مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية
وضعها محمود أحمد عمر باش كاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثاني (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1936م لغاية 26 أكتوبر سنة 1939م) - صـ 581

جلسة 8 يونيه سنة 1939

برياسة حضرة محمد فهمي حسين بك وبحضور حضرات: حامد فهمي بك وعبد الفتاح السيد بك وعلي حيدر حجازي بك ونجيب مرقس بك المستشارين.

(190)
القضية رقم 102 سنة 8 القضائية

( أ ) دعوى استحقاق. دائن نزع ملكية مدينه. الادعاء باستحقاق العقارات المنزوعة وطلب تثبيت ملكيتها. تأسيس هذا الطلب على عقود التمليك المقدّمة. رفض الدعوى. استئناف هذا الحكم. التمسك أمام محكمة الاستئناف بعقود التمليك المقدّمة. الاحتجاج لديها بسقوط الاختصاص الذي استصدره المدّعى عليه (نازع الملكية) لعدم تجديد تسجيله. بحث دعوى الاستحقاق على أساس الأسباب المدعاة. صورية عقود مدّعي الاستحقاق. الاكتفاء بذلك في رفض الدعوى. الردّ على الاحتجاج بسقوط الاختصاص. ليس له مقتضَ.
(ب) نقض وإبرام. دعوى استحقاق. رفض طلب تثبيت ملكية المدّعي. صحة الحكم. الطعن فيه بوجوه متعلقة بإجراءات نزع الملكية ومحو التسجيلات. لا محل لبحثها.
1 - إذا كان الطاعنان قد رفعا الدعوى بتثبيت ملكيتهما للأعيان التي رسا مزادها على المدّعى عليه بصفته دائناً لمالكها الأصلي مع إلغاء إجراءات نزع الملكية والبيع ومحو التسجيلات، استناداً إلى عقود التمليك التي قدّماها وجعلاها أساساً لطلباتهما، فبحثت المحكمة الابتدائية الملكية بأسبابها المدّعاة في حدود الطلبات والدفوع المقدّمة لها في الدعوى، وعند استئنافهما الحكم الصادر ضدّهما برفض الدعوى تمسكا بأن الأرض المتنازع عليها مملوكة لهما دون المدين بالعقود المقدّمة منهما، ولم يحتجا إلا أمام محكمة الاستئناف - أحدهما بسقوط الاختصاص الذي استصدره المدّعى عليه لعدم تجديد تسجيله بالمحكمة الأهلية في الأجل المحدّد لذلك والآخر في طلب إلغاء إجراءات نزع الملكية - بأنه بعقديه المسجلين قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية يعتبر حائزاً للعقار المنزوعة ملكيته، فإن كل هذا ما كان يوجب على كل من المحكمتين الابتدائية والاستئنافية سوى أن تبحث ملكية الطاعنين على أساس الأسباب التي تمسكا بها لديها ثم تحكم في الدعوى على مقتضى ذلك. فكان إذن يتعين على محكمة الاستئناف - بعد أن استقرّ رأيها على أن الأعيان التي نزعت ملكيتها كانت ملكاً للمدين وأن عقود الطاعنين باطلة ولا يعتد بها لأنها صورية صادرة بين المدين وذوي قرابته إضراراً بدائنيه - أن تكتفي بذلك في قضائها برفض الدعوى دون معاناة الرد على ما احتج به لديها من سقوط الاختصاص ووجوب اعتبار أحد الطاعنين حائزاً للعقار المنزوعة ملكيته وإلغاء إجراءات نزع الملكية لعدم إنذاره بالدفع أو بالتخلية على ما يوجب القانون، إذ لم يكن لذلك مقتضَ.
2 - إذا كان الحكم صحيحاً فيما قضي به من رفض تثبيت ملكية الطاعن للأعيان المتنازع عليها فلا فائدة من بحث وجوه الطعن الموجهة إلى إجراءات نزع الملكية والبيع ومحو التسجيلات، لأن هذه المطاعن لا تقوم إلا على ثبوت الملك للطاعن والقضاء به له.


الوقائع

تتضمن وقائع هذه الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه والحكم الابتدائي المؤيد به ومن سائر الأوراق والمستندات المقدّمة لهذه المحكمة وكانت مقدّمة من قبل لدى محكمة الاستئناف - أن المرحوم سينوت حنا بك استصدر من محكمة أسيوط الابتدائية بتاريخ 21 من يوليه سنة 1912 و13 من أكتوبر سنة 1913 أمرين باختصاصه بعقارات لمدينه عبد الشهيد شنودة قزمان تأميناً لدينين حكم له بهما عليه بتاريخ 2 من يوليه سنة 1912 و29 من سبتمبر سنة 1912، وسجل الاختصاص الأوّل بمحكمة أسيوط بتاريخ 21 من يوليه سنة 1912، وبمحكمة مصر المختلطة في 2 من سبتمبر سنة 1912، وأعيد تسجيله بالمحكمة المختلطة في 12 من أغسطس سنة 1922، وسجل الاختصاص الثاني بمحكمة أسيوط بتاريخ 12 من أكتوبر سنة 1912، وبمحكمة مصر المختلطة في 4 من نوفمبر سنة 1912، وأعيد تسجيله بها في 12 من أغسطس سنة 1922.
وفي سنة 1928 سار سينوت حنا بك في إجراءات نزع ملكية مدينه من العقارات التي اختص بها تأميناً لوفاء دينيه المحكوم بهما بالحكمين المتقدّمين حتى رسا مزادها عليه في 28 من أكتوبر سنة 1929. وفي أثناء إجراءات زيادة العشر رفعت السيدة نبيهة عبد الشهيد وتفيدة عبد الشهيد بنتا المدين وفارس توفيق أفندي حفيده على سينوت حنا بك دعوى استحقاق لهذه العقارات أمام محكمة أسيوط الابتدائية الأهلية طلبوا فيها تثبيت ملكيتهم للعقارات الموضحة بصحيفة الدعوى ومحو كافة التسجيلات التي وقعت عليها بناءً على طلب المدعى عليه الأوّل سينوت حنا بك مع إلزامه بالمصاريف وأتعاب المحاماة.
وقد بيّن المدعون المذكورون أمام المحكمة الابتدائية كيف امتلكوا الأعيان التي طلبوا تثبيت ملكيتهم لها فقالوا إن مورّثهم المرحوم عبد الشهيد شنودة قزمان كان مديناً للخواجة زكي ويصا في مبالغ تقدّم لكفالته فيها الخواجة قديس تاوضروس. وفي مقابل هذه الكفالة أصدر له عبد الشهيد شنودة عقداً مؤرّخاً في أوّل فبراير سنة 1911 ومسجلاً في 27 من يونيه سنة 1912 جاء فيه: "إنه لإزماع الخواجة قديس تاوضروس على ضمانته بألف جنيه قد أمّن (أي عبد الشهيد) الأعيان الموضحة أدناه بحيث لا سمح الله وحصل منه تأخير في الدفع فلحضرته (أي لقديس تاوضروس) التصرف في الأملاك المذكورة بدون معارضة ويكون فعله كأنه هو المالك الأصلي". ولما لم يستطع عبد الشهيد الوفاء لقديس بما وفاه عنه اعتبر قديس نفسه مالكاً للأعيان التي تضمنها عقد أوّل فبراير سنة 1911 واستصدر أمراً من قاضي الأمور المستعجلة بمحكمة مصر المختلطة بتاريخ 18 من أكتوبر سنة 1913 باستلامه الأعيان المذكورة فاستلمها بمحضر التسليم المؤرّخ في 17 من يناير سنة 1914 ووضع يده عليها. وفي 12 من أكتوبر سنة 1917 باع قديس المذكور هذه الأعيان إلى الست نبيهة المدّعية الأولى بعقدين مؤرّخين في 12 من أكتوبر سنة 1917 وثابتي التاريخ في 14 من نوفمبر سنة 1917 شهد عليهما والدها شنودة عبد الشهيد.
وبينت المدّعية الثانية كيف امتلكت ما ادّعى الاستحقاق فيه، ولا محل لتلخيص دعواها لصدور الحكم فيها لمصلحتها.
وبين المدّعي الثالث كيف امتلك فقال إن عبد الشهيد شنودة قزمان جدّه لأمه (تفيدة بنت عبد الشهيد) قد باع بعض ما نزعت ملكيته إلى إبراهيم قلدس سكله أفندي بعقد مؤرّخ في 22 من يناير سنة 1916، وباع إبراهيم قلدس أفندي ما اشتراه إلى الست تفيدة شنودة قزمان على ذمة ولدها (أي المدّعي الثالث) لقصوره عن درجة البلوغ في أوّل مايو سنة 1916.
وأجاب سينوت حنا بك بأن العقد الصادر من مدينه عبد الشهيد شنودة لقديس تاوضروس المؤرّخ في أوّل فبراير سنة 1911 إنما هو عقد رهن تأميني عرفي مقترن بشرط باطل فلا يستطيع أن ينقل ما يدعي تملكه به إلى نبيهة ابنة المدين بمقتضى عقديها المتقدّمين، وأن هذين العقدين وعقدي المدعي الثالث جميعها صورية الصورية التدليسية. وقد تمت بتواطؤ المدين مع ابنتيه وحفيده وأقاربه إضراراً بدائنيه.
وبتاريخ 19 من مارس سنة 1931 قضت المحكمة تمهيدياً بندب الخبير عوض بشاي أفندي لتطبيق مستندات تمليك المدعيين وحكمي نزع الملكية ومرسي المزاد الصادرين لسينوت حنا بك على الطبيعة وبيان ما إذا كانت العقارات الواردة بعقود تمليك المذكورين تدخل كلها أو بعضها ضمن ما نزعت ملكيته من عبد الشهيد شنودة قزمان ورسا مزادها على سينوت حنا بك من عدمه.
وبتاريخ 4 من فبراير سنة 1932 حكمت تلك المحكمة برفض دعوى المدعية الأولى والمدّعي الثالث بانية حكمها فيما يتعلق بالمدّعية الأولى (نبيهة) على أن قديس قزمان الذي باع لها لم يكن إلا مرتهناً رهناً حيازياً فتصرفه بالبيع لها يقع باطلاً، ولا يمكنها أن تضم مدة وضع يده إلى مدة وضع يدها؛ وفيما يتعلق بالمدّعي الثالث على أنّ شراءه قد وقع تسجيله بعد تسجيل اختصاص سينوت حنا بك فيكون سينوت بك هو المفضل.
استأنف المحكوم عليهما هذا الحكم لدى محكمة استئناف أسيوط طالبين إلغاءه والحكم بتثبيت ملكيتهما للأعيان وإلغاء إجراءات نزع الملكية على التفصيل الوارد بصحيفة الاستئناف.
وبتاريخ 12 من مارس سنة 1938 حكمت تلك المحكمة حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وموضوعاً برفضه وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنفين بالمصاريف و400 قرش أتعاباً للمحاماة.
أعلن هذا الحكم إلى الطاعنين في 19 من سبتمبر سنة 1938. فطعن فيه وكيلهما بطريق النقض في 18 من أكتوبر سنة 1938 بتقرير أعلنه إلى الثلاثة الأول من المدّعى عليهم في الطعن في 23 من ذلك الشهر، ولم يعلن إلى باقي المدّعى عليهم الخ.


المحكمة

ومن حيث إن مبنى الطعن أن محكمة الاستئناف - بتأييدها الحكم المستأنف القاضي برفض دعوى الاستحقاق التي رفعها الطاعنان عن الأعيان التي ادّعيا تملكها بالعقود المقدّمة منهما على سينوت حنا بك الذي اشتراها بالمزاد الجبري بعد أن اختص بها تأميناً على وفاء دينه قبل مدينه عبد الشهيد شنودة (والد الطاعنة الأولى وجدّ الطاعن الثاني) ونزع ملكية مدينه منها - قد خالفت أحكام القانون. وذلك من النواحي الآتية:
(أوّلاً) من ناحية أنها قد تصدّت بغير موجب لبحث مستندات تمليك الطاعنين وقضت برفض طلب تثبيت الملك بغير أن يكون لسينوت حنا بك صاحب الاختصاص عليه مصلحة في هذا القضاء. ويقول الطاعنان إنه كان ينبغي لمحكمة الاستئناف أن تبحث في قيمة اختصاصي سينوت حنا بك، وأن تقضي في الدعوى طبقاً للنتيجة التي تصل إليها، فإن استقرّ رأيها على قيام الاختصاصين وعلى أن تسجيليهما قد جدّدا في الميعاد قضت للدائن بصحة الإجراءات، وبقيت ملكيتهما محترمة، وإن تبينت أن تجديد التسجيلين جاء متأخراً قضت بسقوط حقه وبإلغاء إجراءات التنفيذ الجبري. ويضيفان إلى ذلك أن محكمة الاستئناف عند بحثها في ملكية الطاعنين قد اعتبرت عقدي الطاعنة الأولى باطلين لصدورهما من مرتهن لا يملك بيع ما ارتهنه وحاصلين بسوء نية إضراراً بالدائن مع أن المالك الحقيقي قد أجازهما بالتوقيع عليهما من جهةٍ، والمحكمة لم تبين في حكمها الأسباب التي عوّلت عليها في التقرير بحصولهما بسوء نية من جهة أخرى، فوقع في حكمها من القصور والتخاذل ما يبطله. وكذلك قد اعتبرت عقد الطاعن الثاني حاصلاً بسوء نية دون أن تتعرّض إلى أركان الدعوى البوليصية فتستوفيها على الوجه الصحيح.
(ثانياً) من ناحية أنها اعتبرت الاختصاصين قائمين لحصول تجديد تسجيليهما بالمحكمة المختلطة قبل انقضاء عشر سنوات ميلادية من تاريخ تسجيليهما مع أن التجديد ينبغي أن يقع بقلم كتاب المحكمة الأهلية، ومع أن التقويم الواجب اعتباره في حساب المدّة المحدّدة لتجديد تسجيل الرهون والاختصاصات هو التقويم الهجري.
(ثالثاً) من ناحية أنها لم تحفل بما أبداه الطاعن الثاني من أن عقد شرائه وعقد شراء بائعه كانا مسجلين قبل تنبيه نزع الملكية فكان ينبغي لذلك أن تعتبره المحكمة حائزاً للعقار واجباً تكليفه بالوفاء أو بالتخلية، فعدم تكليفه بذلك قبل السير في إجراءات نزع الملكية يستوجب الحكم بإلغاء هذه الإجراءات.
هذا. وحيث إنه مما تنبغي ملاحظته بادئ الرأي أن الطاعنين هما اللذان رفعا الدعوى الحالية طالبين الحكم بثبوت ملكيتهما للأعيان التي رسا مزادها على سينوت حنا بك بصفته دائناً لمالكها عبد الشهيد شنودة وإلغاء إجراءات نزع ملكيتها وبيعها ومحو التسجيلات، وهما اللذان استندا فيها إلى عقود التمليك التي قدّماها وجعلاها أساساً لطلباتهما هذه، وأن المدّعى عليه سينوت حنا بك لما دفع أمام المحكمة الابتدائية ببطلان هذه العقود وأنها صورية وصادرة بين المدين وقرابته إضراراً بدائنيه وبعد تسجيل اختصاصيه، وأن الحجة لا تنهض بها في دعوى الاستحقاق وإلغاء الإجراءات، ادعت الطاعنة الأولى أنها تملكت الأعيان المتنازع عليها بمضي المدّة الطويلة أو بالسبب الصحيح ووضع اليد المدّة القصيرة، وأن المدّعى عليه أجابها بأنها سيئة النية لأنها بنت المدين وقديس تاوضروس صهره وهما يعلمان بالمديونية، وأنه لا يمكنها أن تضم مدة وضع يده كمرتهن إلى مدّة وضع يدها فتمتلك بالسبب الصحيح وحسن النية ومدة التقادم القصيرة، وأن المحكمة الابتدائية بحثت هذه الملكية بأسبابها هذه في حدود الطلب والدفع، وأن الطاعنين هما اللذان عند استئنافهما تشبثا بأن الأعيان المتنازع عليها مملوكة لهما دون المدين بالعقود المقدّمة منهما، وأنهما لم يحتجا بسقوط الاختصاصين لعدم تجديد تسجيليهما بالمحكمة الأهلية في الأجل المحدّد إلا أمام محكمة الاستئناف، وأن الطاعن الثاني لم يحتج في طلب إلغاء إجراءات نزع الملكية بأنه - بعقديه المسجلين قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية - يعتبر حائزاً للعقار المنزوعة ملكيته إلا أمام محكمة الاستئناف كذلك. وكل هذا قد أوجب على كلتا المحكمتين تصدير البحث في ملكية الطاعنين بأسبابها المدعاة لتحكم في الدعوى على مقتضاه فلا غبار عليهما إذا قضتا في الدعوى على هذا النحو، بل كان يتعين على محكمة الاستئناف - بعد أن استقر رأيها على أن الأعيان التي نزع سينوت حنا بك ملكية مدينه منها كانت ملكاً لهذا المدين، وأن عقود الطاعنين باطلة ولا يعتد بها لأنها صورية وصادرة بين المدين وقرابته إضراراً بدائنيه - أن تقضي برفض الدعوى معتمدة على ذلك بغير معاناة الرد على ما احتج به الطاعنان لديها من سقوط الاختصاصين لعدم تجديد تسجيليهما بالمحكمة الأهلية في الميعاد ولا على ما احتج به الطاعن الثاني من وجوب اعتباره حائزاً للعقار المنزوعة ملكيته ومن القضاء بإلغاء إجراءات نزع الملكية لعدم إنذاره بالدفع أو بالتخلية على ما يوجب القانون ذلك، لأن الرد على هذه الحجج يصبح معدوم الفائدة. أما قول الطاعنين بأن محكمة الاستئناف قد تصدّت بغير موجب لبحث مستندات التمليك، وبغير أن يكون لسينوت حنا بك مصلحة في القضاء برفض طلب تثبيت الملك، فهو قول بين الخطأ، لأن في القضاء بعدم صحة عقود الطاعنين وبرفض طلب تثبيت ملكيتهما للعين التي نزع ملكيتها سينوت حنا بك من مدينه ما يسقط حقهما في دفعيهما المتقدّمين المترتبين على ثبوت الملك لهما، وفي ذلك مصلحة كبرى له كما هو ظاهر.
وحيث إن هذا النظر يحمل هذه المحكمة على تصدير البحث فيما جاء بوجوه الطعن متعلقاً بطلب الطاعنين تثبيت الملك.
وحيث إن محكمة الاستئناف بعد أن أوردت وقائع الدعوى وما ردّده الطرفان من أوجه الدفاع قالت "... وحيث إنه بالاطلاع على العقد الصادر من المدين عبد الشهيد شنودة لقديس تاوضروس البائع للمستأنفة الأولى (الطاعنة الأولى) تبين أنه لا يخرج عن كونه عقد رهن تأميني... ... وأنه لم يحرر بمقتضى عقد رسمي وهو لذلك عقد باطل، وعلى كل حال فهو ليس بعقد بيع حتى يمكن ضم المدّة التي مضت بين تاريخ عقده وبين تاريخ البيع الحاصل منه للمستأنفة الأولى. وعلى ذلك فتمسك المستأنفة بالمدة الطويلة في غير محله. وحيث إن المستأنفة المذكورة تقول إنه حتى في حالة عدم وضعها اليد على العقارات سوى المدّة القصيرة، فإنها أصبحت مالكة للأعيان المبيعة لها بمقتضى عقدي البيع المذكورين (أي الصادرين من المرتهن) للسبب الصحيح ولحسن النية. وحيث إن هذا الدفاع في غير محله أيضاً لأن المستأنفة لم تكن واضعة اليد بحسن نية إذ أنها بنت المدين والبائع لها هو صهر المدين، وقد تواطأ الجميع على حرمان دائني المدين من الوصول إلى حقوقهم فحسن النية غير متوفر. وحيث إن المستأنفة الأولى تقول أيضاً إنها أصبحت مالكة للأعيان المبيعة لها لإجازة المالك البيع الحاصل لها من قديس تاضروس لتوقيعه على هذين العقدين بصفة شاهد، ولا تأخذ المحكمة بهذا الدفاع لأن البيع حصل بسوء نية وإضراراً بالدائنين، ولأن مورّث الخمسة المستأنف ضدهم (أي سينوت حنا بك) كان قد حصل على اختصاصين...". ثم قالت: "وحيث إن المستأنف الثاني يقول إنه أصبح مالكاً للقدر المطالب به لوضع اليد عليه المدّة القصيرة بالسبب الصحيح وحسن النية. وحيث إنه واضح من الأوراق أن المدين باع القدر موضوع النزاع لإبراهيم قلدس سكله بعقد مسجل في 27 من نوفمبر سنة 1917، وجعل تاريخه 22 من يناير سنة 1916 وأن إبراهيم قلدس بدوره باع ما اشتراه للمستأنف الثاني بعقد مسجل في 27 من نوفمبر سنة 1917 وجعل تاريخه أول مايو سنة 1916. وحيث إنه يظهر من تسجيل العقدين في يوم واحد أنهما حررا في آن واحد لإخراج العين من ملكية المدين وإدخالها في حوزة حفيده المستأنف عليه الثاني، وأن هذا التصرف كان مقصوداً به حرمان الدائنين من الحصول على حقهم. وحيث إنه لا يمكن أن يكون المستأنف عليه الثاني حسن النية مع هذه التصرفات الصورية ولا يستفيد من وضع اليد على القدر الذي يطالب به المدة القصيرة".
وحيث إنه يبين من هذا الحكم أوّلاً أن محكمة الاستئناف، فيما يتعلق بالطاعنة الأولى، قد استخلصت مما جاء بعقد الرهن الذي أصدره عبد الشهيد شنودة المدين لصهره قديس تاوضروس في بعض العين المتنازع عليها، ومن عقدي البيع الصادرين للطاعنة الأولى من قديس تاوضروس وشهد بحصولهما والدها عبد الشهيد شنودة بتوقيعه عليهما، ومن باقي الأوراق والمستندات التي من ضمنها كشف تصرفات المدين المذكور في أملاكه، أن عقد الرهن باطل وعقدي البيع الصادرين من المرتهن باطلان، وأن ما زعمته هذه الطاعنة من أن المدين قد أجازهما بتوقيعه، وأنها أصبحت مالكة بالسبب الصحيح وبوضع اليد بحسن النية، لا يعتدّ به وفي غير محله، إذ أنها بنت المدين والبائع لها هو صهر المدين، وقد حصل البيع بسوء نية. وقد تواطؤا جميعاً على حرمان دائني المدين من الوصول إلى حقوقهم. وما استخلصته من ذلك قد دوّنته في أسباب حكمها بما فيه الكفاية، وجميعه مما لا تراقبه محكمة النقض لتعلقه بفهم الواقع في الدعوى. وأما ما قيل في مذكرة الطاعنة من أن المحكمة أخطأت في فهم حسن النية المطلوب للتملك بوضع اليد المدّة القصيرة وهو مجرّد اعتقاد المشتري بأن البائع له مالك لما باعه فقول غير متجه، لأن المحكمة إنما تناولت حالتي النية في الشراء من غير مالك وفي الشراء الصوري بقصد معاونة المدين على تهريب أملاكه إضراراً بدائنيه، وبحثت كل حالة في موضعها تبعاً لدفاع الخصوم، فقالت في معرض الرد على الدفع بالتملك بالمدّة القصيرة: "إن الطاعنة لم تكن حسنة النية إذ أنها بنت المدين والبائع لها صهر المدين" ومعنى ذلك أنها كانت تعلم أن البائع لها لا يملك ما باعه، فضلاً عن أن الغرض من هذا التصرف هو حرمان دائني المدين من الوصول إلى حقوقهم. ثم قالت في معرض الردّ على الدفع بأنها تملكت بإجازة المالك البيع بتوقيعه على العقدين: "إن البيع حصل بسوء نية وإضراراً بالدائنين" ومعناه أنه لا ينفذ في حقهم. والخلاصة أن محكمة الاستئناف قد تناولت كل ما أبداه الطاعنان من الدفوع وردّت عليه بأسباب وافية.
وكذلك فيما يتعلق بالطاعن الثاني قد استخلصت محكمة الاستئناف من أن المدين باع القدر موضوع النزاع لإبراهيم قلدس، ومن أن إبراهيم قلدس باعه بدوره للطاعن الثاني، ومن أن العقدين حررا في يوم واحد وجعل لكل منهما تاريخ يخالف الآخر وسجلا في يوم واحد لإخراج العين من ملكية المدين وإدخالها في حوزة حفيده بقصد حرمان الدائنين من الحصول على حقوقهم، أن الطاعن لم يكن حسن النية مع هذه التصرفات الصورية، ولا يستفيد من وضع يده على القدر الذي يطالب به، وهو استخلاص واقعي لا رقابة عليه لمحكمة النقض.
وحيث إنه ينتج من ذلك أن الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض طلب تثبيت ملكيتهما لما اشتراه سينوت حنا بك بالمزاد الجبري صحيح لا خطأ فيه من ناحية تطبيق القانون.
وحيث إنه لا محل بعد ذلك لبحث وجوه الطعن المتعلقة بطلب إلغاء إجراءات نزع الملكية والبيع ومحو التسجيلات لأنها لا تقوم إلا على ظهور ثبوت الملك للطاعنين والقضاء به لهما، وقد تبين أن الحكم المطعون فيه القاضي برفض طلب تثبيت الملك صحيح وأن الطعن فيه مرفوض.