مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثاني (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1936م لغاية 26 أكتوبر سنة 1939م) - صـ 377

جلسة 26 مايو سنة 1938

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وحامد فهمي بك وعلي حيدر حجازي بك وأحمد مختار بك المستشارين.

(124)
القضية رقم 28 سنة 7 القضائية

( أ ) وقف. ناظر الوقف. الاستدانة على الوقف. تمثيل جهة الوقف في الدعوى التي تقام بشأن هذه الاستدانة. كلاهما لا يجوز إلا بإذن القاضي الشرعي. إقامة ناظر خصومة. رفع دعوى على شخص بصفته الشخصية وبصفته ناظراً وممثلاً للوقف عن نفسه وبطريق وكالته عن ناظر آخر معه بمطالبته بمبلغ استدانة بضمانة المدّعي. الحكم للمدّعي بطلباته استناداً إلى سند الدين. عدم إذن القاضي الشرعي لهذا الشخص بالاستدانة ولا بتمثيل جهة الوقف. عدم قيام هذا الحكم بالنسبة لجهة الوقف.
(ب) تدخل من صدر له هذا الحكم في توزيع فتح أمام المحكمة المختلطة. طلب الناظر الجديد رفض تدخله لعدم صدور الحكم في مواجهة الوقف. القضاء برفض تدخله على اعتبار أنه لا دين على جهة الوقف. حجية هذا الحكم في شأن عدم صحة الاستدانة بالنسبة لمن صدر له الحكم والناظر القديم بصفته الشخصية والناظر الجديد.
1 - إن ناظر الوقف لا يمكنه أن يستدين على الوقف إلا بإذن من القاضي الشرعي، ولا يمكنه أيضاً بغير هذا الإذن أن يمثل جهة الوقف في الدعوى المقامة بشأن هذه الاستدانة، إذ الواجب في هذه الحالة أن يقام ناظر خصومة ليتولى المحافظة على حقوق الوقف. فإذا رفعت دعوى على شخص بصفته الشخصية وبصفته ناظراً على وقف وممثلاً له بالأصالة عن نفسه وبطريق وكالته عن ناظر آخر على نفس الوقف بأنه بصفته استدان من البنك بضمانة المدّعي مبلغاً، وحرر على نفسه سنداً مستحق السداد في تاريخ معين، ولم يقم بالسداد، وطلب المدّعي الحكم بإلزامه بصفاته كمدين أصيل بأن يدفع مبلغ الدين، فحكمت المحكمة له بما طلب ارتكاناً على سند الدين، فإن هذا الحكم لا يعتبر قائماً بالنسبة لجهة الوقف لأنها لم تمثل تمثيلاً صحيحاً لا في الاستدانة ولا أمام القضاء.
2 - وإذا تدخل من صدر له هذا الحكم على الناظر في توزيع فتح أمام المحكمة المختلطة، وطلب الناظر الجديد رفض تدخله لعدم صدور الحكم في مواجهة الوقف، ولأن الاستدانة لم يؤذن بها من القاضي الشرعي، فطلبت المحكمة إلى صاحب الحكم أن يثبت ما استفاده الوقف من الدين فعجز، فقضت برفض تدخله على اعتبار أنه لا دين له على جهة الوقف، كان لهذا القضاء حجيته بالنسبة له هو والناظر القديم بصفته الشخصية والناظر الجديد في شأن عدم صحة هذه الاستدانة.


الوقائع

تتحصل وقائع هذا الطعن - على ما جاء بالحكم المطعون فيه وما قدّمه الخصوم من المذكرات والأوراق التي كانت مقدّمة من قبل أمام محكمة الاستئناف - فيما يأتي:
بتاريخ 15 و18 و22 من أكتوبر سنة 1928 رفع عزيز خانكي بك الدعوى رقم 1704 سنة 1928 كلي مصر ضدّ (1) أنطون موصلي بصفته الشخصية وبصفته ناظراً على وقف الست هيلانة عبد المسيح وممثلاً له بالأصالة عن نفسه وبطريق وكالته عن شقيقته الست رينته سنا كونوا الناظرة معه على الوقف المذكور و(2) فيليب خوري و(3) إبراهيم حاسين و(4) حسين أمين رضوان أفندي. وقال في إعلان افتتاح الدعوى إن المدعى عليه الأول بصفته استدان من البنك البلجيكي بضمانة المدعي مبلغ 300 جنيه بتاريخ 30 مارس سنة 1928، وحرر على نفسه سنداً يستحق السداد في أول يونيه سنة 1928، وكانت هذه الاستدانة بضمانة فيليب خوري بوجه التضامن. وبتاريخ 30 من مارس سنة 1928 أحال أنطون موصلي عزيز خانكي بك على إبراهيم حاسين مستأجر أطيان الوقف ليدفع له المبلغ خصماً من أصل الإيجار المستحق عليه للوقف، وقبل إبراهيم حاسين هذه الحوالة وحل الميعاد ولم يدفع لا المدين ولا الضمان. لذا رفع المدعي الدعوى وطلب الحكم بإلزامهم الأوّل بصفته كمدين أصلي والثاني والثالث بصفتهما ضامنين متضامنين بأن يدفعوا له 300 جنيه مع الفوائد بواقع 9% من أوّل يونيه سنة 1928 لحين السداد وتثبيت الحجز التحفظي الموقع تحت يد المدعى عليه الرابع وجعله نافذاً... الخ. وبتاريخ 17 من ديسمبر سنة 1928 حكمت محكمة مصر غيابياً بإلزام المدّعى عليه الأوّل بصفته مديناً والثاني بصفته ضامناً متضامناً والثالث بصفته ضامناً بسيطاً بأن يدفعوا للمدّعي ثلثمائة جنيه والمصاريف... الخ. أراد عزيز خانكي بك تنفيذ هذا الحكم فأوقع بتاريخ 9 فبراير سنة 1929 الحجز التنفيذي تحت يد المدعى عليه الأول في الطعن (محمد محمد غنيم) أحد مستأجري أعيان الوقف ونبه عليه بأن لا يدفع للوقف قيمة المحجوز به على أساس أن الحكم صدر على جهة الوقف، ثم كلفه بأن يقرر في قلم الكتاب بما في ذمته فلم يفعل. وفي 18 مايو سنة 1930 قررت المحكمة الشرعية تعيين الطاعنين ناظرين منضمين للناظرين السابقين وأذنتهما بالانفراد في العمل.
وإذ كان للوقف وقتئذ مال مودع بخزانة محكمة مصر المختلطة دخل عزيز خانكي بك في التوزيع وطالب بنصيبه بمقتضى الحكم الصادر له في دعوى الدين وتقرر له مبلغ بقائمة التوزيع المؤقتة، ولكن الطاعنين عارضا في هذه القائمة ونظرت المعارضة أمام محكمة مصر الابتدائية المختلطة. وبتاريخ 11 فبراير سنة 1932 قضت المحكمة المذكورة باستبعاد دين عزيز خانكي بك وأسندت حكمها إلى أن هذا الدين لا يلزم الوقف لعدم صدور إذن من القاضي الشرعي بالاستدانة، وقالت إن الدين يعتبر حينئذ ديناً شخصياً حتى يقدّم الدائن الدليل على أن المبلغ المقترض عادت منه فائدة على الوقف والدائن لم يقدّم هذا الدليل. عاد عزيز خانكي بك إلى متابعة السير في إجراءات التنفيذ أمام المحاكم الأهلية فرفع بتاريخ 24 يناير سنة 1933 الدعوى رقم 661 سنة 1933 كلي مصر ضد الناظرين المنضمين (الطاعنين الآن) والمدّعى عليه الأوّل في الطعن (محمد محمد غنيم) وطلب الحكم بإلزام هذا الأخير شخصياً عملاً بالمادة 429 من قانون المرافعات أن يدفع له مبلغ 447 جنيهاً و850 مليماً والفوائد... الخ. لأنه لم يحترم الحجز الذي أوقعه تحت يده ودفع للوقف مطلوبه. وبتاريخ 17 مايو سنة 1933 حضر الطاعنان بجلسة التحضير ودفعا بأن الدين شخصي لا يتعدّى شخص الناظرين السابقين وبالتالي لا يلزم الوقف. إزاء ذلك تنازل المدّعي عن مقاضاة الناظرين المنضمين (الطاعنين) وقصر دعواه على المستأجر شخصياً. وفي 11 سبتمبر سنة 1933 حكمت المحكمة غيابياً بإلزام المستأجر بأن يدفع المبلغ المذكور وفوائده... الخ. عارض المحكوم عليه فتأيد، ثم استأنف فأيدت محكمة استئناف مصر هذا الحكم بتاريخ 17 فبراير سنة 1935 (دعوى رقم 920 سنة 51 قضائية) معتمدة في أسباب حكمها على أن حكم الدين في الدعوى رقم 1704 سنة 1928 كلي مصر صدر على جهة الوقف. وبتاريخ 23 مارس سنة 1935 رفع محمد محمد غنيم الدعوى الحالية رقم 709 سنة 1935 كلي مصر ضدّ نظار الوقف الأربعة وطلب إلزام الوقف بأن يدفع له مبلغ 447 جنيهاً و850 مليماً والفوائد... الخ. قيمة ما حكم به عليه لمصلحة عزيز خانكي بك زاعماً أنه سدّده إليه وبتسديده إليه يعتبر أنه دفع هذا المبلغ عن الوقف، وتمسك بالمستندات التي قدّمها عزيز خانكي بك في الدعوى رقم 661 سنة 1933 كلي مصر والتي يرى فيها محمد محمد غنيم الدليل على أن الدفع كان لجهة الوقف وأن الوقف استفاد من هذا الدفع. وأثناء سير هذه الدعوى استصدر محمد محمد غنيم من حضرة رئيس محكمة مصر الأهلية أمراً بتوقيع الحجز التحفظي تحت يد مستأجري أعيان الوقف، وصدر الأمر بتاريخ 24 إبريل سنة 1935. فتظلم الطاعنان من هذا الأمر وقضى رئيس المحكمة بتاريخ 11 يونيه سنة 1935 بإلغائه ورفع الحجز معتمداً في ذلك على أن الدين لا يلزم الوقف لعدم وجود إذن بالاستدانة من المحكمة الشرعية لأنه يعتبر ديناً شخصياً لا يتعدّى شخص الناظرين السابقين. وعلى الرغم من ذلك استمر محمد محمد غنيم في دعواه المذكورة (رقم 709 سنة 1935 كلي مصر). وبتاريخ 12 ديسمبر سنة 1935 حكمت المحكمة الابتدائية بطلبات المدّعي. فاستأنف الطاعنان هذا الحكم لدى محكمة استئناف مصر الأهلية، وقيد استئنافهما بجدولها برقم 489 سنة 53 قضائية، وتمسكا بأن دين عزيز خانكي بك هو دين شخصي لا يلزم الوقف لأنه لم يسبقه إذن من القاضي الشرعي بالاستدانة ولم يستفد منه الوقف، كما تمسكا بأن الحكم الذي صدر لصالح عزيز خانكي بك كان نتيجة تواطؤ بين هذا الأخير والناظرين السابقين فضلاً عن أنه حكم باطل في ذاته لعدم تمثيل الوقف تمثيلاً صحيحاً في الدعوى... الخ.
وبتاريخ 21 يناير سنة 1937 قضت تلك المحكمة بتأييد الحكم المستأنف.
أعلن هذا الحكم إلى الطاعنين في 11 من مارس سنة 1937 فطعن فيه وكيلهما بطريق النقض في 10 من إبريل سنة 1937 الخ.


المحكمة

ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه أخطأ في اعتبار الحكم الصادر في دعوى الدين رقم 1704 سنة 1928 كلي مصر حجة على الوقف قولاً بأن الوقف كان ممثلاً في هذه الدعوى مع أن الوقف لم يمثل تمثيلاً صحيحاً لتعارض مصلحته مع مصلحة الناظرين السابقين شخصياً، وكان من مقتضى هذا التعارض وجوب إقامة ناظر خصومة يتولى رعاية حقوق الوقف، فالإخلال بذلك يجعل الوقف أجنبياً عن هذا الحكم، ويكون من حق الوقف أن يوجه كل المطاعن ومنها الطعن بأن الحكم وليد التواطؤ بين الدائن والناظرين السابقين إضراراً بحق الوقف، والطعن بأن سند الدين الذي يتمسك به خانكي بك، وهو أساس هذا الحكم، لا يلزم الوقف لأنه صدر من الناظرين السابقين بغير إذن من القاضي الشرعي، وهذا الإذن جوهري وبدونه يكون الدين شخصياً لا يتعدّى المقترض (الناظرين السابقين) ما دام أن الدائن لم يستطع أن يثبت الفائدة التي استفادها الوقف.
وتمسك الطاعنان بأن الحكم الصادر من المحكمة المختلطة في قضية التوزيع بتاريخ 11 من فبراير سنة 1932 بحث في أصل الدين وقضى بأنه غير ملزم للوقف. وقد صدر هذا الحكم في وجه الدائن الأصلي (خانكي بك) وأصبح نهائياً فهو حجة عليه، ولا يصح له بعد ذلك أن يعدل عنه ويعود إلى مطالبة الوقف؛ ومحكمة الموضوع إذ قضت برفض هذا الدفع ارتكاناً على أن الناظرين المنضمين (الطاعنين) أظهرا التعنت في الحق لعدم تقديم دفاتر الوقف تكون قد أخطأت قانوناً.
ومن حيث إن أساس الدعوى الحالية - على ما جاء بإعلان صحيفة افتتاحها - هو الرجوع على الوقف بما دفعه المدعي محمد محمد غنيم إلى الدائن الأصلي (خانكي بك) تنفيذاً للحكم الصادر في الدعوى رقم 661 سنة 1933 كلي مصر على اعتبار أن أصل الدين هو إيجار أعيان الوقف وسدّده المستأجر المذكور محمد محمد غنيم إلى الوقف أوّلاً ثم عاد ودفعه ثانياً إلى خانكي بك.
ومن حيث إن المادة 163 من القانون المدني نصت على أنه "إذا دفع إنسان دين آخر بغير إرادته ثم رجع عليه فللمدين المذكور الحق في عدم قبول ما دفع عنه كله أو بعضه إذا أثبت أن مصلحته كانت تقتضي امتناعه عن الدفع للدائن الأصلي".
ومن حيث إن محمد محمد غنيم لم يدعِ أنه كان أصلاً مسئولاً مع الوقف في سند الدين حتى يجوز له أن يسدّده عنه عملاً بالمادة 162 مدني، وإنما هو يقول بأنه سدّد الدين على اعتبار أنه وإن كان أجنبياً عن الدين إلا أن له الحق قانوناً في سداده لخانكي بك عن الوقف، وعندئذٍ يكون له الرجوع على الوقف بقيمة ما سدّده.
ومن حيث إن الحق في ذلك أنه حتى مع التسليم بصحة ما يذهب إليه محمد محمد غنيم من أنه أجنبي فإن لجهة الوقف أن تدفع الدعوى بعدم قبول ما دفع عنها كله أو بعضه، وأن تثبت أن مصلحتها كانت تقتضي امتناعها عن الدفع للدائن الأصلي، وأن تتمسك على الدافع بنص المادة 163 مدني.
ومن حيث إن ما قاله الحكم المطعون فيه من أن حكم الدين الصادر في الدعوى رقم 1704 سنة 1928 كلي مصر قد حاز قوّة الشيء المحكوم به بالنسبة لجهة الوقف غير صحيح قانوناً وشرعاً، إذ هذا الحكم لا يعتبر قائماً لعدم تمثيل الوقف تمثيلاً صحيحاً، لأن ناظر الوقف لا يمكنه أن يستدين على الوقف إلا بإذن القاضي الشرعي، وكذلك لا يمكنه أن يمثل جهة الوقف في الدعوى التي تقوم بشأن هذه الاستدانة بغير إذن من القاضي الشرعي فكان ينبغي إقامة ناظر خصومة يتولى المحافظة على حقوق الوقف.
ومن حيث إن ما قرره الحكم المطعون فيه عن الحكم الصادر من المحكمة المختلطة هو أنه لم يفصل نهائياً بأن الدين شخصي إذ أنه كلف الناظرين المنضمين بتقديم دفاتر الوقف لكي يتبين منها أن الوقف استفاد أو لم يستفد فأظهر الناظران تعنتاً في الحق ولم يقدّماها. ولذلك لم يعوّل الحكم المطعون فيه على حكم المحكمة المختلطة المذكور.
وبما أن هذا الذي قرّره الحكم المطعون فيه مخالف للواقع وللقانون، لأن المحكمة المختلطة بحثت في أصل الدين وقرّرت صراحة أنه دين شخصي لا يلزم الوقف لعدم صدور إذن المحكمة الشرعية بالاستدانة واعتبرت الدائن (خانكي بك) عاجزاً عن إثبات أن هناك فائدة عادت على الوقف، فإن هناك تعنت فهو من الناظرين السابقين لأن الناظرين المنضمين قرّرا أن الدفاتر تحت يد المذكورين وهما اللذان امتنعا عن الحضور بعد صدور الحكم بتقديم الدفاتر، ولأن حكم المحكمة المختلطة صدر بعد أن مثل الوقف خير تمثيل، وصدر في مواجهة خانكي بك، ولذلك فهو حجة عليه.
ومن حيث إن هذا كله يعيب الحكم المطعون فيه عيباً جوهرياً يستوجب نقضه.
ومن حيث إن الدعوى صالحة للحكم في موضوعها وقد طلب الطاعنان ذلك.
ومن حيث إن ما تقدّم من الأسباب يقتضي القضاء بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى محمد محمد غنيم.