مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثاني (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1936م لغاية 26 أكتوبر سنة 1939م) - صـ 285

جلسة 17 فبراير سنة 1938

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وحامد فهمي بك وعلي حيدر حجازي بك وأحمد مختار بك المستشارين.

(96)
القضية رقم 64 سنة 7 القضائية

( أ ) رهن حيازي. دائن مرتهن رهن حيازة. وكيل عن صاحب العين المرهونة. مبدأ سقوط دينه قبل الراهن. هو المبدأ بالنسبة للوكيل مع الموكل. تاريخ انتهاء الوكالة وتصفية الحساب. (المادتان 545 و552 مدني)
(ب) استغلال الدائن الأرض المرهونة. المطالبة باستهلاك الدين وملحقاته. مضمونها. المطالبة بريع الأرض المرهونة وإجراء المقاصة بين الريع وما على الأرض من الدين وتوابعه.
(جـ) الحقوق التي تسقط المطالبة بها بمضي خمس سنوات. بيانها في المادة 211 مدني. ثمرة العين المغصوبة. لا تسقط المطالبة بها بمضي هذه المدّة. (المادة 211 مدني)
1 - إن دين الموكل قبل موكله لا تبدأ مدّة تقادمه إلا من تاريخ انتهاء الوكالة وتصفية الحساب بينهما، إذ هذا الدين قبل ذلك احتمالي لا يلحقه السقوط. والدائن المرتهن رهن حيازة يعتبر قانوناً وكيلاً عن صاحب العين المرهونة في إدارتها واستغلالها وقبض ريعها، وعليه أن يقدّم للراهن حساباً مفصلاً عن ذلك. فمبدأ مدّة تقادم دينه قبل الراهن هو بعينه المبدأ بالنسبة للوكيل مع الموكل.
2 - المطالبة باستهلاك الدين وملحقاته بسبب استغلال الدائن الأرض المرهونة له تتضمن في حقيقة الواقع المطالبة بريع هذه الأرض عن مدّة الرهن كلها وإجراء المقاصة بين هذا الريع وبين الدين المضمون وتوابعه.
3 - الحقوق التي تسقط المطالبة بها بمضي خمس سنوات مبينة في المادة 211 من القانون المدني وهي المرتبات والفوائد والمعاشات والأجر. فما يجنيه الغاصب من غلة العين المغصوبة مما يعتبر إلزامه بردّه في مقام التعويض عن حرمان صاحبها منها لا تسقط المطالبة به بمضي هذه المدّة.


الوقائع

تتلخص وقائع هذه الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه ومن أوراق الدعوى - في أن محمد عبد الرسول معلاوي رفع دعوى ضد الطاعنين أمام محكمة أسيوط الابتدائية قيدت بجدولها برقم 23 سنة 1935 قال في صحيفتها المعلنة بتاريخ 27 أكتوبر سنة 1934 إن مورّثه المرحوم عبد الرسول معلاوي كان قد رهن إلى المرحوم نخنوخ عبيد الله مورث الطاعنين في سنة 1901 أطياناً زراعية مقدارها فدّانان مبينة الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى مقابل 22 جنيهاً، وإنه في سنة 1924 رفع مورّث المدّعى عليه ضدّ مورّث الطاعنين دعوى أمام محكمة البلينا الجزئية قيدت بجدولها برقم 1383 سنة 1924 طلب فيها الحكم بفسخ رهن الفدانين المذكورين مع استهلاك الدين، فحكمت المحكمة المذكورة بفسخ الرهن وتسليم العين للراهن بدون مقابل واستهلاك مبلغ الرهن وهو الـ 22 جنيهاً المذكورة مع الفوائد القانونية والأموال الأميرية. وحفظت المحكمة للراهن الحق في مطالبة المرتهن بما عساه أن يكون بذمته بعد استهلاك المبالغ المذكورة بدعوى على حدتها. وقد تنفذ الحكم المذكور بالتسليم في 16 يونيه سنة 1927. ولما كان باقي ورثة عبد الرسول معلاوي قد تنازلوا للمدّعى عليه في الطعن بموجب ورقة عرفية مؤرّخة في 10 إبريل سنة 1926 عن حقهم في مطالبة المرتهن بريع الفدانين عن المدّة من سنة 1901 بدء عقد الرهن لغاية تسليم العين المرهونة. لذلك رفع محمد عبد الرسول معلاوي هذه الدعوى وطلب الحكم بإلزام الطاعنين بأن يدفعوا له من تركة مورّثهم نخنوخ عبيد الله مبلغ 237 جنيهاً و560 مليماً قيمة الريع الذي استولى عليه المرتهن بعد استهلاك أصل الدين مع إلزامهم بالمصاريف والأتعاب بحكم مشمول بالنفاذ المعجل وبلا كفالة. وعند نظر الدعوى دفع الطاعنون بسقوط الحق في المطالبة بالريع السابق على سنة 1919 لمضي أكثر من خمس سنوات عليه، وطلب المدعى عليه في الطعن رفض هذا الدفع والحكم له بطلباته. ومحكمة أسيوط حكمت حضورياً في 7 فبراير سنة 1935 برفض هذا الدفع وقبل الفصل في الموضوع بندب خبير لإجراء عملية الاستهلاك ومعاينة الأرض المرهونة وتقدير ريعها وإجراء الاستهلاك على أساس هذا التقدير على اعتبار الفائدة 9% سنوياً. وبجلسة 11 إبريل سنة 1935 استبدلت المحكمة المذكورة بالخبير الأوّل خبيراً آخر لأداء المأمورية السالفة الذكر. وقد باشر هذا الخبير مأموريته وقدّم تقريره. وبعد أن نظرت الدعوى حكمت حضورياً في 31 أكتوبر سنة 1935 بإلزام الطاعنين بأن يدفعوا من تركة مورّثهم نخنوخ عبيد الله للمدعى عليه في الطعن مبلغ 224 جنيهاً و706 مليمات والمصاريف و200 قرش أتعاب محاماة ورفضت ما خالف ذلك من الطلبات معتمدة في ذلك على تقرير الخبير.
وفي 9 يوليه سنة 1936 استأنف الطاعنون هذا الحكم والحكم الصادر في 7 فبراير سنة 1935 القاضي برفض الدفع بسقوط حق المطالبة في الريع السابق على سنة 1919 أمام محكمة استئناف أسيوط وطلبوا للأسباب الواردة بصحيفة استئنافهم الحكم بقبوله شكلاً وإلغاء الحكمين المستأنفين بكامل أجزائهما والحكم بقبول الدفع الفرعي وبسقوط حق المطالبة بالإيجار المحكوم به لمضي مدتي التقادم القصيرة والطويلة عليه، ومن باب الاحتياط فيما يختص بمبلغ 61 جنيهاً و200 مليم صافي إيجار المدّة من سنة 1921 إلى سنة 1926 الحكم للمستأنف عليه بنصيبه الشرعي في هذا المبلغ وذلك بعد أن يقدّم المستأنف عليه إعلاماً شرعياً بثبوت الوراثة وبعدم التعويل على الإقرار المقدّم منه المؤرّخ في 10 إبريل سنة 1926 المنسوب صدوره من بقية الورثة وعدم قبول دعواه بالنسبة لباقي هذا المبلغ لعدم رفعها من باقي الورثة ورفضها فيما عدا ذلك مع إلزام المستأنف عليه بالمصاريف وأتعاب المحاماة. وقيد هذا الاستئناف بالجدول برقم 3 سنة 12 قضائية. وبعد أن نظرت محكمة الاستئناف هذه الدعوى حكمت حضورياً في 13 مارس سنة 1937 بقبول الاستئناف شكلاً وموضوعاً برفضه وتأييد الحكمين المستأنفين وألزمت المستأنفين بالمصاريف و300 قرش أتعاباً للمحاماة للمستأنف ضدّه.
أعلن هذا الحكم للطاعنين في 15 يونيه سنة 1937 فقرروا فيه بالطعن بطريق النقض بتقرير مؤرّخ في 13 يوليه سنة 1937 أعلن للمدّعى عليه في 18 منه، وقدّم الطاعنون مذكرتهم ومستنداتهم في الميعاد. أما المدعى عليه فلم يقدّم شيئاً، وقدّمت النيابة مذكرتها في 21 ديسمبر سنة 1937.
وتحدّد لنظر الطعن جلسة اليوم.


المحكمة

وحيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون في الوجهين الآتيين:
(أوّلاً) رفض الحكم الدفع الذي تمسك به الطاعنون من سقوط حق الراهن في مطالبة الدائن المرتهن رهن حيازة بريع العين المرهونة بالتقادم. وقد استند الحكم في ذلك إلى أن مثل المرتهن في وضع يده عليها كمثل الوكيل عن الراهن في استغلالها، وأن التقادم لا تبدأ مدّته بالنسبة لحق المدين في المطالبة بالريع إلا من التاريخ التالي لاستهلاك الدين. ووجه الخطأ في ذلك على ما يقول الطاعنون إن الحكم اعتبر أن علاقة مورّث الطاعنين بمورّث المطعون ضدّه هي علاقة راهن بمرتهن طوال المدة من تاريخ إنشاء الرهن إلى وقت رفع الدعوى مع أنه إن صح المبدأ الذي قرره الحكم المطعون فيه فإنما يصح إلى تاريخ استهلاك الدين ولا يصح أن يتعدّاه إلى الوقت الذي يليه. والثابت مما ورد بالحكم المطعون فيه أن الدين استهلك في سنة 1910 وعلى ذلك فقد أصبحت يد المرتهن ابتداءً من سنة 1911 يد غاصب. ويترتب على هذا أن الريع الذي حصله مورّث الطاعنين يعتبر ديناً عادياً في ذمة المورّث مما يسقط بمضي خمس سنوات إن اعتبر أجرة وإلا فبخمس عشرة سنة إن اعتبر أنه مقابل الانتفاع بالعين. وبما أنه قد مضى على ريع المدة السابقة على سنة 1919 إلى وقت رفع الدعوى الحالية أكثر من المدة الطويلة المبرئة للذمة فكان من المتعين قبول الدفع بالنسبة لريع هذه المدة.
(ثانياً) إن الحكم المطعون فيه قد اعتبر الورقة المؤرّخة في 10 إبريل سنة 1926 الصادرة للمدعى عليه في الطعن من باقي ورثة الراهن والمتضمنة تنازلهم له عن نصيبهم في الريع المطالب به حجة على الطاعنين وقضى للمدعى عليه المذكور بجميع الريع لا بقدر نصيبه فيه. ووجه الخطأ أن هذه الورقة عرفية لا يمكن أن يحتج بها على الطاعنين ولا تفيد انحصار ميراث الراهن فيمن ورد ذكرهم فيها. ومع أنها تضمنت تنازلاً عن دين في ذمة مورّث الطاعنين لا يجوز أن يتم التنازل عنه بدون رضائه أو رضائهم طبقاً لنص المادة 349 من القانون المدني فإن محكمة الاستئناف قد رفضت دفعهم الذي أبدوه لها بهذا المعنى.
هذان هما وجها الطعن.

عن الوجه الأوّل

وحيث إنه تبين من مراجعة الحكم المطعون فيه أنه ذكر في صدد الرد على الدفع بالتقادم المبرئ ما يأتي:
"وحيث إنه بالنسبة للدفع بسقوط حق المطالبة في الريع لمضي أكثر من خمس سنوات بغير مطالبة المرتهن به فقد قالت محكمة أول درجة إن هذا الدفع في غير محله لأن العلاقة بين الراهن والمرتهن ليست كعلاقة المستأجر أو واضع اليد للاستغلال إزاء المالك، بل مثل المرتهن في هذه الحالة كمثل الوكيل النائب عن الراهن في استغلال الأرض المرهونة وخصم الغلة من مبلغ الرهن. ومحكمة الاستئناف تقرّ محكمة أوّل درجة في وجهة نظرها هذه".
ثم قال: "وحيث إنه تبين من الاطلاع على تقرير الخبير أن الدين استهلك في نهاية سنة 1910".
"وحيث إن المستأنف ضدّه رفع دعواه بالمطالبة بحقه في فسخ عقد الرهن واستلام العين المرهونة مع حفظ حقه فيما يظهر طرف المرتهن من الزيادة في الريع بعد استهلاك مبلغ الدين، وقد حكم فيها بتاريخ 20 أكتوبر سنة 1924 بطلبات المستأنف ضدّه أي قبل مضي خمس عشرة سنة على تاريخ استهلاك الدين، لذا يتعين رفض الدفع بالسقوط بمضي المدة القصيرة والطويلة".
وحيث إنه لا غبار على ما ذكره الحكم المطعون فيه قانوناً. لأن الدائن المرتهن رهن حيازة معتبر قانوناً أنه وكيل عن المدين في استغلال وإدارة العين المرهونة وقبض ريعها، وأن عليه أن يقدّم للراهن حساباً مفصلاً عن ذلك، وأن دين الموكل قبل وكيله لا يبدأ تقادمه إلا من تاريخ انتهاء الوكالة وتصفية الحساب بينهما إذ دين الموكل قبل ذلك احتمالي لا يلحقه السقوط.
وحيث إن العلاقة القانونية التي أنشأها عقد الرهن بين مورّث الطاعنين ومورّث المدعى عليه لم تنته بحسب الوقائع التي ذكرها الحكم المطعون فيه في سنة 1911 كما يقول الطاعنون، وإنما انتهت بالحكم الصادر من محكمة البلينا في 20 أكتوبر سنة 1924 بفسخ الرهن واستهلاك الدين وتسليم العين المرهونة وحفظ حق ورثة الراهن في مطالبة المرتهن بما قبضه من فائض الريع. على أن ورثة الراهن بإقامتهم الدعوى رقم 1383 البلينا سنة 1924 قد قطعوا مضي المدة لأن طلباتهم فيها كانت الحكم لهم بفسخ رهن العقار المرهون مع استهلاك الدين وفوائده واسترداد العقار من غير مقابل مع حفظ حقهم في مطالبة المرتهن بما يظهر في ذمته من الزيادة بعد استهلاك المبلغ المذكور بدعوى على حدة، وقد قضى لهم بما طلبوه. ولا شك أن المطالبة باستهلاك الدين وملحقاته تتضمن في حقيقة الأمر المطالبة بريع الأرض عن المدّة كلها وبإجراء المقاصة بين هذا الريع وبين ما على الأرض من الدين وتوابعه (انظر حكم النقض الصادر في 24 ديسمبر سنة 1931 المنشور بمجموعة القواعد القانونية المدنية ص 34).
وحيث إنه من وقت صدور الحكم المذكور إلى يوم رفع الدعوى الحالية لم تمضِ المدة الطويلة المبرئة للذمة وهي الواجب مراعاتها في مثل صورة الدعوى، لأن التقادم المبرئ بالخمس سنوات مقصور بنص المادة 211 من القانون المدني على المرتبات والفوائد والمعاشات والأجر، ولا يمكن أن يمتد حكم المادة المذكورة إلى ما يجنيه الغاصب من غلة العين المغصوبة مما يعتبر إلزامه برده في مقام التعويض عن حرمان صاحبها منها. ومن ذلك يبين أن هذا الوجه على غير أساس، ويتعين رفض الطعن فيما قضى به الحكم المطعون فيه من تأييد الحكم الابتدائي الصادر بتاريخ 7 فبراير سنة 1935 برفض الدفع بسقوط حق المطالبة بالريع.

عن الوجه الثاني

وحيث إن الطاعنين على حق فيما تمسكوا به من أنه كان ينبغي للمحكمة أن تبحث فيما إذا كان لبعض الورثة أن يتنازلوا عن حصتهم في دين كان لمورّثهم بغير رضاء من المدين أو لا يجوز ذلك إلا بهذا الرضاء قياساً لهذا التنازل على قواعد الحوالة، وأن تبحث كذلك عما إذا كانت ورقة التنازل المدّعي بصدورها للمدّعى عليه في الطعن من باقي ورثة أبيه قد صدرت منهم حقيقة وأن الموقعين عليها هم كل الورثة. ولما كان البحث في ذلك ضرورياً لأنه يتغير به وجه الحكم في الدعوى، فلذلك يتعين نقض الحكم المطعون فيه فيما قضى به من تأييد الحكم الابتدائي الصادر في 31 أكتوبر سنة 1935 وبإعادة القضية لمحكمة الاستئناف لنظر الاستئناف الخاص بهذا الحكم.