مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثاني (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1936م لغاية 26 أكتوبر سنة 1939م) - صـ 390

جلسة 2 يونيه سنة 1938

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وحامد فهمي بك وعلي حيدر حجازي بك وأحمد مختار بك المستشارين.

(126)
القضية رقم 33 سنة 7 القضائية

( أ ) موظف. ضابط بالجيش. تقدير سنه اعتماداً على مستخرج رسمي. ادعاؤه بأن هذا المستخرج خاص بشخص آخر يتحد معه في الاسم. لا مخالفة في ذلك للمادة 42 من قانون المعاشات العسكرية ولا لقواعد الإثبات. الفصل في هذا الادعاء. موضوعي.
(ب) موظف. ضابط بالجيش. رفعه دعوى على الحكومة لمطالبتها بتعويض عن تفويتها الترقية عليه. بيان خطأ الحكومة في تصرفها معه على هذا النحو. وجوبه. عدم بيانه. رفض.
1 - إذا ادعى ضابط أحيل إلى المعاش لبلوغه السنّ المقرّرة قانوناً محسوبة على مقتضى مستخرج رسمي من دفاتر المواليد أن هذا المستخرج ولو أن الاسم الوارد فيه يتفق مع اسمه إلا أنه يجوز أن يكون خاصاً بشخص آخر مسمى بذات الاسم، فكلفته المحكمة إثبات مدعاه فلم يفعل، فأخذت بالمستخرج مبينة الأسباب التي اعتمدت عليها في اعتباره خاصاً به هو، فإنه لا يصح الطعن في حكمها بدعوى مخالفته للمادة 42 من قانون المعاشات العسكرية التي تنص على أن تقدير السنّ يكون بمعرفة طبيبين عند عدم إمكان الحصول على شهادة الميلاد أو مستخرج رسمي من دفاتر المواليد غير قابل للطعن، ولا بمخالفته لقواعد الإثبات التي مقتضاها أن من يشهد عليه الدليل الكتابي هو المكلف بإثبات ما يخالف الوارد في هذا الدليل. على أن الفصل فيما ادعاه المدعي على الصورة المتقدّمة هو مما يتعلق بفهم الواقع في الدعوى ولا شأن لمحكمة النقض به.
2 - إذا كان موضوع الدعوى التي رفعها ضابط على الحكومة هو المطالبة بتعويض أسسه على عدم ترقيته إلى رتبة القائمقام، ومع ذلك لم يبين أن عدم ترقيته كان من جانب الحكومة من التصرفات الإدارية الخاطئة لترقيتها من دونه في فرص كانت سانحة لترقيته هو، فرفضت المحكمة دعواه، فلا تثريب عليها في ذلك.


المحكمة

وحيث إن الطعن بني على خطأ الحكم المطعون فيه في تطبيق القانون في النواحي الآتية:
(أوّلاً) لأنه اعتمد في تقدير سنّ الطاعن على مستخرج دفتر المواليد في حين أن المادة 42 من قانون المعاشات العسكرية الصادر في سنة 1930 الذي قبل الطاعن المعاملة بأحكامه تجعل تقدير السنّ بمعرفة طبيبين عند عدم إمكان الحصول على شهادة الميلاد أو مستخرج رسمي من دفاتر المواليد غير قابل للطعن.
(ثانياً) أنه قلب قواعد الإثبات إذ ألزم الطاعن، وهو ينكر كل علاقة له بمستخرج دفتر المواليد، أن يثبت أن هذا المستخرج ليس خاصاً به.
(ثالثاً) أنه لو افترض الأخذ بهذا المستخرج في تقدير سنّ الطاعن فإن الحكومة قد أبقته سنتين بعد بلوغه سنّ الإحالة إلى المعاش، فكان من حقه أن تضم له هاتان السنتان لمدّة خدمته مع ما يستحقه في خلالهما من ترقية، لا أن تقصر حقه فيهما على المرتب.
(رابعاً) أخطأ في تكييف العلاقة بين الطاعن والحكومة إذ اعتبرها علاقة قانونية تخضع للتغيير والتبديل حسبما ترى الحكومة في إصدار لوائحها في حين أن هذه العلاقة تقوم على قواعد القانون المدني.
وحيث إنه من مراجعة الحكم المطعون فيه قد تبين أنه اعتمد في تقدير سنّ الطاعن على المستخرج الرسمي الثابت به أنه من مواليد 28 أغسطس سنة 1879 والذي أودع بملف خدمته منذ سنة 1926، وأنه لذلك كان يجب أن يحال إلى المعاش عند بلوغه الثانية والخمسين في 28 أغسطس سنة 1931، وأن خطأ الحكومة في استبقائه بالخدمة فترة بعد ذلك حتى أحالته على المعاش في 6 ديسمبر سنة 1933 على أساس سنه المقدّرة بمعرفة طبيبين لا يترتب على هذا الخطأ أي حق للطاعن لا في الترقية ولا في احتساب هذه الفترة في مدّة خدمته بعد أن ردّت له الحكومة ما استقطعته من الاحتياطي. وقد تبين كذلك من الحكم المطعون فيه أنه لم يعوّل على ما ادّعاه الطاعن من إكراه أدبي بقبوله المعاملة بكادر سنة 1929.
وحيث إن اعتماد حكم محكمة الدرجة الأولى المؤيد بالحكم المطعون فيه على المستخرج الرسمي في تقدير سنّ الطاعن لا مخالفة فيه للمادة 42 من قانون المعاشات العسكرية لسنة 1930 إذ أثبت الحكم أنه عند صدور هذا القانون كانت سنّ الطاعن معتمدة من قبل على أساس قانون معاشات سنة 1913 بقيام الحكومة بتسوية مدّة خدمته لغاية سنة 1926 وإيداعها هذه التسوية بملف خدمته في تلك السنة فقال في ذلك "... إذ المستخرج مودع بملف الخدمة من سنة 1926 والتسوية أجرتها وزارة المالية على قانون معاشات سنة 1913 في أكتوبر سنة 1926 وحررت بها كشفاً مفصلاً مودعاً بملف الخدمة وأخذت في هذه التسوية بتاريخ ميلاد المدّعي المبين بدفتر المواليد".
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد ذكر الدلائل التي عوّل عليها في الأخذ بالمستخرج الرسمي المذكور في تقدير سنّ الطاعن باعتباره خاصاً به. فادّعاء الطاعن بجواز أن يكون هذا المستخرج خاصاً بشخص آخر اسمه مثل اسمه، وأن المحكمة قد ألزمته هو بإثبات ذلك، وأن في تكليفه بالإثبات على هذا النحو قلباً لعبء الإثبات - ما ادّعاه من ذلك متعلق بفهم الواقع في الدعوى ولا خطأ فيه من جهة القانون.
وحيث إن الحكم المستأنف قد بين خطأ ما ادّعاه الطاعن من حقه في الترقية في خلال السنتين اللتين أبقته فيهما الحكومة في الخدمة، وما ادّعاه من حقه في ضم هاتين السنتين لمدّة خدمته فقال: "وحيث إن ما يقوله المدّعي ضمناً بمذكراته من أنه يستفيد من خطأ الوزارة استناداً إلى أنه قام بأعباء العمل في المدّة التالية لتاريخ بلوغه السنّ المحدّدة للإحالة إلى المعاش إلى تاريخ الإحالة فعلاً، وأخذ على عاتقه تكاليفه، ادعاء قد يدل ظاهره على جدّيته إلا أنه بعد قليل من التبصر في الأمر يتبين أنه بعيد عن الصواب، إذ أن المدّعي لم يقم بما قام به مجاناً بل حصل على راتبه كاملاً بغير استقطاع شيء منه مقابل ذلك فلا سبيل إلى التظلم من استبقائه في الخدمة هذه المدّة، لأنه استفاد بما لم يتسنّ لغيره أن يحصل عليه لو لم يقع من الوزارة ما وقع منها من الخطأ وعدم التنبه إلى مراجعة الأوراق الرسمية. أما أن يعيب عليها أنها صرفت له هذه الاستقطاعات بعد فوات المواعيد الرسمية المبينة بقانون المعاشات فهذا الافتئات على القانون إنما ارتكب إنصافاً له، فإن صح لمتظلم أن يتظلم من هذا التصرف فهي خزانة المالية لا المدّعي. وحيث إنه يستخلص مما تقدّم أن المدّعي كان يجب إحالته إلى المعاش في 28 أغسطس سنة 1931 أي في تاريخ سابق على التاريخ الذي يدعي فيه استحقاقه للترقية إلى رتبة القائمقام. وبذلك ينهار الأساس الأوّل الذي بنى عليه دعواه". وما ذكره الحكم في ذلك لا خطأ فيه. كما أن الحكم لم يخطئ في بيان ما بين الموظف والحكومة من علاقة إذ قال: "وحيث إن سند المدّعي الثاني وهو استحقاقه للترقية في أوّل يوليه سنة 1932 على زعمه يرجع إلى حقوق مكتسبة له منذ سنة 1925 لا أساس له، لأن العلاقة بين المدّعي ووزارة الداخلية سوّيت بعمل كادر جديد لضباط الجيش الذين ألحقوا بخدمتها بمقتضى قرار سنة 1929 الذي قبله المدّعي قبولاً صريحاً في 9 مارس سنة 1929 إلا أن المدّعي يطعن على هذا القبول الصادر منه ويقول إنه صدر عن غير رضاء صحيح، لأن القرار تضمن تخييره بين أمرين كلاهما ضارّ بحقوقه، فاختار أخف الضررين، ويزعم أن التخيير كان في الواقع وهماً، ويكيف العلاقة القانونية بينه وبين وزارة الداخلية بأنها علاقة تعاقدية. على أن هذا التكييف الذي بني عليه البحث في الرضاء الصحيح من عدمه تكييف خاطئ لأن علاقة الموظف بالحكومة هي علاقة قانونية تخضع للأصول المعروفة في القانون العام وللأحكام المقرّرة بالقوانين واللوائح الإدارية، لا على اعتبار هذه العلاقة نتيجة لعقد استئجار، بل هي علاقة تحتمها أصول ملحوظ فيها قبل كل شيء المصلحة العامة. ولهذا لا يعتبر قبول المدّعي لقرار سنة 1929 السالف الذكر قبولاً مشوباً بعدم الرضاء الصحيح لأنه واجب مقدّس على الحكومة في جميع قوانينها وقراراتها مراعاة تقديم المصلحة العامة على مصلحة الأفراد، ومفروض في الموظف الذي قبل تكاليف الخدمة أن يقدّس هذا الواجب أيضاً. فإذا ما قبل القرار السالف الذكر بفرض أنه منقص لحقوق أكسبها له قانون سابق فلا يعدّ أن قبوله مشوب بعدم الرضا. على أنه لم تكن هناك حقوق مكتسبة ضاعت على المدّعي، ولم تكن هناك رتبة حل ميعادها وحرم منها، بل ظاهر من كتاب وزارة الحربية المؤرّخ في 4 أغسطس سنة 1932 أن المدّعي لم يحل دوره بعد في الترقية. هذا فضلاً عن أن الترقية ليست حقاً مكتسباً ولا أمراً محتماً تلزم به الوزارة إذا ما حل ميعادها المحدّد، بل هناك اعتبارات أخرى تنبني عليها الجدارة والاستحقاق للترقية متروك أمر البحث فيها لرؤساء الموظف وحده".
وحيث إنه متى لوحظ أن الطاعن رفع هذه الدوى على الحكومة لمطالبتها بتعويض لعدم ترقيته إلى رتبة القائمقام وما بعدها، ومتى لوحظ أيضاً أن الطاعن لم يبين لا أمام محكمة الموضوع ولا أمام هذه المحكمة أن تصرف الحكومة معه بعدم ترقيته كان تصرفاً إدارياً خاطئاً بترقية غيره دونه في الفرص التي سنحت للترقية إن كان قد سنح منها فرصة مع وجوب أهمية ذلك وطرحه على محكمة الموضوع، فإنه يتعين رفض الطعن.