مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السادس (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1942 لغاية 29 أكتوبر سنة 1945) - صـ 54

جلسة 7 ديسمبر سنة 1942

برياسة حضرة صاحب العزة سيد مصطفى بك وكيل المحكمة وبحضور حضرات: منصور إسماعيل بك وجندي عبد الملك بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك المستشارين.

(39)
القضية رقم 48 سنة 13 القضائية

تهديد بارتكاب جريمة ضدّ النفس أو المال. عبارة التهديد. توجيهها مباشرة إلى الشخص الذي قصد تهديده. لا يشترط. يكفي أن يكون الجاني قد أعدّ رسالة التهديد لتصل إلى علم المراد تهديده سواء بإرسالها إليه مباشرة أو بإرسالها إلى شخص آخر بلغها إياه أو لم يبلغها. يكفي أن يثبت في حق الجاني أنه لا يجهل أن هذا الطريق يتوقع معه حتماً علم المجني عليه بالتهديد.
(المادتان 283 و 284 ع = 326 و 327)
إن المادة 327 من قانون العقوبات إذ نصت على عقاب "كل من هدّد غيره بارتكاب جريمة ضدّ النفس أو المال" لم توجب بصيغتها العامة هذه أن تكون عبارة التهديد قد وجهت مباشرة إلى ذات الشخص الذي قصد تهديده في نفسه أو في ماله. فيكفي للعقاب بموجبها أن يكون الجاني قد أعدّ رسالة التهديد لتصل إلى علم المراد تهديده، سواء أأرسلها إليه فتلقاها مباشرة أم بعث بها إلى شخص آخر فتلقاها هذا الآخر ثم بلغها إياه أو لم يبلغها. ثم إنه لا يشترط أن يكون الجاني الذي يختار هذا الطريق الأخير في توجيه نذيره قد قصد أن يقوم من أرسلت إليه بتبليغها إلى المعنيّ بها بل يكفي أن يثبت في حقه أنه لا يجهل أن الطريق الذي اختاره يتوقع معه حتماً أن المرسل إليه بحكم وظيفته أو بسبب علاقته أو صلته بالشخص المقصود بالتهديد سيبلغه الرسالة.


المحكمة

وحيث إن الطاعن يتمسك في طعنه بأن الواقعة التي أدين من أجلها لا عقاب عليها. لأن خطاب التهديد لم يرسل مباشرة للمجني عليه وهو السفير البريطاني بل أرسل لشخص آخر هو رئيس الديوان الملكي، ويجب أن يثبت أن المتهم كان يقصد أن يصل التهديد إلى علم من أراد تهديده. ولم يثبت في الدعوى أنه قصد ذلك بل إن الظروف والملابسات التي أرسل فيها الخطاب إلى المرسل إليه هي والعبارات التي تضمنها الخطاب تنفي عنه نفياً باتاً أنه كان يريد أن يصل التهديد إلى المهدّد. فالقصد الجنائي إذن غير متوفر لدى الطاعن. وخصوصاً أنه ما كان يدرك أن ما جاء بالخطاب من شأنه أن يزعج المجني عليه لاعتقاده أنه لن يخرج أبداً من مكتب المرسل إليه.
وحيث إن المادة 327 من قانون العقوبات إذ نصت على عقاب "كل من هدّد غيره بارتكاب جريمة ضدّ النفس أو المال..." لم توجب بصيغتها العامة هذه التي أفرغت فيها أن تكون عبارة التهديد قد وجهت مباشرة إلى ذات الشخص الذي قصد تهديده في نفسه وماله. ولذلك فإنه يكفي للعقاب بموجبها أن يكون الجاني قد أعدّ رسالة التهديد لتصل إلى علم المراد تهديده سواء أرسلها إليه فتلقاها مباشرة أو بعث بها إلى شخص آخر فتلقاها هذا الآخر ثم بلغه أو لم يبلغه إياها. هذا ولا يشترط أن يكون الجاني الذي يختار هذا الطريق الأخير في توجيه رسالته قد قصد أن يقوم المرسل إليه بتبليغ المعني بها، بل يكفي أن يثبت في حقه عدم جهله بأن الطريق الذي سلكه محفوف بما يجب معه أن يتوقع الإنسان أن المرسل إليه بحكم وظيفته أو بسبب علاقته أو صلته بالشخص المقصود بالتهديد سوف يبلغه الرسالة.
وحيث إن الحكم الابتدائي الذي أخذ الحكم المطعون فيه بأسبابه أدان الطاعن في جريمة التهديد المرفوعة بها الدعوى عليه وقال في ذلك "إن النيابة العمومية اتهمت المتهم (الطاعن) بأنه هدّد كتابة حضرة صاحب السعادة السير مايلزلمبسون سفير دولة بريطانيا بارتكاب جناية ضدّ النفس معاقب عليها بالقتل ولم يكن التهديد مصحوباً بطلب أو بتكليف بأمر إذ أرسل كتاباً لحضرة صاحب المعالي أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي يهدّد فيه بقتل سعادة السفير المجني عليه وطلبت عقابه بالمادة 327/ 2 عقوبات. وحيث إن المتهم قرّر بالتحقيق وأمام المحكمة أنه هو الذي أرسل الخطاب المؤرّخ أوّل يوليه سنة 1942 إلى معالي أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي وأنه كتبه بخطه، وقد تبين من مراجعة الخطاب المذكور ما سطره المتهم بآخره من أنه يدعو الله ليلاً ونهاراً أن يوفقه إلى قتل السير مايلزلمبسون جزاء ما قدّمت يداه. وحيث إن النيابة اعتبرت الألفاظ الواردة بالسطر الثاني من الخطاب المذكور تهديداً لأن المتهم خاطب معالي رئيس الديوان الملكي بصفته مهدّداً السير مايلزلمبسون، وأن الصلة الوثيقة قائمة بين الاثنين لأن أوّلهما رئيس الديوان الملكي وثانيهما سفير الدولة البريطانية لدى المملكة المصرية، فالصلة قائمة بينهما بحكم منصبيهما. وقد ردّ الدفع على ذلك بأن عبارة الخطاب لا تتضمن تهديداً بالقتل وإنما هي مجرّد تمني المتهم ودعائه الله أن يوفقه للقتل، وأن هذا الدعاء قد لا يستجاب إليه فلا يوفق لما تمناه. كما قرّر بعدم وجود أي صلة بين المرسل إليه الخطاب والمهدّد، أو على الأقل فإن الصلة بينهما ليست من النوع الذي يحتمل معه أن يصل علم التهديد إلى المجني عليه. وحيث إن جريمة التهديد تتكون من ركنين: الركن المادي وهو ألفاظ التهديد، والركن الأدبي وهو القصد الجنائي. وحيث إنه بالنسبة للركن المادي فإن القانون لم يبين ما هو التهديد، ولم يشترط لذلك عبارات خاصة بل ترك الأمر في ذلك لتقدير المحكمة. فكل عبارة من شأنها إزعاج المجني عليه وإلقاء الرعب في نفسه أو إحداث الخوف عنده من خطر يراد إيقاعه بشخصه أو ماله يعتبر تهديداً معاقباً عليه متى توافرت فيه الصفات المنصوص عليها في المادة 284 عقوبات (قديم). كما أن جريمة التهديد من نوع خاص فلا يشترط فيها أن يكون لدى الجاني نية تحقيق ما هدّد به. ولذا فإن القانون يعاقب عليها لمجرد ما قد يحدثه التهديد في ذاته من أثر في نفس المجني عليه. وحيث إنه على ضوء ما تقدم ترى المحكمة أن الركن المادي متوفر في العبارات الآتية التي وردت بخطاب المتهم وهي "والسبب في هذا الحصار هو تصرف ذلك الإنجليزي – هو مايلزلمبسون - من تاريخ هذا الحادث المثير للأعصاب وأنا أدعو الله ليلاً ونهاراً أن يوفقني إلى قتل هذا النذل الجبان جزاء ما قدمت يداه. ولا أعتبر هذا العمل إلا واجباً يحتمه علي حبي لوطني ومليكي المفدي وأن الفرصة الآن تناديني للقيام بهذا العمل وعلى الله توكلت". فهي عبارات صريحة في تهديد المجني عليه. وحيث إنه بالنسبة للركن الأدبي وهو القصد الجنائي فيكفي لتوافر القصد الجنائي في جريمة التهديد أن يعلم الجاني أن قوله أو كتابته من شأن أيهما أن يزعج المجني عليه. ولا عبرة بالبواعث إذ لا شأن لها بالقصد الجنائي. ولاشك أن المتهم عندما حرر الخطاب موضوع هذه القضية كان مدركاً أن خطابه مما قد يؤثر في نفس المجني عليه، لأن طبيعة كل إنسان المحافظة على حياته من الإجرام. فإذا علم بأن شخصاً يهدده ترك هذا التهديد أثراً في نفسه مهما كان هذا الأثر تافهاً. كما أن إدراك المتهم لنتيجة عباراته يؤخذ من إجابته بصحيفة 9 من التحقيق بأن ضميره هو الذي أملى عليه هذا الخطاب وحده وأنه ليس قاصراً حتى يرشده إليه أحد، ومن إجابته بصحيفتي 4 و5 بأنه كان يقصد إظهار شعوره مبدئياً، ثم اندفع في الكتابة، ومن ثقافته لأنه على شيء من العلم إذ يشتغل مدرساً بإحدى المدارس الإلزامية. وبذلك يكون القصد الجنائي متوافر لدى المتهم. وحيث إنه فيما يختص بالصلة بين المرسل إليه وبين المهدّد فهي متوفرة إذ يكفي أن يكون الجاني قد أراد أن يصل التهديد إلى الشخص المهدّد، أو كان يجب عليه أن يتوقع وصوله إليه، ولاشك أن الصلة والرابطة هي مسألة تقديرية موضوعية، وترى المحكمة أن الصلة قائمة بين رئيس الديوان الملكي وبين سفير بريطانيا باعتبارها دولة محالفة لأنهما بحكم منصبيهما قد توطدت بينهما الصلة الوثيقة والروابط القوية سواء وصل علم هذا الخطاب إلى المجني عليه أو لم يصل، مادام المتهم كان يجب أن يتوقع وصوله إليه. وبذلك يكون المتهم في يوم أوّل يوليه سنة 1942 بكفر الشيخ قد هدّد كتابة السير مايلزلمبسون بالقتل ولم يكن التهديد مصحوباً بطلب أو تكليف بأمر. وذلك بان أرسل الخطاب موضوع هذه القضية إلى معالي رئيس الديوان الملكي ويتعين معاقبته بالمادة 327/ 2 عقوبات. وحيث أنه بالنسبة لتقدير العقوبة فإن المحكمة ترى مراعاة أن المتهم شاب في مقتبل العمر، كما أنه ذكر بالتحقيق بأنه كان يريد إظهار شعوره إلا أنه اندفع في الكتابة، كما ترى من جهة أخرى أن المتهم سبق أن أرسل خطاباً لمعالي رئيس الديوان الملكي في فبراير سنة 1942 وقد اقتصر فيه على إظهار شعوره وألمه (تراجع أقواله بصحيفة 13) فلا محل لإعادة إرسال خطاب في أول يوليه سنة 1942 أي بعد حوالي خمسة شهور يتضمن في نهايته عبارات التهديد المنوّه عنها سابقاً. ومع مراعاة أيضاً مركز كل من المجني عليه والمرسل إليه ترى أخذ المتهم بعقوبة حازمة لا هي بالبسيطة ولا هي بالقاسية وتقدّر ذلك بسنة واحدة".
وحيث إنه يتضح مما تقدّم أن لا وجه لما أثير بالطعن. فالحكم المطعون فيه قد أثبت بالأدلة التي أوردها والتي من شأنها أن تؤدّي إلى ما رتبه عليها أنه كان من الواجب على الطاعن عندما أرسل خطاب التهديد الذي كتبه بعنوان صاحب الوظيفة المرسل إليه أن يتوقع تبليغ فحواه إلى المقصود بالتهديد. وذلك لأن الطاعن لم يكن ليجهل وقتئذ أن المرسل إليه، بوصف كونه موظفاً عمومياً يشغل وظيفة خطيرة الشأن وتربطه بالمهدّد تلك الروابط والعلاقات الخاصة التي بينتها المحكمة، لا يتغاضى عن مثل خطاب التهديد موضوع الدعوى، بل يجب عليه أن يبلغ أمره كل من يمكنهم أن يساهموا في عدم وقوع الفعل المهدّد به ومنهم الشخص المهدّد. ومتى كان هذا مقرّراً فإن إدانة الطاعن على الأساس المذكور في الحكم تكون صحيحة في القانون. أما عن الظروف والملابسات التي يشير الطاعن إليها ويقول إنه لا يمكن معها أن يكون قد قصد أن يصل التهديد إلى علم المهدّد، فإن ذلك جدل متعلق بوقائع الدعوى ولا شأن لمحكمة النقض به بعد أن قدرته محكمة الموضوع ورأت فيه أنه لا يغير من النظر الذي ذهبت إليه.