مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثاني (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1936م لغاية 26 أكتوبر سنة 1939م) - صـ 522

جلسة 23 فبراير سنة 1939

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وحامد فهمي بك وأحمد مختار بك ونجيب مرقس بك المستشارين.

(168)
القضية رقم 75 سنة 7 القضائية

دعوى صحة تعاقد. تسجيل عريضتها. أثره. (القانون رقم 18 لسنة 1923)
إن دعوى صحة التعاقد هي من دعاوى الاستحقاق الوارد ذكرها في المادة السابعة من قانون التسجيل. فتسجيل عريضتها يحفظ لرافعها حقوقه من تاريخ حصوله بحيث إنه متى حكم له فيها بطلباته وتأشر بهذا الحكم طبقاً للقانون فإن الحق الذي قرّره الحكم ينسحب إلى يوم تسجيل العريضة دون أن يتأثر بما يصدر بعد ذلك عن البائع من تصرفات.


الوقائع

تتلخص وقائع هذه الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه ومن سائر المستندات المقدّمة لهذه المحكمة وكانت مقدّمة من قبل لمحكمة الاستئناف - في أن الطاعنين محمد طنطاوي طنطاوي سراج الدين وعلي طنطاوي طنطاوي سراج الدين اشتريا بموجب عقد ابتدائي تاريخه 14 من أكتوبر سنة 1935 من عبيد جندي النمير أفندي 3 فدادين و16 قيراطاً و14 سهماً بثمن قدره 437 جنيهاً دفعا له منه عند التعاقد 136 جنيهاً، وتعهدا بدفع الباقي على ثلاثة أقساط: أوّلها ومقداره 14 جنيهاً يدفع في آخر نوفمبر سنة 1935، والثاني ومقداره 50 جنيهاً يدفع في آخر يناير سنة 1936، والثالث ومقداره 237 جنيهاً يدفع في 14 أكتوبر سنة 1936. وتعهد البائع بتحرير عقد البيع النهائي عند قبضه جميع الثمن وبشطب ما للبنك العقاري من التسجيلات على الأطيان المبيعة كما قرّر بأحقية المشتريين بالانتفاع بالعين المبيعة من أوّل نوفمبر سنة 1935.
ولما أراد المشتريان وضع يدهما على الأطيان المبيعة والانتفاع بها وجداها مؤجرة من البائع إلى عبد الواحد عبد الوهاب وعابد سعيد، فأنذرا البائع بتاريخ 14 من نوفمبر سنة 1935 بأن يسلمهما الأطيان للانتفاع بها ونبها عليه أيضاً بأن يسدّد دين البنك العقاري قبل حلول القسط الأخير.
وفي 26 من يناير سنة 1936 شطب البنك العقاري تسجيله.
وفي 9 من مارس سنة 1936 أنذر البائع المشتريين بأن يدفعا له مبلغ 64 جنيهاً قيمة القسطين الأوّل والثاني من الثمن وأبدى استعداداً لتسليمهما عقود الإيجار التي أجر بموجبها الأطيان المبيعة.
عقب ذلك علم المشتريان بأن البائع آخذ في الاتفاق مع خليل أحمد شبيطة على أن يبيعه هذه الأطيان فأنذرا الاثنين هما ومصلحة المساحة في 2 إبريل سنة 1936 مستمسكين بالعقد الصادر لهما ومحتجين على البائع بعدم تمكينهما من الانتفاع بالعين المبيعة ومحذرين الجميع من إجراء أو قبول أي تعاقد آخر في شأن هذه الأطيان.
وفي 5 من إبريل سنة 1936 رفع المشتريان (الطاعنان) الدعوى رقم 751 كلي سنة 1936 أمام محكمة مصر الابتدائية ضدّ عبيد جندي النمير أفندي (المدّعى عليه الأوّل في الطعن) وقالا في عريضتها إنهما اشتريا منه 3 فدادين و16 قيراطاً و14 سهماً بينا حدودها بموجب عقد مؤرّخ في 14 من أكتوبر سنة 1935 "وإنه يهمهما الحصول على سند ناقل للملكية وفقاً لقانون التسجيل الحديث، والمعلن إليه ممتنع عن التوقيع ويتذرّع بأوهى الأسباب فراراً من ذلك، ولا سبيل إلى الوصول لهذه الغاية إلا برفع دعوى صحة التوقيع، وطلبا الحكم بصحة توقيعه، وسجلا هذه العريضة بقلم تسجيل محكمة مصر المختلطة في 15 من إبريل سنة 1936. وحدّد لنظر هذه الدعوى يوم 6 من مايو سنة 1936 أمام قاضي التحضير، ولكن عبيد جندي النمير أفندي أسرع وباع هذه الأطيان مع أطيان أخرى إلى خليل أحمد شبيطة بموجب عقد تاريخه 22 من إبريل سنة 1936 سجل في 7 من مايو سنة 1936".
وفي 6 من يوليه سنة 1936 عرض الطاعنان على عبيد جندي النمير أفندي مبلغ 64 جنيهاً على شرط تحرير العقد النهائي فامتنع عن قبوله محتجاً بأنه تصرف بالبيع في هذه الأطيان. فأودع الطاعنان هذا المبلغ بخزانة المحكمة وعدّلا طلباتهما في الدعوى المرفوعة منهما بأن أدخلا فيها خليل أحمد شبيطة، وطلبا الحكم بصحة التعاقد الصادر إليهما من عبيد جندي النمير أفندي ونفاذه وبفسخ عقد البيع الصادر منه لخليل أحمد شبيطة عن ذات الأطيان المؤرّخ في 22 من إبريل سنة 1936 ومسجل في 7 من مايو سنة 1936 ومحو التسجيلات التي وقعت بموجبه وإلزامها بالمصاريف والأتعاب مع النفاذ.
وفي 2 من نوفمبر سنة 1936 عرض الطاعنان على عبيد جندي النمير أفندي القسط الأخير من الثمن ومقداره 237 جنيهاً عرضاً حقيقياً ثم أودعاه بخزانة المحكمة في 5 من نوفمبر سنة 1936
وبتاريخ 28 من نوفمبر سنة 1936 حكمت محكمة مصر الابتدائية حضورياً: (أوّلاً) بصحة ونفاذ عقد البيع العرفي المؤرّخ في 14 من أكتوبر سنة 1935 الصادر من المدّعى عليه الأوّل (عبيد جندي النمير أفندي) للمدّعين (الطاعنين) ببيع 3 فدادين و16 قيراطاً و14 سهماً المبينة به، وألزمت المدّعى عليه الأوّل بالمصاريف المناسبة لذلك ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة للمدّعيين وشملت الحكم بالنفاذ المؤقت بدون كفالة. (ثانياً) برفض ما عدا ذلك من الطلبات وألزمت المدّعى عليه الأوّل بباقي المصاريف، مؤسسة حكمها هذا في الشق الأوّل من الطلبات على ما ثبت لديها من أن الطاعنين لم يخلا بالالتزامات المفروضة عليهما بالعقد الصادر إليهما من المدّعى عليه الأوّل إذ كانا على حق في حبس الثمن وعدم دفع بعض الأقساط في ميعادها لأن المدّعى عليه المذكور قد قصر في القيام بتعهداته فلم يسلمهما الأطيان تسليماً حقيقياً كما تأخر أيضاً في شطب الرهون المسجلة عليها. وقالت المحكمة عن الشق الثاني من الطلبات بأنه لا محل الآن لبحث طلب فسخ عقد البيع الصادر لخليل أحمد شبيطة وفي تفضيل أحد العقدين على الآخر إذ أن الملكية لم تنتقل بعد للطاعنين وهي لا تنتقل إلا بعد تسجيل الحكم الصادر بصحة التعاقد.
استأنف عبيد جندي النمير أفندي هذا الحكم في 8 من فبراير سنة 1937 لدى محكمة استئناف مصر، طالباً الحكم بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضي به من صحة التعاقد ونفاذه وبعدم قبول الدعوى بالنسبة لهذا الشق وتأييده في الشق الثاني وإلزام المستأنف ضدّهما (الطاعنين) بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين كما استأنفه أيضاً الطاعنان في 16 من إبريل سنة 1937 باستئناف قيد برقم 448 سنة 54 قضائية طالبين تعديل الحكم المستأنف والقضاء لهما بطلباتهما أمام محكمة أوّل درجة المبينة بإعلان تعديل الطلبات المعلنة في 15 و16 من يونيه سنة 1936 مع إلزام المستأنف ضدّهما (عبيد جندي النمير وخليل أحمد شبيطة) بجميع المصاريف عن الدرجتين وأتعاب المحاماة. وقد قرّرت المحكمة ضم الاستئنافين الواحد للآخر لارتباطهما. وبتاريخ 24 من يونيه سنة 1937 حكمت محكمة الاستئناف في غيبة خليل أحمد شبيطة وفي حضور باقي الخصوم بقبول الاستئنافين شكلاً وفي موضوع استئناف عبيد جندي النمير أفندي بإلغاء الحكم المستأنف بالنسبة للشق الأوّل منه الخاص بصحة ونفاذ العقد العرفي المؤرّخ في 14 من أكتوبر سنة 1935 وبعدم قبول دعوى محمد طنطاوي طنطاوي سراج الدين وعلي طنطاوي طنطاوي سراج الدين عن هذا الشق وتأييده فيما عدا ذلك، وفيما يتعلق باستئناف محمد طنطاوي طنطاوي سراج الدين وشريكه برفضه وألزمتهما بمصاريف الدرجة الأولى ومصاريف الاستئنافين.
أعلن هذا الحكم إلى الطاعنين في 13 من يوليه سنة 1937، فطعن فيه وكيلهما بطريق النقض في 5 من أغسطس سنة 1937 الخ.


المحكمة

وبما أن الطعن بني على أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون من ناحيتين: الأولى أنه لم يرتب على تسجيل عريضة دعوى الطاعنين أي أثر فيما يتعلق بانتقال الملكية إليهما مع أنها تعتبر من دعاوى الاستحقاق الوارد ذكرها بالمادة السابعة من قانون التسجيل، وتسجيل عريضتها السابق على تسجيل عقد البيع الصادر إلى خليل أحمد شبيطة يحفظ لعقدهما الأفضلية، الثانية أن المشتري الثاني خليل أحمد شبيطة علم بالعقد الصادر من البائع إلى الطاعنين قبل شرائه، وذلك من إنذارهما إياه ومن تأشير مصلحة المساحة على عقده بقيام دعوى بشأن ملكية هذه الأطيان تسجلت عريضتها. وهذا العلم من شأنه أن يمنعه من الاحتجاج بأسبقية تسجيل عقده حتى إذا تم هذا التسجيل قبل تسجيل عريضة الدعوى.
وبما أن ما أثبته الحكم المطعون فيه بصدد ما جاء في الطعن هو ما يأتي: "إن الشيخ محمد طنطاوي طنطاوي سراج الدين وشريكه رفعا هذه الدعوى التي أعلنت عريضتها بتاريخ 5 إبريل سنة 1936 يقولان فيها إنه يهمهما الحصول على سند ناقل للملكية طبقاً لقانون التسجيل الحديث، وإن البائع ممتنع عن التوقيع ويتذرّع بأوهى الأسباب فراراً من التوقيع ولا سبيل إلى الوصول إلى هذه الغاية إلا برفع دعوى صحة التوقيع. وبإعلان تاريخه 15 يونيه سنة 1936 عدّلا طلباتهما في مواجهة البائع وخليل أحمد شبيطة المشتري الجديد، وطلبا الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع المؤرّخ 14 أكتوبر سنة 1935 الصادر إليهما وبفسخ عقد البيع الصادر من عبيد جندي النمير أفندي إلى خليل أحمد شبيطة عن نفس الأطيان والمسجل في 7 مايو سنة 1936".
وبعد أن أورد الحكم نص المادتين السابعة والثانية عشرة من قانون التسجيل رقم 18 لسنة 1923 استطرد إلى القول "بأن عقود البيع العرفية لا تدخل في أحكام المادتين السابقتين من قانون التسجيل، ولا يترتب على تسجيل عريضة الدعوى الخاصة بصحة التوقيع أي أثر فيما يتعلق بانتقال الملكية أو حماية المشتري الذي لم يسجل عقده". وخلص الحكم من ذلك إلى التقرير بأن عقد 14 من أكتوبر سنة 1935 الصادر إلى الطاعنين لا ينقل الملكية إليهما، بل إن الملكية انتقلت إلى خليل أحمد شبيطة الذي سجل عقده، وإنه لا محل بعد ذلك للبحث في صحة ونفاذ العقد الصادر إلى الطاعنين لأنه غير منتج،إذ أن الغرض من مثل هذا الطلب هو الوصول إلى تسجيل عقد 14 من أكتوبر سنة 1935، وهذا التسجيل سيكون حتماً بعد تسجيل عقد خليل أحمد شبيطة فلا يصادف محلاً يرد عليه ولا ملكية ينقلها.
هذا هو ما أورده الحكم المطعون فيه وكان مثاراً للطعن المعروض.
وبما أن الدعوى رقم 751 كلي سنة 1936 التي رفعها الطاعنان على عبيد جندي النمير بتاريخ 5 من إبريل سنة 1936، وسجلا صحيفتها في 15 من ذلك الشهر قد كانت في الواقع من أوّل خطواتها - لا من تاريخ تعديل الطلبات فيها - دعوى صحة تعاقد. ذلك أن رافعيها عنيا بأن يثبتا في صحيفتها جوهر النزاع القائم بينهما وبين خصميهما على العين المبيعة لهما. فقد ذكرا في تلك الصحيفة، على ما رواه عنها الحكم المطعون فيه، أن البائع يتذرّع بأوهى الأسباب فراراً من التوقيع، "وأنه يهمهما الحصول على سند ناقل للملكية". ومثل هذا القول يقطع بأن المتخاصمين يتنازعون على الحق. فالمشتريان يتمسكان بالتزام البائع بإبرام عقد البيع وتنفيذه، والبائع يتذرّع، على ما يقولان، بأسباب واهية للتحلل من ذلك. وقد كانت وقائع الدعوى التي سبق سردها ترشح لقيام هذا النزاع بتلك الصورة إذ تبادل طرفا الخصومة الإنذارات، ووجه الطاعنان تحذيرهما لمصلحة المساحة وللمشتري الثاني بأن البيع الصادر لهما صحيح نافذ. وتلا ذلك مباشرة بتاريخ 15 من يونيه سنة 1936 قبل أوّل جلسة في التحضير أن عدّلا طلباتهما بالإفصاح عن أنها طلبات بصحة التعاقد بالكيفية التي تقدّم بيانها في الوقائع، فكان هذا التعديل تقويماً للدعوى واستكمالاً لشكلها الوافي الصحيح الذي أيدته تطوّراتها. ولهذا أدخل الطاعنان المشتري الثاني وأضافا طلب الحكم بفسخ العقد الصادر إليه.
وبما أن الحكم المطعون فيه إنما أسس قضاءه على أحكام قانون التسجيل والمفاضلة بين العقود المسجلة والتي لم تسجل فارضاً أن تسجيل عريضة دعوى الطاعنين، وهي في نظره دعوى صحة توقيع فقط، لا يترتب عليها أي أثر في المفاضلة التي أجراها. ثم انساق الحكم بعد هذا إلى إهمال بحث النزاع الذي كان مطروحاً أمام محكمة ثاني درجة وهو قيام البيع الصادر من عبيد جندي النمير أفندي للطاعنين أو انفساخه.
وبما أنه، وقد وضح أن دعوى الطاعنين إنما هي دعوى صحة تعاقد من أوّل الأمر، وقد سجلا صحيفتها قبل تسجيل العقد الصادر للمشتري الثاني، فطبقا لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة يكون لهذا التسجيل أثر من يوم حصوله إذا ما أجيب طلب الطاعنين وحكم بصحة تعاقدهما وأشر بالحكم طبقاً للقانون. فالحكم المطعون فيه قد أخطأ قانوناً في الأساس الذي بني عليه. وهذا يقتضي نقضه.
وبما أن خطأ الحكم في هذا الأساس قد حجب عن المحكمة حقيقة النزاع المطروح أمامها بالاستئنافين اللذين رفعا لها وهو صحة ونفاذ عقد 14 من أكتوبر سنة 1935 أو عدم صحته، ثم تبعا لذلك صحة ونفاذ العقد الآخر الصادر للمدّعى عليه الثاني في الطعن، فلم تفصل في شيء من ذلك.
وبما أن هذا يقتضي إعادة القضية لمحكمة ثاني درجة لتفصل فيها من جديد دائرة أخرى في حدود الاستئنافين المرفوعين.