أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 49 - صـ 881

جلسة 11 من يوليه سنة 1998

برئاسة السيد المستشار/ صلاح البرجي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمود عبد الباري ومحمد حسين مصطفى نائبي رئيس المحكمة. ود. صلاح البرعي وحمد عبد اللطيف.

(114)
الطعن رقم 13270 لسنة 66 القضائية

(1) نقض "أسباب الطعن. تقديمها".
عدم تقديم الطاعنتين أسباباً لطعنهما. أثره. عدم قبول الطعن شكلاً.
(2) قتل عمد. جريمة "أركانها". قصد جنائي. فاعل أصلي. اشتراك. مسئولية جنائية.
الفاعل الأصلي في مفهوم المادة 39 عقوبات؟
الفاعل مع غيره هو بالضرورة شريك يجب أن يتوافر لديه ما يتوافر لدى الشريك من قصد المساهمة في الجريمة وإلا فلا يسأل إلا عن فعله.
تحقق قصد المساهمة في الجريمة أو نية التدخل فيها إذا وقعت نتيجة اتفاق ولو نشأ لحظة تنفيذها.
(3) فاعل أصلي. اشتراك. مسئولية جنائية.
الاتفاق. تطلبه تقابل إرادات الجناة على ارتكاب الجريمة. اختلافه عن التوافق الذي يتحقق بتوارد خواطر الجناة على ارتكاب فعل معين ينتويه كل منهم في نفسه دون اتفاق سابق ولا يرتب تضامناً في المسئولية إلا في الأحوال التي حددها القانون كالشأن في جريمة المادة 234 عقوبات.
(4) ضرب أفضى إلى موت. فاعل أصلي. مسئولية جنائية.
مساءلة الجاني بصفته فاعلاً في جريمة الضرب المفضي إلى الموت. شرطه: أن يكون هو محدث الضربة أو الضربات التي أفضت إلى الوفاة أو ساهمت في ذلك أو أن يكون قد اتفق مع غيره على ضرب المجني عليه ثم باشر معه الضرب تنفيذاًَ للغرض الإجرامي الذي اتفق معه عليه ولو لم يكن هو محدث الضربة أو الضربات التي أحدثت الوفاة.
(5) ضرب أفضى إلى موت. فاعل أصلي. مسئولية جنائية. حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
سبق اشتراك الطاعن مع المتهمين في ضرب المجني عليها. لا يكفي لاعتباره مساهماً معهم في موتها حال اعتدائهم عليها في غيبته. ولو اعتنق فكرهم. حد ذلك؟
عدم بيان الحكم دليل ارتباط فعل ضرب الطاعن للمجني عليها في يوم سابق بأفعال باقي المتهمين يوم وفاتها رغم اختلاف زمان ومكان وظروف الأفعال وأشخاص مرتكبيها. قصور.
وحدة الواقعة وحسن سير العدالة. يوجبان امتداد أثر نقض الحكم للمحكوم عليه الذي لم يطعن في الحكم والطاعنتين اللتين لم يقبل طعنهما شكلاً.
1 - لما كانت الطاعنتان.... الثانية) و.... (الثالثة) وإن قررتا بالطعن بالنقض في الميعاد إلا أنهما لم تقدما أسباباً لطعنهما، فيكون الطعن المقدم منهما غير مقبول شكلاً لما هو مقرر من التقرير بالطعن هو مناط اتصال المحكمة به وأن تقديم الأسباب التي بني عليها الطعن في الميعاد الذي حدده القانون هو شرط لقبوله وأن التقرير بالطعن وتقديم أسبابه يكونان معاً وحدة إجرائية لا يقوم فيها أحدهما مقام الآخر ولا يغني عنه، فإن الطعن المقدم من الطاعنتين المذكورتين يكون غير مقبول شكلاً.
2 - إن البين من نص المادة 39 من قانون العقوبات أن الفاعل إما أن ينفرد بجريمته أو يسهم معه غيره في ارتكابها فإذا أسهم فإما أن يصدق على فعله وحده وصف الجريمة التامة وإما أن يأتي عمداً تنفيذياً فيها إذا كانت تتركب من جملة أفعال سواء بحسب طبيعتها أو طبقاً لحظة تنفيذها، وحينئذ يكون فاعلاً مع غيره إذا صحت لديه نية التدخل في ارتكابها ولو أن الجريمة لم تتم بفعله وحده بل تمت بفعل واحد أو أكثر ممن تدخلوا معه فيها عرف أو لم يعرف اعتباراً بأن الفاعل مع غيره هو بالضرورة شريك يجب أن يتوافر لديه على الأقل ما يتوافر لدى الشريك من قصد المساهمة في الجريمة أو نية التدخل فيها إذا وقعت نتيجة اتفاق بين المساهمين ولو لم ينشأ إلا لحظة تنفيذ الجريمة تحقيقاً لقصد مشترك هو الغاية النهائية من الجريمة، أي أن يكون كل منهم قصد قصد الآخر في إيقاع الجريمة المعينة وأسهم فعلاً بدور في تنفيذها بحسب الخطة التي وضعت أو تكونت لديهم فجأة وإن لم يبلغ دوره على مسرحها حد الشروع.
3 - من المقرر أن الاتفاق يتطلب تقابل الإرادات تقابلاً صريحاً على أركان الواقعة الجنائية التي تكون محلاً له، وهو غير التوافق الذي هو توارد خواطر الجناة على ارتكاب فعل معين ينتويه كل واحد منهم في نفسه مستقلاً عن الآخرين دون أن يكون بينهم اتفاق سابق ولو كان كل منهم على حدة قد أصر على ما تواردت الخواطر عليه، وهو ما لا يستوجب مساءلة سائر من توافقوا على فعل ارتكبه بعضهم إلا في الأحوال المبينة في القانون على سبيل الحصر - كالشأن فيما نصت عليه المادة 243 من قانون العقوبات. أما في غير تلك الحالات فإنه يجب لمعاقبة المتهم عن فعل ارتكبه غيره أن يكون فاعلاً فيه أو شريكاً بالمعنى المحدد في القانون.
4 - من المقرر أن الجاني لا يسأل بصفته فاعلاً في جريمة الضرب المفضي إلى الموت إلا إذا كان هو الذي أحدث الضربة أو الضربات التي أفضت إلى الوفاة أو ساهمت في ذلك، أو أن يكون هو قد اتفق مع غيره على ضرب المجني عليه ثم باشر معه الضرب تنفيذاً للغرض الإجرامي الذي اتفق معه عليه ولو لم يكن هو محدث الضربة أو الضربات التي سببت الوفاة بل كان غيره ممن اتفق معهم هو الذي أحدثها.
5 - لما كان البين مما حصله الحكم أن الطاعن لم يكن يوم 29/ 6/ 1995 موجوداً بمكان الحادث، ولم يساهم في الاعتداء الواقع على المجني عليها في هذا اليوم الذي أورد الحكم أحداثه في أن المتهمين الثالثة والرابعة (الطاعنتين الثانية والثالثة) - تنفيذاً لأمر المتهم الأول - لم يطعن - قامتا بضرب المجني عليها لتتخلص من أثر الشيطان الذي ظهر عليها في هذا اليوم، كوسيلة لعلاج هذه الحالة، وأنه لما علا صوتها، ضغطتا على فمها لمنعها من ذلك، فسدا مسالك الهواء إلى صدرها وهو الأمر الذي أدى إلى وفاتها دون سواه من إصابات لوحظت بها، وبعضها معاصر وبعضها الآخر سابق على ذلك اليوم، وما أورده الحكم من أن الطاعن الأول سبق وأن شارك باقي المتهمين في ضرب المجني عليها، في مرات سابقة على يوم 29/ 6/ 1995 - تنفيذاًَ لفكرهم ذاته، لا يكفي لاعتبار الطاعن مساهماً مع باقي المتهمين في الجريمة التي وقعت منهم في ذلك اليوم، وأسفرت عن موت المجني عليها، ودانه عنها الحكم. إذ لم يبين الحكم دليل ارتباط فعل ضرب الطاعن الأول لابنته المجني عليها في يوم سابق، بأفعال باقي المتهمين في يوم 29/ 6/ 1995 رغم اختلاف زمان ومكان وظروف هذه الأفعال - وأشخاص مرتكبيها، إذ غاب عنها الطاعن، بما لا يكفي بياناً له مجرد اعتناق الطاعن فكراً معيناً، هو فكر باقي المتهمين في كيفية مواجهة الحالة التي تعترى المجني عليها من وقت لآخر، بالضرب أو بغيره ما دام أن هذا لم يصحبه تنفيذ فعل مجرم بالإنفراد أو بالمساهمة مع آخرين أو بطريق الاشتراك حسبما مر البيان، مما يصم الحكم بالقصور في البيان والفساد في الاستدلال بما يعيبه ويوجب نقضه والإعادة بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن وذلك بالنسبة إلى الطاعن الأول والطاعنتين الثانية والثالثة اللتين لم تقدما أسباباً لطعنهما والمحكوم عليه الآخر....... - الذي لم يطعن - لوحدة الواقعة وحسن سير العدالة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من: 1 - .... 2 - .... (طاعن) 3 - .... (طاعنة) 4 - ...... (طاعنة) بأنهم: ضربوا.... وكان ذلك باستخدام أداة "خرطوم" فأحدثوا بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية مما أدى إلى إصابتها بحالة تشنج قامت على أثرها المتهمة الثالثة (......) بوضع قطعة من القماش بفمها مما أدى إلى كتم أنفاسها ولم يقصدوا من ذلك قتلاً ولكن الأفعال سالفة الذكر أدت إلى موتها. وأحالتهم إلى محكمة جنايات المنصورة لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادتين 39، 236 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من....،....،....،.... بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات.
فطعن المحكوم عليهم الثاني والثالثة والرابعة في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعنتين.... و.... وإن قررتا بالطعن بالنقض في الميعاد إلا أنهما لم تقدما أسباباً لطعنهما، فيكون الطعن المقدم منهما غير مقبول شكلاً. لما هو مقرر من التقرير بالطعن هو مناط اتصال المحكمة به وأن تقديم الأسباب التي بني عليها الطعن في الميعاد الذي حدده القانون هو شرط لقبوله وأن التقرير بالطعن وتقديم أسبابه يكونان معاً وحدة إجرائية لا يقوم فيها أحدهما مقام الآخر ولا يغني عنه، فإن الطعن المقدم من الطاعنتين المذكورتين يكون غير مقبول شكلاً.
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعن الأول...... قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الضرب المفضي إلى الموت المسبوق بإصرار قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال ذلك بأنه دانه رغم عدم وجوده بمكان الحادث أو مشاركته في أفعال الضرب الذي انتهى بموت المجني عليها يوم وقوعه وأطرح دفاعه في هذا الشأن بما لا يسوغه، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن البين من الأوراق أن النيابة العامة أقامت الدعوى ضد الطاعن وآخرين بوصف أنهم في يوم 29/ 6/ 1995 ضربوا.... وكان ذلك باستخدام أداة "خرطوم" فأحدثوا بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية مما أدى إلى إصابتها بحالة تشنج قامت على أثرها المتهمة الثالثة بوضع قطعة من القماش بفمها مما أدى إلى كتم أنفاسها ولم يقصدوا من ذلك قتلاً ولكن الأفعال سالفة الذكر أدت إلى موتها. والمحكمة أضافت وصفاً جديداً هو ظرف سبق الإصرار، ثم قضت بحكمها المطعون فيه بمعاقبة كل من....، ..... (الطاعن).....، .... بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات، وقد حصل الحكم واقعة الدعوى بما مؤداه أن المتهم الأول.... - لم يطعن - يعتنق فكراً متطرفاً من بين ركائزه تكفير الحاكم لعدم تطبيقه أحكام الشريعة الإسلامية والنهي عن المنكر ويتولى هو وزوجته المتهمة الثالثة تعليم أبناء المجموعة المرتبطة بهما فكرياً وذلك بطريق النصح ثم بالتعذيب والضرب، ولما انضم كل من المتهم الثاني - طاعن - وزوجته المتهمة الرابعة إلى تلك المجموعة وأصبحوا يأتمرون بأمر المتهم الأول وعندما تولى الأخير أمر تربية المجني عليها... أصدر أوامره بضربها حتى يتوقف تعاملها مع الشيطان ولاعتقاده الذي رسخ في ذهنه من أنه لا يمكن وقف تعاملها مع الشيطان وطرده من جسدها إلا بالضرب فتناوب المتهمون جميعاً ضربها في فترات متفرقة وسابقة لمدة حوالي ستة أشهر سابقة على يوم 29/ 6/ 1995. وفي ذلك اليوم وبأمر من المتهم الأول ضربت المتهمتان الثالثة والرابعة المجني عليها وذلك لإصرارهم جميعاً على ضربها حتى تتخلص من الشيطان نهائياً وكان ذلك منهم جميعاً بعد تفكير وروية وهدوء...... وقد شاركهم في ذلك والد المجني عليها - الطاعن - في أيام سابقة على يوم الواقعة وأدى الضرب في ذلك اليوم الأخير إلى تشنجها وارتفاع صوتها فقاموا بالضغط على أنفها وفمها فأدى ذلك إلى سد مسالك الهواء إلى صدرها فماتت ولم يكونوا يقصدون من ذلك قتلاً ولكن أفضى إلى موتها على النحو الوارد بتقرير الصفة التشريحية، وقد عرض الحكم لاعتراف المتهمين مقرراً أنهم اعترفوا جميعاً بضربهم للجني عليها لفترة تتراوح لمدة ستة أشهر سابقة على تاريخ الواقعة الأخيرة في أيام متفرقة وأنه في اليوم الأخير 29/ 6/ 1995 تم ضربها من المتهمتين الثالثة والرابعة فتشنجت فتم وضع فوطة في فمها لمدة حوالي ست ساعات فأخرجت من فمها زبد رغوي وتوفيت، ثم ذكر في موضع آخر أنه في اليوم الأخير في حياتها أخذت الجرعة المعتادة من الضرب لأنها تتلقى تعليمات من الشيطان فأصابها هياج وتشنج أقدمت فيه المتهمتان خلال زمن قدره ست ساعات أو أكثر في الضغط عليها حتى تسكن أو منعها من ارتفاع صوتها أو استغاثتها سواء كان ذلك بوضع فوطة في فمها والضغط على أنفها أو كان ذلك بالضغط على أنفها وفمها فسدت مسالك التنفس فأدى إلى اختناقها وكان ملازماً لها وقت ذلك طبقاً للثابت من الأوراق المتهم الأول والمتهمتان.....، ..... وفي تقرير الصفة التشريحية الذي أثبت وجود خدوش ظفرية حيوية حديثة على جانبي فتحة الفم والأنف وما اقترن بها من انسكابات دموية واضحة..... هذا بالإضافة إلى وجود علامات تشريحية بعموم الجثة على هيئة دكانة بالرسوب الدموي الرمي... فضلاً عن أن دماء الجثة تبدو داكنة اللون وأن كل هذا يشير في مجموعة إلى حدوث اسفكيا عنقية بكتم النفس بقفل فتحتي الأنف والفم يدوياً إضافة إلى وجود العديد من الكدمات الرضية بالأطراف معظمها حديث معاصر لتوقيت الوفاة وبعضها سابق على توقيت الوفاة بفترات زمنية تتراوح من ثلاثة إلى عشرة أيام..... ووفاة المذكرة إصابية جنائية وتعزى إلى اسفكيا كتم النفس بقفل فتحتي الأنف والفم يدوياً. وقد عرض لدفاع الطاعن فيما أثاره من أنه لم يكن موجوداً على مسرح الواقعة ورد عليه في قوله "وبالنسبة لما أثاره الدفاع الحاضر عن المتهم الثاني والد المجني عليها من أنه لم يكن متواجداً على مسرح الواقعة فالثابت من اعترافه بالأوراق والتحقيقات أنه مارس الاعتداء بالضرب على نجلته المجني عليها بحجة تعاملها مع الشيطان وعلى قناعة تامة بتنفيذ التعليمات في وجوب ضربها لذات السبب كما أرشد على ذلك المتهم الأول". لما كان ذلك، وكان البين من نص المادة 39 من قانون العقوبات أن الفاعل إما أن ينفرد بجريمته أو يسهم معه غيره في ارتكابها فإذا أسهم فإما أن يصدق على فعله وحده وصف الجريمة التامة وإما أن يأتي عمداً تنفيذياً فيها إذا كانت تتركب من جملة أفعال سواء بحسب طبيعتها أو طبقاً لحظة تنفيذها، وحينئذ يكون فاعلاً مع غيره إذا صحت لديه نية التدخل في ارتكابها ولو أن الجريمة لم تتم بفعله وحده بل تمت بفعل واحد أو أكثر ممن تدخلوا معه فيها عرف أو لم يعرف اعتباراً بأن الفاعل مع غيره هو بالضرورة شريك يجب أن يتوافر لديه على الأقل ما يتوافر لدي الشريك من قصد المساهمة في الجريمة أو نية التدخل فيها إذا وقعت نتيجة اتفاق بين المساهمين ولو لم ينشأ إلا لحظة تنفيذ الجريمة تحقيقاً لقصد مشترك هو الغاية النهائية من الجريمة، أي أن يكون كل منهم قصد قصد الآخر في إيقاع الجريمة المعينة وأسهم فعلاً بدور في تنفيذها بحسب الخطة التي وضعت أو تكونت لديهم فجأة وإن لم يبلغ دوره على مسرحها حد الشروع. هذا فضلا عن أنه من المقرر أن الاتفاق يتطلب تقابل الإرادات تقابلاً صريحاً على أركان الواقعة الجنائية التي تكون محلاً له، وهو غير التوافق الذي هو توارد خواطر الجناة على ارتكاب فعل معين ينتويه كل واحد منهم في نفسه مستقلاً عن الآخرين دون أن يكون بينهم اتفاق سابق ولو كان كل منهم على حدة قد أصر على ما تواردت الخواطر عليه، وهو ما لا يستوجب مساءلة سائر من توافقوا على فعل ارتكبه بعضهم إلا في الأحوال المبينة في القانون على سبيل الحصر - كالشأن فيما نصت عليه المادة 243 من قانون العقوبات. أما في غير تلك الحالات فإنه يجب لمعاقبة المتهم عن فعل ارتكبه غيره أن يكون فاعلاً فيه أو شريكاً بالمعنى المحدد في القانون. كما أنه من المقرر أيضاً أن الجاني لا يسأل بصفته فاعلاً في جريمة الضرب المفضي إلى الموت إلا إذا كان هو الذي أحدث الضربة أو الضربات التي أفضت إلى الوفاة أو ساهمت في ذلك، أو أن يكون هو قد اتفق مع غيره على ضرب المجني عليه ثم باشر معه الضرب تنفيذاً للغرض الإجرامي الذي اتفق معه عليه ولو لم يكن هو محدث الضربة أو الضربات التي سببت الوفاة بل كان غيره ممن اتفق معهم هو الذي أحدثها. لما كان ذلك، وكان البين مما حصله الحكم أن الطاعن لم يكن يوم 29/ 6/ 1995 موجوداً بمكان الحادث، ولم يساهم في الاعتداء الواقع على المجني عليها في هذا اليوم الذي أورد الحكم أحداثه في أن المتهمين الثالثة والرابعة - تنفيذاً لأمر المتهم الأول - لم يطعن - قامتا بضرب المجني عليها لتتخلص من أثر الشيطان الذي ظهر عليها في هذا اليوم، كوسيلة لعلاج هذه الحالة، وأنه لما علا صوتها، ضغطتا على فمها لمنعها من ذلك، فسدا مسالك الهواء إلى صدرها وهو الأمر الذي أدى إلى وفاتها دون سواه من إصابات لوحظت بها، وبعضها معاصر وبعضها الآخر سابق على ذلك اليوم، وما أورده الحكم من أن الطاعن سبق وأن شارك باقي المتهمين في ضرب المجني عليها، في مرات سابقة على يوم 29/ 6/ 1995 - تنفيذاًَ لفكرهم ذاته، لا يكفي لاعتبار الطاعن مساهماً مع باقي المتهمين في الجريمة التي وقعت منهم في ذلك اليوم، وأسفرت عن موت المجني عليها، ودانه عنها الحكم. إذ لم يبين الحكم دليل ارتباط فعل ضرب الطاعن لاينته المجني عليها في يوم سابق، بأفعال باقي المتهمين في يوم 29/ 6/ 1995 رغم اختلاف زمان ومكان وظروف هذه الأفعال - وأشخاص مرتكبيها، إذ غاب عنها الطاعن، بما لا يكفي بياناً له مجرد اعتناق الطاعن فكراً معيناً، هو فكر باقي المتهمين في كيفية مواجهة الحالة التي تعترى المجني عليها من وقت لآخر، بالضرب أو بغيره ما دام أن هذا لم يصحبه تنفيذ فعل مجرم بالإنفراد أو بالمساهمة مع آخرين أو بطريق الاشتراك حسبما مر البيان، مما يصم الحكم بالقصور في البيان والفساد في الاستدلال بما يعيبه ويوجب نقضه والإعادة بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن وذلك بالنسبة إلى الطاعن والطاعنتين اللتين لم تقدما أسباباً لطعنهما والمحكوم عليه الآخر...... - لوحدة الواقعة وحسن سير العدالة.