أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 32 - صـ 1084

جلسة 10 من ديسمبر سنة 1981

برياسة السيد المستشار/ صلاح نصار نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ أحمد أبو زيد ومحمد نجيب صالح وعوض جادو ومصطفى طاهر.

(194)
الطعن رقم 2048 لسنة 51 القضائية

1 - قتل عمد. قصد جنائى. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قصد القتل. أمر خفى. ادراكه بالظروف المحيطة بالدعوى والمظاهر الخارجة التى تنم عنه. استخلاص توافره. موضوعى.
2، 3، 4 - قتل عمد. أسباب الاباحة وموانع العقاب "الدفاع الشرعى". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن, ما لا يقبل منها".
(2) تقدير قيام حالة الدفاع الشرعى أو انتفاؤها. موضوعى. متى كان سائغا.
(3) الدفاع الشرعى عن المال لا يبيح استعمال القوة الا لرد فعل يكون جريمة - الجرائم الواردة حصرا بالمادة 246 عقوبات. النزاع على تجريف أرض متنازع على ملكيتها. ليس من هذه الجرائم.
(4) الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعى من الدفوع الموضوعية. عدم جواز اثارته لأول مرة أمام النقض، ما لم تكن مدونات الحكم تظاهره.
التمسك بقيام حالة الدفاع الشرعى عن النفس لا يغنى عن التمسك بقيام حالة الدفاع الشرعى عن المال. اساس ذلك وأثره؟.
5 - أثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع "سلطتها فى استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى".
حق محكمة الموضوع فى استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى واطراح ما يخالفها.
6 - اثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن, ما لا يقبل منها".
تقدير القوة التدليلية لآراء الخبراء والفصل فيما يوجه اليها من اعتراضات من اطلاقات محكمة الموضوع. عدم التزامها باجابة طلب مناقشة الطبيب الشرعى، متى كانت الواقعة قد وضحت لديها أو كان الآمر المطلوب تحقيقه غير منتج.
7 - أثبات "بوجه عام" "خبرة". اجراءات "اجراءات التحقيق". نقض "أسباب الطعن, ما لا يقبل منها".
النعى على تصرف النيابة بعدم أرسال المظروف الفارغ الى الطبيب الشرعى لفحصه، تعييب للاجراءات السابقة على المحاكمة. لا يصح سببا للطعن.
8 - قتل عمد. أثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن, ما لا يقبل منها". حكم "تسبيبه, تسبيب غير معيب".
حق محكمة الموضوع فى الجزم بما لم يجزم به الطبيب الشرعى فى تقريره. أخذ الحكم بدليل احتمالى غير قادح فيه ما دام قد اسس الادانة على اليقين.
1 - من المقرر أن قصد القتل أمر خفى لا يدرك بالحس الظاهر وانما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى أو الامارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره فى نفسه واستخلاص هذه النية موكول الى قاضى الموضوع فى حدود سلطته التقديرية.
2 - من المقرر أن تقدير الوقائع التى يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعى أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى للمحكمة الفصل فيه بغير معقب متى كانت الوقائع مؤدية للنتيجة التى رتبت عليها، كما أن حق الدفاع الشرعى لم يشرع لمعاقبة معتد على اعتدائه وانما شرع لرد العدوان.
3 - من المقرر أن الدفاع الشرعى عن المال وفقا للفقرة الثامنة من المادة 246 من قانون العقوبات لا يبيح استعمال القوة الا لرد فعل يعتبر جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى الابواب الثانى "الحريق عمدا" والثامن "السرقة والاعتصاب" والثالث عشر "التخريب والتعييب والاتلاف" والرابع عشر "انتهال حرمة ملك الغير" من الكتاب الثالث من هذا القانون - الجنايات والجنح التى تحصل لآحاد الناس - وفى المادة 387 فقرة أولى "الدخول أو المرور بغير حق فى أرض مهياة للزراعة أو مبذور فيها زرع أو محصول "والمادة 839 فقرة أولى" التسبب عمدا فى اتلاف منقول للغير "وثالثه" رعى بغير حق مواشى أو تركها ترعى فى أرض محصول أو فى بستان، واذ كانت الواقعة كما أوردها الحكم يبين منها أن النزاع بين المجنى عليه والطاعن هو فى جوهره نزاع على تجريف الأرض المتنازع على ملكيتها ومنع المجنى عليه عمال الطاعن من رفع الأتربة منها، ولما كان ما نسبه الطاعن الى المجنى عليه من الاعتداء على حريته وعماله فى العمل بمنعهم من رفع الأتربة من الأرض دون أن ينسب اليه دخول العقار لمنع حيازته بالقوة أو بقصد ارتكاب جريمة فيه - لو صح أنه يكون الجريمة المنصوص عليها فى المادة 375 من قانون العقوبات الواردة فى الباب الخامس عشر من هذا القانون - لا يتوافر به حق الدفاع الشرعى عن المال اذ أن ذلك ليس من بين الأفعال التى تصح المرافعة عنها قانونا باستعمال القوة فان منعى الطاعن على الحكم فى هذا الصدد يكون فى غير محله.
4 - الأصل فى الدفاع الشرعى أنه من الدفوع الموضوعية التى يجب التمسك بها لدى محكمة الموضوع ولا يجوز اثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض الا اذا كانت الوقائع الثابتة بالحكم دالة بذاتها على تحقق حالة الدفاع الشرعى كما عرفه القانون أو ترشح لقيامها. ولما كانت واقعة الدعوى كما أثبتها الحكم المطعون فيه لا تتوافر فيها حالة الدفاع الشرعى عن المال أو ترشح لقيامها، وكان يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه لم يتمسك أيهما بقيام حالة الدفاع الشرعى عن المال ولا يغنى فى ذلك تمسك الطاعن بقيام حالة الدفاع الشرعى عن النفس لاختلاف أساس كل من الدفاعين عن الآخر فانه لا يقبل من الطاعن اثارة هذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض.
5 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى اليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا الى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق.
6 - الاصل أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم اليها والفصل فيما يوجه اليه من اعتراضات وأنها لا تلتزم باستدعاء الطبيب الشرعى لمناقشته ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هى من جانبها حاجة الى اتخاذ هذا الاجراء أو كان الامر المطلوب تحقيقه غير منتج فى الدعوى وطالما أن استنادها الى الرأى الذى انتهى اليه الخبير هو استناد سليم لا يجافى المنطق والقانون فلا يجوز مجادلتها فى ذلك.
7 - ما ينعاه الطاعن على تصرف النيابة من عدم ارسال المظروف الفارغ الى الطبيب الشرعى لفحصه فهو لا يعدو أن يكون تعييبا للاجراءات السابقة على المحاكمة لا يصح أن يكون سببا للطعن فى الحكم.
8 - لا يقدح فى استدلال الحكم أن يكون الطبيب الشرعى قد تعذر عليه تحديد نوع أو عيار المقذوف لعدم استقراره بجسم المجنى عليه وأنه أجاز حدوث اصابة المجنى عليه من مثل الطبنجة المضبوطة دون أن يقطع بذلك لما هو مقرر أن لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الطبيب الشرعى فى تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها وهو ما لم يخطئ الحكم فى تقديره، هذا فضلا عن أن أخذ الحكم بدليل احتمالى غير قادح فيه ما دام قد أسس الادانة على اليقين.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: قتل عمدا..... بأن أطلق عليه عدة أعيرة نارية من مسدسه المرخص له بحمله قاصدا من ذلك قتله فأصابت احداها المجنى عليه وأحدثت به الاصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته، وطلبت الى مستشار الاحالة احالته الى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقا لمواد الاتهام، فقرر ذلك، وادعى كل من..... و...... عن نفسها وبصفتها مدنيا قبل المتهم بمبلغ واحد وخمسين جنيها على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات الجيزة قضت حضوريا عملا بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات والزامه بأن يدفع للمدعين بالحق المدنى مبلغ واحد وخمسين جنيها على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

وحيث ان مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه اذ دان الطاعن بجريمة القتل العمد قد شابه القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال والاخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه لم يدلل على توافر نية القتل فى حقه تدليلا كافيا وسائغا مع أن ظروف الواقعة تنفى هذه النية لديه بدلالة اطلاقه الأعيرية النارية فى الهواء للارهاب واصابة المجنى عليه بعيار واحد، هذا الى أنه أطرح دفاعه بأنه كان فى حالة دفاع شرعى عن النفس ورد عليه بما لا يصح ردا، كما أنه لم يعرض لدفاعه المؤسس على أن المجنى عليه منع عماله من تجريف أرضه وهو فعل يكون الجريمة المنصوص عليها فى المادة 375 من قانون العقوبات وتنهض به حالة الدفاع الشرعى عن المال التى ترشح لها أسبابه مما يقتضى منه أن يعرض لهذه الحالة ويقول كلمته فيها وفضلا عن ذلك فان الحكم لم يبين علاقة السببية بين الفعل الذى قارفه الطاعن وبين اصابة المجنى عليه ووفاته، وأخيرا فان دفاع الطاعن قام على أن مسدسه المضبوط ليس هو المستعمل فى الحادث لاختلاف خواصه بالنسبة للاطلاق واستقرار المقذوف بالجسم عن خواص السلاح المستعمل وطلب استدعاء الطبيب الشرعى لاستجلاء ذلك ولبيان نوع العيار النارى الذى عثر على مظروفه الفارغ فى مكان الواقعة ولم ترسله النيابة الى الطبيب الشرعى لفحصه فجاء تقريره مرجحا حصول الاصابة من السلاح المضبوط دون أن يجزم بذلك الا أن المحكمة أعرضت عن هذا الدفاع ولم تستجب الى طلبه أو ترد عليه. كل ذلك مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث ان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مجمله أن الطاعن قام بتجريف أرض زراعية ينازعه المجنى عليه فى ملكيتها وحدثت بينهما مشادة لمنع المجنى عليه عماله عن رفع الأتربة من الأرض وانصرف الطاعن على أثرها ثم عاد حاملا مسدسه المرخص وأطلق منه عدة أعيرة ناريه نحو المجنى عليه أصابته احداها بالاصابة المبينة بتقرير الصفة التشريحية التى أودت بحياته، وأورد الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة فى حق الطاعن أدلة مستمدة من أقوال شهود الاثبات ومن التحريات وما دل عليه تقرير الصفة التشريحيه وهى أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى الى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفى لا يدرك بالحس الظاهر وانما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والامارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره فى نفسه واستصلاص هذه النية موكول الى قاضى الموضوع فى حدود سلطته التقديرية. ولما كان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل وأثبت توافرها فى حق الطاعن بقوله "وحيث ان نية القتل متوافرة فى حق المتهم - الطاعن - من استعماله سلاح نارى (طبنجة) من شأنه احداث القتل واطلاقه عدة أعيرة منه تجاه المجنى عليه قاصدا ازهاق روحه فأصابته احداها وأردته قتيلا واستهدافه مقتلا من المجنى عليه اذ أصابه العيار النارى فى صدره وأحدث تهتكا بقلبه ورئته اليمنى ونزيف بالتامور والتجويف الصدرى على النحو الذى أفصح عنه تقرير الصفة التشريحية مدفوعا فى ذلك بالرغبة فى الانتقام من المجنى عليه لمنعه من رفع أتربه من قطعة أرض يتنازعان على ملكيتها وحدثت مشادة بينهما انصرف على أثرها المتهم ثم عاد بعد برهة حاملا سلاحه النارى وأطلق منه عدة أعيرة نارية تجاة المجنى عليه قاصدا من ذلك قتله وأصابته احدى هذه الاعيرية وأردته قتيلا". فان هذا حسبه للتدليل على نية القتل حسبما هى معرفة به فى القانون وليس على المحكمة من بعد أن تناقش كل الأدلة الاستنتاجية التى تمسك بها الدفاع بعد أن اطمأنت الى أدلة الثبوت التى أوردتها وينحل جدل الطاعن فى توافر نية القتل الى جدل موضوعى فى حق محكمة الموضوع فى تقدير أدلة الدعوى واستنباط معتقدها مما لا يجوز اثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض الى ما أثاره الطاعن من قيام حالة الدفاع الشرعى عن النفس ورد عليه فى قوله. والمحكمة تلتفت عما أثاره المتهم من أنه كان فى حالة دفاع شرعى عن نفسه فمردود عليه بأن الثابت من أقوال شهود الاثبات وتحريات الشرطة التى اطمأنت اليها المحكمة قد أجمعت على أن المتهم حدثت بينه وبين المجنى عليه مشادة وأن المتهم انصرف من مكان المشاجرة ثم عاد ومعه سلاحه النارى المرخص وأطلق منه عدة أعيرة نارية بقصد الانتقام من المجنى عليه وقتله أصابت أحداها المجنى عليه وأردته قتيلا، ولما كان الدفاع الشرعى لم يشرع للانتقام من الغرماء بل لكف الاعتداء ومن ثم تكون حالة الدفاع الشرعى منتفية. ولما كان من المقرر أن تقدير الوقائع التى يستنتج عنها قيام حالة الدفاع الشرعى أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى للمحكمة الفصل فيه بغير معقب متى كانت الوقائع مؤدية للنتيجة التى رتبت عليها، كما أن حق الدفاع الشرعى لم يشرع لمعاقبة معتد على اعتدائه وانما شرع لرد العدوان، واذ كان مؤدى ما أورده الحكم فى بيانه لواقعة الدعوى ولدى نفيه لقيام حالة الدفاع الشرعى عن النفس وهو ما لا ينازع الطاعن فى صحة اسناد الحكم بشأنه - أن مشادة وقعت بين المجنى عليه والطاعن الذى انصرف من مكان المشاجرة ثم عاد وبادر المجنى عليه باطلاق النار عليه من سلاحه فأصابه عيار نارى وحدثت به الاصابة التى أودت بحياته دون ان يبدر من المجنى عليه بادره اعتداء عليه، فان ما قارفه الطاعن من تعد يكون من قبيل الانتقام بما تنتفى به حالة الدفاع الشرعى عن النفس كما هى معرفة به فى القانون ويكون النعى على الحكم المطعون فيه فى هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الدفاع الشرعى عن المال وفقا للفقرة الثانية من المادة 246 من قانون العقوبات لا يبيح استعمال القوة الا لرد فعل يعتبر جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى الأبواب الثانى "الحريق عمدا" والثامن "السرقة والاغتصاب" والثالث عشر "التخريب والتعييب والاتلاف" والرابع عشر "انتهاك حرمة ملك الغير" من الكتاب الثالث من هذا القانون - الجنايات والجنح التى تحصل لآحاد الناس - وفى المادة 387 فقرة أولى "الدخول أو المرور بغير حق فى أرض مهيأة للزراعة أو مبذور فيها زرع أول محصول "والمادة 389 فقرة أولى "التسبب عمدا فى اتلاف منقول للغير "وثالثه" رعى بغير حق مواشى أو تركها ترعى فى أرض بها محصول أو فى بستان"، واذ كانت الواقعة كما أوردها الحكم يبين منها أن النزاع بين المجنى عليه والطاعن هو فى جوهره نزاع على تجريف الأرض المتنازع على ملكيتها ومنع المجنى عليه عمال الطاعن من رفع الأتربة منها، ولما كان ما نسبه الطاعن الى المجنى عليه من الاعتداء على حريته وعماله فى العمل بمنعهم من رفع الأتربة من الأرض دون أن ينسب اليه دخول العقار لمنع حيازته بالقوة أو بقصد ارتكاب جريمة فيه - لو صح أنه يكون الجريمة المنصوص عليها فى المادة 375 من قانون العقوبات الواردة فى الباب الخامس عشر من هذا القانون - لا يتوافر به حق الدفاع الشرعى عن المال اذ أن ذلك ليس من بين الأفعال التى تصح المرافعة عنها قانونا باستعمال القوة فان منعى الطاعن على الحكم فى هذا الصدد يكون فى غير محله. وفضلا عن ذلك فان الاصل فى الدفاع الشرعى أنه من الدفوع الموضوعية التى يجب التمسك بها لدى محكمة الموضوع ولا يجوز اثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض الا اذا كانت الوقائع الثابتة بالحكم دالة بذاتها على تحقق حالة الدفاع الشرعى كما عرفه القانون أو ترشح لقيامها. ولما كانت واقعة الدعوى كما اثبتها الحكم المطعون فيه لا تتوافر فيها حالة الدفاع الشرعى عن المال أو ترشح لقيامها، وكان يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه لم يتمسك أيهما بقيام حالة الدفاع الشرعى عن المال ولا يغنى فى ذلك تمسك الطاعن بقيام حالة الدفاع الشرعى عن النفس لاختلاف أساس كل من الدفاعين عن الآخر فانه لا يقبل من الطاعن اثارة هذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان يبين من الحكم أنه أثبت فى حق الطاعن أنه أطلق عيارا ناريا على المجنى عليه من مسدسه ونقل عن تقرير الصفة التشريحية اصابة المجنى عليه بجرح نارى - فتحة دخول - بمقدم الصدر وجرح نارى - فتحة خروج - بأقصى وحشيه يمين الظهر وأن اصابته نارية حيوية حديثة نشأت من عيار نارى معمر بمقذوف مفرد وأن الوفاه ناشئه من العيار النارى وما أحدثه من تهتك بالقلب والرئة اليمنى ونزيف بالتامور والتجويف الصدرى وما صاحب ذلك من صدمة عصبية، ولما كان الواضح من مدونات الحكم فيما تقدم أنه استظهر علاقة السببية بين الفعل الذى قارفه الطاعن وبين اصابة المجنى عليه ووفاته استناد الى جماع الدليل القولى والدليل الفنى وهو تقرير الصفة التشريحية فانه ينحسر عنه قالة القصور فى هذا الصدد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى اليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا الى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الاوراق، واذ كان الحكم المطعون فيه قد استخلص بأسباب سائغة من جماع أدلة الثبوت التى أوردها أن الطاعن أطلق العيار النارى الذى أصاب المجنى عليه من مسدسه المرخص المضبوط ونقل عن تقرير الصفة التشريحية أن اصابة المجنى عليه نارية حيوية حديثة نشأت من عيار نارى معمر بمقذوف مفرد لا يمكن تحديد نوعه أو عياره نظرا لعدم استقراره أو جزء منه بالجثة وأنه نظرا لعدم وجود أية علامات لقرب اطلاق سواء بالجثة أو بالملابس فان مسافة الاطلاق جاوزت حد الاطلاق القريب وهو ما يقدر عادة بربع المتر فى الأسلحة القصيرة المششخنة وقد تصل الى بضعة أو عدة أمتار وانه يجوز حدوث الاصابة من مثل الطبنجة المضبوطة التى ثبت صلاحيتها للاستعمال. ولما كان ما أثبته الحكم فيما تقدم من مقارفة الطاعن فعل القتل بالسلاح المضبوط يكفى فى سليم المنطق وصحيح القانون ردا على ما أثاره الطاعن من شبهات فى حقيقة السلاح المستعمل فى القتل فان ما يثيره الطاعن من نعى على الحكم للقصور فى الرد على دفاعه فى هذا الخصوص لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الاصل أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم اليها والفصل فيما يوجه اليه من اعتراضات وأنها لا تلتزم باستدعاء الطبيب الشرعى لمناقشته ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم ترى من جانبها حاجة الى اتخاذ هذا الاجراء أو كان الامر المطلوب تحقيقه غير منتج فى الدعوى وطالما أن استنادها الى الرأى الذى انتهى اليه الخبير هو استناد سليم لا يجافى المنطق والقانون فلا يجوز مجادلتها فى ذلك. كما هو الحال فى الدعوى المطروحة -، وكان لا يؤثر فى ذلك ما ينعاه الطاعن على تصرف النيابة من عدم أرسال المظروف الفارغ الى الطبيب الشرعى لفحصه فهو لا يعدو أن يكون تعييبا للاجراءات السابقة على المحاكمة لا يصح أن يكون سببا للطعن فى الحكم، كما أنه لا يقدح فى استدلال الحكم أن يكون الطبيب الشرعى قد تعذر عليه تحديد نوع أو عيار المقذوف لعدم استقراره بجسم المجنى عليه وأنه أجاز حدوث اصابة المجنى عليه من مثل الطبنجة المضبوطة دون أن يقطع بذلك لما هو مقرر أن لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الطبيب الشرعى فى تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها وهو ما لم يخطئ الحكم فى تقديره. هذا فضلا عن أن أخذ الحكم بدليل احتمالى غير قادح فيه ما دام قد أسس الادانة على اليقين، واذ كانت المحكمة قد استخلصت من تقرير الصفة التشريحية الذى اطمأنت اليه أن اصابة المجنى عليه حدثت من السلاح المضبوط مع الطاعن فلا تثريب عليها اذا هى لم تستجب لطلب استدعاء الطبيب الشرعى ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تنوى من جانبها ضرورة اتخاذ هذا الاجراء ويكون النعى على الحكم المطعون فيه بالاخلال بحق الدفاع فى غير محله. لما كان ما تقدم، فان الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.