مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثاني (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1936م لغاية 26 أكتوبر سنة 1939م) - صـ 407

جلسة 20 أكتوبر سنة 1938

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: حامد فهمي بك وعبد الفتاح السيد بك وعلي حيدر حجازي بك وأحمد مختار بك المستشارين.

(136)
القضية رقم 35 سنة 8 القضائية

وضع يد. أركانه. شرائطه. بيان الوقائع المثبتة لوضع اليد أو النافية له. وجوبه. (المواد 76 و77 و81 مدني)
يجب على القاضي في ادعاء التملك بالتقادم أو دعوى منع التعرّض أن يعرض في حكمه لأركان وضع اليد المكسب للملك فيبين بما فيه الكفاية الوقائع التي تثبت هذه الأركان أو تنفيها، وذلك ليتسنى لمحكمة النقض أن تراقبه. فإذا هو لم يفعل تعين نقض حكمه لقصور أسبابه(1).


الوقائع

تتضمن وقائع الدعوى - على ما جاء بالحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه بأسبابه - أن الست زبيدة مصطفى العطار عن نفسها وبصفتها وصية على ولدها القاصر إبراهيم طه عبد السلام والست آمنة محمد برغوت والست أمونة طه عبد السلام من أهالي بور سعيد رفعن على صالح عبد الرحمن عسل وأختيه السيدتين جليلة وتفيدة عبد الرحمن عسل ومحمد أحمد الحبال أفندي من أهالي بور سعيد أيضاً دعوى أمام محكمة الزقازيق الابتدائية قيدت بجدولها برقم 237 سنة 1936 ادعين فيها أن مورّثهن طه عبد السلام اشترى من ورثة المرحوم عبد الرحمن عسل وهم: صالح وتفيدة وجليلة وعبده وعثمان والسيدة زينب إبراهيم والسيدة العصفورية منزلاً ببور سعيد بعقود عرفية في سنة 1902 و1903 و1905 و1910 و1911 وأنه عند وفاته في سنة 1932 كان مالكاً للمنزل كله فانتقل ملكه بوفاته إلى ورثته وحصة المدعيات فيه 2/1 13 قيراطاً من أربعة وعشرين قيراطاً. وقلن إن الثلاثة الأوّلين من المدعى عليهم قد باعوا إلى المدّعى عليه الرابع محمد أحمد الحبال أفندي (الطاعن) المنزل المذكور جميعه بعقد مؤرّخ في 6 من مايو سنة 1936، ومسجل في 13 من مايو سنة 1936 مع سبق شراء مورّثهن إياه ومضى أكثر من خمس عشرة سنة على شرائه، ولذلك طلبن الحكم ببطلان عقد البيع المذكور ومحو تسجيله واعتباره كأن لم يكن بالنسبة لأنصبائهن وقدرها 2/1 13 قيراطاً في المنزل المذكور وتثبيت ملكيتهنّ لهذا القدر مع المصاريف والأتعاب بحكم مشمول بالنفاذ المؤقت. وأجاب المدعى عليهم الثلاثة الأوّلون (صالح وتفيدة وجليلة أولاد عبد الرحمن عسل) بأنهم لا يعلمون بالبيع الصادر للمدعى عليه الأخير (الطاعن) من وكيلهم محمود يوسف حرارة المسجل في 13 من مايو سنة 1936، وأنهم قد باعوا حصصهم في المنزل من قبل لطه عبد السلام مورّث المدعيات. وأجاب المدعى عليه الأخير (الطاعن) أن عقود الشراء التي تمسك بها المدّعيات هي عقود عرفية ليست ثابتة التاريخ ولا مسجلة، فهي بطبيعتها هذه لا تنقل ملكاً ولا ترجح كفتها كفة عقده المسجل، وزيادة على ذلك فإن من هذه العقود ما هو مصطنع حديثاً خدمة للدعوى، وإن من الورثة المنسوب لهم توقيعها من توفي قبل تحريرها. وقد ردت المدّعيات على هذه الإجابة بأن مورثهنّ قد تملك المنزل كله بوضع اليد المدة الطويلة. وردّ المدعى عليه الأخير على هذا الادعاء بأن ذلك المورّث كان وصياً على أولاد عبد الرحمن عسل القصر، وأن وضع يده - إن كان - لا يؤدي إلى اكتساب الملك.
وبتاريخ 21 من يناير سنة 1937 حكمت المحكمة الابتدائية حضورياً ببطلان عقد البيع الصادر من المدعى عليهم الثلاثة الأوّلين إلى المدعى عليه الرابع بتاريخ 6 من مايو سنة 1936 المسجل في 13 من مايو سنة 1936 تحت رقم 172 بور سعيد ومحو التسجيل الموقع بسببه واعتباره كأن لم يكن بالنسبة لنصيب المدّعيات البالغ قدره 2/1 13 قيراطاً من 24 قيراطاً وتثبيت ملكية المدّعيات للقدر المذكور ومنع تعرّض المدعى عليهم لهن فيه مع إلزامهم بالمصاريف و200 قرش أتعاب محاماة.
فاستأنف المدعى عليه الأخير (الطاعن) هذا الحكم لدى محكمة استئناف مصر طالباً إلغاءه ورفض الدعوى مع إلزام المدّعيات بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين. وقيد هذا الاستئناف بجدول المحكمة برقم 720 سنة 54 قضائية.
وبتاريخ 13 من يناير سنة 1938 حكمت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف وبالمصاريف و200 قرش مقابل أتعاب المحاماة للثلاثة الأول من المستأنف عليهم.
وقد أعلن هذا الحكم إلى الطاعن في 16 من مارس سنة 1938 فطعن فيه وكيله بطريق النقض في 12 من إبريل سنة 1938 بتقرير أعلن إلى المدعى عليهنّ في 18 من ذلك الشهر. وقدّم الطاعن أوراقه ومستنداته في 26 من الشهر المذكور، ولم يقدّم المدعى عليهنّ في الطعن شيئاً، وقدّمت النيابة مذكرة برأيها في 6 من يونيه سنة 1938.
وبجلسة اليوم التي حدّدت لنظر هذا الطعن سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة. وبعد المداولة صدر الحكم الآتي:


المحكمة

ومن حيث إن مبنى الطعن أن محكمة الاستئناف حين حكمت بتأييد الحكم الابتدائي القاضي ببطلان عقد البيع الصادر للطاعن من صالح وتفيدة وجليلة أولاد عبد الرحمن عسل المؤرّخ في 6 من مايو سنة 1936 المسجل في 13 من مايو سنة 1936 وتثبيت ملكية المدّعيات أصلاً (المدّعى عليهنّ في الطعن) إلى 2/1 13 قيراطاً من أربعة وعشرين قيراطاً في المنزل المبيع إلى آخر الحكم على الرغم من انحصار النزاع أمام محكمة الاستئناف وأمام المحكمة الابتدائية فيما إذا كانت عقود شراء المنزل العرفية غير المسجلة المقدّمة من المدّعيات الصادرة لمورّثهن طه عبد السلام من ورثة عبد الرحمن عسل يمكن اعتبارها صالحة لنقل ملك المنزل المبيع لمورّثهنّ في حق الطاعن، وفيما إذا كان وضع يد هذا المورّث الذي كان وصياً على أولاد عبد الرحمن عسل القصر على المنزل يصح اعتباره سبباً لتملكه إياه بوضع اليد المدّة الطويلة - إن محكمة الاستئناف حين حكمت بالتأييد على الرغم من ذلك قد أخطأت في تطبيق القانون ووقع حكمها باطلاً لقصور أسبابه عما يجب تدوينه به من الأسباب الواقعية الواجب اشتماله عليها.
وحيث إن الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه بأسبابه بعد أن بين وقائع الدعوى على ما سبق ذكره بصدر حكم هذه المحكمة، وبعد أن ذكر أن المنزل المتنازع فيه كان مملوكاً أصلاً لعبد الرحمن عسل وأنه توفي في 27 من يناير سنة 1901 عن أولاد قصرهم تفيدة وجليلة وعبده ولبيبة وعن زوجتيه زينب وسيدة وعن أولاد بلغ هم: سيدة وعثمان وصالح، وأن المجلس الحسبي أقام طه عبد السلام وصياً على القصر، وأن عقوداً عرفية صدرت لطه عبد السلام المذكور من الورثة ببيع المنزل، وبعد أن ذكر تاريخ كل عقد واسم من صدر منه العقد وأن آخر العقود عقد صادر في 19 من نوفمبر سنة 1911 من جليلة وتفيدة وصالح أولاد عبد الرحمن عسل وزينب والسيدة زوجتيه - بعد أن بين ذلك الحكم الابتدائي قال: "وحيث إنه واضح من المستندات أيضاً أن طه عبد السلام كان يضع اليد على المنزل وقد دفع في 24 فبراير سنة 1926 مبلغ 30 جنيهاً للمقاول عبده محمد الديك لتوصيله للمجاري. وحيث إن المدعى عليه الرابع يطعن على عقود مورّث المدّعين بأنها صدرت من قصر وغير مسجلة، وأن عقده مسجل فهو أولى بالاحترام، وأن العقود المقدّمة من المدعين عليها توقيع بعض المتوفين في تواريخ لاحقة لتواريخ وفاتهم". ثم قال: "وحيث إن عقود البيع المارّ ذكرها كلها ذات تاريخ ثابت بوفاة بعض الموقعين عليها قبل سنة 1923 كما هو مسلم بين الطرفين فهي ناقلة للملك. وتأيدت هذه العقود بوضع اليد المدّة الطويلة القانونية المكسبة للملكية فأصبحت ملكية المرحوم طه عبد السلام لما اشتراه بالعقود المتقدّمة لا نزاع فيها في حق الكافة. وحيث إن القول بأن البيع الذي صدر للمورّث صادر بعضه من قصر فهو قول على فرض صحته - إذ لم يتقدّم أي دليل على أن القصر الذين تحت وصاية طه عبد السلام كانوا لا يزالون قصراً عند صدور العقود منهم - فعلى فرض صحة ذلك القول فهو لا يستحق التفاتاً، لأن من المسلم به قانوناً أنه لا يباح الطعن في البيع الذي يصدر من قاصر إلا له بعد بلوغه سنّ الرشد إذ له وحده إجازته أو الطعن فيه عند البلوغ". ثم ردّ الحكم على ما قيل من الطاعن من أن عقده المسجل يعطيه الأولوية على خصومه فقال: "إن الثابت مما تقدّم أن طه عبد السلام تملك المنزل وخرج من ورثة المرحوم عبد الرحمن عسل بالبيع ووضع اليد المدّة الطويلة المكسبة للملكية فلا يملك المدّعى عليهم الثلاثة الأوّلون في المنزل شيئاً يبيعه وكيلهم للمدّعى عليه الرابع (الطاعن)". ثم بعد أن استظهر الحكم سوء نية الطاعن قال: "وحيث إنه بعد أن ظهر أن المبيع مملوك لطه عبد السلام لا ينازعه فيه أحد، وأن عدم تسجيل العقود لا يشوب تلك الملكية الثابتة قبل صدور قانون التسجيل (رقم 18 لسنة 1923) ترى المحكمة أن طلبات المدّعين في هذه الدعوى هي طلبات حقة... ...".
وحيث إنه يبين مما تقدّم أن المحكمة الابتدائية اعتمدت في قضائها بأيلولة الملك في المنزل المتنازع عليه لطه عبد السلام مورّث المدّعيات على عقود الشراء العرفية غير المسجلة الصادرة له من ورثة عبد الرحمن عسل، ثم على وضع يده المدّة الطويلة المكسبة للملك فقالت "إن تلك العقود كلها ذات تاريخ ثابت فهي ناقلة للملك، وعدم تسجيلها لا يشوب تلك الملكية الثابتة لصاحبها قبل صدور قانون التسجيل". ثم قالت بخصوص وضع اليد المدّة الطويلة "إنه واضح من المستندات أن طه عبد السلام كان يضع اليد على المنزل...".
وحيث إنه بصرف النظر عما ادعاه الطاعن من أن تلك المحكمة قد اعتبرته مسلماً بثبوت تاريخ تلك العقود لوفاة بعض الموقعين عليها مع أن منازعته في ذلك واضحة في ذات الحكم حيث جاء فيه أن المدّعى عليه الرابع (الطاعن) يطعن عليها... ... وأن عليها توقيع بعض المتوفين في تواريخ لاحقة لتاريخ وفاتهم - بصرف النظر عن ذلك وعما ادعاه من أن هذا يفسد الحكم لقيامه حينئذ على دليل غير قائم، فإن المادة الرابعة عشرة من قانون التسجيل قد نصت على عدم سريانه على المحرّرات التي ثبت تاريخها رسمياً قبل تاريخ العمل به، وعلى أنها تظل خاضعة من حيث الآثار التي تترتب عليها لأحكام القوانين التي كانت سارية عليها، والمادة 611 من القانون المدني كانت تنص على أن نقل الحقوق بين الأحياء الآيلة من عقود انتقال الملكية العينية العقارية تثبت في حق غير المتعاقدين ممن يدعي حقاً عينياً بتسجيل تلك العقود. فسواء إذن أكانت تلك العقود المقدّمة من المدعيات ثابتة التاريخ حقيقة بوفاة بعض الموقعين عليها قبل صدور قانون التسجيل أم لم تكن كذلك فإنها في حكم القانون لا يصح اعتبارها ناقلة للملك في حق غير المتعاقدين ممن يكون قد حفظ حقه العيني بتسجيله وفق أحكام القانون المدني أو قانون التسجيل (يراجع حكم هذه المحكمة الصادر في 21 من مايو سنة 1936 في الطعن رقم 10 سنة 6 قضائية).
وحيث إن الطاعن لعلى حق فيما عاب به على ذلك الحكم الابتدائي من قصور أسبابه عن تبيان أركان وضع اليد المكسب للملك وشرائطه من وجود عقار قابل للتملك بمضي المدّة في تصرف واضع يد تصرف المالك في ملكه ظاهراً بنفسه أو بوكيل عنه بغير نزاع ومستمراً بغير انقطاع المدّة القانونية المكسبة للملك. ولهذه الأركان والشروط وما يلحقها من الخصائص معانٍ قانونية معروفة يجب على قاضي الموضوع التحقق من توافرها في دعوى التملك بالتقادم أو في دعوى منع التعرّض. ولهذا يتعين نقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة استئناف مصر لتفصل فيها دائرة أخرى من جديد.


(1) يراجع في موضوع التكييف في وضع اليد المكسب للملك بالتقادم كتاب النقض في المواد المدنية والتجارية لمؤلفيه العالم الفقيه حامد فهمي بك المستشار بمحكمة النقض والإبرام والدكتور محمد حامد فهمي أستاذ قانون المرافعات بكلية الحقوق المصرية البند 75 بالصفحات من 228 إلى 233.