مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السادس (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1942 لغاية 29 أكتوبر سنة 1945) - صـ 32

جلسة 30 نوفمبر سنة 1942

برياسة حضرة صاحب العزة سيد مصطفى بك وكيل المحكمة وبحضور حضرات: منصور إسماعيل بك وجندي عبد الملك بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزائرلي بك المستشارين.

(25)
القضية رقم 2252 سنة 12 القضائية

( أ ) متهمان. إصابة واحدة نشأت عنها عاهة. عدم اهتداء المحكمة إلى معرفة محدثها من هذين المتهمين. وجوب تبرئتهما ورفض دعوى التعويض قبلهما. القدر المتيقن. محل أخذ المتهمين به. وقوع ضرب من كل منهما وعدم معرفة الضربة التي أحدثها على سبيل التحقيق.
(ب) إثبات. سلطة المحكمة الجنائية في تقدير الدليل. محاضر الاستدلالات التي يحرّرها رجال البوليس من غير تحليف الشهود اليمين. الاعتماد عليها. جوازه.
1 - إذا كانت الدعوى قد رفعت على المتهمين بأنهما ضربا المجني عليه بالعصي على ذراعه اليمنى ضرباً نشأت عنه العاهة، واستخلصت المحكمة من التقرير الطبي أن ليس بهذه الذراع إلا إصابة واحدة هي التي نشأت عنها العاهة، ثم قالت إنه لم يتيسر لها معرفة مَن مِن المتهمين الاثنين هو الذي أحدثها، فإن براءة كليهما تكون متعينة، ويكون رفض دعوى التعويض قبلهما واجباً. ولا يصح في هذه الحالة القول بأخذهما بالقدر المتيقن، فإن ذلك محله أن يكون كل منهما قد وقع منه ضرب ولكن لا تعرف، على سبيل التحقيق، الضربة التي أحدثها.
2 - للمحكمة في المواد الجنائية أن تكون عقيدتها من أي دليل أو أية قرينة تقدّم إليها في الدعوى، ومن ذلك محاضر الاستدلال التي يحرّرها البوليس بأقوال الشهود دون حلف اليمين، فإن العبرة هي بتقدير المحكمة للدليل واطمئنانها إليه.


الوقائع

تتحصل وقائع هذه القضية - على ما يؤخذ من أوراقها المنضمة - في أن النيابة العمومية اتهمت هؤلاء الثلاثة المطعون ضدّهم وحسن قناوي خضر ومحمود صالح محمد ويمن هميمي خضر وعائشة أبو الخير محمد في قضية الجناية رقم 454 مركز إسنا لسنة 1939 بأنهم في يوم 22 محرّم سنة 1358 الموافق 13 مارس سنة 1939 بناحية العضايمة من أعمال مديرية قنا - الأول والثاني منهم ضربا المتهم الخامس (محمود صالح محمد) بالعصي على ذراعه الأيمن فأحدثا به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي والتي تخلفت عنها عاهة مستديمة يستحيل برؤها وهي انحراف باليد اليمني وضعف بها يقللان من كفاءته على العمل بنحو 15%، والثالث ضرب المجني عليه المذكور على كتفه الأيسر فأحدث به الإصابات الموضحة بالتقرير الطبي، والتي عولجت في مدّة تزيد على عشرين يوماً، والرابع ضرب يوسف محمود صالح فأحدث به الإصابات الموضحة في التقرير الطبي والتي عولجت في مدّة تقل عن العشرين يوماً، والخامس ضرب المتهم الرابع حسن قناوي خضر فأحدث به إصابات عولج منها في مدّة تقل عن العشرين يوماً، والسادسة ضربت نفيسة أحمد صالح فأحدثت بها الإصابات الموصوفة في التقرير الطبي وقد احتاجت في علاجها إلى مدّة تقل عن العشرين يوماً، والمتهمة السابعة ضربت فاطمة أحمد عبد الرحمن فأحدثت بها الإصابات الموضحة بالتقرير الطبي إلخ.
وحيث عن مبنى الطعن فيما يختص بالأول والثاني من المطعون ضدّهم هو أن المذكورين أحدثا بالساعد الأيمن للمجني عليه إصابتين الأولى: بالجهة الوحشية نسب الطاعن حصولها إلى الأول وهي التي تخلفت عنها العاهة المستديمة، والأخرى بالجهة الإنسية نسبها إلى الثاني، وقد شكت محكمة أول درجة في أيهما هو الذي أحدث الضربة التي تخلفت عنها العاهة المستديمة ورأت أنه لا محل لمؤاخذة كل واحد منهما إلا على القدر المتيقن حصوله منه، وأدانتهما في جنحة الضرب الواقع تحت طائلة المادة 242 من قانون العقوبات. ولكن المحكمة الاستئنافية قضت ببراءتهما ولم تورد في أسباب حكمها ما يصلح رداً على الحكم الابتدائي.
وحيث إن الحكم الاستئنافي قد ذكر فيما يتعلق بالمطعون ضدّهما المذكورين "أن المدّعي بالحق المدني صمم على أن المتهمين الأول والثاني أحدثا به إصابتين نشأ عنهما العاهة المستديمة وقد كذبه حضره الطبيب الشرعي إذ جزم بأن العاهة المستديمة قد نشأت عن ضربة واحدة فقط ولم تكن وليدة ضربتين، وأنه لم يتبين من التحقيقات على وجه التحديد مَن مِن المتهمين الأوّلين هو الذي أحدث العاهة المستديمة بالمدعي المدني. ومن حيث إنه فيما يختص بالمتهم الثالث فإن المدّعي المدني لم يتهمه من بادئ الأمر في تحقيقات البوليس بل اتهم شخصاً آخر يدعى نافع علي عثمان، ثم عدل عنه أمام النيابة، واتهم المتهم الثالث بعد مضي زمن طويل على حصول الحادثة. ومن حيث إنه لهذه الاعتبارات ترى هذه المحكمة أن التهمة المسندة إلى المتهمين مشكوك فيها ويتعين براءتهم عملاً بالمادتين 172 و188 ج". ويستفاد من ذلك أن المحكمة الاستئنافية استخلصت من تقرير الطبيب الشرعي أنه ليس بالساعد الأيمن للطاعن غير إصابة واحدة هي التي نشأت عنها العاهة المستديمة، وقالت إنه لم يتيسر لها معرفة أي المتهمين أحدثها. ولما كانت الدعوى لم تكن مرفوعة على المتهمين إلا عن ضربهما المجني عليه بالعصي على ذارعه الأيمن ضرباً نشأت عنه العاهة فإن براءة المتهمين كليهما تكون واجبة مما يقتضي رفض طلب التعويض. وذلك لأن أخذ المتهمين بالقدر المتيقن إنما محله أن يثبت أن كلاً منهم وقع منه ضرب ولم يوفق التحقيق إلى تحديد الضربة التي أحدثها، أما إذا لم تكن هناك إلا ضربة واحدة واقتنعت المحكمة بأن الضارب للمجني عليه واحد من ضمن متهمين معينين لم يظهره التحقيق فيكون الواجب براءة الكل كما هو الحال في الدعوى.
وحيث إن مبنى الطعن بالنسبة للمطعون ضدّه الثالث أن المحكمة الاستئنافية استندت في حكمها ببراءته إلى أن الطاعن إنما اتهمه لأول مرة في التحقيق الذي قامت به النيابة العمومية ولم يكن اتهمه في تحقيق البوليس بل كان قد اتهم شخصاً غيره. وبذلك تكون المحكمة عوّلت على تحقيقات البوليس وهي لا معوّل عليها، لأن المعوّل إنما يكون على التحقيقات التي تحلف فيها اليمين وهي التي تجريها النيابة والمحكمة.
وحيث إنه لا محل لهذا الوجه، لأن للمحكمة في المواد الجنائية أن تكون عقيدتها من أي دليل أو أية قرينة تقدّم إليها في الدعوى، ومن ذلك محاضر الاستدلالات التي يحرّرها البوليس من غير أن يحلف الشهود فيها اليمين. والمرجع في ذلك كله إلى تقدير المحكمة للدليل واطمئنانها إليه.