أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 49 - صـ 375

جلسة 9 من مارس سنة 1998

برئاسة السيد المستشار/ نجاح سليمان نصار نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ حسن حمزه وحامد عبد الله ومصطفى كامل وفتحي حجاب نواب رئيس المحكمة.

(52)
الطعن رقم 14831 لسنة 65 القضائية

(1) اختلاس مال عام. تزوير "أوراق رسمية". ارتباط. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
مثال لتسبيب سائغ لحكم الإدانة في جريمة اختلاس مال عام مرتبطة بتزوير أوراق رسمية المنصوص عليها بالمادة 112 عقوبات.
(2) إثبات "بوجه عام". اختلاس أموال أميرية. استيلاء على مال عام. محكمة الموضوع "سلطتها في - تقدير الدليل".
جريمة اختلاس أو الاستيلاء على المال العام المنصوص عليها في الباب الرابع من قانون العقوبات. لا يشترط لإثباتها طريقة خاصة. كفاية اقتناع المحكمة بوقوع الفعل المكون لها من أي دليل أو قرينة تقدم إليها.
(3) اختلاس أموال أميرية. قصد جنائي. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تحدث الحكم استقلالاً عن توافر القصد الجنائي في جريمة الاختلاس. غير لازم. كفاية أن يكون فيما أورده الحكم من وقائع وظروف ما يدل على قيامه.
(4) اختلاس أموال أميرية. تزوير "أوراق رسمية". عقوبة "عقوبة الجريمة الأشد". ارتباط. نقض "المصلحة في الطعن".
النعي على الحكم بالقصور بشأن التدليل على جريمة التزوير. غير مجد: ما دام قد دانه بجريمة الاختلاس وأوقع عليه عقوبتها باعتبارها الجريمة الأشد عملاً بالمادة 32 عقوبات.
(5) دفوع "الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
انتهاء الحكم إلى رفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها في جنحتين أخريين استناداً إلى اختلاف موضوعهما عن موضوع الدعوى الماثلة. سائغ.
مثال.
(6) إثبات "قوة الأمر المقضى فيه". وصف التهمة. محكمة الموضوع "سلطتها في تعديل وصف التهمة". عقوبة "عقوبة الجريمة الأشد". دفوع "الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها". حكم "حجيته". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حظر محاكمة الشخص عن الفعل ذاته مرتين. رهن بأن يكون الفعل واحداً في المحاكمتين وأن تملك المحكمة الأولى الفصل فيه بجميع أوصافه المختلفة وخاصة الجريمة الأشد. محاكمة المتهم عن الوصف الأخف. لا يمنع من إعادة محاكمته عن الجريمة الأشد. ما دامت المحكم الأولى لم تكن تملك تعديل الوصف المرفوع، الدعوى أمامها.
(7) إثبات "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حضور الخصوم أثناء تأدية الخبير مأموريته. غير لازم. أساس ذلك؟
(8) إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
لمحكمة الموضوع الالتفات عن سماع ما يبديه المتهم من أوجه دفاع وتحقيقه متى وضحت الواقعة لديها أو كان الأمر المطلوب غير منتج في الدعوى مع بيان العلة.
مثال.
(9) إثبات "بوجه عام". خبرة. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى من سلطة محكمة الموضوع. هي الخبير الأعلى في الدعوى. عدم التزام المحكمة بإعادة المهمة إلى الخبير أو إعادة مناقشته. ما دام استنادها إلى الرأي الذي انتهت إليه لا يجافى العقل والقانون.
الجدل الموضوعي في تقدير الأدلة. غير جائز أمام النقض.
(10) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". تزوير "الطعن بالتزوير". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الطعن بالتزوير وسيلة دفاع. خضوعها لتقدير محكمة الموضوع. عدم التزامها بإجابته. أساس ذلك؟
(11) إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
انحسار الخطأ في الإسناد عن الحكم. متى أقيم على ما له أصل صحيح بالأوراق.
مثال.
1 - لما كان الحكم قد أثبت في حق الطاعن استلامه لست حمولات من الدقيق ولم يدرجها بسجل يومية المخزن عهدته فضلاً عن تزويره لفواتير المبيعات النقدية الخاصة بالعملاء أصحاب الحصص التموينية بأن أثبت بها على خلاف الحقيقة صرف كميات من الدقيق بالزيادة عن الحصص المقررة والتي صرفت فعلاً لأصحابها وإثبات الصرف لعملاء لم يتم الصرف الفعلي لهم لتوفق نشاطهم واحتفظ بكميات الدقيق لنفسه بينة تملكها فضلاً عن حصوله على فروق الأسعار بين السعر المدعم والسعر الحر فإن ما أورده الحكم فيما تقدم كاف في استظهار انطباق أحكام المادة 112 من قانون العقوبات وصفة الطاعن في إدانته بها.
2 - من المقرر أنه لا يشترط لإثبات جريمتي الاختلاس أو الاستيلاء على المال العام المنصوص عليهما في الباب الرابع من قانون العقوبات طريقة خاصة غير طرق الاستدلال العامة، بل يكفي كما هو الحال في سائر الجرائم بحسب الأصل أن تقتنع المحكمة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - بوقوع الفعل المكون لها من أي ليل أو قرينة تقدم إليها مهما كانت قيمة المال موضوع الجريمة.
3 - من المقرر أنه لا يلزم أن يتحدث الحكم استقلالاً عن توافر القصد الجنائي في جريمة الاختلاس، بل يكفي أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يدل على قيامه.
4 - لما كان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه اعتبر الجرائم المسندة إلى الطاعن جريمة واحدة وعاقبه بالعقوبة المقررة لأشدها وهي جريمة الاختلاس وأوقع عليه عقوبتها عملاً بنص المادة 32 من قانون العقوبات بوصفها الجريمة الأشد. فإنه لا مصلحة له ولا وجه لما ينعاه بشأن قصور الحكم في بيان الكيفية التي تم بها التلاعب في الفواتير والمستندات المزورة - بفرض صحة ذلك.
5 - لما كان الحكم قد انتهى إلى رفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها في الجنحتين رقمي..... و...... أمن دولة طوارئ..... تأسيساً على اختلاف موضوعهما عن موضوع وقائع الدعوى الماثلة باعتبار أن الواقعة التي تمت محاكمة الطاعن عنها في هاتين الجنحتين هي التصرف في حصة الدقيق على غير الوجه المقرر في حين أن موضوع الاتهام في الطعن الماثل هو اختلاس الطاعن لكميات الدقيق المبينة بالأوراق بالإضافة إلى جنايتي التزوير في أوراق رسمية واستعمالها. وهذا الذي أورده الحكم سائغ ويتفق وصحيح القانون وكاف في الرد على دفع الطاعن في هذا الشأن.
6 - من المقرر أنه وإن كان لا يجوز قانوناً محاكمة الشخص أكثر من مرة عن فعل جنائي وقع منه إلا أنه يشترط لذلك أن يكون الفعل واحداً في المحاكمتين، وأن تملك المحكمة الأولى الفصل فيه بجميع أوصافه المختلفة وعلى الأخص وصف الجريمة الأشد، فإذا كانت المحكمة الأولى لا تملك تعديل الوصف المرفوعة به الدعوى أمامها، وكان هذا الوصف مقرراً للجريمة الأخف، فإن الحكم الصادر منها على هذا الأساس لا يمنع من إعادة محاكمة المتهم عن الجريمة الأشد - كما هو الحال في الدعوى الراهنة - ومن ثم يكون منعى الطاعن في هذا الشأن غير صحيح.
7 - من المقرر أن المشرع لم يستلزم في المادة 85 من قانون الإجراءات الجنائية ضرورة حضور الخصوم أثناء الخبير لمأموريته ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب صحيح القانون عندما انتهج هذا النظر ويكون منعى الطاعن في هذا الشأن غير مقبول.
8 - لما كان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن في شأن طلب ضم كروت الشحن والأوراق الأخرى الواردة بأسباب الطعن ورد عليه بقوله "أن المحكمة ترفضه بعد أن اطمأنت على نحو ما سلف ذكره إلى استلام المتهم لكميات الدقيق الخاصة بالحمولات الست المشار إليها واختلاسها لنفسه دون أن يثبت بالسجلات عهدته بيانات تلك الحمولات فضلاً عن أن تلك المستندات عدا أصول تلك الأذون الستة التي أخفاها المتهم ضمت بالأوراق وكانت تحت نظر لجنة الخبراء التي باشرت المأمورية في المرتين واطلع عليها المتهم ومحاميه لدى حضورهما أمام لجنة الخبراء عند مباشرتها التقرير الأول". لما كان ذلك وكان من المقرر أنه وإن كان القانون قد أوجب على محكمة الموضوع سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقه إلا أنه متى كانت الواقعة قد وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى فلها أن تعرض عن ذلك مع بيان العلة، وإذ كان ما أورده - الحكم فيما تقدم - كافياً وسائغاً ويستقيم به إطراح طلبات الطاعن في هذا الشأن ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص يكون في غير محله.
9 - من المقرر أن للمحكمة كامل السلطة في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة أمامها، وأنها الخبير الأعلى في كل ما تستطيع أن تفصل فيه بنفسها أو بالاستعانة بخبير يخضع رأيه لتقديرها وهي في ذلك ليست ملزمة بإعادة المهمة إلى الخبير أو بإعادة مناقشته أو بندب خبير آخر ما دام استنادها إلى الرأي الذي انتهت إليه هو استناد سليم لا يجافى العقل والقانون وهو الأمر الذي لم يخطئ الحكم المطعون فيه في تقديره. وكانت المحكمة قد كونت عقيدتها مما اطمأنت إليه من أدلة وعناصر في الدعوى سائغة ولها مأخذها الصحيح من الأوراق، وكان تقدير الأدلة من إطلاقاتها، فإن ما يثيره الطاعن - من أن المحكمة لم تجبه إلى طلبه بندب خبراء آخرين لإعادة بحث المأمورية ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الأدلة لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
10 - لما كان الطعن بالتزوير على ورقة من أوراق الدعوى المقدمة فيها من وسائل الدفاع التي تخضع لتقدير محكمة الموضوع والتي لا تلتزم بإجابته لأن الأصل أن للمحكمة كامل السلطة في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة على بساط البحث. وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة عرضت لطلب الطاعن الطعن بالتزوير على الصور الكربونية والضوئية لأذون الاستلام المرفقة بملف الدعوى وأطرحته استناداً إلى اطمئنانها إلى تسلم الطاعن لحمولات الدقيق الست موضوع أذون الاستلام والتي حرر عنها أذون استلام من أصل وثلاث صور كربونية لكل منها وسلم كل سائق صورة كربونية لإذن الاستلام والتي سلمت فيما بعد إلى إدارة الحركة والنقل بالشركة التي يعملون بها، كما أطرحته كذلك اطمئناناً منها إلى ما قرره الطاعن بالتحقيقات من أنه قدم ثلاثة طلبات إلى الشاهد الخامس تضمنت إحداها بيانات الحمولات الست وأنه سدد جزءاً من ثمنها وطلبه مهلة لسداد الباقي. وكذلك اطمئناناً منها إلى ما قرره شهود الإثبات وما جاء بإخطارات خروج تلك الكميات بالبوابات والصور الكربونية والفوتوغرافية لأذون الاستلام وأذون وكروت الشحن ومطابقتها لأصول أذون الاستلام عهدة الطاعن والتي أخفاها إمعاناً في طمس معالم جريمته فضلاً عن اطمئنان المحكمة إلى إقراره بالتحقيقات من أن الدفتر الخاص بأذون الاستلام والمتضمن أذون الاستلام الثلاثة من بين الحملات الست المختلسة يدخل في عهدته وإذ انتهت المحكمة في حكمها استناداً إلى كل ما تقدم إلى عدم جدية هذا الدفاع، فإنها تكون بذلك قد فصلت في أمر موضوعي لا تجوز المجادلة فيه أمام محكمة النقض. ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الخصوص يكون غير مقبول.
11 - لما كان البين من المفردات - التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن - أن ما حصله الحكم من أقوال الطاعن بتحقيقات النيابة العامة أقر فيها بأن دفتر أذون الاستلام المضبوط والمتضمن الأذون الخاصة بحمولات ثلاث من بين الحمولات الست الخاصة بالدقيق المختلس من الدفاتر عهدته - له معينه الصحيح من الأوراق -، فإن دعوى الخطأ في الإسناد في هذا الصدد لا تكون مقبولة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن........ بأنه بصفته موظفاً عمومياً "أمين مستودع.... للدقيق" اختلس كميات الدقيق المبينة بالتحقيقات والبالغ قيمتها 409963.580 جنيه "أربعمائة وتسعة ألف وتسعمائة وثلاثة وستين جنيهاً وخمسمائة وثمانين مليماً" المملوكة لهيئة السلع التموينية والتي وجدت في حيازته بسبب وظيفته حالة كونه من الأمناء على الودائع والمسلمة إليه بهذه الصفة على النحو المبين بالأوراق وقد ارتبطت هذه الجريمة بجريمة تزوير في محررات لشركة مطاحن وسط وغرب الدلتا واستعمالها ارتباطاً لا يقبل التجزئة هو أنه في الزمان والمكان سالفي الذكر: أ - بصفته المذكورة ارتكب تزويراً في فواتير المبيعات النقدية الخاصة بمستودع دقيق..... بأن أثبت على خلاف الحقيقة في بعض منها صرف أصحاب المخازن لحصص دقيق رغم عدم أحقيتهم في ذلك لتوقف نشاطهم وأثبت في البعض الآخر صرف كميات بالزيادة عن المنصرف لهم ولم يثبت كميات الدقيق المسلمة إليه في السجل والكشوف المعدة لذلك على النحو المبين بالأوراق. ب - استعمل المحررات المزورة سالفة الذكر فيما زورت من أجله بأن أرسل صورة فواتير المبيعات النقدية إلى إدارة الشركة التي يعمل بها للاعتداد بها مع علمه بتزويرها فاعتد بها المختصون على النحو المبين بالتحقيقات. وأحالته إلى محكمة أمن الدولة العليا بطنطا لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 112/ 1 - 2/ أ - ب، 118، 118 مكرراً، 119/ ب، 119 مكرراً/ جـ، 213، 314 من قانون العقوبات مع إعمال المادتين 17، 32 من ذات القانون بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وتغريمه بمبلغ 322301.410 جنيه ثلاثمائة واثنين وعشرين ألفاً وثلاثمائة وواحد جنيه وأربعمائة وعشرة مليمات وإلزامه برد مبلغ 292301.410 جنيه فقط مائتين واثنين وتسعين ألفاً وثلاثمائة وواحد جنيه وأربعمائة وعشرة مليمات وبعزله من وظيفته عما أسند إليه.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض....... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم الاختلاس وتزوير أوراق رسمية واستعمالها قد شابه القصور في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع والخطأ في الإسناد. ذلك بأن الحكم المطعون فيه قد خلا من بيان مضمون الأدلة التي استند إليها في إدانة الطاعن، كما لم يدلل على وقوع الاختلاس من جانب الطاعن تدليلاً سائغاً ولم يبين الكيفية التي تم بها التلاعب في الفواتير والمستندات التي تم تزويرها، وانتهى الحكم إلى رفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها في الجنحتين رقمي.....، ...... لسنة 1991 أمن دولة طوارئ...... برد غير سائغ، ودفع الطاعن ببطلان أعمال الخبير الذي قدم تقديره لعدم دعوة الطاعن عند مباشرة المأمورية إلا أن الحكم أطرح هذا الدفع بما لا يصلح رداً، ولم تستجب المحكمة لما أبداه الطاعن من طلبات جازمة بشأن ضم كروت الشحن الخاصة بالسيارات التي تنقل الدقيق من المخازن الرئيسية لمؤسسة المطاحن إلى المخزن الذي يتولى الطاعن عهدته وأصول أذون استلام الكميات الواردة إلى ذلك المخزن وكشوف الحركة اليومية ومحاضر الجرد الخاصة بتداول الدقيق بالمحزن عهدته، كما لم تستجب المحكمة إلى طلب الطاعن انتداب ثلاثة خبراء آخرين لمباشرة المأمورية التي عهد بها إلى الخبراء السابقين سيما وأنها لم تعن برفع التناقض الذي شاب التقريرين المقدمين في الدعوى، وتمسك الطاعن عند مباشرة الخبير المأمورية بتزوير الصور الكربونية والضوئية لأذونات الاستلام المرفقة بملف الدعوى لعدم قيامه بتوقيعها أو تحريرها ورد الحكم على هذا الدفع برد غير سائغ، واستند الحكم في قضائه إلى أن الطاعن أقر بأن دفتر أذون الاستلام المضبوط والمتضمن الأذون الخاصة بحمولات ثلاث من بين الحمولات الست الخاصة بالدقيق المختلس من الدفاتر عهدته على خلاف الثابت بالأوراق والتي خلت مما يساند هذا القول وكل يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجرائم الاختلاس وتزوير أوراق رسمية واستعمالها - التي دين الطاعن بها - واستدل على ثبوتها بأدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها، وكان الحكم قد أثبت في حق الطاعن استلامه ليست حمولات من الدقيق ولم يدرجها بسجل يومية المخزن عهدته فضلاً عن تزويره لفواتير المبيعات النقدية الخاصة بالعملاء أصحاب الحصص التموينية بأن أثبت بها على خلاف الحقيقة صرف كميات من الدقيق بالزيادة عن الحصص المقررة والتي صرفت فعلاً لأصحابها وإثبات الصرف لعملاء لم يتم الصرف الفعلي لهم لتوقف نشاطهم واحتفظ بكميات الدقيق لنفسه بينة تملكها فضلاً عن حصوله على فروق الأسعار بين السعر المدعم والسعر الحر فإن ما أورده الحكم فيما تقدم كاف في استظهار انطباق أحكام المادة 112 من قانون العقوبات وصفة الطاعن في إدانته بها، لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يشترط لإثبات جريمتي الاختلاس أو الاستيلاء على المال العام المنصوص عليهما في الباب الرابع من قانون العقوبات طريقة خاصة غير طرق الاستدلال العامة، بل يكفي كما هو الحال في سائر الجرائم بحسب الأصل أن تقتنع المحكمة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - بوقوع الفعل المكون لها من أي ليل أو قرينة تقدم إليها مهما كانت قيمة المال موضوع الجريمة، وكان من المقرر أنه لا يلزم أن يتحدث الحكم استقلالاً عن توافر القصد الجنائي في جريمة الاختلاس، بل يكفي أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يدل على قيامه - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه اعتبر الجرائم المسندة إلى الطاعن جريمة واحدة وعاقبه بالعقوبة المقررة لأشدها وهي جريمة الاختلاس وأوقع عليه عقوبتها عملاً بنص المادة 32 من قانون العقوبات بوصفها الجريمة الأشد، فإنه لا مصلحة له ولا وجه لما ينعاه بشأن قصور الحكم في بيان الكيفية التي تم بها التلاعب في الفواتير والمستندات المزورة - بفرض صحة ذلك - لما كان ذلك، وكان الحكم قد انتهى إلى رفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها في الجنحتين رقمي...... و...... لسنة 1991 أمن دولة طوارئ..... تأسيساً على اختلاف موضوعهما عن موضوع وقائع الدعوى الماثلة باعتبار أن الواقعة التي تمت محاكمة الطاعن عنها في هاتين الجنحتين هي التصرف في حصة الدقيق على غير الوجه المقرر في حين أن موضوع الاتهام في الطعن الماثل هو اختلاس الطاعن لكميات الدقيق المبينة بالأوراق بالإضافة إلى جنايتي التزوير في أوراق رسمية واستعمالها. وهذا الذي أورده الحكم سائغ ويتفق وصحيح القانون وكاف في الرد على دفع الطاعن في هذا الشأن، هذا فضلاً عن أنه من المقرر أنه وإن كان لا يجوز قانوناً محاكمة الشخص أكثر من مرة عن فعل جنائي وقع منه إلا أنه يشترط لذلك أن يكون الفعل واحداً في المحاكمتين، وأن تملك المحكمة الأولى الفصل فيه بجميع أوصافه المختلفة وعلى الأخص وصف الجريمة الأشد، فإذا كانت المحكمة الأولى لا تملك تعديل الوصف المرفوعة به الدعوى أمامها، وكان هذا الوصف مقرراً للجريمة الأخف، فإن الحكم الصادر منها على هذا الأساس لا يمنع من إعادة محاكمة المتهم عن الجريمة الأشد - كما هو الحال في الدعوى الراهنة - ومن ثم يكون منعى الطاعن في هذا الشأن غير صحيح. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المشرع لم يستلزم في المادة 85 من قانون الإجراءات الجنائية ضرورة حضور الخصوم أثناء تأدية الخبير لمأموريته ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب صحيح القانون عندما انتهج هذا النظر ويكون منعى الطاعن في هذا الشأن غبر مقبول. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن في شأن طلب ضم كروت الشحن والأوراق الأخرى الواردة بأسباب الطعن ورد عليه بقوله "أن المحكمة ترفضه بعد أن اطمأنت على نحو ما سلف ذكره إلى استلام المتهم لكميات الدقيق الخاصة بالحمولات الست المشار إليها واختلاسها لنفسه دون أن يثبت بالسجلات عهدته بيانات تلك الحمولات فضلاً عن أن تلك المستندات عدا أصول تلك الأذون الستة التي أخفاها المتهم ضمت بالأوراق وكانت تحت نظر لجنة الخبراء التي باشرت المأمورية في المرتين واطلع عليها المتهم ومحاميه لدى حضورهما أمام لجنة الخبراء عند مباشرتها التقرير الأول". لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه وإن كان القانون قد أوجب على محكمة الموضوع سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقه إلا أنه متى كانت الواقعة قد وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى فلها أن تعرض عن ذلك مع بيان العلة، وإذ كان ما أورده - الحكم فيما تقدم - كافياً وسائغاً ويستقيم به إطراح طلبات الطاعن في هذا الشأن ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن للمحكمة كامل السلطة في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة أمامها، وأنها الخبير الأعلى في كل ما تستطيع أن تفصل فيه بنفسها أو بالاستعانة بخبير يخضع رأيه لتقديرها وهي في ذلك ليست ملزمة بإعادة المهمة إلى الخبير أو بإعادة مناقشته أو بندب خبير آخر ما دام استنادها إلى الرأي الذي انتهت إليه هو استناد سليم لا يجافى العقل والقانون وهو الأمر الذي لم يخطئ الحكم المطعون فيه في تقديره. وكانت المحكمة قد كونت عقيدتها مما اطمأنت إليه من أدلة وعناصر في الدعوى سائغة ولها مأخذها الصحيح من الأوراق، وكان تقديره الأدلة من إطلاقاتها، فإن ما يثيره الطاعن - من أن المحكمة لم تجبه إلى طلبه بندب خبراء آخرين لإعادة بحث المأمورية ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الأدلة لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الطعن بالتزوير على ورقة من أوراق الدعوى المقدمة فيها من وسائل الدفاع التي تخضع لتقدير محكمة الموضوع والتي لا تلتزم بإجابته لأن الأصل أن للمحكمة كامل السلطة في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة على بساط البحث. وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة عرضت لطلب الطاعن الطعن بالتزوير على الصور الكربونية والضوئية لأذون الاستلام المرفقة بملف الدعوى وأطرحته استناداً إلى اطمئنانها إلى تسلم الطاعن لحمولات الدقيق الست موضوع أذون الاستلام والتي حرر عنها أذون استلام من أصل وثلاث صور كربونية لكل منها وسلم كل سائق صورة كربونية لإذن الاستلام والتي سلمت فيما بعد إلى إدارة الحركة والنقل بالشركة التي يعملون بها، كما أطرحته كذلك اطمئناناً منها إلى ما قرره الطاعن بالتحقيقات من أنه قدم ثلاثة طلبات إلى الشاهد الخامس تضمنت إحداها بيانات الحمولات الست وأنه سدد جزءاً من ثمنها وطلبه مهلة لسداد الباقي. وكذلك اطمئناناً منها إلى ما قرره شهود الإثبات وما جاء بإخطارات خروج تلك الكميات بالبوابات والصور الكربونية والفوتوغرافية لأذون الاستلام وأذون وكروت الشحن ومطابقتها لأصول أذون الاستلام عهدة الطاعن والتي أخفاها إمعاناً في طمس معالم جريمته فضلاً عن اطمئنان المحكمة إلى إقراره بالتحقيقات من أن الدفتر الخاص بأذون الاستلام والمتضمن أذون الاستلام الثلاثة من بين الحمولات الست المختلسة يدخل في عهدته وإذ انتهت المحكمة في حكمها استناداً إلى كل ما تقدم إلى عدم جدية هذا الدفاع، فإنها تكون بذلك قد فصلت في أمر موضوعي لا تجوز المجادلة فيه أمام محكمة النقض، ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الخصوص يكون غير مقبول. لما كان ذلك، وكان البين من المفردات - التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن - أن ما حصله الحكم من أقوال الطاعن بتحقيقات النيابة العامة أقر فيها بأن دفتر أذون الاستلام المضبوط والمتضمن الأذون الخاصة بحمولات ثلاث من بين الحمولات الست الخاصة بالدقيق المختلس من الدفاتر عهدته - له معينه الصحيح من الأوراق - ، فإن دعوى الخطأ في الإسناد في هذا الصدد لا تكون مقبولة. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.