيته. ووجه الطعن ينصب على الجزء من الحكم الخاص بما قدّرته المحكمة من تعويض على الاستيلاء غير المشروع السابق على إجراءات نزع الملكية. فبحث هذه المحكمة يكون إذن مقصوراً على هذا التعويض.
وبما أن محكمة الاستئناف حين قدّرت التعويض الذي قضت به للمدّعى عليهما في الطعن إنما استشهدت في قضائها بقواعد المسئولية التقصيرية لا بأحكام قانون نزع الملكية، ونظرت الدعوى على اعتبار أنها مطالبة بتعويض عن إجراء حكومي وقع مخالفاً للقانون فضمنت المجلس البلدي نتائج عمله، وقدّرت التعويض على مقتضى ما استخلصته من العناصر الواقعية التي استظهرتها في حكمها. وقضاؤها في هذا الأمر الموضوعي لا رقابة عليها فيه. ولم تخطئ المحكمة قانوناً عند تقدير التعويض من تاريخ الاستيلاء الفعلي السابق على إجراءات نزع الملكية لغاية صدور قرار وزير الأشغال بالاستيلاء بالرغم من حصول إيداع الثمن قبل ذلك. إذ أن شرط الإيداع الموقف لاستحقاق المنزوع ملكيته للثمرات والغلة أن يحاط رسمياً بحصول هذا الإيداع كيما يتمكن من صرف ما يمكن صرفه من الجزء الخالي عن النزاع من الثمن.
وبما أن ما سيق غير ذلك في وجه الطعن وفي الإجابة عليه ترديداً لأحكام قانون نزع الملكية فمحله تقدير ثمن الأرض المنزوعة ملكيتها، والنزاع في ذلك لم يفصل فيه بعد من محكمة الاستئناف وليس هو محل الطعن.

عن الوجه الثالث

وبما أن ما جاء في هذا الوجه عن قصور الأسباب وعدم ردّ المحكمة على ما دفع المجلس البلدي فمردود بأن الحكم المطعون فيه قد ذكر العناصر الواقعية التي استخلص منها مقدار التعويض الذي قدّره كما ذكر ما يفهم منه أن هذا التعويض إنما هو عن الأرض التي نزعت ملكيتها.