مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثاني (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1936م لغاية 26 أكتوبر سنة 1939م) - صـ 485

جلسة 26 يناير سنة 1939

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وحامد فهمي بك وأحمد مختار بك ونجيب مرقس بك المستشارين.

(161)
القضية رقم 74 سنة 8 القضائية

حكر. الزيادة في مربوط الحكر. الدعوى بها. تقديرها كتقدير الدعوى بأصل الحكر. اعتبارها دعوى بإيراد مؤبد. تقديرها على حساب كل سبعة بمقام مائة. (المادة 346 مرافعات)
الدعوى بطلب الزيادة في مربوط الحكر كالدعوى بأصل الحكر تقدّر على اعتبارها دعوى بإيراد مؤبد فتحتسب فيها كل سبعة بمقام مائة. وذلك لأنها في الواقع تتضمن تعديل النسبة بين مقدار ما كان قد ربط من الحكر وقيمة الأرض المحكرة وقت إنشاء الحكر وما تكون عليه هذه النسبة بينهما وقت المطالبة بالزيادة؛ فهي دعوى ينطوي فيها بحث ماهية الاستحكار وأثر تغير صقع الأرض المحكرة في قيمة الحكر المقدّر، وأثر فعل المستحكر في تحسين الصقع، مما هو في صميم الحكر ومرتبط بأصله.


الوقائع

تتلخص وقائع هذه الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه والحكم الابتدائي وسائر المستندات المودعة وكانت من قبل مقدّمة من طرفي الخصومة لمحكمة الاستئناف - في أن لوقف تكية المولوية المتنظرة عليه وزارة الأوقاف قطعة أرض محكرة لوقف خديجة كريمة علي توفيق بك المتنظر عليه صالح حلمي الملاح بك المدعى عليه في الطعن، وكانت قيمة الحكر 3 جنيهات و610 مليمات في السنة. وبتاريخ أوّل ديسمبر سنة 1935 قررت وزارة الأوقاف بناءً على محضر تثمين لجنة الأراضي المحكورة المؤرّخ في 13 من نوفمبر سنة 1935 رفع تلك القيمة إلى 13 جنيهاً و737 مليماً وأبلغ هذا القرار للمدعى عليه في الطعن فتظلم منه للوزارة بخطاب مؤرّخ في 24 من يونيه سنة 1936. وفي 26 من أكتوبر سنة 1936 رفعت عليه الوزارة أمام محكمة مصر الابتدائية الدعوى رقم 111 كلي سنة 1937 وذكرت في صحيفتها أن المدعى عليه قد تأخر في دفع حكر سنة 1935 وأنه نظراً لتغير الحكر بتغير الزمان والمكان فقد قدّر قومسيون الوزارة بتاريخ 13 من نوفمبر سنة 1935 الحكر بمبلغ 13 جنيهاً و737 مليماً سنوياً ابتداءً من سنة 1936. ولما كان التأخير في السداد يوجب الفسخ والإزالة فهي تطلب الحكم بإلزام المدعى عليه بصفته بأن يدفع لها مبلغ 3 جنيهات و610 مليماً قيمة حكر سنة 1935 وما يستجد من أوّل سنة 1936 بواقع الحكر السنوي 13 جنيهاً و737 مليماً حتى الإزالة وفسخ عقد التحكير وإزالة ما على العين المحكورة من مبانٍ وغيرها في مدى 15 يوماً من تاريخ الحكم، وإلا فإن الوزارة تزيلها بمصاريف ترجع بها عليه مع القضاء بمصاريف الدعوى وأتعاب المحاماة والأمر بالنفاذ العاجل بلا كفالة.
وعند نظر هذه الدعوى دفع صالح حلمي الملاح بك بعدم اختصاص المحكمة الكلية بنظرها لأن المختص هي محكمة السيدة الجزئية، ثم سدّد في المحكمة حكر سنة 1935. وطلب الحاضر عن وزارة الأوقاف رفض الدفع، واستمسك بأن قيمة الحكر هي من الإيرادات المؤبدة، وحكم تقدير الدعاوى بشأنها يرجع إلى القواعد المنصوص عنها في المادة 346 من قانون المرافعات. ومحكمة مصر الابتدائية أخذت بدفع المدّعى عليه وقضت بتاريخ 19 من إبريل سنة 1937 بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، وألزمت وزارة الأوقاف بالمصاريف وبمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة لصالح حلمي الملاح بك. فاستأنفت الوزارة هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر بعريضة أعلنتها للمدّعى عليه في 18 من أغسطس سنة 1937 وقيدتها تحت رقم 817 سنة 54 قضائية طالبة للأسباب التي أوردتها الحكم بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع إلغاء الحكم المستأنف واختصاص محكمة مصر الابتدائية بنظر الدعوى وإعادة القضية إليها للفصل في الموضوع مع إلزام المدّعى عليه بالمصاريف وأتعاب الدرجتين.
وبعد تحضير الدعوى أمام محكمة استئناف مصر صدر حكم تلك المحكمة في 17 من إبريل سنة 1938 بقبول الاستئناف شكلاً ورفضه موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف، وألزمت وزارة الأوقاف بمصاريف ثاني درجة وبثلثمائة قرش أتعاباً للمحاماة عنها. وجاء في أسباب هذا الحكم أن محكمة الاستئناف تأخذ في قضائها بأسباب الحكم الابتدائي.
أعلن الحكم الاستئنافي لوزارة الأوقاف في 30 من يونيه سنة 1938، فطعن فيه محامي تلك الوزارة بطريق النقض في 27 من يوليه سنة 1938 بتقرير أعلن للمدّعى عليه في أوّل أغسطس سنة 1938 الخ.


المحكمة

وبما أن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه بتأييده الحكم الابتدائي أخذاً بأسبابه قد خالف القانون. فقد قضي ذلك الحكم المؤيد بعدم اختصاص المحكمة الابتدائية بنظر الدعوى على أساس أنها دعوى مطالبة بمتأخر الحكر ومقداره، وأن مثلها يكون خاضعاً لقواعد القانون الخاصة بدعاوى الإيجار فيما يتعلق بقيمتها من حيث الاختصاص وقبول الاستئناف. وذلك لأن النزاع في مقدار قيمة الحكر المتأخر وما يستجد منه هو نزاع في الأجرة.
وتقول الطاعنة إن هذا النظر الذي أخذت به محكمة أول درجة وأيدتها فيه محكمة الاستئناف مخالف للقانون، إذ الواقع أن دعوى زيادة الحكر وطلب تصقيعه التي رفعتها على المدعى عليه هي دعوى متعلقة بترتيب إيراد مؤبد، فقيمتها تقدّر باعتبار كل سبعة منها في مقام مائة طبقاً لما تقضي به المادة 346 من قانون المرافعات. والتقدير على هذا الأساس يصل بقيمتها إلى 199 جنيهاً و852 مليماً، فهي إذن دعوى كلية والحكم بعدم اختصاص المحكمة الابتدائية بنظرها هو حكم مخالف للقانون.
هذا هو مبنى الطعن المقدّم.
وبما أن الدعوى رفعت أصلاً من وزارة الأوقاف بمتأخر الحكر القديم عن سنة 1935 وبما يستجد بعد هذه السنة على اعتبار أن الحكر السنوي هو 13 جنيهاً و737 مليماً طبقاً لتقدير قومسيون الوزارة الحاصل في 13 من نوفمبر سنة 1935. وكان دفاع المدعى عليه بعد أن سدّد في الجلسة حكر سنة 1935 المتأخر عليه أن نصاب الدعوى من اختصاص المحكمة الجزئية، لأن النزاع في قيمة الحكر هو كالنزاع في قيمة الأجرة، وهو بمقداره المطلوب الحكم به لا يزيد عن مائة وخمسين جنيهاً مصرياً في السنة، فالمحكمة الابتدائية ليست إذن مختصة بنظر هذا النزاع.
وبما أن الحكم المطعون فيه بتأييده حكم محكمة أول درجة الذي قبل هذا الدفع وقضى بعدم اختصاص المحكمة الابتدائية قد أخطأ في القانون فقد اعتمد في قضائه على أن النزاع في قيمة الحكر لا يمس أصله فهو إذن سواء مع النزاع في الإيجار.
وبما أن هذا النظر غير سليم، فإن دعوى الزيادة في مربوط الحكر تتضمن في الواقع تعديل ما كان من نسبة بين مقدار ما ربط منه وقيمة الأرض المحكرة وقت إنشاء الحكر وبين ما عساه تكون عليه هذه النسبة بينهما وقت طلب الزيادة، فهي دعوى يندمج في ثناياها بحث ماهية الاستحكار وأثر تغير صقع الأرض المحكرة على قيمة الحكر المقدّر، وكذلك أثر فعل المستحكر في تحسين الصقع، وكل هذا في صميم عقد الحكر ومرتبط بأصله، فيتعين إذن أن يكون تقدير هذه الدعوى كتقدير دعوى أصل الحكر، أي باعتبارها دعوى بإيراد مؤبد فتحتسب كل سبعة بمقام مائة.
وبما أن قيمة الحكر الجديد المطالب به المدعى عليه ابتداءً من سنة 1936 هو 13 جنيهاً و737 مليماً إذا قدّرت السبعة منه في مقام مائة تتعدّى القيمة نصاب المحكمة الجزئية مع ملاحظة أن التقدير يجب أن يكون على أساس الحكر الجديد المطلوب الحكم به لا على أساس قيمة الزيادة وحدها.
وبما أنه يبين مما تقدّم أن الحكم المطعون فيه القاضي بقبول دفع المدعى عليه في الطعن واجب نقضه والحكم باختصاص المحكمة الابتدائية بنظر الدعوى.
وبما أن هذه المحكمة لا ترى القضاء للطاعنة بمقابل أتعاب المحاماة فإنها لم تجل وجوه الطعن من كل النواحي التي كان يجب أن تجلوها.