مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السادس (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1942 لغاية 29 أكتوبر سنة 1945) - صـ 303

جلسة 21 يونيه سنة 1943

برياسة حضرة صاحب العزة سيد مصطفى بك وكيل المحكمة، وبحضور حضرات: منصور إسماعيل بك وجندي عبد الملك بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك المستشارين.

(230)
القضية رقم 1506 سنة 13 القضائية

( أ ) إثبات. قواعده في المواد المدنية. عدم تعلقها بالنظام العام. الإثبات بالبينة. الدفع بعدم جوازه. وجوب التمسك به أمام محكمة الموضوع قبل سماع الشهود. دعوى اختلاس أوراق وعقود. أقوال المتهم في التحقيق. أوراق محرّرة بخطه. اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة. قبول الإثبات بالبينة على هذا الأساس. جوازه حتى مع اعتراض المتهم. قضاء المحكمة على أساس وجود مبدأ ثبوت بالكتابة. استفادته من الوقائع والأدلة التي أوردها الحكم. لا يشترط أن تكون قد وردت به عبارات صريحة.
(ب) إقرار. محل القول بعدم تجزئته. ألا يكون في الدعوى دليل غيره. وجود أدلة أخرى. القضاء في الدعوى بناء على هذه الأدلة. حق المحكمة في ذلك. الأدلة الأخرى هي البينة. الحق المتنازع عليه مما لا يجوز إثباته بغير الكتابة. للمحكمة أن تعتبر أقوال المدعى عليه مبدأ ثبوت بالكتابة ولو كانت هذه الأقوال بصفة كونها إقراراً لا تصح تجزئتها.
1 - إن قواعد الإثبات في المواد المدنية ليست متعلقة بالنظام العام. فيجب على من يتمسك بعدم جواز الإثبات بالبينة أن يدفع بذلك لدى محكمة الموضوع قبل سماع الشهود. فإذا هو لم يفعل فإن ذلك منه يعتبر تنازلاً عن تمسكه بهذا الحق. ولا يصح له بعد ذلك أن يتخذ منه سبباً للطعن على الحكم. على أنه إذا كان الظاهر من الحكم المطعون فيه أن المحكمة اعتبرت أقوال المتهم في التحقيق، وورقة محرّرة بخطه لم يوقع بإمضائه عليها تتضمن أنه تسلم الأوراق والعقود المتهم باختلاسها من المجني عليه - اعتبرت ذلك مبدأ ثبوت بالكتابة، وقبلت الإثبات بالبينة بناء عليه، فإنه إذ كان قضاء محكمة الموضوع بوجود مبدأ ثبوت بالكتابة قد يكون مستفاداً من الوقائع والأدلة المذكورة في الحكم، ولا يشترط أن تكون قد وردت به عبارات صريحة ما دامت عناصره كلها متوافرة ورأي المحكمة في الأوراق الصادرة من المدعى عليه أنها من شأنها أن تجعل الحق المدعى به قريب الاحتمال - إذ كان ذلك كذلك فإن الإثبات بالبينة يكون صحيحاً حتى لو كان المتهم قد اعترض عليه.
2 - إن القول بعد تجزئة الإقرار محله ألا يكون في الدعوى أدلة غير الإقرار. أما إذا كانت هناك أدلة أخرى غيره فإن المحكمة يكون لها أن تقضي فيها بناء على هذه الأدلة متى اقتنعت بها. ولا يمكن بداهة أن يمنعها من ذلك ما يصدر من المدّعى عليه من أقوال مركبة من تقرير باشتغال ذمته مصحوب في ذات الوقت بتقرير ببراءتها. فإذا كانت تلك الأدلة الأخرى هي البينة، وكان الحق المتنازع عليه مما لا يجوز إثباته بغير الكتابة، فإن المحكمة يكون لها أن تعتبر أقوال المدّعى عليه مبدأ ثبوت بالكتابة تجوز معه البينة متى رأت أنها تجعل الحق المطلوب إثباته قريب الاحتمال ولو كانت هذه الأقوال بوصف كونها إقراراً لا تصح تجزئتها. لأن عدم التجزئة لا يجوز إلا إذا كان طالب الحق ليس لديه الدليل عليه فلا يسوغ له أن يتخذ من أقوال خصمه دليلاً على ثبوت حقه ما لم يكن تبرع له بهذا الدليل بإقراره بالحق إقراراً خالصاً لا موصوفاً ولا مركباً. [(1)]


المحكمة

وحيث إن الوجه الأوّل من أوجه الطعن يتحصل في أن قيمة الأوراق المدعى اختلاسها تزيد على النصاب الذي أجاز القانون إثباته بالبينة.
وحيث إن قواعد الإثبات في المواد المدنية ليست متعلقة بالنظام العام فيجب على من يتمسك بعدم جواز الإثبات بالبينة أن يدفع بذلك لدى محكمة الموضوع قبل سماع الشهود. فإذا هو لم يفعل كما هي الحال في الدعوى فإن ذلك منه يعتبر تنازلاً عن تمسكه بهذا الحق. ولا يصح له بعد ذلك أن يتخذ منه سبباً للطعن على الحكم. على أن الظاهر من الحكم المطعون فيه أن المحكمة اعتبرت أقوال الطاعن في التحقيق وورقة محرّرة بخطه لم يوقع بإمضائه عليها تضمنت أنه تسلم الأوراق والعقود من المجني عليه - اعتبرت ذلك مبدأ ثبوت بالكتابة وقبلت الإثبات بالبينة على هذا الأساس. ومتى كان الأمر كذلك، وكان قضاء محكمة الموضوع على أساس وجود مبدأ ثبوت بالكتابة قد يكون مستفاداً من الوقائع والأدلة المذكورة في الحكم، ولا يشترط أن تكون قد وردت به عبارات صريحة ما دامت عناصره كلها متوفرة، وما دام رأي المحكمة في الأوراق الصادرة من المدعى عليه ظاهر في أنها من شأنها أن تجعل الحق المدعى به قريب الاحتمال - متى كان ذلك كله فإن الإثبات بالبينة يكون صحيحاً حتى لو كان الطاعن قد اعترض عليه.
وحيث إن حاصل الوجهين الثاني والثالث أن المحكمة اعتمدت في تسليم الطاعن الأوراق المدعى اختلاسها على اعترافه مع أن هذا الاعتراف لا يصح في القانون تجزئته. فقد تضمن أن الطاعن تسلم الأوراق من المجني عليه وأنه أعادها إليه عندما أظهر له عدوله عن العمل الذي كلفه به. وتأيد ذلك بما تقدّم للمحكمة من أوراق منها مخالصة مؤرّخة 12 أكتوبر سنة 1941 أي بعد تاريخ تسلم الطاعن الأوراق ثم ردّها لصاحبها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد تعرّض للدفاع الذي يثيره الطاعن بوجهي الطعن فلم يأخذ به ورد عليه بقوله: "من حيث إن ما ذهب إليه الدفاع عن المتهم في مذكرته من أن الورقة المشتملة على بيان المستندات المبدّدة عديمة القيمة لعدم توقيع المتهم عليها وأن اعترافه باستلام هذه المستندات من المجني عليه لا يتجزأ ما دام هذا الاعتراف قد اقترن بإقرار المتهم برد هذه المستندات للمجني عليه، وأن الأوراق المقدّمة منه - أي المتهم - بحافظته المقدّمة منه المرافقة للأوراق تؤيد حصول هذا الرد، فمردود على ذلك جميعه بأن اعتراف المتهم باستلام المستندات من المجني عليه بمقتضى هذه الورقة المحررة بخطه يرفع من قيمة هذه الورقة من وجهة الثبوت فلا مطعن عليها من هذه الناحية. أما اعتراف المتهم وعدم تجزئته فليس هذا الاعتراف هو الدليل الوحيد في القضية فهنالك الورقة المحرّرة بخطه والمتضمنة بيان المستندات المبدّدة وقد تأيدت هذه الورقة بما قرّره الشهود من استلام المتهم هذه المستندات من المجني عليه وتردده عليه مراراً ومطالبته إياه بردّها. أما المستندات المقدّمة بحافظة المتهم فلا تؤيد وجهة نظره. لأن المخالصة الصادرة من المجني عليه لورثة موسى عبد النبي الذي كان يرهن له أرضاً بمقتضى أحد العقود المبدّدة لم يذكر فيه شيء من استلامهم هذا العقد من المجني عليه وإنما يتضمن تخالصه وإياهم عن دين الرهن، وقد يكون هذا التخالص تم بشيء من التضحية من جانب المجني عليه كقوله نظير فقده هذا العقد". وفي هذا ما يكفي للرد على كل ما يتمسك به الطاعن فإن القول بعدم تجزئة الإقرار محله أن لا يكون في الدعوى أدلة غير الإقرار. أما إذا كانت هناك أدلة أخرى غيره فإن المحكمة يكون لها أن تقضي فيها بناء على هذه الأدلة متى اقتنعت بها. ولا يمكن بداهة أن يمنعها من ذلك ما يصدر عن المدعى عليه من أقوال مركبة من تقرير باشتغال ذمته مصحوب في ذات الوقت بتقرير ببراءتها. فإذا كانت هذه الأدلة الأخرى هي البينة، وكان الحق المتنازع عليه مما لا يجوز إثباته بغير الكتابة، فإن المحكمة يكون لها أن تعتبر أقوال المدعى عليه مبدأ ثبوت بالكتابة تجوز معه البينة متى رأت أنها تجعل الحق المطلوب إثباته قريب الاحتمال ولو كانت هذه الأقوال بوصف كونها إقراراً لا تصح تجزئتها. لأن عدم التجزئة لا يكون إلا إذا كان طالب الحق ليس لديه الدليل عليه فلا يسوغ له أن يتخذ من أقوال خصمه دليلاً على ثبوت حقه ما لم يكن تبرع له بهذا الدليل بإقراره بالحق إقراراً خالصاً غير موصوف ولا مركب.
وحيث إن مبنى الوجه الرابع أن الطاعن قرر أنه تسلم مبلغ الـ 230 قرشاً المدعى اختلاسه كمصاريف سفر ونفقات مستحقة بناء على طلب المجني عليه ليسجل عقوداً كلفه بتسجيلها ولم يشهد شاهد بتسليمه هذا المبلغ فما كان للمحكمة أن تجزئ أقواله وتفسرها بما لا يتفق ومؤدّى الاعتراف.
وحيث إن ما يثيره الطاعن بهذا الوجه مردود بأن المحكمة استندت في قضائها بأن المجني عليه سلم المبلغ للطاعن على سبيل الوكالة إلى أقوال المجني عليه وشهادة شاهدين آخرين خلافاً لما يقوله الطاعن، فهي لم تعتمد على أقواله وحدها حتى يكون ممتنعاً عليها أن تجزئ اعترافه. أما تأويل الاعتراف فمن حق المحكمة ما دامت هي في ذلك لا تمسخ الأقوال وتعطيها معنى غير الذي قصد استخدامها في أن تؤدّى إليه.


[(1)] نظر مع هذا الحكم الصادر بهذه الجلسة في القضية رقم 1426 سنة 13 القضائية.