مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثاني (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1936م لغاية 26 أكتوبر سنة 1939م) - صـ 165

جلسة 27 مايو سنة 1937

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة باشا ومحمد فهمي حسين بك وحامد فهمي بك وعلي حيدر حجازي بك المستشارين.

(58)
القضية رقم 75 سنة 6 القضائية

دين. استبداله. إثبات الاستبدال. استنتاج حصوله. ورقة مخالصة. ورقة ملحقة بها مقرّ فيها بصوريتها. (المادة 187 مدني)
إن استبدال الدين من الحقائق القانونية التي إن صح القول بأنها لا تفترض، كما نص على ذلك في المادة 1273 من القانون المدني الفرنسي، فهي من الحقائق المركبة التي يجوز إثباتها بالقرائن عند وجود مبدأ ثبوت بالكتابة. ولمحكمة النقض الرقابة على التكييف القانوني للظروف والوقائع التي تتألف منها الحقيقة القانونية للاستبدال. فإذا رفضت المحكمة الاستبدال المدّعى به لأنه يجب إثبات واقعته بالكتابة الصريحة في حصوله، ولأن المخالصة المقدّمة في الدعوى للتدليل عليه لا تفيد - لا بمبناها ولا بمعناها - حصوله، وسكتت مع ذلك عن بيان ما أراده ذوو الشأن في المخالصة من تحريرها، وتكييف حقيقة ما تم بينهم في الواقع، فإنها تكون قد أخطأت في تفسير القانون ويتعين نقض حكمها.


المحكمة

وحيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتفسيره في الأوجه الثلاثة الآتية:
(الأوّل) أن الورقة المؤرخة في 14 سبتمبر سنة 1921 الصادرة من جعفر بك والتي أرفقها بالمخالصة المحررة من المرحومة السيدة فاطمة خاتون والتي وجدت بأوراقه الخاصة - هذه الورقة لا يمكن أن تكون ورقة ضد ولا إقراراً صادراً من كاتبها للسيدة المذكورة وإنما هي ورقة منزلية (Papier domestique) كتبها المرحوم جعفر بك لنفسه. وحكم مثل هذه الورقة أنه لا يجبر صاحبها على تقديمها في خصومة ضدّه، وأنه إن هو قدّمها من تلقاء نفسه فإنه يجب في هذه الحالة الأخذ بكل ما ورد فيها أو إطراحه جملة من غير تجزئة. إلا أن الحكم المطعون فيه لم يتبع هذه القاعدة، فقد أخذ بجزء مما جاء بتلك الورقة إذ قرر اعتماداً على ما ذكر بصدرها أن المرحوم جعفر لم يدفع باقي الثمن، وأن ذمته لا تزال مشغولة به. ولو أنه أخذ بكل ما تضمنته لما وصل إلى تلك النتيجة.
(الثاني) أنه بعد أن أبرأت السيدة فاطمة خاتون جعفر بك من باقي الثمن بموجب المخالصة سالفة الذكر قد أنشأت الورقة الصادرة من جعفر بك المحررة في تاريخ المخالصة علاقة جديدة بينه وبين أدهم بك زوج هذه السيدة حيث ذكر بها أن باقي الثمن متى عرف على حقيقته سيدفعه لأدهم بك، وأنه اتفق معه على أن تسديده له سيكون بعد أربع سنوات. فإذا أضيف إلى ما تضمنته هاتان الورقتان قيام جعفر بك بالدفع لأدهم بك جملة مبالغ وعدم مطالبة السيدة المذكورة لجعفر بك بشيء من باقي الثمن من وقت تحرير المخالصة في سنة 1921 إلى أن توفيت في سنة 1930 كان كل ذلك دالاً على أن الدين انتقل إلى أدهم بك بطريق الاستبدال، وأن هذا الاستبدال قد تنفذ بالفعل. ولا ينفي حصوله أن جعفر بك كان يدفع لأدهم بك، في الوقت الذي لم يكن باقي الثمن قد عرف على وجه التحديد، مبالغ ذكر في إيصالاتها أنها قرض. ذلك لأنه ما دام أن أدهم بك أصبح دائناً بهذا الباقي ومديناً في الوقت نفسه بقيمة المبالغ المحرر بها هذه الإيصالات، فالمقاصة تحصل بين الدينين بقوّة القانون. وعلى ذلك فما قرره الحكم المطعون فيه من أن الورقة الصادرة من جعفر بك لا تفيد هذا الاستبدال جاء مخالفاً للقانون.
(الثالث) أنه على فرض أنه لم يكن هناك استبدال دائن بآخر، وأن باقي الثمن ما يزال مطلوباً للمرحومة فاطمة هانم خاتون فإنه ثابت من المستندات المقدّمة من الطاعنين أن المبالغ التي استلمها أدهم بك زوجها صرفت في شئونها هي. وعلى ذلك كان يتعين إجراء هذه المقاصة كما طلب الطاعنون. وعلى هذا فرفض محكمة الاستئناف إجابة طلبهم هذا جاء مخالفاً للقانون. ومن أجل ذلك طلب الطاعنون قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه.
وحيث إن محكمة الاستئناف بعد أن بينت بحكمها المطعون فيه وقائع الدعوى وما جرى فيها أمام محكمة الدرجة الأولى قالت:
"ومن حيث إن المحكمة تستخلص من الورقتين المحررتين في 14 سبتمبر سنة 1921 أن باقي الثمن لم يدفعه المشتري إلى البائعة، وأنه لم يزل باقياً في ذمته".
"ومن حيث إن ما أثاره المستأنفون من دفاع من أن الورقة الثانية ولو أنها تدل على أن مورّثهم لم يدفع باقي الثمن إلا أنها تدل في الوقت نفسه على حصول استبدال تعهد بمقتضاه المرحوم يوسف جعفر بك أن يدفع باقي الثمن إلى محمد أدهم بك، وأن البائعة قبلت ذلك الاستبدال وبذلك انتهت علاقة التزام المشتري إليها وانتقلت إلى محمد أدهم بك، فدفاع لا يبرره الواقع، وليس له سند من القانون. لأن الفقرة الثالثة من المادة 187 من القانون المدني تقضي بأن الاستبدال يحصل في هذه الحالة إذا اتفق الدائن مع مدينه على دفع الدين لشخص آخر وارتضى الشخص المذكور بذلك. فمثل هذا الاستبدال يستلزم رضاء الأطراف الثلاثة: الدائن القديم والمدين والدائن الجديد".
"ومن حيث إن ورقة 14 سبتمبر سنة 1921 التي يستند عليها المستأنفون في إثبات ذلك الاستبدال لا تدل في معناها ولا في صريح لفظها على حصول ذلك الاستبدال، وليس فيها ما يدل على قبول الأطراف الثلاثة على عمل ذلك الاستبدال، ولا بد في مثل هذه الحالة أن تظهر نية الدائن القديم والمدين والدائن الجديد بصراحة لأن الاستبدال لا يستنتج. وعلى ذلك فلا يمكن أن تؤخذ تلك العبارة التي ذكرها يوسف جعفر بك في الورقة المؤرخة 14 سبتمبر سنة 1921 من أنه بعد معرفة الحساب النهائي بالضبط سيكتب ورقة باسم حضرة محمد أدهم بك على أنها استبدال بالدين لعدم توافر شروطه. وعلى ذلك يكون التزام المشتري بباقي الثمن للبائعة ما زال قائماً".
"ومن حيث إن ما ذكره المستأنفون من أن مورّثهم دفع فعلاً عدّة مبالغ إلى محمد أدهم بك بموجب إيصالات، فإن ذلك لا يدل على حصول استبدال بالدين فضلاً عن أنه ثابت صراحة من تلك الإيصالات أن المبالغ التي دفعها يوسف جعفر بك كانت بطريق السلفة، لا من أصل باقي الثمن".
وحيث إنه يبين من هذا الحكم أن محكمة الاستئناف قد صدرت عن مبدأ خاطئ هو وجوب إثبات عملية الاستبدال بالكتابة الصريحة، ثم طبقته على الدعوى فقالت إن ورقة 14 سبتمبر سنة 1921 (مذكرة جعفر بك) لا تثبت حصول استبدال بالدين بين الدائن القديم والدائن الجديد والمدين.
وحيث إن الاستبدال حقيقة قانونية إن صح القول فيها بأنها لا تفترض كما نص على ذلك في المادة 1273 من القانون الفرنسي فهي من الحقائق المركبة التي كما يمكن إثباتها بالكتابة الصريحة يصح إثباتها بطريق الاستنتاج كمبدأ الإثبات بالكتابة تعززه القرائن وظروف الأحوال المؤيدة له.
وحيث إنه من جهة أخرى فإن محكمة الاستئناف بعد أن نفت الاستبدال المدّعى به بالطريقة السالفة الذكر لم تبين ما الذي ينبغي أن يوصف به قانوناً (يكيف) ما تم في واقع الأمر بين الأطراف الثلاثة، وما الذي أرادوه من تحرير المخالصة المؤرّخة في 14 سبتمبر سنة 1921 وكان لزاماً عليها أن تعطي لهذا الواقع التكييف القانوني الذي يكون له أثره في الحكم. وقد ترتب على إغفالها ذلك أنها جزأت المذكرة المؤرخة في 14 سبتمبر سنة 1921 فآخذت ورثة يوسف جعفر بك بصدرها الذي جاء فيه أن ورقة المخالصة صورية، وأهدرت عجزها الذي ذكر به ما وقع بين جميع أطراف المخالصة من استبدال أو غيره بغير أن تذكر ما إذا كانت هذه التجزئة جائزة قانوناً أم غير جائزة.
وحيث إنه لما تقدّم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تفسير القانون وفي تطبيقه، ومن ثم يتعين نقضه.