مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثاني (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1936م لغاية 26 أكتوبر سنة 1939م) - صـ 215

جلسة 16 ديسمبر سنة 1937

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وحامد فهمي بك وعلي حيدر حجازي بك وأحمد مختار بك المستشارين.

(78)
القضية رقم 44 سنة 7 القضائية

( أ ) قانون (قانون الآثار). سريانه على الأجانب أو عدم سريانه. مسألة قانونية. وجوب حلها على مقتضى القواعد العامة المفهومة من فقه القانون.
(ب) آثار. تمثال أثري. ملك عام. عدم جواز التبايع فيه. حق الحكومة في مقاضاة حائزه، مهما كانت جنسيته، لاسترداده بلا مقابل. الاحتجاج بالمادة 87 مدني. لا يجوز. (المواد الأولى من قانون الآثار و9 و87 مدني أهلي و25 مدني مختلط)
1 - إن سريان قانون (قانون الآثار مثلاً) على الأجانب ومدى هذا السريان من المسائل القانونية التي يجب على المحكمة أن تحلها على مقتضى القواعد العامة المعروفة من فقه القانون.
2 - إن المادة الأولى من قانون الآثار والمادة 9 من القانون المدني الأهلي والمادة 25 من القانون المدني المختلط تعتبر الآثار من الأملاك العامة. فلا يجوز التبايع في التمثال الأثري، وبيعه وشراؤه باطلان. وللحكومة أن تقاضي كل من يوجد هذا التمثال في حيازته، مهما كانت جنسيته، لتسترده منه بغير تعويض تدفعه له أو ثمن تردّه إليه. وليس له أن يحتج بنص المادة 87 من القانون المدني لأن المقرر قانوناً أن أحكام تملك المنقول بالحيازة لا ترد مطلقاً على الأملاك العامة.


الوقائع

تتضمن وقائع الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه والحكم الابتدائي ومن الأوراق المقدّمة لهذه المحكمة وكانت مقدّمة من قبل أمام محكمة الاستئناف - أن مصلحة الآثار قامت بإجراء تحقيق إداري بناءً على شكوى قدّمت إليها بتاريخ 4 مايو سنة 1929 في حق مورّث الطاعنين تتضمن أنه عثر على تمثال أثري في أرض مجاورة لمنطقة الآثار، فكلفت مفتشها بالأقصر بعمل المباحث والتفتيش فلم يعثر على التمثال بمنزل العمدة. ثم أجرت تحقيقاً إدارياً آخر بناءً على بلاغ جديد وصلها في 7 فبراير سنة 1930 جاء فيه أن التمثال الذي عثر عليه العمدة السنة الماضية قد باعه لجناب المستر هو برت ونلوك مدير بعثة متحف المستر وبلتان المرخص لها بالتنقيب عن الآثار بالدير البحري. ولما انتهى هذا التحقيق الإداري قامت النيابة العمومية بإجراء تحقيق قضائي أنكر فيه العمدة ما نسب إليه. وقال توفيق بولس أفندي باشمفتش الآثار بالوجه القبلي إنه حين تسلم البلاغ الثاني المتقدّم الذكر تحدّث بصدده مع المدير العام للمصلحة حيث كان يومئذ بالأقصر فأعلمه المدير أن المستر ونلوك أخبره من يوم أو من يومين أنه وجد تمثالاً أثرياً عند شخص لم يعينه له، وأنه يرغب شراءه خشية أن يشوّهه صاحبه بكسره أو ببيع أجزائه فلا تنتفع به المتاحف، وأنه نصحه بقوله "يمكنك أن تشتريه". ثم أخذ هو في التحرّي عن هذا التمثال وعن أوصافه ومحل وجوده ممن يكون قد عرض عليه شراؤه. ثم قال إن جناب المستر ونلوك بمجرّد ما علم بهذه التحرّيات أرسل إليه التمثال الذي اشتراه. وبعد ذلك تقابل هو معه وسأله بصفة خاصة فاعترف له بأنه اشتراه من حسان حسن عمدة القرنة ونقله من منزله المجاور لأرض الآثار، وأن البائع رغب إليه أن لا يذكر اسمه فوعده بذلك. ولما سألت النيابة المستر هو برت المذكور أجابها بأنه اشترى التمثال في شهر يناير سنة 1930 بثمن قدره 550 جنيهاً دفعه نقداً بغير حضور أحد ولم يأخذ بالبيع ورقة ولا بالثمن إيصالاً، وأنه نقله ليلاً على سيارة خاصة مملوكة له. ولما سئل عن الظروف التي تم فيها الشراء قال إنه بعد أن رأى التمثال وعاينه في محل وجوده الذي هو حوش المنزل المملوك لوالد العمدة المجاور للأرض الزراعية وأرض الآثار قبل شراءه، غير أنه انتظر حضور مدير مصلحة الآثار للبلد، فلما حضر استشاره عما إذا كان يشتري هذا التمثال أو لا يشتريه وأخبره بأنه إذا اشتراه فإنه سوف لا يخبره باسم البائع. ولما لم يستشعر منه منعاً عوّل على شرائه معتقداً أنه لا يكون قد عمل خطأ مع مصلحة الآثار التي يحافظ على علاقته الحسنة بها. ثم قال إنه اشترى التمثال وهو يعلم أنه لا يمكن تصدير مثله إلى الخارج إلا بتصريح من مصلحة الآثار. ولما علم بأن المصلحة تحرّت عن التمثال في يونيه الماضي ولم يكن بمصر وقتئذ بادر عقب حضوره من أوروبا بإخبار مدير المصلحة بأنه أتم شراء التمثال. ولما علم من مدير المصلحة حين زاره بمنزله بالأقصر أن الباشمفتش سيجدّد تحرّياته أرسل التمثال إليه.
ولما أتمت النيابة تحقيقها قدّمت مورّث الطاعنين لمحكمة جنح الأقصر الجزئية متهمة إياه: (1) بأنه عثر على تمثال ولم يبلغ ذلك إلى السلطة الإدارية ولم يسلمه للمصلحة في الميعاد القانوني. (2) وبأنه نقل التمثال بدون تصريح. (3) وبأنه باعه للمستر هو برت ونلوك بدون تصريح. وطلبت معاقبته بالمواد 1 و2 و9 و10 و11 و12 و13 و16 و17 من القانون رقم 14 سنة 1912 و30 عقوبات. فدخلت مصلحة الآثار مدّعية بحقوق مدنية طالبة الحكم على المتهم بمائة جنيه تعويضاً.
وبتاريخ 6 يناير سنة 1931 حكمت المحكمة بتغريم المتهم 1000 قرش عن التهمتين الأولى والثالثة، وبإلزامه بأن يدفع 20 جنيهاً تعويضاً لمصلحة الآثار و100 قرش أتعاباً للمحاماة، وبالمصادرة وببراءة المتهم من التهمة الثانية مع حفظ حق مصلحة الآثار (وزارة المعارف) في المطالبة بثمن التمثال.
ولما استأنفت النيابة وحدها هذا الحكم حكمت محكمة قنا الاستئنافية بتاريخ 28 مايو سنة 1933 بإلغاء حكم البراءة عن تهمة نقل التمثال وبمعاقبة المتهم عليها بغرامة ألف قرش مع تعديل الحكم المستأنف بالنسبة للتهمتين الأخريين وتغريمه ألف قرش عن كل واحدة منهما.
ولم تكتفِ مصلحة الآثار بهذا التعويض المحكوم به فرفعت على مورّث الطاعنين (الذي توفي وحل محله ورثته الطاعنون) دعوى أمام محكمة قنا الابتدائية قيدت بجدولها برقم 99 سنة 1933 كلي طلبت فيها الحكم بإلزام المدّعى عليه بأن يدفع لها 550 جنيهاً مع المصاريف والفوائد ذاكرة أنها دفعت هذا المبلغ إلى مشتري التمثال في سبيل استرداد التمثال منه لما لها من حق الرجوع بهذا الثمن الذي دفعته.
وبعد المرافعة في الدعوى حكمت المحكمة الابتدائية بتاريخ 27 يونيه سنة 1934 برفضها وإلزام المدّعية بالمصاريف وخمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة.
استأنفت مصلحة الآثار هذا الحكم لدى محكمة استئناف أسيوط طالبة إلغاءه والحكم لها على خصومها بطلباتها الأولى أمام المحكمة الابتدائية الخ.
وبتاريخ 10 ديسمبر سنة 1936 حكمت محكمة الاستئناف بقبول الاستئناف شكلاً وموضوعاً بإلغاء الحكم المستأنف وإلزام المستأنف عليهم بأن يدفعوا للمستأنفة من مال مورثهم المرحوم حسان حسن خمسمائة وخمسين جنيهاً مصرياً والفوائد باعتبار الماية خمسة سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية لغاية السداد الخ.
أعلن هذا الحكم للطاعنين في 24 إبريل سنة 1937 فطعن فيه وكيلهم بطريق النقض في 23 مايو سنة 1937 بتقرير أعلن لمصلحة الآثار في أوّل يونيه سنة 1937 الخ.


المحكمة

ومن حيث إن مبنى الطعن أن محكمة قنا الابتدائية الأهلية بعد أن دوّنت بصدر حكمها أن مصلحة الآثار كانت تبني دعواها على أن لها حق الرجوع على مورّث المدّعى عليهم بثمن التمثال الذي دفعته للمستر ونلوك، ثم عادت فبنتها على أنها مطالبة بتعويض الضرر الذي لحقها بسبب تلك الجرائم التي ارتكبها مورّث المدّعى عليهم وصدر الحكم عليه من أجلها بالغرامة ومصادرة التمثال وذلك عن تكبدها دفع 550 جنيهاً للمستر ونلوك لاسترداد التمثال منه، وبعد أن نقلت عن مذكرة مصلحة الآثار الختامية المؤرّخة في 13 يونيه سنة 1934 أنها تملك هذا التمثال وأن حقها في استرداده لا يحتمل أي جدل وأنه لا يخطر لها على بال أن تستعمل حق المستر ونلوك بالرجوع على مورّث المدّعى عليهم بالثمن الذي دفعته - أن محكمة قنا بعد تدوين ما ذكر نظرت في الدعوى على هذا الأساس فقضت برفضها معتمدة في ذلك على أن التمثال كان قد سلمه المستر ونلوك لمصلحة الآثار من تلقاء نفسه وتسلمته المصلحة منه ونقلته إلى مصر وأودعته بمتحفها بالقاهرة قبل محاكمة مورّث المدّعى عليهم أمام محكمة الجنح وقبل صدور حكم تلك المحكمة بمصادرة التمثال. فما كان للمدّعية بعد ذلك أن تدفع شيئاً ما للمستر ونلوك الذي كان عليه وحده إذا شاء أن يقيم دعواه على البائع له وعلى مصلحة الآثار المالكة للتمثال لإثبات حقه في طلب الثمن الذي دفعه من مالك المبيع، وذلك بعد إثبات حسن نيته بأنه اشترى شيئاً يعتقد ملكية بائعه له، وأنه اشتراه من السوق العام أو ممن يتجر في مثل المبيع، وأنه دفع له حقيقة خمسمائة وخمسين جنيهاً ثمناً للمبيع كما يقول، ومعتمدة أيضاً على أن المستر ونلوك كان يعلم أن ليس لدى البائع ترخيص ببيع التمثال وأنه اعترف صراحة بأنه هو من المرخص لهم بالتنقيب عن الآثار بالدير البحري، وأن البيع لم يحصل في سوق عمومي أو ممن يتجر بالآثار والعاديات، وأنه ظاهر من ظروف الشراء وطريقته وزمانه ومكانه وكيفية وقوعه ما يدل دلالة واضحة على أن المشتري المذكور كان يعلم أنه يشتري تمثالاً أثرياً من غير مالك بل من سارق، وقد اشتراه ونقله في الليل على عربة خاصة له وبدون وجود أحد وبدون أن يأخذ من بائعه إيصالاً أو أية ورقة تثبت له الشراء ودفع مثل هذا الثمن العظيم، بل وقد اشترى واعداً بائعه بعدم الإباحة باسمه مما يدل صراحة على سوء نية المستر ونلوك، وأن التعاقد المزعوم بينه وبين البائع كان باطلاً لمخالفته للقانون والنظام العام. وانتهت محكمة قنا من ذكر ذلك وما إليه إلى القول بأنه كان من غير الجائز والحالة هذه أن يكون للمستر ونلوك بصفته مشترياً الحق في أن يلجأ إلى حماية القانون فيطالب بائعه برد الثمن. ثم قالت: ومن هذا يتضح بجلاء أن المدّعية لم تكن محقة في دفعها شيئاً للمستر ونلوك وأنه كان في وسعها أن لا تقوم بالدفع، وما كان باستطاعة المستر ونلوك أن يجبرها على هذا الدفع لما أسلفنا من أسباب ظاهرة. وبذا يكون طلبها من مورّث المدّعى عليهم استرداد ما دفعته للمستر ونلوك سواء كثمن للمبيع أو كتعويض عن ضرر لحقه بسبب دفع هذا المبلغ لأنها هي التي ألحقت بنفسها هذا الضرر لتطوّعها بدفع شيء لم تكن ملزمة قانوناً بدفعه على الإطلاق.
ويقول الطاعنون إن محكمة الاستئناف حين قضت بإلغاء الحكم الابتدائي المتقدّم وألزمتهم بأن يدفعوا لمصلحة الآثار خمسماية وخمسين جنيهاً مع المصاريف والأتعاب قد اعتمدت على ما قررته في حكمها من أنه ما كان يجوز لمصلحة الآثار أن تستولي على التمثال الذي حكم لها بمصادرته تطبيقاً لأحكام قانون الآثار لأن الحائز له كان أجنبياً والقانون المذكور لا يسري على الأجانب كما قرّر ذلك مفتش الآثار في تحقيق النيابة، وأن دفع المصلحة الثمن للمستر ونلوك كان حقاً عليها له لأنه كان حسن النية، وساعد مصلحة الآثار على الحصول على التمثال، وقد أرسله بمجرّد علمه بالتحرّيات الجارية بشأنه. ثم يقولون إن محكمة الاستئناف قد أخطأت في ذلك لأن قانون الآثار يسري على الأجانب والوطنيين، وأن التمثال الأثري ملك عام لا يصح التبايع فيه فشراؤه باطل لمخالفته للنظام العام. ومتى كان الشراء باطلاً فما كان يجوز للمشتري مهما يكن الباعث له على الشراء أن يرجع على البائع بما ادّعى دفعه له من ثمن، وما كان يحق للمصلحة، والتمثال في حيازتها وقد تسلمته من المستر ونلوك برضائه وصدر لها الحكم بمصادرته، أن تدفع له ما ادّعى دفعه من ثمن ليكون لها من بعد مطالبة مورّث الطاعنين بما دفعته للمشتري، وتأخذ في تقديره بقوله مجرّداً عن دليل كتابي صادر من مورّثهم المذكور. فدعواها إذن يجب أن يقضى فيها بالرفض كما قضى فيها بذلك الحكم المستأنف.
وحيث إن محكمة الاستئناف بعد أن أوردت بعض ما اهتمت بإيراده من العناصر الواقعية الثابتة جميعها في التحقيقات (والمفصلة في صدر هذا الحكم) مهملة ظروف بيع التمثال وشرائه ومتى كان وكيف نقل وممن صدر البيع ولمن صدر إلى غير ذلك مما أرصده الحكم المستأنف قالت بعد ذلك:
"وحيث إن توفيق بولس أفندي قرّر أمام النيابة بأن المصلحة لها حق مصادرة أي تمثال يباع من شخص ليس بيده رخصة، وذلك طبقاً للمادة 17 من قانون الآثار، وأن الحكومة لا تدفع شيئاً في هذه الحالة طبقاً للمادة 19 من القانون المذكور... كما قرّر أن مصلحة الآثار لا يمكنها الاستيلاء على التمثال ما دام في حيازة أجنبي داخل القطر لأن قانون الآثار غير مصدّق عليه من المحكمة المختلطة. كما قرّر أنه لا يشك في صحة ما قرّّره المستر ونلوك من أنه دفع للعمدة ثمن التمثال 550 جنيهاً. وحيث إنه يؤخذ من أقوال المفتش المذكور أن المستر ونلوك لم يكن سيئ النية كما وصفته محكمة الدرجة الأولى، بل ساعد مصلحة الآثار على الحصول على التمثال وبمجرّد أن علم بالتحرّيات التي تجريها بشأنه أرسله إليها".
"وحيث إن القول بمصادرة التمثال من محكمة الجنح كان يعطي الحق لمصلحة الآثار في الاستيلاء عليه من المستر ونلوك في غير محله لأن المصلحة ما كان لها أن تصادره طالما أنه في حيازة أجنبي لا يسري عليه قانون الآثار، كما شهد بذلك توفيق بولس أفندي. وإذا كان المستر ونلوك قد ردّ التمثال من نفسه وبمجردّ علمه بالتحرّيات عنه لمصلحة الآثار فليس من الإنصاف أن تمتنع المصلحة عن دفع الثمن إليه على اعتبار أن التمثال وصل إليها... فدفع الثمن إلى المستر ونلوك كان حقاً على مصلحة الآثار لأنه لم يقدم على الشراء إلا بعد مباحثة المدير العام ومحافظته على التمثال من الكسر أو البيع لآخر وحتى لا يضيع على المتحف المصري... ولذلك كان لها الحق في الدعوى الحالية بمطالبة مورّث المدّعى عليهم بتعويض مقابل لما استولي من المستر ونلوك ثمناً للتمثال".
وحيث إن محكمة الاستئناف قد أخطأت حقاً في الاعتماد على مجرّد قول توفيق بولس أفندي مفتش الآثار بأن مصلحة الآثار ما كان يمكنها الاستيلاء على التمثال ما دام في حيازة أجنبي داخل القطر وما دام قانون الآثار لا يسري على الأجانب لعدم تصديق المحكمة المختلطة عليه فكانت المصلحة بذلك ملزمة بأن تردّ ثمن التمثال. ذلك لأن مسألة سريان قانون الآثار على الأجانب وعدم سريانه وفيما يكون فيه هذا السريان وما لا يكون هي من المسائل القانونية التي كان ينبغي للمحكمة أن تحلها هي بنفسها على مقتضى القواعد العامة المعروفة بالضرورة من فقه القانون وأن تصدر فيها عن الرأي الصحيح الواجب الأخذ به والذي استقر عليه قضاء المحاكم المختلطة وهو أن هذا القانون ولو لم يصدّق عليه من الجمعية العمومية لمحكمة الاستئناف المختلطة بالنسبة للعقوبات المنصوص عليها فيه إلا أنه نافذ بلا شك بالنسبة لنصوصه الأخرى (راجع مثلاً حكم محكمة الاستئناف المختلطة الصادر في 24 مايو سنة 1934 والمنشور بمجلة التشريع والقضاء س 46 ص 296 والمنشورة قاعدته في مجلة المحاماة برقم 47 بالعدد الأوّل من السنة السادسة عشرة).
وحيث إن محكمة الاستئناف قد أخطأت أيضاً قانوناً فيما رتبته على ذلك من أن مصلحة الآثار كانت ملزمة بأن تدفع للمستر ونلوك ثمن التمثال بعد أن أثبتت حسن نيته في شرائه، وأنها إذ دفعت له هذا الثمن يكون لها الحق في اقتضائه من مورّث المدّعى عليهم على سبيل التعويض.
وحيث إن القوانين المصرية السارية على المصريين والأجانب (المادة الأولى من قانون الآثار والمادة 9 من القانون المدني الأهلي والمادة 25 من القانون المدني المختلط) تعتبر الآثار من الأملاك العامة (والحكومة تسلم بذلك في مذكرتها المقدّمة لهذه المحكمة). ولا شك في أن مقتضى كون التمثال موضوع الدعوى من الأملاك العامة هو أنه لا يجوز التبايع فيه، وأن بيعه وشراءه باطلان، وأن يكون للحكومة أن تقاضي من يكون في حيازته مهما كانت جنسيته لتستردّه منه بغير تعويض تدفعه أو ثمن تردّه له ومن غير أن يحتج عليها بحكم المادة 87 من القانون المدني الأهلي التي نصها "كل من اشترى شيئاً مسروقاً أو ضائعاً في السوق العام أو ممن يتجر في مثل ذلك وهو يعتقد ملكية بائعه له يكون له الحق في طلب الثمن الذي دفعه من مالك الشيء الطالب استرداده" لأن أحكام تملك المال المنقول بالحيازة لا تردّ على الأملاك العامة بحال. ولذا كان بحث الحكم المطعون فيه والحكم المستأنف في عدم توافر أركان المادة المذكورة (87)، وعدم توافرها من جهة حسن نية المشتري أو سوء نيته، ومن جهة أن الشراء كان خفية وفي غير سوق وممن لا يتجر بالعاديات، أو من جهة أن المستر ونلوك قد سأل مدير مصلحة الآثار عما إذا كان يشتري التمثال ممن هو في حيازته محتفظاً بمعرفته بمحل وجوده ومخفياً عنه اسم الذي يريد بيعه له، وأن المدير لم يمنعه من هذا الشراء - كان البحث في هذا كله غير لازم ولا منتج في الدعوى.
وحيث إنه يتعين لذلك نقض الحكم المطعون فيه.
وحيث إن الدعوى صالحة للحكم.
وحيث إن الحكم الابتدائي قد أصاب في القضاء برفض الدعوى للأسباب المتقدّمة الذكر. وبناء على ما جاء في ختام الحكم المذكور من أنه كان في وسع الحكومة أن لا تقوم بدفع شيء للمستر ونلوك وما كان باستطاعة المستر ونلوك أن يجبرها على هذا الدفع، وأنها هي التي ألحقت بنفسها هذا الضرر الذي تطلب تعويضه لتطوّعها بدفع شيء لم تكن ملزمة قانوناً بدفعه على الإطلاق.
وحيث إنه لذلك يتعين تأييد الحكم المستأنف.