مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السادس (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1942 لغاية 29 أكتوبر سنة 1945) - صـ 307

جلسة 28 يونيه سنة 1943

برياسة حضرة صاحب العزة سيد مصطفى بك وكيل المحكمة وبحضور حضرات: منصور إسماعيل بك وجندي عبد الملك بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك المستشارين.

(232)
القضية رقم 1482 سنة 13 القضائية

( أ ) إثبات. سند. الادعاء بحصول سرقته. متى يصح لصاحب السند أن يثبت حقه الوارد به بالبينة والقرائن؟ متى كانت سرقته قد وقعت في ظروف يصح عدّها حادثاً قهرياً بالنسبة لصاحبه. يجب على المحكمة أن تحقق دعوى السرقة وأن تبحثها من جهة كونها من الحوادث القهرية أولاً.
(ب) ورقة موجودة في حيازة المتهم ولكنها ليست محرّرة بخطه. متى يصح اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة؟ عندما يبدو منه ما يدل على أنه نقلها أو استعملها أو تملكها. عدم اعتداد المحكمة بها كمبدأ ثبوت بالكتابة لمجرّد أنها ليست محرّرة بخط المتهم. يجب على المحكمة أن تتحدث عن ظروف وجودها عند المتهم ومبلغ اتصاله بها.
1 - إذا كان السند المدعى حصول سرقته قد سرق حقيقة، وكانت سرقته قد وقعت في ظروف يصح في القانون عدّها بالنسبة لصاحب السند حادثاً قهرياً، فإن القانون يجيز لصاحب السند أن يثبت حقه الوارد به بالبينة والقرائن. وإذن فإذا كان المدعي قد ادعى حصول سرقة سند من عنده فإنه يجب على المحكمة أن تبحث هذه الدعوى من جهة صحتها ثم من جهة كونها من الحوادث القهرية التي تخوّل الإثبات بالبينة وإلا فإنها تكون قد أخطأت.
2 - الورقة التي توجد في حيازة المتهم يصح في القانون اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة إذا كان قد بدا منه ما يدل على أنه قبلها أو استعملها أو تملكها، إذ في هذه الحالة يصح اعتبارها صادرة منه وإن كانت غير محررة بخطه. ولذلك فإنه إذا تمسك صاحب الشأن بأن الورقة التي ضبطت في دولاب المتهم يصح اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة فإنه يجب على المحكمة أن تتحدّث عن ظروف وجود هذه الورقة عند المتهم وعن مبلغ اتصاله بها هل كان قد رآها واطلع عليها ووافق على ما جاء بها أو لا. فإذا هي لم تفعل واكتفت في عدم الاعتداد بها كمبدأ ثبوت بالكتابة بقولها إنها ليست محرّرة بخطه فإنها تكون قد قصرت في الرد على دفاع المتهم.


المحكمة

وحيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه حين قضى ببراءة المتهم من جريمة سرقة السند قال إنها ليست ثابتة قبله لجواز أن تكون يد أخرى هي التي امتدت إليه ولكنه عندما تعرّض لبحث جريمة اختلاس المصوغات والنقود قد قطع الصلة بينها وبين السرقة وقال إنه يجب على مدعي الاختلاس أن يتقدم بدليل كتابي على تسلم المدعى عليه الأشياء المختلسة، أما وهو لم يتقدّم بهذا الدليل فإنه يتعين الحكم بالبراءة ورفض الدعوى المدنية - قال ذلك مع أن ثبوت سرقة السند سواء بواسطة المتهم أو غيره مما يسوغ الإثبات بالبينة والقرائن. فضلاً عن ذلك فإن الطاعنة تمسكت أمام محكمة الموضوع بأنه توجد في الدعوى أوراق كثيرة صادرة من لمتهم كل منها يصلح لأن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة من ذلك: (1) تناقض أقواله كما هي مدوّنة في التحقيق و(2) ما هو ثابت بالدفاتر المحررة بخطة والتي عثر عليها عنده و(3) الورقة التي وجدت في درج دولاب بمنزله ومعه مفتاحه والتي تتضمن دفعه ما يخص الطاعنة في أرباح النقود والمصوغات التي تسلمها منها - تمسكت بذلك ولكن المحكمة لم تردّ على هذا الدفاع إلا بكلمة قصيرة وخاطئة. إذ كل ما جاء عن ذلك بالحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أن وجود أوراق لدى المتهم تشير إلى دفعه مبالغ إلى المجني عليها قد يؤدي إلى إثبات القرض فقط ودفع فوائد هذا القرض كما يؤدّي إلى إثبات مبلغ الدين وهو مبلغ السبعين جنيهاً الذي أقرضته إياه المجني عليها بخلاف مبلغ الثلثمائة جنيه موضوع الاتهام. وأضاف الحكم الاستئنافي إلى ذلك أنه ما دامت الورقة التي ضبطت بمنزل المتهم والتي قيل بأنها خاصة بأرباح المدعية في الشركة لم تصدر منه ولم يكتبها بخطه فلا يمكن اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة يجيز الإثبات بالبينة والقرائن. وهذا خطأ لأن وجود الورقة في حيازة المتهم وفي منزله بدولابه الخاص يدل بذاته على العلاقة القانونية التي أنكرها ولو لم تكن الورقة محررة بخطه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على المذكرات المقدّمة من الطاعنة إلى محكمة الموضوع أنها تمسكت في دفاعها بأن سرقة السند من الظروف التي تسوّغ الإثبات بالبينة والقرائن كما تمسكت بأن تضارب أقوال المتهم في التحقيق وما هو ثابت بالدفاتر وبالورقة التي وجدت بدرج دولاب بداخل منزله مما يعدّ مبدأ ثبوت بالكتابة يبيح لها الإثبات بالبينة والقرائن ولكن الحكم الابتدائي مع أنه لم ينف واقعة سرقة السند أو ضياعه بل ذكر "أن ما قرّره الشهود من وجود مثل هذا السند لا ينهض دليلاً على حصول السرقة إذ يحتمل جدّاً أن يكون قد فقد من المجني عليها خلال مدّة إيداعه بخزانتها كما يتحمل أن يداً أخرى قد عبثت به وأن وجود مصلحة للمتهم في سرقته أمر لا يمكن الاعتماد عليه إذ أن الأمر لا يخرج عن مجرّد الشبهة والشك اللذين لم يؤيدا بأي دليل. يضاف إلى هذا ما قرّره أحد شهود الإثبات بالجلسة وهو يوسف برسوم فرج من احتمال سرقة السند بمعرفة شخص آخر وهو عريان ميخائيل لوجود عداء بينه وبين المجني عليها" - مع أنه قال ذلك عن السرقة فإنه لم يتحدّث عن وقوعها في مقام الكلام عن عدم قبول الإثبات بالبينة والقرائن من المدعية. وإنما اقتصر على القول "بأنه فيما يختص بتهمة التهديد الموجهة احتياطياً إلى المتهم بالجلسة، فإما أن يكون الاتهام قد ارتكن على اعتبار أن المتهم قد استلم مبلغ ثلثمائة جنيه من المجني عليها على اعتبار أنه وديعة فاختلسه، وإما أن يكون على أساس أنه جزء من رأس مال الشركة التي تكوّنت من الطرفين فاستولى عليه المتهم وبدّده. وحيث إنه عن الحالة الأولى فإنه يجب اتباع القواعد المدنية في هذه الحالة لإثبات التسليم. وهذه القواعد تنحصر في أنه لا يجوز إثبات دعوى قيمتها أكثر من عشرة جنيهات إلا بسند وهو معدوم في حالتنا الراهنة وإذن فالاتهام على غير أساس قانوني. وأنه عن الحالة الثانية أي عن وجود شركة فإن قول المجني عليها يناقضها إذ قرّرت أن الورقة التي تحرّرت بين الطرفين عبارة عن سند بمبلغ ثلثمائة جنيه ولم يكن عقد شركة أي أنه مجرّد قرض للمتهم ويؤيد ذلك ما قرّرته في مناسبات عدّة وكذا ما قرّره وكيلها بالجلسة من أن المتهم كان يدفع إليها شهرياً مبلغ مائتي قرش والشركة بطبيعة الحال لا يمكن أن يكون ربحها واحداً عدّة سنين بل لا بد من الاختلاف تبعاً لظروف الأحوال المالية وتبعاً لمقتضيات السوق، كما أنه لا يعقل أن الشركة تقضي بدفع أرباح دائماً إلى المجني عليها أي أنها لا تشترك في أية خسارة. وأما وجود أوراق لدى المتهم تشير إلى دفعه مبالغ إلى المجني عليها فلا يغير هذا الموقف إذ قد يذهب إلى إثبات القرض فقط ودفع فوائد هذا القرض كما يذهب إلى إثبات مبلغ الدين وهو السبعون جنيهاً الذي أقرّته المجني عليها بخلاف مبلغ الثلثمائة جنيه موضوع الاتهام" - وانتهى إلى القضاء ببراءة المتهم ورفض الدعوى المدنية الموجهة عليه من الطاعنة. والمحكمة الاستئنافية أصدرت في أوّل الأمر حكماً تمهيدياً قالت فيه "إن البحث دار في هذه القضية بين المدّعية بالحق المدني والنيابة العمومية حول جواز إثبات المبلغ موضوع التهمة وهو أكثر من عشرة جنيهات بشهادة الشهود استناداً إلى أنه توجد أوراق مكتوبة بخط المتهم تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة وتجهيز الإثبات بالبينة وادّعت المدّعية بالحق المدني أن هناك شركة محاصة بينها وبين المتهم يجوز إثباتها بالدفاتر أو الخطابات أو غير ذلك. وأنه من بين هذه الأوراق الورقة التي قيل في التحقيق بضبطها في درج المتهم والموقع عليها باسم المدعية بالحق المدني ونصها كالآتي: (استلمت أنا الموقع عليه أدناه فكتوريا حنين عن نفسي وبصفتي وصية على كريمتي عفيفة خليل من ميخائيل فرج الصائغ ببني سويف مبلغ الأرباح التي خصتني من أول فبراير سنة 1937 إلى آخر إبريل سنة 1937 باعتبار أن الشهر الواحد عشرة جنيهات وكسور وليس له الحق في المطالبة بالأرباح إلا ما يستجد بعد ذلك وتحرّر هذا إيصالاً مني للمحاسبة بموجبه عند اللزوم). ولما كان لهذه الورقة أهمية في الفصل في الدعوى ترى المحكمة ندب الخبير محمد أفندي غريب لعمل المضاهاة لمعرفة ما إذا كان صلب الورقة المذكورة قد حرّر بيد المتهم أو بيد ابنه فرج ميخائيل". وبعد أن قدّم الخبير تقريره وسمعت الدعوى أصدرت حكمها المطعون فيه بتأييد الحكم الابتدائي لأسبابه وزادت عليها قولها: "إنه تبين من تقرير الخبير محمد أفندي غريب العربي أن الورقة التي ضبطت بمنزل المتهم والتي قيل بأنها خاصة بأرباح المدعية بالحق المدني في الشركة عن المدّة من أوّل فبراير سنة 1937 لغاية آخر إبريل سنة 1937 لم تكتب بخط المتهم، كما أنه تبين من تقرير الخبير محمد أفندي وهبي أن هذه الورقة لم تكتب بخط المتهم ولا بخط ابنه فرج ميخائيل والمحكمة تأخذ بهذين التقريرين. وإذن ما دامت هذه الورقة لم تصدر من المتهم ولم يكتبها بخطه فلا يمكن اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة يجيز الإثبات أو النفي بالبينة أو القرائن. لأنه يشترط في مبدأ الثبوت بالكتابة الذي يجيز الإثبات أو النفي بالبينة أو بالقرائن أن تكون الورقة مكتوبة بيد الخصم وإن كان موقعاً عليها من غيره أو أن يكون كتبها غيره ووقع هو عليها".
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد أخطأ من عدّة وجوه. فإنه: (أوّلاً) أغفل بحث واقعة سرقة السند من جهة صحتها ثم صلاحيتها لأن تكون من الحوادث القهرية التي تخوّل الإثبات بالبينة والقرائن، فإنه إذا كان السند قد سرق حقيقة، وكانت السرقة قد وقعت في ظروف يصح في القانون عدّها بالنسبة للطاعنة حادثاً قهرياً، فإن القانون يجيز لها أن تثبت حقها بالبينة والقرائن. (وثانياً) لم يتحدّث أصلاً عن التناقض المدعى في أقوال المتهم بالتحقيق ولا عن الدفاتر التي ضبطت عنده مما قالت عنه الطاعنة إنه يتضمن مبدأ ثبوت بالكتابة في مصلحتها، فهو لم يبين شيئاً عن صلاحيتها أو عدم صلاحيتها لأن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة، ولم يتضمن الرد على دفاع الطاعنة بشأنها. (وثالثاً) اكتفى في عدم الاعتداد بالورقة التي ضبطت لدى المتهم كمبدأ ثبوت بالكتابة بالقول بأنها لم تكن مكتوبة بخطه. ولما كانت هذه الورقة التي وجدت في درج دولاب بمنزله قد يصح في القانون اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة إذا كان قد بدا منه ما يدل على أنه قبلها أو استعملها أو تملكها فإنه يصح حينئذ اعتبارها صادرة منه وإن كان لم يكتبها بخطه - لما كان ذلك كذلك فإنه كان واجباً على المحكمة أن تتحدّث عن ظروف وجود هذه الورقة عنده وعن مبلغ اتصاله بها هل كان قد رآها واطلع عليها ووافق على ما جاء بها أو أنه لم يوافق، أما وهي لم تفعل فإنها تكون قد قصرت في الرد على الدفاع.