مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السادس (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1942 لغاية 29 أكتوبر سنة 1945) - صـ 295

جلسة 21 يونيه سنة 1943

برياسة حضرة صاحب العزة سيد مصطفى بك وكيل المحكمة، وبحضور حضرات: منصور إسماعيل بك وجندي عبد الملك بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك المستشارين.

(223)
القضية رقم 1426 سنة 13 القضائية

إثبات. إقرار. متى يصح القول بعدم قابلية الإقرار للتجزئة؟ إذا كان هو الدليل الوحيد في الدعوى. تمسك المدعي في دعوى يلزم لإثباتها الكتابة بأدلة أخرى. البينة والقرائن. اعتبار أقوال المجني عليه مبدأ ثبوت بالكتابة. جواز القضاء بأن هذه الدعوى لا يصح إثباتها بالبينة وأن اعتراف المدعي عليه لا تصح تجزئته. لا يصح.
لا محل للقول بعدم قابلية الإقرار للتجزئة في المواد المدنية إلا حيث يكون الإقرار هو الدليل الوحيد في الدعوى. أما إذا كان لدى المدعي أدلة أخرى على ثبوت حقه، ولم يكن في حاجة إلى التمسك بإقرار المدّعى عليه، فإن المحكمة يكون لها - إذا كانت أدّلة المدّعي هي البينة والقرائن فقط والدعوى يلزم لها الكتابة - أن تعتبر أقوال المدّعى عليه، ولو أنها صدرت منه في شكل إقرار لا يقبل التجزئة، مبدأ ثبوت بالكتابة يجوز معه الإثبات بالبينة والقرائن متى رأت منها أن الحق صار قريب الاحتمال. فإذا هي لم تفعل وقضت بأن الدعوى لا يصح إثباتها بالبينة، وأن اعتراف المدعى عليه لا يصح أن يجزأ عليه فإن حكمها يكون قاصراً.


المحكمة

وحيث إن الطاعن ينعى فيما ينعاه على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المتهم ورفض الدعوى المدنية الموجهة عليه بناء على ما قاله من عدم وجود دليل كتابي يكون قد أخطأ. لأن الكتابة لم تكن لازمة في الدعوى بمقتضى القانون، ولأن اعتراف المتهم الذي أدلى به يدل بذاته على أن ذمته مشغولة للطاعن في مبلغ 1 جنيه و800 مليم الذي ادّعى بحصول المقاصة فيه مع أن شروط المقاصة غير متوفرة وهذا يكفي للحكم عليه بالعقاب والتعويض لأنه حجزه بلا حق.
وحيث إن واقعة الدعوى تتحصل على ما جاء بالحكم الابتدائي في: "أن ميخائيل بشاي أبلغ العمدة بتاريخ 13 يونيو سنة 1942 بأنه في يوم 9 منه باع 19 أردباً سمسماً إلى عبد الوهاب مصطفى التاجر بأبي تيج بسعر الأردب الواحد 620 قرشاً وقبض منه مبلغ 35 جنيهاً مقدّماً بصفة عربون وبقى له 82 جنيهاً و800 مليم من الثمن ثم سلمه تلك البضاعة وطالبه بذلك الباقي من الثمن فأخبره بأنه سلمه للمتهم الذي كان سمساراً في تلك الصفقة فأوفد إليه إسحاق مكاري لاستلام ذلك المبلغ منه فلم يدفع له شيئاً بزعم أنه سلم إليه هذا المبلغ فاستدعى العمدة لديه المتهم وسأله عن ذلك فأقرّ باستلامه ذلك المبلغ باقي الثمن من المشتري المذكور وادّعى بأنه سلمه بدوره إلى البائع الشاكي وسأله العمدة عمن يشهد معه بذلك فأجابه بأنه ليس لديه شهود فأرسله العمدة إلى نقطة البوليس بالبلاغ شارحاً عليه بأنه علم من تحرّياته عن هذا الموضوع بأن المتهم اختلس ذلك المبلغ لنفسه فتولى البوليس والتحقيق وكرر فيه البائع ما ذكره في بلاغه وأضاف إليه بأن المتهم اختلس ذلك المبلغ لاختلافه معه على مقدار العمولة التي يستحقها في إتمام صفقة البيع. وسئل إسحاق مكاري فشهد بما يطابق أقوال المجني عليه المذكور. ثم سئل المتهم فقرر بأنه ذهب مع الجمال المحملة بالسمسم المبيع للمشتري عبد الوهاب مصطفى بأبي تيج في يوم الثلاثاء 9 يونيه سنة 1942 وسلمه البضاعة واستلم منه باقي الثمن وقدره 81 جنيهاً و800 مليم وعاد إلى بلدته دير الجنادلة في نفس اليوم ثم توجه في اليوم التالي إلى البائع ميخائيل بشاي وأخبره بشاي بأنه استلم من المشتري باقي الثمن ثم تركه دون أن يسلمه له في ذلك اليوم وعاد إليه في صباح اليوم التالي وهو يوم الخميس 11 يونيو سنة 1942 وسلمه 80 جنيهاً فقط من ذلك المبلغ بداخل منزله لحين ما يتفق معه على حساب العمولة ولكنه اشتدّ الخلاف بينهما عليها فتركه وانصرف وبعدئذ ذهب إليه إسحاق مكاري وتحاسب معه عن ثلث العمولة ولكنهما لم يتفقا أيضاً فأبى المتهم أن يدفع له شيئاً من ذلك الباقي طرفه فاشتكاه البائع بجميع المبلغ".
وحيث إن الحكم المطعون فيه حين قضى للمتهم بالبراءة ورفض دعوى التعويض المرفوعة عليه من الطاعن قال فيما قال: "إنه بالرجوع إلى الوقائع الثابتة في هذه القضية تبين أن المتهم كان وسيطاً في البيع (سمساراً) أدّى مأموريته بحضور البائع المجني عليه وباسمه. فقد ثبت من أقوال عبد الوهاب مصطفى مشتري الصفقة وهو شخص لا مصلحة له مع أحد من الخصوم أن المجني عليه حضر له مع المتهم وعرض عليه مشتري البضاعة التي لديه فاتفقا على الثمن كما اتفقا على مقابل السمسرة للمتهم وبذلك تمت الصفقة على يد سمسار - وهو المتهم - كان يؤدّي مأمورية ظاهرة باسم عميلة المجني عليه. فلا يمكن والحال هذه اعتبار العلاقة بين المتهم والمجني عليه علاقة وكيل بالعمولة. فأما تسليم المتهم للبضاعة وقبض باقي الثمن من البائع فتلك عملية مستقلة هي عملية الوكالة العادية، وهي عقد مدني بين المتهم والمجني عليه لا يجوز إثباته بالبينة فيما إذا زادت قيمته على العشرة جنيهات. وبالتالي فإن اعتراف المتهم بقبض باقي الثمن من المشتري ودفعه للمجني عليه اعتراف لا يقبل التجزئة ويجب قانوناً أن يؤخذ برمته أو يطرح برمته. وحيث إن المادة 341 من قانون العقوبات تستلزم قيام أحد العقود المدنية الواردة فيها على سبيل الحصر وليس من بينها عقد السمسرة. ومن ناحية أخرى فإن المسلم به قانوناً أنه لإثبات قيام أحد العقود السالفة الذكر فيتعين إتباع طرق الإثبات المدنية. وحيث إن المجني عليه لم يقدّم دليلاً كتابياً على بقاء ذمة المتهم مشغولة بمبلغ 82 جنيهاً و800 مليم الذي استمله من المشتري فلا يقبل منه دليل آخر على ذلك. ومن ثم فيتعين إلغاء حكم محكمة أوّل درجة وبراءة المتهم مما نسب إليه".
وحيث إن الحكم إذا اقتصر في قضائه على القول بأن الدعوى لا يصح إثباتها بالبينة وأن اعتراف المتهم لا يصح أن يجزأ عليه يكون قد أخطأ: (أوّلاً) لأن الطاعن تمسك في إثبات دعواه بشهادة الشهود وذكر أن أقوال المتهم في التحقيق تؤيد دعواه فكان يتعين على المحكمة والحالة هذه مع قولها - وقولها في هذا صحيح - إن إقرار المتهم لا يقبل التجزئة بأن تبحث الأقوال التي صدرت منه في إقراره حتى إذا ما رأت فيها أن الحق المطلوب إثباته صار بها قريب الاحتمال عدّتها مبدأ ثبوت بالكتابة جائزة تكملته بشهادة الشهود والقرائن طبقاً لما هو مقرّر بالقانون المدني. ذلك لأن القول بعدم قابلية الإقرار للتجزئة لا يكون له محل إلا إذا كان الإقرار هو الدليل الوحيد في الدعوى. أما إذا كان المدّعي لديه أدلة على ثبوت حقه ولم يكن في حاجة إلى التمسك بإقرار المدّعى عليه فإن المحكمة يكون لها، إذا كانت أدلة المدعي هي البينة والقرائن فقط والدعوى يلزم لها الكتابة، أن تعتبر أقوال المدّعى عليه ولو صدرت منه في شكل إقرار لا يقبل التجزئة كإقرار مبدأ ثبوت بالكتابة يجوز معه الإثبات بالبينة والقرائن متى رأت فيها أن الحق صار قريب الاحتمال. أما وهي لم تفعل شيئاً من ذلك فإن حكمها يكون قاصراً. (ثانياً) لأن الإقرار الذي قالت المحكمة إنه غير قابل للتجزئة يتضمن أن المقر تسلم من المشتري مبلغ 82 جنيهاً و800 مليم ليسلمه إلى المدّعي بالحق المدني ولكنه احتجز لنفسه مبلغ 280 قرشاً على ذمة السمسرة وأجرة المشال والكيل. ولما كان عدم قابلية الإقرار للتجزئة لا يتناول هذا المبلغ المقول باحتجازه لتلعقه بواقعة بعيدة عن الوقائع المركب منها الإقرار فإن عدم تحدّث المحكمة عنه في حكمها يعدّ قصوراً أيضاً.