مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السادس (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1942 لغاية 29 أكتوبر سنة 1945) - صـ 283

جلسة 7 يونيه سنة 1943

برياسة حضرة صاحب العزة سيد مصطفى بك وكيل المحكمة، وبحضور حضرات: منصور إسماعيل بك وجندي عبد الملك بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك المستشارين.

(213)
القضية رقم 1428 سنة 13 القضائية

إثبات. محاكمة جنائية. العبرة فيها. مطالبة القاضي بالأخذ بدليل دون دليل. لا يصح. اتباع الأحكام المقرّرة بالقانون للإثبات في المواد المدنية والتجارية. لا إلزام. الأوراق الرسمية. حجيتها والأحكام المقرّرة للطعن فيها. محل إتباعها والأخذ بها وجوباً. الإجراءات المدنية والتجارية. محضر كسر ختم المتوفى. اقتناع المحكمة الجنائية بعدم صحة ما ورد فيه. عدم أخذها به. لا تثريب عليها في ذلك.
إنه لما كانت العبرة في المحاكمة الجنائية باقتناع القاضي، بناء على التحقيقات التي تتم في الدعوى، بإدانة المتهم أو ببراءته كان لا يصح مطالبة القاضي بالأخذ بدليل دون دليل أو باتباع الأحكام المقرّرة بالقانون لإثبات الحقوق والتخالص منها في المواد المدنية والتجارية. وإذن فإذا اقتنع القاضي من الأدلة التي أوردها بأن المتهم ارتكب الجريمة المرفوعة بها الدعوى عليه وجب عليه أن يدينه ويوقع عليه العقاب. ويكون ذلك معناه أنه لم ير في أي دليل آخر ولو كان ورقة رسمية ما يغير النظر الذي انتهى إليه. أما ما جاء في القانون عن حجية الأوراق الرسمية والأحكام المقررة للطعن فيها فمحله في الإجراءات المدنية والتجارية فقط حيث عينت الأدلة، ووضعت أحكام لها، وألزم القاضي بأن يجرى في قضائه على مقتضاها. وإذن فلا تثريب على المحكمة إذا هي لم تأخذ بمحضر كسر ختم المتوفى لاقتناعها من الأدلة التي أوردتها بأنه لا صحة لما هو وارد فيه.


المحكمة

وحيث إن مبنى الوجه الأوّل من وجهي الطعن أن الحكم المطعون فيه دان الطاعنين في جريمة التزوير على أساس أن الطاعن الثاني استولى على ختم والده مورّث المدعية بالحقوق المدنية ووقع به بعد وفاته على المخالصة المطعون فيها بالتزوير، مع أن الثابت بمحضر كسر الختم أن عمدة البلدة أخرج ختم المتوفى من جيبه قبل دفنه وأجرى كسره بواسطة بعض أولاده وأقاربه، ولما كان محضر كسر الختم محضراً رسمياً لا يجوز إثبات عكس ما جاء به إلا بطريق الطعن بالتزوير فإن الحكم إذ لم يعوّل عليه يكون قد أخطأ خطأ يعيبه بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى وأورد الأدلة التي اعتمد عليها في ثبوت جريمة التزوير على الطاعنين تعرّض لما دفعا به أن محضر كسر الختم يعتبر حجة بما فيه ما دام لم يثبت تزويره وقال في ذلك: "إن أهم ما يجب توفره في محاضر كسر الأختام أن يبصم بالختم على محضر الجبر حتى يتحقق من أن الختم الذي جبر هو ختم المتوفى نفسه وأن يحتفظ ببقايا الختم وتوضع في مظروف يرسل مع المحضر للمجلس الحسبي وأن يقوم بجبره محرّر المحضر نفسه... ولم يثبت أن العمدة أجرى كسر الختم بنفسه بعد التحقق من أن الختم الذي كسر هو ختم المورّث لا غيره، ولم يوقع العمدة على المحضر ببصمة الختم المكسور قبل كسره حتى يتحقق من أن الختم الذي كسر هو ختم المتوفى نفسه وثابت بمحضر جبر الختم بدوسيه المجلس الحسبي ما قرّره عمدة الوقدة (لما يلغي وفاة عبد الله محمد قمت في الحال قبل دفنه واستحضرت عبد الله محمد شيخ النجع وتوجهنا للمتوفى وأخرجنا الختم الذي باسمه من جيبه قبل دفنه واستلمناه فعلاً وأجرينا تكسيره بمعرفة بعض أولاده وأقاربه) وموقع على هذا المحضر من عمدة الوقدة وعبد الله محمد شيخ نجع خليفة وحسن محمد أحمد ومحمود عبد الله وحسن عبد الرحيم والسيد عمران، وجميع من وقعوا عليه عدا محمود عبد الله أميون، ووقعوا بأختامهم. ومضمون هذا المحضر يشعر بأن العمدة والشيخ لم يتحققا من أن ختم المورّث جبر حقيقة وخاصة أنه جاء على لسان الشيخ رضوان مصطفى درويش أمام النيابة صفحة 14 من التحقيق الأوّل للنيابة أن الذي أحضر له الختم محمود بن المتوفى وهو المتهم الثاني (الطاعن) وقرّر له أنه ختم أبيه لأنه لا يعرف القراءة والكتابة وأن الذي حرّر المحضر الخاص بجبر الختم هو المتهم الأوّل بمساعدة وزيري عبد الرحيم عامل التليفون وقد قرّر أيضاً أن عامل التليفون لم يتحقق من الختم بل قرأه له المتهم الأوّل وقرّر أنه سمع بالإشاعة أن الختم لم يكسر ولما سئل وزيري قرر بصحيفة 17 من محضر تحقيق النيابة أن الذي أحضر الختم هو المتهم الثاني وكسره دون أن يتحقق الشاهدان من الختم كما قرّر حسن أحمد مع المتهمين وهو ضمن الموقعين على محضر جبر الختم أنه لم يقرأ أحد ختم المتوفى قبل كسره. وإنه وإن كان العقد الرسمي يعتبر حجة بما فيه ما لم يطعن فيه بالتزوير في المواد المدنية إنما يلاحظ أن محتويات المحضر قسمان: ما يثبته المحرّر بناء على معرفته ومشاهدته وما يثبته بناء على ما يقرّره الخصوم. فالقسم الأوّل هو الذي يكون حجة بما يحويه ما لم يثبت تزويره أما القسم الثاني فيمكن إثبات ما يخالفه بالطرق القانونية المعتادة بدون حاجة إلى الطعن بالتزوير، وإذا لم يراع شرط من الشروط الجوهرية لتحرير المحضر الرسمي يعتبر باطلاً. والمحرّر الرسمي الباطل إذا كانت عليه توقيعات يعتبر كالعقد العرفي. هذا كله في المسائل المدنية ولكن بالنسبة للمسائل الجنائية فإذا اقتنع القاضي بأن ما أثبته المحضر الرسمي يخالف الواقع فيمكنه عدم التعويل عليه. وإن المحكمة لا تعوّل بأي وجه من الوجوه على محضر جبر الختم المؤرّخ في 9 يونيه سنة 1935 لأنه رغماً من أنه لم يرسل للمجلس الحسبي إلا بعد شكاوى عديدة تقدّمت من الوصية نجية حسن عبد بالرحيم بشأن عدم كسر الختم إذ أنه لم يرسل إلا في 12 مارس سنة 1936 أي بعد الوفاة بما يقرب من السنة، وهذا ما يحمل على الاعتقاد بأن يكون العمدة حرّره فيما بعد ليدرأ عن نفسه تهمة التقصير في جبر الختم، فضلاً عن أنه يستفاد من أقواله وأقوال وزيري عبد الرحيم وحسن أحمد أن الختم كسر دون أن يتحقق من أنه ختم المتوفى. أما شهادة سعيد اسطفانوس الذي استشهد به المتهم الثاني بالجلسة الأخيرة فإن المحكمة لا تثق بشهادته لأنه لم يقل عنه أحد إنه كان ضمن الحاضرين في كسر الختم ولو كان حاضراً حقيقة كما يدعي لاستشهد به المتهمان من أوّل الأمر، فضلاً عن أنه شهد على أن العمدة هو الذي كسر الختم وأنه هو الذي أعطاه له ليقرأه وهذا ما لم يقله العمدة".
وحيث إنه لما كانت العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على التحقيقات التي تتم في الدعوى بإدانة المتهم أو ببراءته، فإنه لا يصح مطالبته بالأخذ بدليل دون دليل أو باتباع الأحكام المقّررة بالقانون لإثبات الحقوق والتخلص منها في المواد المدنية والتجارية، وإذن فإذا اقتنع القاضي بأن المتهم ارتكب الجريمة وجب عليه أن يدينه ويوقع عليه العقاب، ويكون ذلك منه معناه أنه لم ير في أي دليل آخر ولو كان ورقة رسمية ما يغير النظر الذي انتهى إليه. أما ما جاء في القانون عن حجية الأوراق الرسمية والأحكام المقرّرة للطعن فيها فمحله في الإجراءات المدنية والتجارية فقط، حيث عينت الأدلة ووضع حكم لكل منها وألزم القاضي بأن يعمل في قضائه على مقتضاها. ومتى كان الأمر كذلك فلا تثريب على المحكمة وقد اقتنعت من الأدلة التي أوردتها بأن لا صحة لما هو وارد بمحضر كسر الختم إذا ما هي لم تأخذ بهذا المحضر.
وحيث إن محصل الوجه الآخر أن الحكم أورد كثيراً من الوقائع على وجه لا يتفق والثابت في التحقيقات سواء فيما يختص بشهادة سعيد اسطفانوس أو شهود محضر الصلح أو بمحاضر جلسات المجلس الحسبي أو بتنازل الطاعن الثاني عن الدعويين اللتين رفعهما بصحة التوقيع.
وحيث إنه لا محل لما يثيره الطاعنان في هذا بالوجه فإن الحكم قد أثبت عليهما بالأدلة التي أوردها والتي من شأنها أن تؤدّي إلى ما رتبه عليها أنهما قارفا الجريمة التي عاقبهما من أجلها. ولذلك تكون مجادلتهما غير مجدية (أولاً) لأنها غير متعلقة بالأدلة الرئيسية التي أقيم الحكم عليها بصفة أصلية، (وثانياً) لأنها لا تعدو في جملتها أن تكون مناقشة في وقائع الدعوى وأدلة الثبوت فيها مما لا شأن لمحكمة النقض به.