مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السادس (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1942 لغاية 29 أكتوبر سنة 1945) - صـ 124

جلسة أوّل فبراير سنة 1943

برياسة حضرة صاحب العزة سيد مصطفى بك وكيل المحكمة، وبحضور حضرات: منصور إسماعيل بك وجندي عبد الملك بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك المستشارين.

(91)
القضية رقم 318 سنة 13 القضائية

وصف التهمة. المحكمة غير مقيدة وهي تفصل في الدعوى بالواقعة في نطاقها المرسوم في أمر الإحالة. سلطتها في أن تتخذ للتهمة أساساً تستمدّه هي من التحقيقات التي أجريت في موضوع الواقعة بعناصرها المكوّنة لها. متى لا يصح للمحكمة أن تتعرّض لما لم ير تقديمه إليها؟
(المادتان 12 ( أ ) و37 تشكيل)
إن قانون تشكيل محاكم الجنايات إذ نص في المادة 12 ( أ ) على أن "لقاضي الإحالة تعديل التهمة المبينة في ورقة الاتهام أو تشديدها دون أن يسند للمتهم وقائع لم يتناولها التحقيق"، وفي المادة 37 على أنه "يجوز لمحكمة الجنايات إلى حين النطق بالحكم تعديل أو تشديد التهمة المبينة في أمر الإحالة إذا اقتضت الحال ذلك بشرط أن لا توجه على المتهم أفعالاً لم يشملها التحقيق" - إذ نص على ذلك فقد دل بوضوح على أن الشارع أراد - كما هي الحال في قانون التحقيق الجنائي الهندي (مادة 227) وقانون التحقيق الجنائي السوداني (مادة 195) اللذين أخذ عنهما هذان النصان - أن يجعل للواقعة الأصلية بجميع عناصرها التي تناولتها التحقيقات الابتدائية اعتباراً عند المحاكمة التي تطلب بناء على هذه التحقيقات. فلا تكون المحكمة وهي تفصل في الدعوى مقيدة بالواقعة في نطاقها الضيق المرسوم في أمر الإحالة وإنما تكون مطالبة بالنظر في الواقعة الجنائية على حقيقتها كما تتبينها هي من التحقيق الذي تجريه بالجلسة في حدود الدائرة الواسعة التي تحيط بالواقعة الأصلية، إذ أن ما يرد في أمر الإحالة ليس إلا موجزاً لتلك الواقعة يتضمن رأي قاضي الإحالة فيما تمحض عنه التحقيق فيها. ولما كان هذا الرأي بطبيعة الحال لا يلزم، وليس من شأنه أن يلزم المحكمة صاحبة الرأي الأعلى، فإن لها أن تخالفه وتتخذ للتهمة أساساً آخر تستمده هي من جميع التحقيقات التي أجريت في موضوع الواقعة بعناصرها المكونة لها. ولا يرد على ذلك بأن لسلطة الاتهام أو التحقيق أو الفصل فيما أسفر عنه التحقيق حقوقاً واختصاصات في شأن التصرف في الدعوى، فإن ذلك محله أن تكون وقائع الدعوى متعدّدة ومختلفة ومستقلة بعضها عن بعض، ففي هذه الحالة - وفي هذه الحالة وحدها - لا يصح للمحكمة أن تتعرّض لما صرف النظر عنه ولم ير تقديمه إليها. أما إذا كانت الواقعة المادية واحدة لا يتصور فيها أن تكون قابلة لأية تجزئة أو قسمة فإن ما يذكر منها بأمر الإحالة يجر معه حتماً وبطبيعة الحال ما لم يذكر، حتى ولو كان قد صرف النظر عنه صراحة، كما لا يرد على ذلك بأن حق المتهم في الدفاع يقتضي أن تعين له التهمة التي توجه عليه ليحضر ردّه عليها، فإن حق المحكمة في تعديل التهمة أثناء المحاكمة يقابله واجب مقرر عليها بمقتضى المادة 38 من القانون المذكور، وهو أن تبين التهمة الجديدة للمتهم، ولا تأخذه على غرة منه دون أن تتيح له فرصة تقديم دفاعه كاملاً على أساس معين من الوقائع.


المحكمة

وحيث إن مبنى الطعن أن المحكمة، وإن كانت قد قالت بعدم حصول سرقة وقضت ببراءة المتهم إلا أنها، وقد رجحت وقوع جريمة أخرى منه، كان لزاماً عليها أن تقضي في هذه الجريمة، وخصوصاً بعد أن طلبت النيابة منها ذلك.
وحيث إن قانون تشكيل محاكم الجنايات إذ نص في المادة 12 ( أ ) على أن "لقاضي الإحالة تعديل التهمة المبينة في ورقة الاتهام أو تشديدها دون أن يسند للمتهم وقائع لم يتناولها التحقيق"، وفي المادة 37 على أنه "يجوز لمحكمة الجنايات إلى حين النطق بالحكم تعديل أو تشديد التهمة المبينة في أمر الإحالة إذا اقتضت الحال ذلك بشرط أن لا توجه على المتهم أفعالاً لم يشملها التحقيق" - إذ نص على ذلك يكون قد دل بوضوح على أن الشارع أراد - كما هي الحال في قانون التحقيق الجنائي الهندي (مادة 227) وقانون التحقيق الجنائي السوداني (مادة 195) اللذين أخذ عنهما هذان النصان - أن يجعل للواقعة الأصلية بجميع عناصرها التي تناولتها التحقيقات الابتدائية اعتباراً عند المحاكمة التي تطلب بناء على هذه التحقيقات. فلا تكون المحكمة وهي تفصل في الدعوى مقيدة بالواقعة في نطاقها الضيق المرسوم في أمر الإحالة، بل إنها مطالبة بالنظر في الواقعة الجنائية على حقيقتها كما تتبينها هي من التحقيق الذي تجريه بالجلسة في حدود الدائرة الواسعة التي تحيط بالواقعة الأصلية، إذ أن ما يرد في أمر الإحالة ليس إلا موجزاً لتلك الواقعة يتضمن رأي قاضي الإحالة فيما تمحض عنه التحقيق فيها. ولما كان هذا الرأي بطبيعة الحال لا يلزم، وليس من شأنه أن يلزم، المحكمة صاحبة الرأي الأعلى فإن لها أن تخالفه وتتخذ للتهمة أساساً آخر تستمدّه هي الأخرى من جميع التحقيقات التي أجريت في موضوع الواقعة بعناصرها المكوّنة لها. ولا يرد على ذلك بأن لسلطة الاتهام أو التحقيق أو الفصل فيما أسفر عنه التحقيق حقوقاً واختصاصات في شأن التصرف في الدعوى، فإن ذلك محله أن تكون وقائع الدعوى متعدّدة ومختلفة ومستقلة بعضها عن البعض الآخر. ففي هذه الحالة، وفي هذه الحالة وحدها، لا يصح للمحكمة أن تتعرّض لما صرف النظر عنه ولم يرد تقديمه إليها... أما إذا كانت الواقعة المادية واحدة لا يتصوّر فيها أن تكون قابلة لأية تجزئة أو قسمة فما يذكر منها بأمر الإحالة يجرّ معه حتماً بطبيعة الحال ما لم يذكر حتى ولو كان قد صرف النظر عنه صراحة. ولا يرد على ذلك أيضاً بأن حق المتهم في الدفاع يقتضي أن تعين له التهمة التي توجه عليه ليحضر ردّه عليها. فإن حق المحكمة في تعديل التهمة أثناء المحاكمة يقابله واجب مقرر عليها بمقتضى المادة 38 من القانون المذكور بأن تبين التهمة الجديدة للمتهم فلا تأخذه على غرة منه دون أن تتاح له فرصة تقديم دفاعه كاملاًً على أساس معين من الوقائع.
وحيث إن الدعوى العمومية رفعت على الطاعن أمام محكمة الجنايات بأنه: "في ليلة 12 فبراير سنة 1942 بالطريق العام الموصل لبندر شبين الكوم وبلدة طنبدي مركز شبين الكوم مديرية المنوفية: (1) سرق كيساً به مبلغ خمسة وثلاثون قرشاً مملوكة لناعسة مصطفى عمار، وكان ذلك بطريق الإكراه الواقع على المجني عليها. وذلك بأن أمسك بها عنوة وألقى بها إلى الأرض وانتزاع كيس النقود من جيبها". والمحكمة قضت له بالبراءة من هذه الجناية، وقالت في ذلك: "إن وقائع الدعوى كما صوّرها الاتهام تتحصل في أن المجني عليها ناعسة مصطفى عمار كانت عائدة مع صديقتها أم الرزق السيد عجوز في مساء يوم 12 فبراير سنة 1942 من بلدة شبين الكوم قاصدة قريتها كفر البتانون وكانت تحمل كل منهما على رأسها طبقاً من القش أعدّته لبيع ثمار اليوسفي به وبينما هما سائرتان في الطريق العمومي إذ لمحتا المتهم عبد الجوّاد علي مدين واقفاً في الطريق، ولما جاوزتا مكانه بقليل هجم على المجني عليها واحتضنها وألقى بها إلى الأرض وانتزع كيس نقودها من جيب جلبابها وبه خمسة وثلاثون قرشاً ثمن ما باعته من الثمار، ثم انسل إلى مزرعة مجاورة لمحل الحادث فاستغاثت هي وصديقتها فجاءهما على الفور أحمد علي التلاوي وسعيد عبد العزيز حبيب اللذان كانا مارّين في ذلك الوقت وراكبين درّاجتهما فأنبأتهما المجني عليها بما وقع لها فدخلا خلف المتهم في الزراعة التي اختبأ فيها فوجداه جالساً فيها يحاول أن يخفي نفسه فأمسكاه وأخرجاه وطلبا إليه أن يردّ للمجني عليها كيس نقودها فأنكر وكان للمتهم زميل يسمى إبراهيم علي إبراهيم يرافقه في السير واستوقفه في النقطة المحاذية لمحل الحادثة ليصلي في المصلى، ولما فرغ من صلاته وتهيأ للخروج سمع صراخ صديقة المجني عليها فأسرع في لبس حذائه واستفسر عن الحادث من أحمد علي التلاوي فقص عليه ما سمعه من المجني عليها فدهش لما سمعه وتدخل ليفض النزاع بأن قدّم للشاهد مبلغ قرشين ونصف لتسليمها للمجني عليها على أن تكتفي بذلك فلم تقبل، فعرض المتهم كل ما يملك وهو مبلغ أحد عشر قرشاً ونصف قرش فرفضت المجني عليها إلا أن تأخذ جميع المبلغ المسروق، ولما لم يقدّم المتهم المبلغ ساق أحمد علي التلاوي الجميع إلى المركز وأبلغ بالحادثة. ثم أبلغت النيابة فتولت التحقيق. وقد استند الاتهام في تدعيم التهمة على المتهم على شهادة المجني عليها. فقرّرت في التحقيق أن المتهم فاجأها وهي سائرة مع صديقتها أم الرزق السيد عجوز واحتضنها وألقى بها إلى الأرض وانتزع من جيب جلبابها كيس نقودها وفر داخل زراعة القمح، وعلى شهادة أم الرزق السيد عجوز المذكورة في التحقيق وبالجلسة من أنها رأت المتهم وهو يحتضنها ويلقي بها إلى الأرض، وشهادة كل من أحمد علي التلاوي وسعيد عبد العزيز في التحقيق وبالجلسة من أنهما رجعا على الاستغاثة وعلما من المجني عليها تفصيلات ما وقع لها فتعقبا المتهم حتى ضبطاه وهو يحاول الاختفاء في القمح وطلبا منه النقود فأنكر السرقة فتدخل إبراهيم علي إبراهيم زميل المتهم في الأمر وعرض المصالحة على دفع قرشين ونصف للمجني عليها فرفضت قبولها كما رفضت قبول أحد عشر قرشاً ونصف قرش قدّمها المتهم. وبسؤال الأخير عن تهمة السرقة المسندة إليه أنكرها واعترف بأنه كان متعاطيا الخمر بشبين الكوم. وحيث إن الذي تخلص إليه المحكمة من ظروف الدعوى أن المتهم وقد ثبت من أقواله وأقوال رجل البوليس المحقق أنه كان متعاطياً الخمر وقت الحادث وأنه هجم على المجني عليها لا بقصد السرقة ولكن في الغالب لغرض آخر يؤيد ذلك قول المجني عليها وصديقتها بأنه احتضنها عندما فاجأها. ومعنى ذلك أنه كان يريد منها غرضاً معيناً غير السرقة. فلما توقفت عن السير معه جذبها لداخل الزراعة وحال دون تحقيق الغرض صياح صديقتها فتركها وانسل وسط الزراعة يختفي خجلاً من فعلته وفراراً من ضبطه. ومما يؤيد هذا الرأي أن كيس النقود المدعي بسرقته لم يضبط معه أو بجواره. وحيث إن ممثل النيابة العمومية قد خالجه هذا الرأي، وصرح به علناً بجلسة المحاكمة كما هو ثابت بالمحضر وهو في مقام التحدّث عن تكييف وقائع الدعوى وطلب احتياطياً اعتبار الجريمة شروعاً في اغتصاب أو هتك عرض. والمحكمة لا تجاريه فيما ذهب إليه لأن التحقيق لم يشمل أركان هذه الجريمة وهي أركان تخالف كل المخالفة أركان جريمة السرقة المطروحة أمام المحكمة. وحيث إنه من كل ما تقدّم تكون تهمة السرقة المسندة إلى المتهم على غير أساس ويتعين براءته منها تطبيقاً للمادة 50 من قانون تشكيل محاكم الجنايات.
وحيث إنه يبين مما تقدم أن المحكمة إذ قضت للمتهم بالبراءة من تهمة السرقة، وقالت في الوقت نفسه إنها ترجح أن ما وقع منه يكون جريمة أخرى لا تستطيع أن تفصل فيها تكون قد أخطأت. ذلك لأن الواقعة المادية التي برأته منها هي التي قالت بأنها تكون الجريمة الأخرى. ولأن هذه الواقعة بجميع وجهات النظر فيها كانت موضوع التحقيقات الابتدائية، بدليل أن المحكمة استندت فيما قالته بشأنها إلى أقوال المجني عليها بالتحقيقات المذكورة لأنها لم تحضر أمامها فكان عليها، كما تقدّم القول، أن تعدّل التهمة بالجلسة وتعلن المتهم بالتهمة الجديدة وتسير في محاكمته على أساسها. أما وهي لم تفعل وقضت للمتهم بالبراءة فإن حكمها يكون معيباً متعيناً نقضه، لأن براءة المتهم من الواقعة المادية التي وقعت منه من شأنها أن تحول دون محاكمته عن الجريمة التي قالت بها لأن قوام هذه الجريمة هو الواقعة عينها.