مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السادس (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1942 لغاية 29 أكتوبر سنة 1945) – صـ 29

جلسة 30 نوفمبر سنة 1942

برياسة حضرة صاحب العزة سيد مصطفى بك وكيل المحكمة وبحضور حضرات: منصور إسماعيل بك وجندي عبد الملك بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزائرلي بك المستشارين.

(24)
القضية رقم 1886 سنة 12 القضائية

إتلاف أرض منزرعة:
( أ ) لا يشترط توافر قصد جنائي في هذه الجريمة.
(ب) أرض مؤجرة. انتهاء مدّة الإجارة. استمرار المستأجر في وضع يده على الأرض وزرعها. سكوت صاحب الأرض على ذلك. إتلاف المالك هذا الزرع. جريمة. ماذا يجب على المالك عمله؟
(المادة 321 ع = 367)
1 - إنه لما كان النص القانوني الذي يعاقب على إتلاف الزرع ليس فيه ما يوجب توافر قصد جنائي خاص فإنه يكفي أن يقوم لدى الجاني القصد الجنائي العام. لأن القول بأن المتهم يجب أن يكون قد قصد بفعل الإتلاف الإساءة إلى صاحب الزرع - ذلك فيه اعتداد بالباعث على الجريمة، والقانون لا ينظر إلى البواعث إلا في الأحوال الخاصة التي ينص عليها صراحة.
2 - إذا كان الثابت أن الأرض التي أتلف الزرع القائم عليها هي جزء من قطعة كان المجني عليه استأجرها من المتهم عن مدّة معينة، ثم امتنع المتهم عن تأجيرها له، فاستمر هو واضعاً يده عليها، وزرعها قمحاً، وسكت المتهم حتى مضى على بدء السنة الزراعية أكثر من ثلاثة أشهر ثم أقدم على إتلاف زرعها فإنه يعاقب على ذلك، لأن الزرع ملك لزارعه حتى يقضي بعدم أحقيته في وضع يده على الأرض. وإذن فقد كان على المتهم صاحب الأرض أن يحصل أوّلاً من جهة القضاء على حكم بعدم أحقية الزارع في وضع يده على الأرض ويتسلمها منه، وعندئذ فقط يحق له القول بأن الزرع القائم عليها ملك له بحكم الالتصاق، أما قبل ذلك فإن حقه في ملكية الزرع لا يكون حقاً خالصاً نهائياً له بل معلقاً على وجود الزرع قائماً في الأرض وقت القضاء بعدم أحقية الزارع في البقاء بها.


المحكمة

وحيث إن مبنى الوجه الأوّل من وجهي الطعن المقدّم من الطاعن الثالث أن القصد الجنائي غير متوفر في الدعوى، لأن القانون يوجب في جريمة إتلاف المزروعات أن يكون فعل الإتلاف قد وقع بقصد الإساءة، أي أنه يشترط قصداً جنائياً خاصاً ولا يكتفي بالقصد الجنائي العام.
وحيث إنه لما كان النص القانوني الذي يعاقب على إتلاف الزرع ليس فيه ما يوجب توافر قصد جنائي خاص لهذه الجريمة، فإنه يكفي فيها أن يقوم لدى الجاني القصد الجنائي العام. ذلك لأن القول بأن المتهم يجب أن يكون قد قصد بفعل الإتلاف الإساءة إلى صاحب الزرع فيه اعتداد بالباعث على الجريمة، والقانون لا ينظر إلى البواعث إلا في الأحوال الخاصة التي ينص عليها صراحة.
وحيث إن الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه لأسبابه قال في صدد بيان واقعة الدعوى أنها "تتلخص في أن الأرض التي أتلفت زراعتها هي جزء من قطعة مساحتها فدان و16 قيراطاً و8 أسهم لشقيقة المتهم الثالث وهو وكيل عنها، وقد أجرها بهذه الصفة إلى المجني عليه شاكر مينا وأخيه عجيب مينا في سنتي 1937 و1938، ثم امتنع عن تأجيرها لهما في سنة 1939 الزراعية ولكن المجني عليه استمر واضعاً يده عليها بعدئذ وزرعها قمحاً. وفي يوم 26 ديسمبر سنة 1938 قدّم هذا الزارع بلاغاً للبوليس مفاده أن المتهمين الأول والثاني بتحريض المتهم الثالث أتلفوا جانباً من هذه الزراعة بالمرور بالجمال ووضع الطوب فيها ثم شفع ذلك ببلاغ آخر بتاريخ 6 يناير سنة 1939 قال فيه إن أولئك المتهمين تعرّضوا له ومنعوه عن ري هذه الزراعة وتولى البوليس التحقيق... واعترف المتهمان الأوّلان في البداية بأنهما فعلا ذلك لاغتصاب المجني عليه لتلك الأرض ولكي يقيما فيها ماكينة للري بأمر المتهم الثالث، ثم عادوا يقولان إنهما فعلاه برضاء المجني عليه...". وبعد أن أورد الحكم الأدلة على ثبوت واقعة الإتلاف المسندة إلى الطاعن وزملائه عرض إلى دفاعهم المشار إليه بوجه الطعن فقال إنه لا يعفيهم من العقاب كونهم ما قصدوا الإتلاف لذاته بل لإقامة ماكينة للري إذ إن هذا الباعث لا يمنع من توافر القصد الجنائي وهو ارتكابهم فعل الإتلاف وهم عالمون بأنه موصل لهذه النتيجة بصرف النظر عن الباعث على ذلك الفعل. وفيما ذكره الحكم من ذلك ما يدل على أن الطاعن ومن معه تعمدوا ارتكاب جريمة الإتلاف التي أدينوا من أجلها. وهذا كما قالت المحكمة بحق يكفي في توافر القصد الجنائي، بغض النظر عن الباعث على الإتلاف.
وحيث إن محصل الوجه الثاني أن المادة 65 من القانون المدني تنص على أنه "إذا حصل الغراس أو البناء أو غير ذلك من الأعمال من شخص بمهمات وأدوات نفسه في ملك غيره فالمالك مخير بين إبقاء هذه الأشياء بأرضه وبين إلزام فاعلها بنزعها". ولما كانت هذه الفقرة تتكلم عن الغارس أو الباني السيئ النية فإنها تكون منطبقة على النزاع القائم في الدعوى، لأنه من المسلم به في الحكم أن الأرض مغتصبه وأن الزارع سيئ النية. وانتهى الطاعن من ذلك إلى القول بأنه ما دامت الأرض قد اغتصبها الزارع فإنه كان يجب اعتبار صاحب الأرض قد اختار تملك الزرع، وهذا كان يستوجب براءته على أساس أن الزرع لم يكن ملكاً للزارع.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد أثبت أن الأرض التي أتلفت الزرع القائم عليها هي جزء من قطعة استأجرها المجني عليه وأخوه من الطاعن بصفته وكيلاً عن أخته في سنتي 1937 و1938 ثم امتنع المؤجر عن تأجيرها لهما في سنة 1939 الزراعية فاستمر المجني عليه واضعاً يده عليها وزرعها قمحاً وسكت الطاعن حتى مضى على بدء السنة الزراعية نيف وثلاثة أشهر، ثم أقدم هو والمتهمان الأوّل والثاني على إتلاف بعض الزرع القائم عليها. وما دام هذا هو الثابت في الحكم فما كان يحق له ومن معه - كما قال الحكم المطعون فيه - أن يرتكبوا ما ارتكبوه، بل كان على المالك أن يحصل أوّلاً من جهة القضاء على حكم بعدم أحقية الزارع المدعى عليه بالاغتصاب في وضع يده على الأرض وبتسلمها منه، وعندئذ فقط، يحق له أن يقول إن الزرع القائم على الأرض ملك له بحكم التصاقه بالأرض. أما قبل ذلك فإن حقه في ملكية الزرع لم يكن حقاً خالصاً نهائياً له بل معلقاً على وجود الزرع قائماً في الأرض وقت القضاء بعدم أحقية الزارع في البقاء بها. ومتى تقرر ذلك فإن الزارع يكون له ملكية الزرع حتى يقضي بعدم أحقيته في وضع يده على الأرض. وإذن فإن إدانة الطاعن وزملائه على أساس أن الزرع الذي أتلفوه إنما كان ملكاً للزارع تكون صحيحة، ما دام الطاعن لا يدعي بوجه الطعن أن حكماً قد صدر له على الزارع برفع يده عن الأرض.