مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثاني (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1936م لغاية 26 أكتوبر سنة 1939م) - صـ 246

جلسة 3 فبراير سنة 1938

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وحامد فهمي بك وعلي حيدر حجازي بك وأحمد مختار بك المستشارين.

(88)
القضية رقم 43 سنة 7 القضائية

( أ ) دعوى وضع يد. حق ارتفاق. فتح مطلات ونوافذ. مبادرة المدعى عليه إلى الاعتراض فعلاً وقضاء على فتحها. دعوى رد الحيازة بالنسبة لهذا الحق. عدم قبولها.
(ب) دعوى استرداد الحيازة. العمل المادي المدعى به. قيامه في ملك المدعى عليه. عدم قبولها.
(جـ) دعوى وضع يد. ارتفاق سلبي (منع إقامة بناء). هل تجوز حمايته بدعوى وضع اليد؟ (المادة 29 مرافعات)
1 - إذا كان المدعى عليه في دعوى حق ارتفاق إيجابي (فتح مطلات ومنافذ) قد بادر - قبل فوات المدّة المقرّرة لحماية الحقوق بدعوى وضع اليد - إلى الاعتراض عليه فعلاً بإقامة حوائط في ملكه الخاص، وقضاءً بإنذار وجهه إلى المدعي أعقبه رفع دعوى عليه، فإن دعوى ردّ الحيازة بالنسبة لهذا الحق تكون غير مقبولة لعدم استكمالها الشرائط الواجب توافرها في دعوى وضع اليد.
2 - لا تقبل دعوى استرداد الحيازة إذا كان العمل المادي المدعى به قد قام به المدّعى عليه في ملكه الواقع في حيازته.
3 - إن الفقهاء لم يتفقوا على جواز رفع دعوى وضع اليد لحماية حق سلبي (عدم إقامة بناء على أرض اتفق في عقد قسمة على تركها فضاء). ومن أجاز ذلك منهم أوجب أن يكون الحق مستنداً إلى عقد صادر من مالك العقار المرتفق عليه، وأن يكون مقتضى هذا العقد قد نفذ منذ سنة على الأقل من قبل المالك بامتناعه عن كل عمل يخالف هذا الارتفاق(1).


الوقائع

تتلخص وقائع هذه الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه ومن مذكرات الخصوم ومستنداتهم المقدّمة لهذه المحكمة والتي تقدّمت من قبل للمحكمة الاستئنافية - في أن المدعى عليه في الطعن يملك 163.56 متراً شائعة في قطعة أرض معدّة للبناء كائنة بسوهاج مساحتها 490.68 متراً وتملك الطاعنة باقي المساحة. فاتفقا بموجب عقد مؤرّخ في 16 أكتوبر سنة 1930 على قسمتها بينهما فاختص المدعى عليه بنصيبه في الجزء القبلي من الأرض واختصت المدعية بالجزء البحري، ونص في عقد القسمة على ما يأتي "تعهدت الست لبيبة بأن تترك من الجهة البحرية لما اختص به محمد عيسى أفندي سبعة عشر متراً من أملاكها الخاصة على أن يبقى هذا الجزء فضاء وتعهد محمد عيسى أفندي بأنه لا يبني فيه شيئاً بل يستعمله لفتح منافذ أو مناور، وأنه ممنوع قطعياً أن يدخله في البناء بأرضه أو ملكه، وأنه إذا أرادت الست لبيبة أن تفتح شبابيك أو أبواباً على السبعة عشر متراً المشار إليها فلا يجوز لها ذلك إلا إذا تركت سبعة عشر متراً أخرى. أما إذا لم تفتح شبابيك أو أبواباً فلها حق البناء بدون أن تترك شيئاً من أملاكها ويكون لها الحق فقط في فتح مناور لا يزيد حجمها عن نصف متر في طول 70 سنتيمتراً.
وفي 31 أكتوبر سنة 1936 أنذرت الطاعنة المدعى عليه في الطعن وقالت في إنذارها له إنها تنفيذاً لعقد القسمة قد أقامت منزلاً على نصيبها بعد أن تركت في الجهة القبلية جزءاً مقداره 42 متراً وكسراً، وإن المدعى عليه شيد أخيراً منزلاً على القطعة المملوكة له وفتح باباً من الجهة البحرية بالدور الأرضي من ملكه مطلاً على أملاك المدعية وأعدّه للمرور مخالفاً في ذلك القانون وعقد القسمة الذي لا يعطيه أكثر من الحق في عمل مناور ومطلات للنور والهواء، وإن المدعى عليه شرع فوق هذا في عمل بلكونات تطل على قطعة الأرض التي تركتها فضاء من ملكها، ثم نبهت عليه بأن يسدّ الباب الذي أحدثه وبإيقاف عمل البلكونات. فرد المدعى عليه على الطاعنة بإنذار مؤرّخ في 2 نوفمبر سنة 1936 قال فيه إن عقد القسمة رتب له حق ارتفاق على السبعة عشر متراً التي اشترط أن تتركها بالجهة البحرية لنصيبه، وإن له الحق في أن يفتح على هذا الفضاء من المنافذ ما يشاء من غير قيد ولا شرط، وإنه قام بالفعل بفتح باب ومنافذ من نحو ستة أشهر ولم تحرّك الطاعنة ساكناً.
وفي 4 نوفمبر سنة 1936 رفع المدعى عليه في الطعن دعوى ضدّ المدعية أمام محكمة سوهاج الجزئية قيدت بجدولها برقم 60 سنة 1937 قال في صحيفتها إن الطاعنة أقامت منزلاً على نصيبها الذي اختصت به بمقتضى عقد القسمة، وإنها تركت من الجهة البحرية لنصيبه فوق السبعة عشر متراً المتفق عليها سبعة عشر متراً أخرى لأنها فتحت بها شبابيك، وإنه لما اختص بالجزء القبلي اتفق المتقاسمان على تعويضه عن هذا النصيب بأن تعهدت الطاعنة بأن تترك عند البناء 17 متراً بحري نصيبه لفتح المنافذ عليها، وإنه بناءً على ذلك بدأ في بناء منزله في يوليه سنة 1936 ففتح منافذ على القطعة المتروكة له من الناحية البحرية، إلا أن الطاعنة بعد أن تبادلت معه الإنذارات أقامت حائطاً على آخر القطعة التي تعهدت بتركها له والتي ترتبت له عليها حقوق عينية فسدّت بذلك جميع ما كان له من المنافذ عليها، وطلب إلزامها بصفة مستعجلة برد حيازته إلى السبعة عشر متراً التي بيّن حدودها بصحيفة الدعوى وإزالة الحائط المقامة على الحدّ القبلي لهذه القطعة بجوار بنائه مع إلزام المدعى عليها بالمصاريف وأتعاب المحاماة بحكم مشمول بالنفاذ المعجل. ثم رفعت الطاعنة دعوى ضدّ المدعى عليه أمام محكمة سوهاج الجزئية قيدت بجدولها برقم 146 سنة 1937 طلبت فيها الحكم بصفة مستعجلة بمنع تعرّض المدّعى عليه لها بصفتيها في الـ 42.50 متراً الواقعة بالجهة القبلية لمنزلها وسدّ الباب المفتوح حديثاً بالحائط البحرية لمنزل المدّعى عليه مع إلزامه بالمصاريف والأتعاب والنفاذ قائلة إن عقد القسمة المؤرّخ في 16 أكتوبر سنة 1930 لا يعطي المدّعى عليه حق الملك أو وضع اليد على الجزء الذي تركته من أملاكها ولا يخوّله سوى فتح المنافذ أي الشبابيك دون الأبواب.
ومحكمة سوهاج الجزئية بعد أن قرّرت ضم القضيتين المذكورتين إحداهما إلى الأخرى حكمت حضورياً في 12 ديسمبر سنة 1936 برفض دعوى محمد عيسى أفندي وبصفة مستعجلة بمنع تعرّضه للمدّعى عليها الست لبيبة عبد الشهيد في الـ 42.50 متراً الواقعة بالجهة القبلية من منزلها وسدّ الباب الذي فتحه بالحائط البحري لمنزله موصلاً إلى المساحة المذكورة وإلزامه بمصاريف الدعويين و150 قرشاً أتعاب محاماة.
استأنف المدّعى عليه في الطعن هذا الحكم لدى محكمة سوهاج الابتدائية المنعقدة بهيئة استئنافية وطلب للأسباب الواردة بصحيفة استئنافه المعلنة في 18 يناير سنة 1937 الحكم بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف والحكم بردّ حيازته للقطعة المبينة بصحيفة الدعوى الافتتاحية وإزالة الحائط المقامة على الحدّ القبلي من هذه القطعة بجوار بنائه وإلزام المستأنف عليها بمصاريف الدرجتين وأتعاب المحاماة. والمحكمة المذكورة بعد أن نظرت الدعوى حكمت حضورياً في 18 إبريل سنة 1937 بقبول الاستئناف شكلاً وموضوعاً بإلغاء الحكم المستأنف وردّ حيازة المستأنف إلى القطعة المبينة بصحيفة الدعوى الافتتاحية وإزالة الحائط المقامة على الحدّ القبلي من هذه القطعة بجوار بناء المستأنف، وألزمت المستأنف عليها بالمصاريف عن الدرجتين و200 قرش أتعاباً للمحاماة.
أعلن هذا الحكم إلى الطاعنة في 25 إبريل سنة 1937 فقرّرت فيه بالطعن بطريق النقض بتقرير مؤرّخ في 23 مايو سنة 1937 الخ.


المحكمة

وحيث إن أهم وجوه الطعن أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون. وفي بيان ذلك تقول الطاعنة إن الدعوى التي رفعها خصمها عليها رفعت أمام قاضي الأمور المستعجلة على اعتبار أنها دعوى استرداد حيازة تضمنت طلبه الحكم برد حيازته للجزء الفضاء المتروك من ملك الطاعنة بجوار منزله وإزالة الحائط التي أحدثتها الطاعنة المبين وصفها بوقائع هذا الحكم فقضت برفضها. فلما استأنف محمد أحمد عيسى أفندي هذا الحكم وطرح النزاع على المحكمة الاستئنافية ألغته وحكمت بإجابة طلباته تأسيساً على عقد القسمة. وذلك على الرغم من أن هذه الدعوى كان يستدعي الفصل فيها البحث في توافر الشروط القانونية لقبول دعوى الحيازة. فخالف حكمها المذكور حكم القانون فيما نص عليه من عدم جواز الحكم في دعاوى اليد على أساس حق الملكية. وتقول الطاعنة إن الدعوى إذ كانت مطروحة على المحكمة بصفة مستعجلة فكان يتعين عليها اتباعاً لحكم المادة 28 من قانون المرافعات ألا تتعرّض في حكمها للموضوع وتفصل في جوهر النزاع.
وحيث إنه تبين من مراجعة الحكم المطعون فيه أنه، بعد أن أتى على بيان وقائع الدعوى، ذكر ما جاء بعقد القسمة خاصاً بالفضاء الذي تعهدت الطاعنة بتركه من ملكها وما رتبه العقد لكل من المتقاسمين من الحقوق عليه، ثم أخذ في تفسير كلمة المنافذ التي رخصت الطاعنة للمدّعى عليه بفتحها على هذا الفضاء فقال: "وحيث إن النزاع بين الطرفين ينحصر في تفسير كلمة منافذ الواردة بالبند الثاني من عقد القسمة. فالمستأنف يقول إنها تشمل الأبواب والشبابيك. والمستأنف عليها تنكر عليه ذلك وتقول إنها لا تعدو المناور وما شابهها من الفتحات الصغيرة المعدّة للهواء، وإن المستأنف لا حق له في فتح ما عداها". ثم استطرد في هذا البحث إلى أن انتهى إلى استظهار أن ما قصده المتعاقدان من مدلول هذا اللفظ لا ينصرف إلا إلى الأبواب والشبابيك. ثم قال: "وما دام أن المستأنف لم يقيد بأي قيد من هذا النوع ولم يحرم صراحة من فتح أبواب أو شبابيك على ما تركته المستأنف عليها نفاذاً لعقد القسمة فيكون محقاً فيما أجراه من فتح الباب والشبابيك على حائط مبناه البحرية، ولا يصح الاعتراض عليه. ويكون الحكم المستأنف قد أخطأ في تفسير كلمة منافذ بقصر معناها على المناور والشبابيك، ويتعين إلغاؤه. والحكم للمستأنف بطلباته". ثم قضى بإلغاء الحكم المستأنف وردّ حيازة المستأنف إلى قطعة الأرض الفضاء وإزالة الحائط التي أقامتها الطاعنة.
وحيث إنه يبين مما تقدّم أن الحكم المطعون فيه حين قضى بإلغاء الحكم المستأنف وبرد حيازة المدّعى عليه في الطعن إلى الأرض الفضاء التي تركتها الطاعنة من ملكها لم يبحث فيمن له الحيازة المادّية لهذا الجزء ولا في شروط دعوى استرداد الحيازة هل هي متوافرة أم لا، وإنما أسس قضاءه على ما استخلصه من الحقوق التي استمدها المدّعى عليه من عقد القسمة فجاء قضاؤه معيباً لمخالفته للمادة 29 من قانون المرافعات ولذا يتعين نقضه.
وحيث إن الدعوى صالحة للحكم في موضوعها.
وحيث إنه جاء بعقد القسمة المحرر بين طرفي الخصومة أن الطاعنة تعهدت بأن تترك من ملكها سبعة عشر متراً فضاء وأن يكون للمدّعى عليه في الطعن الحق في فتح منافذ عليها، فلما رفع هذه الدعوى طلب بصحيفتها الحكم له برد حيازته للقطعة الأرض المذكورة استناداً على حقه المستمد من عقد القسمة. وبالرغم من تجّوزه في التعبير عن حقيقة ما قصده من طلباته فإنه لا بد أن يكون ما أراد أن يقضَ له به إن هو إلا رد حيازته لحقوق الارتفاق التي يدّعي أنها تقررت له على تلك القطعة بموجب عقد القسمة، لا حيازته للأرض ذاتها لأنها لم تخرج من يد الطاعنة لا بعقد القسمة ولا بغيره.
وحيث إنه مع التسليم بأن هذه القضية هي دعوى وضع يد فإن محمد عيسى أفندي يدّعي لنفسه حقين: أحدهما إيجابي وهو فتح مطلات وأبواب على قطعة الأرض المذكورة، والآخر سلبي وهو عدم قيام الطاعنة بالبناء فيها. فبالنسبة للحق الإيجابي فإن وضع يده عليه لم يتم إلا بعد أن قام فعلاً بفتح ما فتح من أبواب ومنافذ على تلك الأرض لكنه لم تمضِ عليه المدّة اللازمة لإمكان حمايته بدعاوى وضع اليد لأن الطاعنة بادرت بالاعتراض عليه فعلاً بإقامة حائط وقضاء بإنذارها له الذي أعقبته بدعواها التي رفعتها عليه. وإذن فدعوى المدّعى عليه في الطعن برد الحيازة بالنسبة لهذا الحق غير مقبولة لأنها لم تستكمل الشرائط القانونية لدعوى منع التعرّض؛ كما أنها لم تستكمل هذه الشرائط حتى لو اعتبرت من دعاوى استرداد الحيازة لأن العمل المادّي الذي قامت به الطاعنة إنما قامت به في ملكها وفي عقار لم يخرج من حيازتها. وأما الحق السلبي الذي يدّعيه المدّعى عليه على الطاعنة بعدم البناء في تلك القطعة فإنه وإن كان الأمر محل خلاف بين فقهاء القانون، من حيث جواز أو عدم جواز رفع دعوى وضع يد به، فإن من أجاز منهم حماية هذا الحق بدعوى وضع اليد يشترطون أن يكون الحق مستنداً إلى عقد صادر من مالك العقار المرتفق عليه وأن يكون هذا العقد قد تنفذ منذ سنة على الأقل من قبل المالك بامتناعه عن كل عمل يخالف هذا الارتفاق. والظاهر مما جاء بصحيفة دعوى المدّعى عليه في الطعن أنه لم يكد ينفذ عقد القسمة بفتح المطلات والأبواب تنفيذاً لعقد القسمة حسب وجهة نظره حتى وقفت الطاعنة في وجهه. أما قبل عمل تلك الفتحات فلم يثبت ما إذا كانت الطاعنة قبلت هذا الارتفاق وامتنعت عن مخالفته مما يمكن أن يعتبر شبه وضع يد (quasi-possession) أم لم تقبله.
وحيث إنه لما تقدّم تكون دعوى محمد عيسى أفندي برد الحيازة لم تستوفَ شرائطها القانونية. ولذا يتعين الحكم بعدم قبولها على أن يكون له حق مداعاة الطاعنة في مدى حقوق الارتفاق التي رتبها له عقد القسمة وفيما يترتب على ذلك من مطالبة الطاعنة بإزالة الحائط بدعوى أخرى.


(1) ننشر هنا مقتطفات من مذكرة النيابة التي وضعها الأستاذ محمد عبد الله محمد وكيل النيابة لما فيها من بحث مستفيض:
ومع أن دائرة تطبيق المادة 28 مرافعات تختلف عن دائرة تطبيق المادة 29 مرافعات إلا أنه من الميسور إدراج ما ذكرته الطاعنة في مذكرتها عن مخالفة الحكم للمادة 29 مرافعات ضمن ما ذكرته في تقرير الأسباب تحت عنوان السبب الأوّل. ذلك لأن القضية وإن كانت دعوى وضع يد إلا أنها رفعت بصفة مستعجلة وفصل فيها في أوّل درجة على هذين الاعتبارين، فكان قاضيها ملزماً بأن لا يتعرّض لموضوع الحق وأصل الملك وسببه من جهتين: من حيث كونه قاضياً للأمور المستعجلة ومن حيث كونه قاضياً في دعوى اليد. فإذا تظلمت الطاعنة إذن من إخلال المحكمة بهذا الالتزام وتعرّضها لأصل الملك (وهو هنا ملك حق الارتفاق) جاز حمل ظلامتها على أي وجه من هذين الوجهين ولم يكن في تمسكها بعد ذلك بمخالفة المادة 29 مرافعات إضافة لسبب جديد غير وارد في التقرير.
وقبل تناول موضوع هذا الوجه من وجوه الطعن نود أن نلاحظ: أوّلاً - أن طلبات محمد أفندي عيسى المطعون ضدّه كما ضمنها صحيفة دعواه رقم 60 سنة 1937 فيها تجوّز شديد في التعبير. إذ طلب رد حيازته للقطعة المبينة بعريضة الدعوى وهي المشار إليها في نص عقد القسمة الذي سبق أن نقلنا عبارته. وقد جارى الحكم المطعون فيه محمد أفندي عيسى في هذا التجوّز فقضى له برد حيازته إليها. وحقيقة الحال أن المراد من هذه الطلبات لا يمكن إلا أن يكون رد حيازة المذكور لحقوق الارتفاق التي يدعي أنها تقررت له على تلك القطعة بموجب عقد القسمة لا حيازته للقطعة ذاتها، لأن القطعة لم تخرج من يد الطاعنة بعقد القسمة ولا بغيرها.
ثانياً - مع التسليم بأن هذه القضية دعوى وضع يد (راجع الحكم الابتدائي المقدّم ضمن حافظة الطاعنة) فإن الخصوم والمحكمة الاستئنافية لم يحدّدوا موضوعها تحديداً يعين محكمة النقض على مباشرة رقابتها. والواقع أن المطعون ضدّه يدعي لنفسه حقين: أحدهما إيجابي وهو فتح مطلات وأبواب على قطعة الأرض المذكورة، والآخر سلبي وهو عدم قيام الطاعنة بالبناء في القطعة المذكورة.
أما الحق الإيجابي فوضع يده عليه لم يتم إلا بعد أن قام فعلاً بفتح ما فتح من أبواب ونوافذ على القطعة المذكورة. لكنه لم تمضِ عليه المدة اللازمة لإمكان حمايته بدعاوى اليد لأن الطاعنة بادرت بالاعتراض عليه فعلاً بإقامة حائط وقضاء بإنذار وجهته للمطعون ضدّه ثم أعقبته بدعوى رفعتها عليه. وإذن فدعوى المطعون ضدّه برد الحيازة بالنسبة لهذا الحق غير مقبولة لأنها لم تستكمل شرائط القانون في دعوى وضع اليد. ثم هي لم تستكمل هذه الشرائط حتى لو اعتبرت من دعاوى استرداد الحيازة لأن العمل المادي الذي قامت به الطاعنة قامت به في ملكها وفي شيء لم يخرج من حيازتها. وقد سبق لمحكمة النقض المصرية أن قضت بعدم قبول دعوى استرداد الحيازة عن حق ارتفاق على شيء مسلم بأنه ليس في حيازة المدعي.
أما الحق السلبي الذي يدّعيه المطعون ضدّه على الطاعنة بعدم البناء في تلك القطعة فالأصل فيه أن لا يكون محلاً لدعاوى وضع اليد لتعذر حيازته مادياً، وإن يكن بعض الشراح قد أجاز حمايته بهذه الدعاوى متى كان يستند إلى عقد صادر من مالك العقار المرتفق عليه وكان هذا العقد قد تنفذ منذ سنة على الأقل من قبل ذلك المالك بامتناعه عن كل عمل يخالف هذا الارتفاق (يراجع أوبري وروج 2 ص 130). ووجه هذا الرأي أن هذا الحق السلبي يمكن حيازته حيازة يسمونها (quasi-possession) بامتناع المدين به - مالك العقار المرتفق عليه - عن مخالفة الارتفاق وإذعانه لمقتضياته (المرجع السابق ص 87). على أن من الفقهاء من لم يرضَ هذا التأوّل وأبى منطقه أن يسلم بإمكان رفع دعوى وضع يد عن حق سلبي ليس له وجود مادي ظاهر مهما يكن مستنداً إلى عقد، لأن فائدة العقد في مسائل وضع اليد تنحصر في التدليل على استكمال اليد لشرائطها القانونية ولا يمكن أن يغني العقد عن قيام اليد وتوافر الحيازة الفعلية المادية.

497. - Si le titre peut servir à colorer l'animus de la quasi-possession d'une servitude discontinue ou non apparente, il ne peut à lui seul suppléer au corpus de cette possession. Ainsi, il existe des servitudes passives, des servitudes non apparente et négatives par exemple celles de ne pas construire, de ne pas ouvrir des jours dans les conditions légales etc. qui ne peuvent le plus souvent donner lieu aux actions possessoires, quand même elles seraient fondées en titres.
Le motif en fort simple: c'est que leur possession n'est guère susceptible d'être prouvée…la vraie théorie d'admet pas comme nous l'avons vu, de possession intellectuelle pure. Indépendement de l'animus, il faut prouver le corpus aussi bien dans la quasi-possession que dans la possession proprement dite, il faut prouver l'appréhension materielle de la chose elle-même ou l'exercice matériel du droit que l'on possède. (LEON WOUDON, Traité théologique et pratique de la possession et des actes possessoires, t. 11, p. 259).

على أنه حتى مع الأخذ بما ارتآه أوبري ورو ومن جرى مجراهما من إمكان إقامة دعوى وضع اليد عن ارتفاق سلبي متى كان مستنداً لعقد تنفيذ بامتناع المدين عن الإخلال بموجب هذا الارتفاق سنة على الأقل - حتى مع الأخذ بذلك لا نجد في الوقائع التي ذكرها الحكم المطعون فيه ما يحقق هذا الضابط. فإن المطعون ضدّه لم يكد ينفذ عقد القسمة بفتح المطلات والأبواب حتى وقفت الطاعنة في وجهه. أما قبل عمل تلك الفتحات فلم تعرض فرصة لإظهار حقيقة موقف الطاعنة ومعرفة ما إذا كان ينطوي على الإذعان لهذا الارتفاق والامتناع عن مخالفته مما يمكن أن يعتبر شبه وضع يد عليه (quasi-possession).
هذه المسائل لم يقف بها الحكم المطعون فيه، بل لم يلتفت إليها، فلا هو تحرّى مراد المطعون ضدّه من طلبه رد الحيازة ولا موضوع هذه الحيازة إن كان قابلاً لوضع اليد أولاً. بل لم يتحرَ إن كان وضع اليد قد تم فعلاً، كما لم يتحقق من استيفائه للشرائط التي أوجبها القانون - لم يلتفت الحكم المطعون فيه إلى ذلك بل أمضى قضاءه كما طلب المطعون ضدّه برد الحيازة بناءً على ما استفاده من عقد القسمة الذي يستند إليه المطعون ضدّه في إثبات أصل الحق، وبعد أن فسر كلمة (منافذ) الواردة فيه بأنها تشير إلى كل أنواع الفتحات فتشمل الأبواب والمطلات على حدّ سواء. وبذلك فصل في الدعوى المرفوعة إليه على أنها دعوى وضع يد (possessoire) كما لو كانت دعوى تثبيت حق ارتفاق (confessoire). وهذا لا يجوز قانوناً لمخالفته لحكم المادة 29 مرافعات (يراجع حكم محكمة النقض والإبرام الصادر في 9 نوفمبر سنة 1933 المنشور في مجموعة القواعد القانونية ج 1 ص 254).