أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 49 - صـ 1060

جلسة 12 من أكتوبر سنة 1998

برئاسة السيد المستشار/ محمد محمد زايد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد حسام الدين الغرياني ومحمد شتا نائبي رئيس المحكمة. وأسامة توفيق وهشام البسطويسي.

(142)
الطعن رقم 22204 لسنة 66 القضائية

(1) قتل عمد. قصد جنائي. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
استخلاص قصد القتل من عناصر الدعوى. موضوعي.
(2) سبق الإصرار. ظروف مشددة. قتل عمد. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
البحث في توافر سبق الإصرار. موضوعي. شرط ذلك؟
العبرة في توافر سبق الإصرار بما يقع في الزمن بين التصميم على الجريمة ووقوعها طال هذا الزمن أم قصر. انتهاء الجاني بتفكيره إلى خطة معينة رسمها لنفسه قبل تنفيذ الجريمة. مفاده. توافر ظرف سبق الإصرار. المجادلة في ذلك أمام النقض. غير جائز.
استخلاص الحكم ظرف سبق الإصرار من وجود خلافات سابقة بين المجني عليها والطاعن ولد في نفسه أمراً دفعه إلى ارتكاب الجريمة بعد تفكير وروية وتدبير سائغ وصحيح.
(3) باعث. جريمة "أركانها".
الباعث على ارتكاب الجريمة ليس ركناً فيها.
(4) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
العبرة في الأحكام بالمقاصد والمعاني. لا بالألفاظ والمباني.
(5) قتل عمد. سبق إصرار. عقوبة "العقوبة المبررة". نقض "المصلحة في الطعن".
نعي الطاعن على الحكم بالقصور بشأن ظرف سبق الإصرار غير مجد. ما دامت العقوبة الموقعة عليه تدخل في حدود العقوبة المقررة للقتل العمد مجردة من سبق الإصرار.
تقدير العقوبة. مداره. ذات الواقعة الجنائية التي قارفها الطاعن لا الوصف القاضي الذي تكيفه المحكمة.
إعمال المحكمة حقها في استعمال الرأفة بالتطبيق لنص المادة 17 عقوبات. مفاده: تقديرها العقوبة التي تتناسب مع الواقعة وظروفها.
(6) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "خبرة".
عدم إيراد نص تقرير الخبير بكامل أجزائه. لا يعيب الحكم.
(7) عقوبة "توقيعها". ظروف مخففة. محكمة الموضوع "سلطتها في توقيع العقوبة".
بيان موجب استعمال القاضي الرأفة والنزول عن درجة العقوبة المنصوص عليها قانوناً. غير لازم. مجرد القول بوجود ظروف مخففة والإشارة إلى النص المستند إليه في تقدير العقوبة. كفايته. أساس ذلك؟
(8) إجراءات "إجراءات المحاكمة". محاماة. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب النقض. ما لا يقبل منها".
مجلس نقابة المحامين يعاون المحاكم في تعيين من يلزم ندبه من المحامين ولا يسلبها الخيار بين ندبها من يقبل الدفاع عن المتهم منهم أو ندبها المحامي صاحب الدور عن طريق النقابة.
(9) أسباب الإباحة وموانع العقاب "عاهة في العقل".
تقصي المحكمة أسباب إعفاء المتهم من العقاب في حكمها. غير لازم. ما لم يدفع به أمامها الدفاع بوجود خلل في قوى المتهم العقلية. إثارته لأول مرة أمام النقض غير جائز.
1 - ولما كان استخلاص قصد القتل من عناصر الدعوى موكولاً إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية.
2 - من المقرر أن البحث في توافر ظرف سبق الإصرار من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها، ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافى عقلاً مع هذا الاستنتاج. وليست العبرة في توافر ظرف سبق الإصرار بمضي الزمن لذاته بين التصميم على الجريمة ووقوعها - طال هذا الزمن أو قصر - بل العبرة هي بما يقع في ذلك الزمن من التفكير والتدبير فما دام الجاني انتهى بتفكيره إلى خطة معينة رسمها لنفسه قبل تنفيذ الجريمة كان ظرف سبق الإصرار متوافراً، ولا تقبل المنازعة فيه أمام محكمة النقض. وكان المستفاد مما أورده الحكم أن خلافاً سابقاً نشب بين المجني عليها والطاعن ولد في نفسه أمراً دفعه إلى ارتكاب الجريمة بعد تفكير وروية وتدبير. فإن استخلاصه لظرف سبق الإصرار يكون سليماً وصحيحاً في القانون.
3 - من المقرر أن الباعث على ارتكاب الجريمة ليس ركناً من أركانها أو عنصراً من عناصرها.
4 - من المقرر أن العبرة في الأحكام بالمقاصد والمعاني وليس بالألفاظ والمباني.
5 - لما كان الحكم قد قضى على الطاعن بعقوبة داخلة في حدود العقوبة المقررة للقتل العمد بغير سبق إصرار فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً. ولا يغير من هذا النظر القول بأن المحكمة أخذت الطاعن بالرأفة وأنها كانت عند تقدير العقوبة تحت تأثير الوصف الذي أعطته للواقعة إذ أن تقدير العقوبة مداره ذات الواقعة الجنائية التي قارفها الجاني لا الوصف القانوني الذي تكيفه المحكمة وهي إذ تعمل حقها الاختياري في استعمال الرأفة وذلك بتطبيق المادة 17 من قانون العقوبات. فإنما تقدر العقوبة التي تتناسب مع الواقعة وما أحاط بها من ظروف.
6 - من المقرر أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص تقرير الخبير بكامل أجزائه.
7 - لما كان ما يثيره الطاعن بدعوى القصور في التسبيب أن الحكم المطعون فيه أعمل المادة 17 من قانون العقوبات دون أن يبين في أسبابه موجب إعمالها مردود بأنه إذا أراد القاضي استعمال الرأفة والنزول عن درجة العقوبة المنصوص عليها قانوناً إلى درجة أخف فهو لا يكون ملزماً ببيان موجب ذلك بل كل ما يطلب منه عندئذ هو مجرد القول بأن هناك ظروفاً مخففة والإشارة إلى النص الذي يستند إليه في تقدير العقوبة، ذلك بأن الرأفة شعور باطني تثيره في نفس القاضي علل مختلفة لا يستطيع أحياناً أن يحددها حتى يصورها بالقلم أو باللسان، ولهذا لم يكلف القانون القاضي - وما كان ليستطيع تكليفه - بيانها بل هو يقبل منه مجرد قوله بقيام هذا الشعور في نفسه ولا يسأله عليها دليلاً. ومن ثم فإنه فضلاً عن انتفاء مصلحة الطاعن فيما يثيره في هذا الصدد فإن هذا الوجه من أسباب الطعن يكون غير سديد.
8 - لما كان الثابت بمحضر جلسة...... أن الطاعن لم يطلب توكيل محام للدفاع عنه، فندبت المحكمة الأستاذ/..... المحامي للدفاع عنه بعد موافقة المتهم، وطلب المحامي المنتدب أجلاً للاطلاع والاستعداد فأجابته المحكمة إلى طلبه وقررت التأجيل لجلسة..... لهذا السبب وبالجلسة الأخيرة ترافع المحامي المنتدب في الدعوى حسبما أملته عليه واجبات مهنته ورسمته تقاليدها. وكان مجلس نقابة المحامين يقوم بدور المعاون للمحاكم في تعيين من يلزم ندبه من المحامين دون أن يسلبها الخيار بين أن تندب للمتهم من يقبل الدفاع عنه من المحامين أو أن تندب له المحامي صاحب الدور عن طريق النقابة. فإن ما يثيره الطاعن من دعوى الإخلال بحق الدفاع وأن المحامي المنتدب لم يوفق في الدفاع عنه لا يكون له محل.
9 - لما كان الطاعن لا يماري في أسباب طعنه إنه لم يثر لدى محكمة الموضوع شيئاً عن خلل في قواه العقلية وكانت المحكمة لا تلتزم بتقصي أسباب إعفاء المتهم من العقاب في حكمها ما لم يدفع به أمامها، وكان هذا الدفاع يقوم على واقع يقتضي تحقيقاً تنأى عنه وظيفة محكمة النقض، فإن إثارته أمامها لأول مرة تكون غير مقبولة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن في قضية الجناية بأنه في ليلة.....: 1 - قتل عمداً...... مع سبق الإصرار بأن بيت النية وعقد العزم على قتلها وأعد لذلك أداة (فأس) وما أن ظفر بها حتى انهال عليها بها ضرباً على رأسها وركلاً بقدميه قاصداً من ذلك قتلها فأحدث إصاباتها الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها. 2 - سرق القرط الذهبي المبين وصفاً وقيمة بالتحقيقات وفي مكان مسكون وأحالته إلى محكمة جنايات طنطا لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 230، 231، 317/ أولاً ورابعاً من قانون العقوبات مع إعمال المادتين 17، 32 من ذات القانون بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة عما أسند إليه وبمصادرة الأداة المضبوطة.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض....... إلخ.


المحكمة

وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار قد شابه القصور في التسبيب والخطأ في الإسناد وانطوى على الفساد في الاستدلال وأخل بحقه في الدفاع ذلك بأنه اقتصر في تدليله على توافر نية القتل على تعداد الأفعال المادية للطاعن، واستخلص ظرف سبق الإصرار بما لا ينتجه إذ وقعت الجريمة أثر استفزاز المجني عليها لزوجها الطاعن لأنها تأبت عليه ولشكه في سلوكها بما لا يسمح للطاعن بمدة زمنية كافية للتفكير الهادئ والتروي، وأداة الجريمة (الفأس) من أدوات مهنة الطاعن وهي في مسكنه منذ زمن خلافاً لما أورده الحكم - بما لا أصل له في الأوراق - من أنه أعدها لارتكاب جريمته، كما أن الحكم لم يورد مضمون تقرير الصفة التشريحية مكتفياً بإيراد نتيجته، فضلاً عن إعماله المادة 17 من قانون العقوبات دون بيان موجب إعمالها، هذا إلى أن المحامي الذي ندبته المحكمة لم يكن صاحب الدور ولم تسأل الطاعن - قبل ندبه - عما إذا كان لديه محامياً موكلاً عنه، وترافع المحامي المنتدب دون الإلمام بوقائع الدعوى مما أضحى معه دفاعاً شكلياً لم يشر فيه إلى قصور وتناقض أدلة الدعوى ولم يثر أن الطاعن به خلل في قواه العقلية، وكل ذلك يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى كما استخلصها من الأوراق بقوله "إن بعض الخلافات نشبت بين المتهم....... وزوجته المجني عليها...... الأمر الذي صمم معه المتهم على التخلص منها وأعد لذلك الغرض الأداة التي تمكنه من الإجهاز عليها "الفأس" وما أن جمعهما فراش واحد وتأكد من استغراقها وولديها منه..... و.... في النوم العميق حتى أحضر الفأس وانهال بها على رأسها من الناحية اليسرى ثم حملها وألقاها أرضاً وأخذ يركلها بقدميه حتى فارقت الحياة ولم تمنعه نظرات ولديه الخائفة من إتمام جريمته التي شاهداها بل تمادى في إجرامه بأن نزع المصاغ الذهبي من أذني المجني عليها وسارع بالفرار وبإبلاغ الأمر إلى الشرطة فقد أسفرت تحريات الرائد/.... رئيس مباحث مركز زفتي والنقيب.... معاون المباحث على أن المتهم هو مرتكب الحادث وبضبطه أقر بارتكابه إياه". وأورد على ثبوت الواقعة - على هذه الصورة - في حق الطاعن أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها مستمدة من أقوال الرائد.... والنقيب.... وولدي الطاعن ومن اعترافه وما أثبته تقرير الصفة التشريحية لجثة المجني عليها وتقرير المعامل الطبية. ثم عرض الحكم لدفاع الطاعن القائم على انتفاء نية القتل وأطرحه مدللاً على توافرها في حقه بقوله: "إن المحكمة تطمئن إلى توافر نية القتل التي وإن كانت أمراً خفياً يضمره الجاني في نفسه إلا أن الظروف والملابسات تكشف عنها ويستشف من ثنايا الواقعة وأحداثها وتستظهرها المحكمة في هذه الدعوى من اعتراف المتهم بوجود خلافات بينه وبين المجني عليها وأنه تركها حتى استغرقت وأولادها منه في النوم ثم أحضر الفأس وانهال بها ضرباً على رأسها وعندما اكتشف أنها ما زالت على قيد الحياة حملها وألقاها أرضاً ثم ركلها بقدمه حتى فارقت الحياة بما تتوافر معه نية القتل" كما دلل على توافر ظرف سبق الإصرار بقوله: "وحيث إنه عن ظرف سبق الإصرار فإنه متوافر في حق المتهم لأنه فكر في الخلاص من المجني عليها قبل أن يقوم بإزهاق روحها بفترة ليست بالقصيرة تفكيراً هادئاً مشوب بتسرع أو انفعال ثم خطط وفكر في طريقة الخلاص منها بقتلها حيث اعترف بأنه انتظر حتى ذهبت المجني عليها وأولادها في نوم عميق ثم أسرع وأحضر الفأس وضربها بها على رأسها ثم أكمل ذلك بركلها بقدمه حتى فارقت الحياة. ولما كان استخلاص قصد القتل من عناصر الدعوى موكولاً إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية. كما أنه من المقرر أن البحث في توافر ظرف سبق الإصرار من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها، ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافى عقلاً مع هذا الاستنتاج. وليست العبرة في توافر ظرف سبق الإصرار بمضي الزمن لذاته بين التصميم على الجريمة ووقوعها - طال هذا الزمن أو قصر - بل العبرة هي بما يقع في ذلك الزمن من التفكير والتدبير فما دام الجاني انتهى بتفكيره إلى خطة معينة رسمها لنفسه قبل تنفيذ الجريمة كان ظرف سبق الإصرار متوافراً، ولا تقبل المنازعة فيه أمام محكمة النقض. كان المستفاد مما أورده الحكم أن خلافاً سابقاً نشب بين المجني عليها والطاعن ولد في نفسه أمراً دفعه إلى ارتكاب الجريمة بعد تفكير وروية وتدبير. فإن استخلاصه لظرف سبق الإصرار يكون سليماً وصحيحاً في القانون. ولا ينال من صحته ما يثيره الطاعن من قول الحكم أنه أعد أداة الجريمة "الفأس" في معرض بيانه لصورة الواقعة في حين أنها من أدوات مهنته الموجودة بمسكنه أو ما يثيره في شأن الباعث على ارتكاب الجريمة من شكه في سلوك المجني عليها وتأبيها على معاشرته، إذ فضلاً عن أن الباعث على ارتكاب الجريمة ليس ركناً من أركانها أو عنصراً من عناصرها. ولا يقدح في سلامة الحكم قوله أن الطاعن أعد أداة الجريمة "الفأس" في معرض بيانه لصورة الواقعة ما دام أنها تدخل في مدلول إحضاره لتلك الأداة التي أوردها الحكم في معرض تدليله على توافر ظرف سبق الإصرار لما هو مقرر من أن العبرة في الأحكام بالمقاصد والمعاني وليس بالألفاظ والمباني. فإن نعي الطاعن بأن العبارة الأولى لا أصل لها في الأوراق يكون في غير محله. ويضحى كل ما يثيره في شأن تدليل الحكم على توافر نية القتل وظرف سبق الإصرار غير سديد. وكان الحكم - فوق ذلك - قد قضى على الطاعن بعقوبة داخلة في حدود العقوبة المقررة للقتل العمد بغير سبق إصرار فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً. ولا يغير من هذا النظر القول بأن المحكمة أخذت الطاعن بالرأفة وأنها كانت عند تقدير العقوبة تحت تأثير الوصف الذي أعطته للواقعة إذ أن تقدير العقوبة مداره ذات الواقعة الجنائية التي قارفها الجاني لا الوصف القانوني الذي تكيفه المحكمة وهي إذ تعمل حقها الاختياري في استعمال الرأفة وذلك بتطبيق المادة 17 من قانون العقوبات. فإنما تقدر العقوبة التي تتناسب مع الواقعة وما أحاط بها من ظروف. لما كان ذلك، وكان الحكم قد نقل عن تقرير الصفة التشريحية لجثة المجني عليها قوله: "أن وفاة المجني عليها تعزى للإصابات المتواجدة بالرأس والناتجة من الضرب بجسم صلب ثقيل وجائز حدوثها من الفأس المضبوطة وبالتصوير الذي أورده المتهم في اعترافاته. وكان ما أورده الحكم نقلاً عن تقرير الصفة التشريحية كافياً في بيان مضمونه ولتحقيق المواءمة بينه وبين باقي الأدلة المطروحة في الدعوى فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم عدم إيراده مضمون هذا التقرير لا يكون له محل لما هو مقرر من أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص تقرير الخبير بكامل أجزائه. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن بدعوى القصور في التسبيب أن الحكم المطعون فيه أعمل المادة 17 من قانون العقوبات دون أن يبين في أسبابه موجب إعمالها مردوداً بأنه إذا أراد القاضي استعمال الرأفة والنزول عن درجة العقوبة المنصوص عليها قانوناً إلى درجة أخف فهو لا يكون ملزماً ببيان موجب ذلك بل كل ما يطلب منه عندئذ هو مجرد القول بأن هناك ظروفاً مخففة والإشارة إلى النص الذي يستند إليه في تقدير العقوبة، ذلك بأن الرأفة شعور باطني تثيره في نفس القاضي علل مختلفة لا يستطيع أحياناً أن يحددها حتى يصورها بالقلم أو باللسان، ولهذا لم يكلف القانون القاضي - وما كان ليستطيع تكليفه - بيانها بل هو يقبل منه مجرد قوله بقيام هذا الشعور في نفسه ولا يسأله عليها دليلاً. ومن ثم فإنه فضلاً عن انتفاء مصلحة الطاعن فيما يثيره في هذا الصدد فإن هذا الوجه من أسباب الطعن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الثابت بمحضر جلسة 15/ 7/ 1996 أن الطاعن لم يطلب توكيل محام للدفاع عنه، فندبت المحكمة الأستاذ/.... المحامي للدفاع عنه بعد موافقة المتهم، وطلب المحامي المنتدب أجلاً للاطلاع والاستعداد فأجابته المحكمة إلى طلبه وقررت التأجيل لجلسة 20/ 7/ 1996 لهذا السبب وبالجلسة الأخيرة ترافع المحامي المنتدب في الدعوى حسبما أملته عليه واجبات مهنته ورسمته تقاليدها. وكان مجلس نقابة المحامين يقوم بدور المعاون للمحاكم في تعيين من يلزم ندبه من المحامين دون أن يسلبها الخيار بين أن تندب للمتهم من يقبل الدفاع عنه من المحامين أو أن تندب له المحامي صاحب الدور عن طريق النقابة. فإن ما يثيره الطاعن من دعوى الإخلال بحق الدفاع وأن المحامي المنتدب لم يوفق في الدفاع عنه لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الطاعن لا يمارى في أسباب طعنه إنه لم يثر لدى محكمة الموضوع شيئاً عن خلل في قواه العقلية وكانت المحكمة لا تلتزم بتقصي أسباب إعفاء المتهم من العقاب في حكمها ما لم يدفع به أمامها، وكان هذا الدفاع يقوم على واقع يقتضي تحقيقاً تنأى عنه وظيفة محكمة النقض، فإن إثارته أمامها لأول مرة تكون غير مقبولة. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.