مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية
وضعها محمود أحمد عمر باش كاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثاني (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1936م لغاية 26 أكتوبر سنة 1939م) - صـ 597

جلسة 15 يونيه سنة 1939

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعلي حيدر حجازي بك وسيد مصطفى بك ونجيب مرقس بك المستشارين.

(192)
القضية رقم 68 سنة 8 القضائية

جبانات. المساكن الواقعة حول مسجدي الإمام الشافعي والإمام الليثي. دخولها في نطاق الجبانات. انطباق لائحة الجبانات عليها. (لائحة الجبانات الصادرة تنفيذاً للقانون رقم 1 لسنة 1922 والفقرة الثانية من المادة الثانية من المرسوم الصادر في 10 فبراير سنة 1924)
إن نص الفقرة الثانية من المادة الثانية من المرسوم الصادر في 10 من فبراير سنة 1924 بشأن الجبانات الكائنة بسفح جبل المقطم المخصصة لدفن موتى المسلمين وتعيين حدودها لا يخرج مجموعة المساكن المشار إليها في هذا النص من نطاق الجبانات، وإنما يخرجها فقط مما هو مخصص للدفن. وذلك للتوصل لإمهال أصحاب تلك المباني التي كانت إقامتها من قبيل التسامح ريثما تتلاشى مع الزمن فتخلو منها هذه المنطقة - منطقة الجبانات - التي لا يجوز صحياً أن تكتنفها مساكن الأحياء. وهذا الغرض الذي رمى إليه الشارع قد كشف عنه نص المادة السادسة من لائحة الجبانات الصادرة في 4 مارس سنة 1926 الذي حرم تجديد تلك المساكن أو ترميمها. فالمنازل التي تكتنف المقابر حول مسجدي الإمام الشافعي والإمام الليثي تنطبق عليها لائحة الجبانات التي صدرت وفقاً وتنفيذاً للقانون رقم 1 لسنة 1922. والحكم الذي يذهب إلى خلاف ذلك يكون مخالفاً للقانون متعيناً نقضه.


الوقائع

تتلخص وقائع هذه الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق والمستندات المقدّمة لهذه المحكمة وكانت من قبل تحت نظر محكمة الاستئناف - في أنه بتاريخ 28 من أغسطس سنة 1932 رفع أحمد محمد الجبالي أفندي أمام محكمة مصر الابتدائية الأهلية الدعوى رقم 2132 سنة 1932 كلي على الست سكينة هانم منصور، وطلب للأسباب الواردة بعريضتها الحكم: (أوّلاً) بفسخ عقد البدل والبيع المحرّر بينهما بتاريخ 31 من يوليه سنة 1932 ومحو التسجيلات التي تمت نتيجة له على المنزل المملوك له الكائن بشارع الداودية رقم 36 قسم الدرب الأحمر بمصر وإعادته لملكيته ووضع يده. (ثانياً) إلزامها بأن تدفع له مبلغ ألف جنيه مصري بصفة تعويض عما تكبده من الأضرار وقيمة ما دفعه من الرسوم القضائية وأتعاب السمسرة وثمن الإصلاحات التي قام بها قبل ظهور العيوب الخفية في المنزل رقم 42 الكائن بشارع الكوردي بخريطة التونسي تبع قسم الخليفة. (ثالثاً) تقرير حقه في حبس العين المبيعة إليه من المدعى عليها وهو المنزل الأخير واستمراره تحت يده لحين حصوله على كافة مطلوبه مما يحكم به في هذه الدعوى ضدّها. (رابعاً) إلزامها بكافة المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. وذلك جميعه بحكم مشمول بالنفاذ المعجل وبلا كفالة.
وبتاريخ 21 من فبراير سنة 1933 أدخل المدعي وزارة الداخلية لتسمع الحكم بمنع تعرّض لجنة الجبانات له في الملك الذي تلقاه بالبدل. وفي حالة ما إذا كانت هناك أسباب قانونية لمنعه من الانتفاع بالملك المذكور كاملاً وحرية التصرف فيه فعلى وزارة الداخلية أن تبدي تلك الأسباب وتقدّم المستندات المؤيدة لها وإلزامها بتقديم الإفادة المؤرّخة في 29 من سبتمبر سنة 1932 الصادرة من مصلحة التنظيم بوزارة الأشغال إلى محافظة مصر ورئيس لجنة الجبانات رقم 98/1/38، وإفادة المحافظة بقسم شبرا المؤرّخة في 4 من أكتوبر سنة 1932 المرموز لها برقم 16/1/145 مع كافة الأوراق والمكاتبات الإدارية الخاصة بمادة منع المدعي من إجراء أي ترميم أو زيادة في الملك المذكور. وذلك مع احتفاظ المدعي بكافة الحقوق التي وجهها ضدّ السيدة سكينة هانم منصور مرزوق.
وبتاريخ 9 من نوفمبر سنة 1933 عدّل المدعي (المدعى عليه الأوّل في الطعن) طلباته بعريضة أعلنها إلى المدعى عليها (سكينة) ولوزارة الداخلية وطلب (أولاً) الحكم أصلياً بتثبيت ملكيته لكامل أرض وبناء المنزل رقم 42 الكائن بشارع الكوردي بخريطة التونسي قسم الخليفة بمصر ملكية كاملة غير منقوصة وغير مقيدة بأي حق ارتفاق للجنة الجبانات أو لمحافظة مصر وبنوع خاص غير مقيدة بحق ارتفاق عدم البناء أو الترميم أو الإصلاح أو التعديل في المباني بغير ترخيص لجنة الجبانات وكف منازعة وزارة الداخلية ومحافظة مصر ولجنة الجبانات اللتين تمثلهما تلك الوزارة له في هذه الملكية المبينة على الوجه السابق وعدم تعرّض هذه الجهات الحكومية له في المنزل آنف الذكر الذي تلقاه بطريق البدل من السيدة سكينة منصور أرضاً وبناء مع إلزام وزارة الداخلية بالمصاريف ومبلغ ألف جنيه تعويضاً نظير الإجراءات الإدارية التي اتخذت ضدّه لمنعه من الانتفاع بملكيته بغير وجه حق مع إلزام وزارة الداخلية أيضاً بالمصاريف والأتعاب. (ثانياً) ومن باب الاحتياط في حالة ما إذا كان تعرّض لجنة الجبانات التي تمثلها وزارة الداخلية مبنياً على أساس قانوني يبرره أن يقضى له قبل المدعى عليها (سكينة) بطلباته التي سبق أن طلبها في الدعوى الأولى.
وبتاريخ 30 من يناير سنة 1934 رفعت وزارة الداخلية الدعوى رقم 528 سنة 1934 كلي مصر على كل من أحمد محمد الجبالي أفندي والست سكينة منصور مرزوق (المدعى عليهما في الطعن) طلبت فيها الحكم بأحقية الحكومة لقطعة الأرض البالغ مسطحها 631 متراً مربعاً والموضحة الحدود والمعالم بالعريضة باعتبارها من المنافع العامة (جبانة الإمام الليثي) مع إلزامهما بالمصاريف والأتعاب بحكم مشمول بالنفاذ المعجل وبلا كفالة مع حفظ حق الحكومة في طلب إزالة المنزل القائم على الأرض في أي وقت شاءت ومع حفظ كافة الحقوق الأخرى.
وبتاريخ أوّل مارس سنة 1934 قررت محكمة مصر ضم القضية الثانية للأولى وحكمت تمهيدياً بجلسة 17 من نوفمبر سنة 1934 بندب الخبير الهندسي أحمد كمال بك لأداء المأمورية التي كلف بها فقام بمأموريته وقدّم تقريره. ثم قدّم الخصوم مذكرات ختامية. فطلب أحمد محمد الجبالي أفندي زيادة عما طلبه في عريضة تعديل الطلبات الحكم بمنع تعرّض وزارة الداخلية له في حالة الحكم عليها، وصممت الحكومة على طلباتها، وأصرت الست سكينة على رفض الدعويين قبلها مع إلزام أحمد محمد الجبالي أفندي والحكومة بالمصاريف والأتعاب.
وبتاريخ 9 من مارس سنة 1936 حكمت محكمة مصر حضورياً: (أوّلاً) في الدعوى رقم 528 سنة 1934 كلي مصر بأحقية الحكومة لقطعة الأرض الموضحة حدودها ومعالمها بصحيفة الدعوى باعتبارها من المنافع العامة (جبانات) وشطب التسجيل الموقع عليها وإلزام المدعى عليها السيدة سكينة هانم منصور بالمصاريف وألف قرش أتعاب محاماة. (ثانياً) في الدعوى رقم 2132 سنة 1932 كلي مصر بفسخ عقد البدل المحرر بتاريخ 31 من يوليه سنة 1932 بين المدعي (أحمد محمد الجبالي أفندي) والمدعى عليها (السيدة سكينة منصور) ومحو التسجيلات التي تمت نتيجة له على المنزل المملوك للمدعي الكائن بشارع الداودية رقم 36 تبع قسم الدرب الأحمر وبإعادته لملكيته، وبإلزام المدعى عليها السالف ذكرها بأن تدفع له مبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض والمصاريف المناسبة لما حكم به عليها وألف قرش أتعاب محاماة. (ثالثاً) برفض ما خالف ذلك من الطلبات في الدعويين وبإخراج الحكومة من دعوى أحمد محمد الجبالي بلا مصاريف.
استأنفت الست سكينة هذا الحكم لدى محكمة استئناف مصر وقيد استئنافها برقم 958 سنة 53 قضائية طالبة إلغاءه ورفض دعوى الحكومة مع إلزام المستأنف عليهما متضامنين بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين. واستأنفه فرعياً أحمد محمد الجبالي أفندي طالباً الحكم أصلياً بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به في الدعوى رقم 528 سنة 1932 من أحقية الحكومة لقطعة الأرض الموضح حدودها ومعالمها بصحيفة دعواها باعتبارها من المنافع العامة (جبانات) وشطب التسجيل الموقع عليها، والقضاء بمنع تعرّض الحكومة له في الملك الذي تلقاه بطريق البدل من الست سكينة هانم منصور مرزوق الكائن بخريطة التونسي، مع إلزام الحكومة بكافة المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين، واحتياطياً الحكم على الست سكينة هانم منصور بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به في الدعوى رقم 2132 سنة 1932 كلي مصر من فسخ عقد البدل المحرر بينه وبين الست سكينة ومحو التسجيلات التي تمت نتيجة له على المنزل المملوك له الكائن بشارع الداودية رقم 36 قسم الدرب الأحمر وبإعادة الملكية مع تعديل التعويض برفعه إلى ألف جنيه وإلزام الست سكينة بمصاريف استئنافها ومقابل أتعاب المحاماة.
ومحكمة استئناف مصر بعد أن ضمت الاستئنافين أحدهما للآخر حكمت فيهما بتاريخ 3 من إبريل سنة 1938 بقبولهما شكلاً وفي موضوعهما بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الحكومة والقضاء لأحمد محمد الجبالي أفندي بمنع تعرّض لجنة الجبانات له في الملك الذي تلقاه بطريق البدل من الست سكينة هانم منصور مرزوق الكائن بخريطة التونسي مع إلزام الحكومة بكافة المصاريف عن الدرجتين وألف قرش مقابل أتعاب المحاماة للست سكينة هانم منصور مرزوق ومثلها لأحمد محمد الجبالي أفندي، ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.
أعلنت الست سكينة هانم منصور هذا الحكم بتاريخ 12 من يونيه سنة 1938 إلى الحكومة، فطعنت فيه بطريق النقض في 12 من يوليه سنة 1938 بتقرير أعلنته إلى أحمد محمد الجبالي أفندي والست سكينة المذكورة في 14 و16 من ذلك الشهر الخ.


المحكمة

وبما أن مبنى الطعن يرجع إلى وجهين يتعلقان بشكل الحكم المطعون فيه وبطلانه وإلى ثلاثة وجوه تقول فيها الطاعنة إن ذلك الحكم قد أخطأ في تطبيق القانون.
وبما أن أهم ما في هذه الوجوه الخمسة هو الوجه الأوّل من وجهي الشكل المؤسس على خلو الحكم من الأسباب فيما يختص بنفي القيود المفروضة على المباني القائمة في أرض الجبانات، ثم الوجهان الأوّل والثاني من الوجوه المؤسسة على مخالفة القانون ولهما اتصال وثيق بوجه العيب الشكلي المتقدّم ذكره.
ومؤدّى هذه الوجوه الثلاثة مجتمعة أن الحكم المطعون فيه قد أغفل أنه كان مطروحاً أمام المحكمة الابتدائية من جميع أطراف الخصومة موضوع تقيد المباني المقامة على أرض الجبانات بأحكام المادة السادسة من لائحة الجبانات الصادرة في 28 من فبراير سنة 1926 بحيث لا يجوز عمل ترميم أو إصلاح فيها. ومع ذلك فقد قضى ذلك الحكم بمنع تعرّض لجنة الجبانات لأحمد محمد الجبالي أفندي في الملك الذي تلقاه بطريق البدل من الست سكينة هانم منصور بخريطة التونسي من غير أن يأتي بأسباب لقضائه هذا في شطر هام من الدعوى بل جعل كل أسبابه مقصورة على بحث ملكية الأرض التي يقوم عليها المنزل المتنازع عليه.
ثم تقول الطاعنة بعد ذلك في وجهي الخطأ القانوني إن الحكم المطعون فيه قد اعتبر المنزل المتنازع عليه خارجاً عن المنافع العمومية لأنه من ضمن مجموعات المساكن الواقعة حول مسجدي الإمام الشافعي والإمام الليثي، وهذه المجموعات أخرجتها من أرض الجبانات الفقرة الثانية من المادة الثانية من مرسوم 10 من فبراير سنة 1924. وهذا النظر خطأ في القانون لأن الفقرة الثانية من المادة المذكورة إنما أخرجت تلك المجموعات من المساكن من التخصيص للدفن إمهالاً لأصحابها ريثما تتلاشى مع الزمن وتخلو منطقة الجبانات من المساكن. وقد بدا ذلك الغرض جلياً حين صدرت لائحة الجبانات وفي المادة السادسة منها نص يحرم إصلاح أو ترميم أو تقوية هذه المباني. ومن جهة أخرى فإن المنزل المتنازع عليه لا تنطبق عليه المادة الثانية التي استندت إليها المحكمة، إذ المادة تشير إلى الأراضي المشغولة سنة 1924 التي صدر فيها القانون، ومنزل النزاع لم يشيد إلا في سنة 1927.
هذا هو مؤدّى الوجوه الثلاثة المتقدّم ذكرها.
وبما أن ما تعيبه الطاعنة على الحكم المطعون فيه هو ما أورده ذلك الحكم في الفقرات الآتية: "ومن حيث إن وزارة الداخلية تستند في دعواها ملكية أرض المنزل المتنازع عليه على أن هذا المنزل يدخل ضمن أرض الجبانة المخصصة لدفن أموات المسلمين من عهد الفتح الإسلامي لغاية الآن، وأن أرض الجبانة من المنافع العمومية".
"ومن حيث إنه مع التسليم جدلاً بأن سفح جبل المقطم قد خصص لدفن أموات المسلمين في أوّل الفتح الإسلامي فإنه لم يقم سند على تحديد هذا السفح تحديداً يدخل المنزل المتنازع عليه فيه".
"ومن حيث إنه مع التسليم بأن خريطة الحملة الفرنساوية بينت منطقة مقابر المسلمين وسمتها (مدينة الأموات)، ومع التسليم بأن أرض المنزل المتنازع عليه تدخل في هذه المنطقة، فلا يجوز مع هذا التسليم بأن أرض هذه المنطقة المرسومة على هذه الخريطة كلها كانت مخصصة لدفن الموتى، إذ لا يمنع هذا التحديد من وجود منازل أو أراضٍ ملك لأفراد بين هذه المقابر، كما هو الواقع الآن في جميع مقابر القاهرة، وكما تدل عليه الفقرة الثالثة من المرسم الصادر في 10 فبراير سنة 1924 التي سيأتي الكلام عليها فيما بعد. وهذا الأمر يسري أيضاً على الخريطة التي وضعها جرانت باشا".
"ومن حيث إنه مع هذا فقد صدر مرسوم بتاريخ 10 فبراير سنة 1924 ببيان الجبانات الكائنة بسفح المقطم المخصصة لدفن موتى المسلمين وتعيين حدودها، وأخرج من هذا التخصيص (أوّلاً) المواقع المقامة عليه مساجد وقره قولات أو مبانٍ أخرى مخصصة لمنفعة عامة، وكذا الأراضي المستعملة كطرق عامة أو سكك حديدية. (ثانياً) الأراضي المشغولة بمجموعات مساكن واقعة حول مسجدي الإمام الشافعي والإمام الليثي. ومن حيث إن هذا الإخراج يجعل الأماكن المذكورة خارجة عن أرض الجبانة، فعلى اعتبار أن أرض الجبانة من المنافع العمومية فتكون الأماكن المذكورة خارجة عن المنافع العمومية، ولمدعي الملكية في هذه الأماكن أن يقدّم الدليل على ملكيته لها".
"ومن حيث إنه خلافاً لما جاء بالحكم المستأنف قد ثبت أن المنزل المتنازع عليه من ضمن مجموعات المساكن الواقعة حول مسجدي الإمام الشافعي. وهذا ظاهر من الخرائط المودعة بملف الدعوى إذ أن مجرّد الاطلاع على موقع هذا المنزل في الخرائط يدل بلا شك على أنه واقع بين المساكن المذكورة ومحاط بها".
"ومن حيث إن الحكومة لم تقدّم أي سند على ملكيتها لهذا المنزل أرضاً وبناء خلاف دعواها بأنه من أرض الجبانة، وقد سقطت دعواها هذه فتعتبر دعواها بالملكية على غير أساس".
"ومن حيث إن المرسوم الصادر في 10 فبراير سنة 1924 عند إخراجه الأراضي المشغولة بمجموعات المساكن المذكورة من الأماكن المخصصة للدفن عقب على ذلك بالعبارة الآتية: مع حفظ جميع حقوق الحكومة على هذه الأراضي".
"ومن حيث إن هذا التحفظ لا يفيد ملكية الحكومة لهذه الأراضي. والظاهر أن ذكر هذه العبارة المبهمة لا يقصد منه إلا الاحتياط في عدم ضياع ما قد يظهر للحكومة من حقوق على هذه الأراضي، وفي هذه الدعوى الحالية لم تدع الحكومة أن لها حقاً آخر خلاف دعواها بأن المنزل من المنافع العمومية ومن أرض الجبانة وهو ما ظهر فساده".
"ومن حيث إنه عن المادة الثالثة من المرسوم المذكور والتي جاء ذكرها بالمذكرات وبالحكم المستأنف فقد نصت على أن لا يترتب على هذا المرسوم أن تنزع الحكومة ملكية أية قطعة أرض من الأراضي التي يكون مقرراً عليها حق امتلاك خاص في الوقت الحاضر. وهذا النص لا دخل له بموقع النزع، إنما حكم هذا النص خاص بالأملاك الخصوصية الداخلة في حدود المقابر المخصصة لدفن الموتى والتي لم يخرجها المرسوم عن هذا التحديد".
وبعد ذلك أشار الحكم إلى أصل ملكية السيدة سكينة هانم منصور وإلى تعاقدها مع الجبالي أفندي، وانتهى إلى النتيجة الآتية:
"ومن حيث إنه لما تقدّم لا يكون للحكومة بأي شكل من الأشكال معارضة أحمد محمد الجبالي أفندي المذكور في هذا المنزل. ويتعين حينئذ الحكم بإلغاء الحكم المستأنف والحكم لأحمد محمد الجبالي أفندي بطلبه الأصلي في الاستئناف المقدّم منه".
وبما أن الذي يؤخذ من هذا الذي اقتبس من الحكم المطعون فيه أن محكمة الاستئناف قد جزمت بأن المنزل المتنازع عليه خارج عن المنافع العمومية لأنه من ضمن مجموعات المساكن الواقعة حول مسجدي الإمام الشافعي والإمام الليثي. وهذه المجموعات على ما فهمته من نص المادة الثانية فقرة ثانية من مرسوم 10 من فبراير سنة 1924 ليست في نطاق الجبانات ولا تنطبق عليها لائحتها. وقد ترتب على جزمها بصحة هذا النظر أن ملكية الجبالي أفندي للمنزل يجب أن يحكم بها طليقة من كل قيد، فقضت بذلك ولم ترَ حاجة إلى ضرورة ذكر تعليل أكثر صراحة لرفع قيود ملكية المنزل اكتفاء بالتعليل المفهوم من إخراجه من نطاق الجبانات وأرض المنافع العامة. وهي في هذا لم تجعل حكمها قاصر الأسباب، ولكنها من ناحية الخطأ القانوني قد وقعت فيما ينعاه عليها الطاعن. ذلك أن نص المادة الثانية فقرة ثانية لم يخرج مجموعة المساكن التي أشارت إليها تلك الفقرة من نطاق الجبانات وإنما هو أخرجها فقط من الأرض المخصصة للدفن كما تقول الطاعنة، وذلك لعلة من الهين فهمها وهي إمهال أصحاب تلك المساكن التي أقيمت تسامحاً ريثما تتلاشى مع الزمن وتخلو منطقة الجبانات التي لا يجوز صحياً أن تكتنفها بيوت الأحياء. ولقد استبانت على جلاء أغراض المشرع في هذا الشأن حينما حرم في المادة السادسة من لائحة الجبانات التي صدرت فيما بعد تجديد تلك المساكن أو ترميمها. فليس من شك إذن في انطباق لائحة الجبانات الصادرة وفقاً وتنفيذاً للقانون رقم 1 لسنة 1922 على المنازل التي تكتنف المقابر حول مسجدي الإمام الشافعي والإمام الليثي ومن ضمنها المنزل المتنازع عليه الذي أثبت الحكم المطعون فيه دخوله فيها، ويكون ذلك الحكم قد أخطأ إذن في ذهابه إلى عكس ذلك، ويتعين نقضه وإعادة القضية إلى محكمة الاستئناف لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى على هذا الأساس.