مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية
وضعها محمود أحمد عمر باش كاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثاني (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1936م لغاية 26 أكتوبر سنة 1939م) - صـ 607

جلسة 22 يونيه سنة 1939

برياسة حضرة محمد فهمي حسين بك وبحضور حضرات: حامد فهمي بك وعبد الفتاح السيد بك وعلي حيدر حجازي بك ونجيب مرقس بك المستشارين.

(194)
القضية رقم 12 سنة 9 القضائية

( أ ) نقض وإبرام. ميعاد الطعن. إعلان الحكم. الإعلان الذي يحصل بناءً على طلب قلم الكتاب وفقاً لمنشور الوزارة الصادر في 16 من أكتوبر سنة 1917. لا يعتبر تاريخه مبدأ سريان ميعاد الطعن.
(ب) طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق. رفضه مع بيان الأسباب. جوازه. موظف. إحالته إلى المعاش. ادعاؤه أن هذه الإحالة كانت لأسباب حزبية وطلب تحقيق ذلك. رفض هذا الطلب استناداً إلى ما ورد بملفه السري من أن الإحالة كانت لقلة كفايته. لا تثريب على المحكمة في ذلك.
1 - إن مجرّد إعلان الحكم، بناءً على طلب قلم الكتاب وفقاً للمنشور الوزاري المؤرّخ في 16 من أكتوبر سنة 1917 بتخويل أقلام الكتاب القيام بتنفيذ الأحكام التي يكون القضاء فيها للحكومة مقصوراً على الرسوم وأتعاب المحاماة، لا يعتبر تاريخه مبدأ لسريان ميعاد الطعن. وذلك لأن قلم الكتاب لم يكن خصماً في الدعوى التي صدر فيها الحكم. ومن جهة أخرى لا يمكن اعتباره نائباً عن الحكومة في قيامه بالإعلان إذ أن إدارة قسم القضايا هي التي تنوب عن الحكومة والمصالح العمومية. لا سيما إذا كان لم يرد في محضر الإعلان أن قلم الكتاب كان فيما أجراه وكيلاً عن الحكومة بمقتضى سند مثبت لذلك.
2 - للقاضي أن يرفض أي طلب بإجراء تحقيق متى كان من رأيه أن الدعوى ليست في حاجة إليه، ولكن عليه أن يبين في حكمه الأسباب التي بنى عليها رأيه. فإذا طلب المدّعي إحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت أن إحالته إلى المعاش كانت لأسباب حزبية فرفضت المحكمة طلبه مستندة في ذلك إلى الملف السري المقدّم من الحكومة الوارد فيه أن سبب إحالة المدّعي إلى المعاش إنما هو قلة كفايته العلمية والإدارية مما ينتفي معه السبب الذي بني عليه طلب التحقيق فلا تثريب عليها في ذلك.


الوقائع

تتلخص وقائع هذه المادة - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه - في أن الطاعن ادّعى أمام محكمة مصر الابتدائية في دعواه التي رفعها على مجلس الوزراء ووزارة العدل المقيدة برقم 542 سنة 1936 بأنه التحق بالقضاء الشرعي في سنة 1905 وظل يترقى في وظائفه إلى أن عين نائباً لمحكمة إسكندرية الشرعية في سنة 1927 وكان يؤدّي أعماله كلها خير قيام، وأنه في 18 من أكتوبر سنة 1930 فوجئ بإحالته إلى المعاش بناءً على عرض صاحب المعالي وزير الحقانية في ذلك العهد وقرار مجلس الوزراء. وذلك بسبب أهواء سياسية وأغراض حزبية. وطلب لذلك الحكم بإلزام المدّعى عليهما متضامنين بأن يدفعا له ستة آلاف جنيه مصري مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة بحكم مشمول بالنفاذ المؤقت بلا كفالة.
وبتاريخ 25 من مايو سنة 1937 قضت المحكمة الابتدائية بإلزام المدّعى عليهما بأن يدفعا له ألفين وخمسمائة جنيه والمصاريف المناسبة الخ.
فاستأنفت الحكومة هذا الحكم لدى محكمة استئناف مصر طالبة إلغاءه ورفض الدعوى مع إلزام المستأنف عليه بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين. واستأنفه كذلك الطاعن فرعياً طالباً تعديله إلى ستة آلاف جنيه.
وبعد أن ضمت المحكمة المذكورة الاستئناف الثاني إلى الاستئناف الأول حكمت فيهما بتاريخ 8 من ديسمبر سنة 1938 بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الشيخ محمد أمين أبو الفضل الخ.
أعلن هذا الحكم إلى الطاعن في 16 من يناير سنة 1939، فطعن فيه وكيله بطريق النقض في 14 من فبراير سنة 1939 بتقرير أعلن إلى المدعى عليهما في 22 من ذلك الشهر الخ.


المحكمة

من حيث إن النائب عن مجلس الوزراء ووزارة العدل دفع بعدم قبول الطعن شكلاً لأن الطاعن لم يقرر طعنه بقلم الكتاب إلا في 14 من فبراير سنة 1939 مع أن الحكم المطعون فيه قد أعلن له بناءً على طلب قلم الكتاب في 10 من يناير سنة 1939 عملاً بالمنشور المؤرخ في 16 من أكتوبر سنة 1917 الذي خوّل لأقلام كتاب المحاكم القيام بتنفيذ الأحكام التي يكون القضاء فيها للحكومة قاصراً على الرسوم وأتعاب المحاماة.
وحيث إن الطاعن طلب الحكم بعدم قبول هذا الدفع. وقد انضمت النيابة إليه في هذا الطلب.
وحيث إن كل ما جاء في صيغة الإعلان المحرّرة على صورة الحكم المطعون فيه أنه "كطلب قلم الكتاب أنا المحضر قد أعلنت... مخاطباً مع تابعه لغيابه تاركاً له صورته".
وحيث إن قلم الكتاب لم يكن من جهةٍ خصماً في الدعوى التي صدر فيها الحكم المطعون فيه، ولا يمكن اعتباره من جهة أخرى أنه قام بهذا الإعلان نائباً عن الحكومة، لأن إدارة قسم قضايا الحكومة هي التي تنوب عنها وعن المصالح العمومية في الدولة، وذلك بمقتضى القانون رقم 1 الصادر في 14 من يناير سنة 1923 وبالمراسيم والأوامر العالية السابقة، ولأنه من جهة أخرى كان عليه أن يذكر في صيغة الإعلان أنه يعمل فيه بصفته وكيلاً عن الحكومة بسند يخوّل له هذه الوكالة قانوناً.
وحيث إنه لذلك يتعين رفض هذا الدفع.
وحيث إن الحكومة قد أعلنت الحكم المطعون فيه للطاعن بإعلان آخر صحيح في 16 من يناير سنة 1939 ذكرت فيه أن نائبها هو قسم قضاياها الأهلية بشارع قصر العيني رقم 93 بالقاهرة، وإذن فقد رفع الطعن صحيحاً في الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلاً.
وحيث إن مبنى الطعن أن محكمة الاستئناف حين ألغت الحكم المستأنف وقضت برفض دعوى التعويض التي رفعها الطاعن على الحكومة، قد أخطأت في تطبيق قواعد القانون العام. ووجه الخطأ على ما يقول الطاعن أن محكمة الاستئناف بعد أن قرّرت أن للحكومة الحق في إحالة الموظفين إلى المعاش متى اقتضت ذلك مصلحة الدولة، وبعد أن سلمت بأن لمن أحيل إلى المعاش أن يطالبها بالتعويض الذي يستحقه إذا أساءت استعمال حقها هذا أو خالفت روح القانون، اعتبرت الطاعن عاجزاً عن إثبات ما ادّعاه بغير أن تحيل القضية إلى التحقيق معتمدة في ذلك على ما استخلصته من ملف خدمته، وبغير أن تدوّن في حكمها الأسباب الداعية لذلك.
وحيث إن محكمة الاستئناف بعد أن ذكرت في صدر حكمها وقائع الدعوى، وأن الطاعن يدّعي أنه فوجئ بإحالته إلى المعاش لأسباب سياسية وأغراض حزبية وأن الباعث على ذلك هو أن أخاه كان ينتمي إلى الوفد، وقد طلب إليه أن يقنعه بالتخلي عن هذه الهيئة والانضمام إلى مؤيدي الحكومة فأبى، فأثار ذلك غضب رجال الحكومة وقرّروا إحالته إلى المعاش - بعد ذلك قالت محكمة الاستئناف: "إن الحكومة هي الهيئة المسئولة عن إدارة الشئون العامة للبلاد... وهي تستعين في أداء مهمتها بالموظفين الذين تختارهم لهذا الغرض وطبيعة مسئوليتها تقتضي أن يكون لها حق اختيار هؤلاء الموظفين من بين الحائزين للصفات والمؤهلات التي تمكنهم من القيام بأعباء وظائفهم على أكمل وجه... وأن تراقبهم... وتفصل منهم من يثبت أنه أصبح غير لائق للقيام بأعباء وظيفته، وسواء أكان ذلك بسبب اعتلال صحته أم عدم كفايته دون أن تبدي الأسباب التي حملتها على ذلك أو تطالب بإبدائها، إذ المفروض أن الحكومة لا تراعي في تصرفاتها إلا المصلحة العامة، إنما للموظف الذي يتضرر من فصله أن يثبت أن فصله كان لأسباب حزبية أو أي أسباب أخرى لا تمت للمصلحة بصلة". ثم قالت "وحيث إن الشيخ محمد أمين زعم أنه فصل لأسباب سياسية ولم يقدّم الدليل على ذلك. وحيث إن الحكومة فضلاً عن أنها غير ملزمة بأن تبين الأسباب التي حملتها على فصله كما أشير إلى ذلك آنفاً، فإن وزارة الحقانية قدّمت ملف خدمته السري. وقد جاء فيه أنه ضعيف الكفاءة العملية وضعيف الكفاءة الإدارية، الأمر الذي ينتفي معه قوله بأن فصله كان لأسباب سياسية، ومن ثم يكون الحكم المستأنف في غير محله".
وحيث إنه يبين من هذا الذي نقل عن الحكم المطعون فيه أن محكمة الاستئناف لم ترفض الأخذ بالنظرية التي يقول بها الطاعن (مع أنها محل نظر) من أن للموظف الذي يتضرر من فصله أن يثبت أن فصله كان لأسباب حزبية أو لأسباب أخرى لا تمت للمصلحة العامة بصلة، بل رفضت الإحالة إلى التحقيق مستندة إلى الملف السري الذي قدّمته الحكومة واستبانت منه أن سبب إحالة الطاعن إلى المعاش هو ضعفه في الكفاءة وفي الإدارة. وحيث إن قاضي الدعوى له أن يرفض طلب إجراء أي تحقيق يطلبه الخصوم متى رأى أن لا حاجة إليه على أن يدّون في حكمه الأسباب الكافية التي اعتمد عليها في ذلك.