أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 32 - صـ 202

جلسة 4 من مارس سنة 1981

برياسة السيد المستشار/ محمد وجدى عبد الصمد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ حسن عثمان عمار، وآبراهيم حسين رضوان، وحسين كامل حنفى، ومحمد سالم يونس.

(32)
الطعن رقم 1624 لسنة 50 القضائية

1 - نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تعييب الاجراءات السابقة على المحاكمة. عدم جواز اثارته لأول مرة أمام النقض. مثال.
2 - نيابة عامة. اجراءات "اجراءات التحقيق". اثبات "خبرة".
حق عضو النيابة فى الاستعانة بأهل الخبرة. أساس ذلك؟
3 - محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". اثبات "بوجه عام" "شهود" "خبرة". حكم "تسبيبه, تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حق محكمة الموضوع فى الأخذ بتقرير طبيب المستشفى الذى قام بالتشريح ولو لم يحلف اليمين قبل مباشرة مأموريته. أساس ذلك؟
حق محكمة الموضوع فى الاعراض عن دفاع الطاعن مادام ظاهر البطلان.
4 - اثبات "شهود" "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تطابق أقوال الشهود ومضمون الدليل الفنى. غير لازم. كفاية أن يكون جماع الدليل القولى غير متناقض مع الدليل الفنى. تناقضا يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
5 - اثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الادلة فى المواد الجنائية. متساندة. كفاية ان تكون فى مجموعها مؤدية الى ما قصده الحكم منها.
1 - متى كان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يثر شيئا عما يدعيه من عدم تحرير النيابة مذكرة بوقائع الدعوى للطبيب الذى قام بتشريح جثتى المجنى عليهما فانه لا يحل له ان يثير ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض لأنه لايعدو أن يكون تعييبا للاجراءات السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سببا للطعن.
2 - من المقرر أن عضو النيابة بوصف كونه صاحب الحق فى اجراء التحقيق ورئيس الضبطية القضائية له من الاختصاص ما خوله قانون الاجراءات الجنائية لسائر رجال الضبطية القضائية فى الفصلين الأول والثانى من الباب الثانى منه بما فى ذلك ما تجيزه لهم المادة 29 من هذا القانون أثناء جمع الاستدلالات من الاستعانة بأهل الخبرة وطلب رأيهم شفهيا أو بالكتابة بغير حلف يمين.
3 - لما كان لمحكمة الموضوع أن تأخذ بما تطمئن اليه من عناصر الاثبات ولو كان ذلك من محاضر جمع الاستدلالات مادامت مطروحة للبحث أمامها، فأنه لا على المحكمة - وقد أجرت النيابة تحقيق الواقعة بوصفها جناية فتحقق بذلك ما يشترطه القانون فى مواد الجنايات من ايجاب تحقيقها قبل المحاكمة - ان هى أخذت بتقرير طبيب المستشفى الذى قام بالتشريح ولو لم يحلف يمينا قبل مباشرة مأموريته بحسبانه ورقة من أوراق الاستدلال فى الدعوى المقدمة لها وعنصرا من عناصرها مادام أنه كان مطروحا على بساط البحث وتناوله الدفاع بالتفنيد والمناقشة، ولا عليها - من بعد - ان هى لم تعرض فى حكمها لدفاع الطاعن فى هذا الشأن ما دام أنه دفاع ظاهر البطلان.
4 - من المقرر أنه ليس بلازم أى تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفنى بل يكفى ان يكون جماع الدليل القولى غير متناقض مع الدليل الفنى تناقضا يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
5 - لا يلزم أن تكون الأدلة التى اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع فى كل جزئية من جزئيات الدعوى اذ الأدلة فى المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة، ولا ينظر الى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقى الأدلة فى مجموعها كوحدة مؤدية الى ما قصده الحكم منها ومنتجة فى اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها الى ما انتهت اليه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم قتلوا..... عمدا مع سبق الاصرار والترصد بأن بيتوا النية على قتله وأعدوا لذلك سلاحا ناريا مششخنا (مسدس) وتوجهوا اليه فى المكان الذى ايقنوا بوجوده فيه وأطلق عليه المتهم الأول عيارا قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الاصابات الموصوفه بتقرير الصفه التشريحية والتى أودت بحياته، وقد تلت هذه الجناية جناية أخرى هى أنهم فى الزمان والمكان سالفى الذكر قتلوا...... بأن أطلق عليه المتهم الأول عيارا ناريا قاصدا من ذلك قتله فأحدث به الاصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته وكانت جناية قتل المجنى عليه........ نتيجة محتملة لجناية قتل المجنى عليه....... عمدا مع سبق الاصرار التى اتفقوا عليها. المتهم الأول ايضا - 1 - أحرز بغير ترخيص سلاحا ناريا مششخنا (مسدسا) 2 - أحرز ذخائر مما تستعمل فى السلاح النارى سالف الذكر دون أن يكون مرخصا له بحيازة السلاح أو احرازه. وطلبت الى مستشار الاحالة احالتهم الى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الاحالة، فقرر ذلك. ومحكمة جنايات قنا قضت حضوريا عملا بالمواد 230 و231 و232 و2334/ 1، 2 من قانون العقوبات ومواد القانون رقم 294 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمى 546 لسنة 1954 و75 لسنة 1958 والبند أ من القسم الأول من الجدول رقم 3 الملحق بالقانون الأول مع تطبيق المادتين 32/ 2 و17 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من.... .... بالأشغال الشاقة المؤبدة.
فطعن المحكوم عليهم فى هذا الحكم بطريق النقض..... الخ.


المحكمة

ومن حيث أن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه أنه اذ دانهم بجناية القتل العمد مع سبق الاصرار المقترن بجناية قتل عمد قد شابه قصور وفساد فى الاستدلال وانطوى على اخلال بحق الدفاع ذلك بأن دفاعهم قام على أن النيابة العامة لم تحلف الطبيب الذى قام بالتشريح - وهو ليس من الأطباء الشرعيين - اليمين القانونية، ولم تحرر له مذكرة بوقائع الدعوى ليضع تقريره على ضوئها، وأن تقريره جاء مناقضا لأقوال شقيق المجنى عليه الأول وهو شاهد الرؤية الوحيد اذ أثبت أن بالمجنى عليه جرحين لطلقين ناريين أحدهما بالكتف الأيسر والآخر أسفل الضلع الحادى عشر الأيمن وأن مسافة الاطلاق خمسة أمتار بينما قرر الشاهد أن المجنى عليه أصيب فى وجهه من عيار نارى واحد على مسافة أقل بكثير من خمسة أمتار الا أن الحكم المطعون فيه لم يعرض لهذا الدفاع وعول على أدلة لا تؤدى الى ادانتهم اذ لم يتعرف شقيق المجنى عليه الأول على الطاعن الثالث ونفى رؤيته واقعة اطلاق النار على المجنى عليه الآخر وقرر أن الطاعنين الأول والثانى أطلقا النار على شقيقه داخل عربة القطار بينما ثبت من المعاينة أن جثته وجدت بجوار بلوك المحطة، ولم يتعرف قائد السيارة على الطاعنين الأول والثانى فى أكثر من عملية عرض وقرر أنهما غير من استقلا سيارته يوم الحادث وتحريات الشرطة مرجعها اقوال الشاهد الأول، فضلا عن انعدام الآثار المتخلفة من اطلاق الأعيرة النارية، وما أورده الحكم تحليلا لعدم العثور على المظروفين الفارغين بمكان الحادث مبناه الاحتمال لا اليقين وكل ذلك مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
ومن حيث أن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجرائم التى دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها فى حقهم أدلة سائغة مستمدة من أقوال الشهود وتقرير الصفة التشريحية وتحريات الشرطة والمعاينة، من شأنها أن تؤدى الى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يثر شيئا عما يدعيه من عدم تحرير النيابة العامة مذكرة بوقائع الدعوى للطبيب الذى قام بتشريح جثتى المجنى عليهما فانه لا يحل له أن يثير ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض لأنه لا يعدو أن يكون تعييبا للاجراءات السابقة على المحاكمة مما لا يصح ان يكون سببا للطعن. لما كان ذلك، ولئن أوجب القانون على الخبراء أن يحلفوا يمينا أمام سلطة التحقيق بأن يبدوا رأيهم بالدقة وأن يقدموا تقريرهم كتابة، الا أنه من المقرر أن عضو النيابة بوصف كونه صاحب الحق فى اجراء التحقيق ورئيس الضبطية القضائية له من الاختصاص ما خوله قانون الاجراءات الجنائية لسائر رجال الضبطية القضائية فى الفصلين الأول والثانى من الباب الثانى منه بما فى ذلك ما تجيزه لهم المادة 29 من هذا القانون أثناء جمع الاستدلالات من الاستعانة بأهل الخبرة وطلب رأيهم شفهيا أو بالكتابة بغير حلف يمين، ولما كان لمحكمة الموضوع أن تأخذ بما تطمئن اليه من عناصر الاثبات ولو كان ذلك من محاضر جمع الاستدلالات مادامت مطروحة للبحث أمامها، فانه لا على المحكمة - وقد أجرت النيابة تحقيق الواقعة بوصفها جناية فتحقق بذلك ما يشترطه القانون فى مواد الجنايات من ايجاب تحقيقها قبل المحاكمة - ان هى أخذت بتقرير طبيب المستشفى الذى قام بالتشريح ولو لم يحلف يمينا قبل مباشرة مأموريته بحسبانه ورقة من أوراق الاستدلال فى الدعوى المقدمة لها وعنصرا من عناصرها مادام أنه كان مطروحا على بساط البحث وتناوله الدفاع بالتفنيد والمناقشة، ولا عليها - من بعد - ان هى لم تعرض فى حكمها لدفاع الطاعن فى هذا الشأن مادام أنه دفاع ظاهر البطلان. لما كان ذلك، وكان من المقرر انه ليس بلازم ان تطابق اقوال الشهود مضمون الدليل الفنى بل يكفى أن يكون جماع الدليل القولى غير متناقض مع الدليل الفنى تناقضا يستعصى على الملاءمة والتوفيق، وكان لا تعارض بين ما حصله الحكم المطعون فيه عن أقوال شقيق المجنى عليه الأول من أن الطاعن الأول أطلق على أخيه عيارا ناريا من طبنجة أثناء وجوده بعربة القطار وأنه كان وقت اطلاقه النار يقف خلف المجنى عليه على مسافة مقعدين، وبين ما نقله عن تقرير الصفة التشريحية من أن المجنى عليه المذكور أصيب بعيار نارى فى كتفه الأيسر أطلق من خلف ويسار فى مستوى مواز تقريبا من مسافة تقدر بخمسة أمتار وأحدث تهتكا بالأعصاب والشرايين الداخلة الى الذراع الايسر وكسرا بالضلع الثالث الأيسر وتهتكا شديدا بالفص العلوى للرئة اليسرى وتغير اتجاه العيار نتيجة اصطدامه بالضلع المذكور فاتحه الى أسفل مخترقا المعدة والكبد والكلية اليمنى ثم خرج من بين الضلعين الحادى عشر والثانى عشر بعد أن أحدث نزيفا وتجمعا دمويا كبيرا بالتجويفين الصدرى والبطنى. وكان الحكم فوق ذلك قد عرض لما اثاره الطاعنون عن تعارض الدليلين القولى والفنى واطرحه بقول سائغ فان منعاهم فى هذا الشأن يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان لا تعارض بين أقوال شقيق المجنى عليه الأول وما نقله الحكم من معاينة النيابة - بما لا يمارى فيه الطاعنون - من أنه عثر على آثار دماء بجوار المقعد الذى كان يجلس عليه المجنى عليه المذكور بعربة القطار وان معاون المحطة قرر أنها من جثته التى نقلت من ذلك المكان. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعنون من أن تحريات الشرطة مرجعها أقوال الشاهد الأول محض جدل فى تقدير الدليل الذى تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب ولا يجوز اثارته أمام محكمة النقض، وكان لا يلزم ان تكون الأدلة التى اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع فى كل جزئية من جزئيات الدعوى اذ الأدلة فى المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة، ولا ينظر الى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقى الادلة بل يكفى أن تكون الأدلة فى مجموعها كوحدة مؤدية الى ما قصده الحكم منها ومنتجة فى اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها الى ما انتهت اليه، فان ما يثيره الطاعنون فى هذا الصدد ينحل الى جدل موضوعى فى سلطة المحكمة فى تقدير أدلة الدعوى مما يخرج عن رقابة محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعنين من عدم العثور على طلقات فارغة فى القطار وأطرحه بقوله "ان قالته بأنه لم توجد طلقات فارغة مردودة بأنه لم يطلق فى القطار سوى عيارين اثنين ولعل المتهمين الأول والثانى قد التقطا الطلقتين الفارغتين من المسدس لحظة اطلاقهما بقصد اخفاء الدليل، أو أن احدا من الركاب التقطهما من مكان الحادث وانصرف". وهو قول سائغ لا يخرج عن الاقتضاء العقلى والمنطقى، فان ما يثيره الطاعنون من منازعة فى سلامة ما استخلصه الحكم المطعون فيه من الأوراق والتحقيقات بدعوى الفساد فى الاستدلال والقصور فى التسبيب لا يعدو أن يكون مجادلة لتجريح أدلة الدعوى على وجه معين تأديا من ذلك الى مناقضة الصورة التى ارتسمت فى وجدان قاضى الموضوع بالدليل الصحيح مما لا تجوز اثارته أمام هذه المحكمة.