أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 32 - صـ 196

جلسة 2 من مارس سنة 1981

برياسة السيد المستشار/ عادل برهان نور نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ فوزى المملوك، وراغب عبد الظاهر، وعبد الرحيم نافع، ومصطفى عبد الرازق.

(31)
الطعن رقم 2260 لسنة 50 القضائية

1 - اثبات "خبرة". ضرب "ضرب أحدث عاهة". رابطة السببية.
الفصل فى توافر رابطة السببية بين الاصابات والعاهة. موضوعي.
2 - اثبات "خبرة". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الطبيب الشرعى فى تقريره.
3 - اثبات "خبرة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير. تختص به محكمة الموضوع. عدم التزام المحكمة باستدعاء الخبير لمناقشته.
4 - أسباب الاباحة وموانع العقاب "استعمال حق مقرر بمقتضى القانون". مسئولية جنائية. طب.
الأصل تحريم أى مساس بجسم الانسان.
أساس اباحة فعل الطبيب؟
مساءلة من لا يملك حق مزاولة مهنة الطب عما يحدثه بالغير من جروح على أساس العمد. اعفاؤه لا يكون الا بقيام حالة الضرورة.
5 - عقوبة "العقوبة المبررة". ضرب "ضرب بسيط" "ضرب أحدث عاهة". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
ادانة الطاعن بجريمة أحداث عاهة مستديمة. ومعاقبته بالعقوبة المقررة للضرب البسيط. انتفاء مصلحته فى المجادلة فى شأن واقعة العاهة.
1 - من المقرر أن قيام رابطة السببية بين الاصابات والعاهة المستديمة المتخلفة عنها فى جريمة الضرب المفضى الى عاهة من الأمور الموضوعية التى تخضع لتقدير محكمة الموضوع ومتى فصلت فى شأنها - اثباتا أو نفيا - فلا رقابة لمحكمة النقض عليها ما دامت قد أقامت قضاءها فى ذلك على أسباب تؤدى الى ما انتهت اليه.
2 - لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الطبيب الشرعى فى تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها.
3 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم لها والفصل فيما يوجه اليه من اعتراضات دون أن تلتزم باستدعاء الخبير لمناقشته ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هى من جانبها حاجة الى اتخاذ هذا الاجراء، وطالما أن استنادها الى الرأى الذى انتهى اليه هو استناد سليم لا يجافى المنطق والقانون فلا تجوز مجادلتها فى ذلك.
4 - الأصل ان أى مساس بجسم المجنى عليه يحرمه قانون العقوبات وقانون مزاولة مهنة الطب، وانما يبيح القانون فعل الطبيب بسبب حصوله على اجازة علمية طبقا للقواعد واللوائح، وهذه الاجازة هى أساس الترخيص الذى تتطلب القوانين الخاصة بالمهنة الحصول عليه قبل مزاولتها فعلا وينبنى على القول بأن أساس عدم مسئولية الطبيب استعمال الحق المقرر بمقتضى القانون، أن من لا يملك حق مزاولة مهنة الطب يسأل عما يحدثه بالغير من جروح وما اليها باعتباره معتديا - أى على أساس العمد - ولا يعفى من العقاب الا عند قيام حالة الضرورة بشروطها القانونية.
5 - لا مصلحة للطاعن فيما يثيره فى شأن واقعة العاهة طالما ان العقوبة المقضى بها عليه مقررة لجريمة الضرب البسيط المنطبق على المادة 242/ 1 من قانون العقوبات.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه (أولا) أحدث بـ...... الاصابة الموصوفة بالتقرير الطبى الشرعى والتى تخلفت عنها لديه عاهة مستديمة هى بتر القدم اليسرى. (ثانيا) زاول مهنة الطب دون ترخيص من الجهة المختصة. وطلبت الى مستشار الاحالة احالته الى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الاحالة، فقرر ذلك. ومحكمة جنايات الجيزة قضت حضوريا عملا بالمادة 240/ 1 من قانون العقوبات والمادتين 1، 10 من القانون رقم 415 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمى 491، 29 لسنة 1965 بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل سنة واحدة وأمرت باغلاق العيادة مع نزع اللوحات واللافتات ومصادرة الاشياء المتعلقة بالمهنة ونشر الحكم بجريدتى الأخبار والجمهورية على نفقة المحكوم عليه وذلك عن التهمتين المسندتين اليه.
فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض..... الخ.


المحكمة

حيث ان مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه اذ دان الطاعن بجريمة احداث عاهة مستديمة فقد شابه الفساد فى الاستدلال والاخلال بحق الدفاع والخطأ فى تطبيق القانون، ذلك بأن الحكم المطعون فيه اقتصر على الاخذ بأحد الاحتمالات التى انتهى اليها تقرير الطبيب الشرعى واعرض عما أورده الطاعن فى دفاعه من اعتراضات على هذا التقرير، وعن طلبه استدعاء نائب كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته فى هذا الشأن وعما أثاره من أن طبيبا آخر أخفى ذوو المجنى عليه أمره كان يعالجه قبل بتر ساقه. فضلا عن أنه اذ كانت الواقعة على فرض صحتها تشكل جنحة الاصابة الخطأ التى لا تختص محكمة الجنايات بنظرها، فان الحكم المطعون فيه يكون معيبا بما يستوجب نقضه.
وحيث أن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مؤداه ان المجنى عليه قد أصيب اثر مصادمته بعربة فحملته والدته تبغى علاجه فالتقى بها الطاعن وافهمها أنه سيتولى علاجه لقاء ستة جنيهات، وحاط له موضع الاصابة ووضع حول ساقه اليمنى رباطا ضاغطا، ولما ساءت حالته نقله والده الى المستشفى حيث أجريت له عملية بتر للقدم اليسرى مع جزء من الساق. وأقام الحكم على ثبوت الواقعة لديه - على هذه الصورة - فى حق الطاعن أدلة سائغة مستقاة مما شهد به كل من....... ومما جاء بالتقرير الطبى الشرعى الذى أورده مضمونه فى قوله "أنه ثبت من التقرير الطبى الشرعى النهائى المؤرخ 1/ 11/ 1977 أن حالة المصاب نهائية وقد تخلف لديه من جراء الحادث الذى تعرض له وما تبعه من علاج بتر جراحى بالثلثين السلفيين من الساق اليسرى وكذا القدم اليسرى وهذا البتر يعتبر عاهة مستديمة يستحيل برؤها وأنه سواء كانت الاصابة بذاتها تؤدى الى حدوث الغنغرينا بالقدم اليسرى أم أن ما حدث جاء نتيجة تداخل المتهم فان القدر المتيقن من مسئولية المتهم قائم فى تعاطيه مهنة الطب والجراحة دون ترخيص له بذلك، وتفويته على المصاب فرصة العلاج الفنى المتخصص السليم فى الوقت المناسب وبما قد يحول دون حدوث الغنغرينا التى انتهت ببتر القدم والساق، كما أنه ادى بتداخله وتأخير تقديم العلاج السليم الى تفاقم الحالة وامتداد الالتهاب والغنغرينا الى ساق المصاب بحيث شمل البتر الساق اليسرى بالاضافة الى القدم المصابة مما يعد مسئولا عن جسامة الجزء المبتور". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن قيام رابطة السببية بين الاصابات والعاهة المستديمة المتخلفة عنها فى جريمة الضرب المفضى الى عاهة من الامور الموضوعية التى تخضع لتقدير محكمة الموضوع ومتى فصلت فى شأنها - اثباتا أو نفيا - فلا رقابة لمحكمة النقض عليها ما دامت قد أقامت قضاءها فى ذلك على أسباب تؤدى الى ما انتهت اليه - كما هى الحال فى الدعوى الماثلة - فانه لا يقدح فى استدلال الحكم أن يكون الطبيب الشرعى لم يجزم بسبب العاهة حسبما يقول الطاعن طالما أنه لا يدعى أو ثمة سببا اخر قد كشفت الوقائع عنه انه الذى أدى الى حدوث العاهة وذلك لما هو مقرر من أن لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الطبيب الشرعى فى تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها لما كان ذلك. وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير القوة التدليليه لتقرير الخبير المقدم لها والفصل فيما يوجه اليه من اعتراضات دون أن تلترم باستدعاء الخبير لمناقشته ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هى من جانبها حاجة الى اتخاذ هذا الاجراء، وطالما أن استنادها الى الرأى الذى انتهى اليه هو استناد سليم لا يجافى المنطق والقانون فلا تجوز مجادلتها فى ذلك، واذ كان الحكم المطعون فيه قد عرض لطلب المدافع عن الطاعن مناقشة الطبيب الشرعى وكشف فى استدلال سائغ عن عدم حاجة المحكمة اليه بعد أن وضحت الواقعة لديها واستخلصت من تقريره ما ارتأته سائغا مؤديا الى الصورة الصحيحة التى اعتنقتها، وكان ما يدعى الطاعن اثارته فى دفاعه من أن طبيبا آخر كان يعالج المجنى عليه قبل بتر ساقه لا يعدو كونه دفاعا موضوعيا لا يستأهل ردا اذ الرد عليه مستفاد من أدلة الثبوت التى ساقها الحكم المطعون فيه، لما كان ذلك، وكان الأصل أن أى مساس بجسم المجنى عليه يحرمه قانون العقوبات وقانون مزاولة مهنة الطب، وانما يبيح القانون فعل الطبيب بسبب حصوله على اجازة علمية طبقا للقواعد واللوائح، وهذه الاجازة هى أساس الترخيص الذى تتطلب القوانين الخاصة بالمهنة الحصول عليه قبل مزاولتها فعلا وينبنى على القول بأن أساس عدم مسئولية الطبيب استعمال الحق المقرر بمقتضى القانون، أن من لا يملك حق مزاولة مهنة الطب يسأل عما يحدثه بالغير من جروح وما اليها باعتباره معتديا - أى على أساس العمد - ولا يعفى من العقاب الا عند قيام حالة الضرورة بشروطها القانونية. ولما كان الحكم المطعون فيه اعتمادا على الادلة السائغة التى أوردها، والتى لا يمارى الطاعن فى ان لها معينها الصحيح من الأوراق، قد خلص الى احداث الطاعن جرحا عمدا بالمجنى عليه بقيامه بخياطة الجرح الذى تخلف بقدمه ودلل على تخلف العاهة المستديمة نتيجة فعله، وكانت حالة الضرورة منتفية فى ظروف الدعوى المطروحة، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن وفنده واطراحه بأسباب سائغة التزم فيها التطبيق القانونى الصحيح فان النعى عليه يكون غير سديد. هذا فضلا عن أنه لا مصلحة للطاعن فيما يثيره فى شأن واقعة العاهة طالما أن العقوبة المقضى بها عليه مقررة لجريمة الضرب البسيط المنطبق على المادة 242/ 1 من قانون العقوبات. لما كان ما تقدم فان الطعن برمته يكون على غير أساس مستوجبا للرفض موضوعا.