أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 49 - صـ 1294

جلسة 16 من نوفمبر سنة 1998

برئاسة السيد المستشار/ مجدي منتصر نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ حسن حمزة وحامد عبد الله ومصطفى كامل وشبل حسن نواب رئيس المحكمة.

(184)
الطعن رقم 24947 لسنة 66 القضائية

(1) حكم "بيانات حكم الإدانة".
حكم الإدانة. بياناته؟ المادة 310 إجراءات.
(2) إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
بيان واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وإيراد مؤدى أدلة الثبوت التي عول عليها في بيان واف. لا قصور.
(3) اختلاس أموال أميرية. جريمة "أركانها". قصد جنائي. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تجريم الاختلاس والعقاب عليه. كفاية. وجود الشيء في حفظ الموظف المعهود إليه به سواء سلم إليه تسليماً مادياً أو يكون بين يديه بمقتضى وظيفته.
الاختلاس. وقوعه. متى وضحت نية الحائز في أن يتصرف في الشيء الموكل بحفظه تصرف المالك لحرمان صاحبه منه.
مثال لتسبيب سائغ للتدليل على توافر الركن المادي في جريمة اختلاس أموال أميرية.
(4) أسباب الإباحة وموانع العقاب "أسباب الإباحة". قانون "تفسيره". تزوير "أوراق رسمية". مسئولية جنائية. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
طاعة الرئيس في مفهوم المادة 63 عقوبات. عدم امتدادها إلى ارتكاب الجرائم.
نعي الطاعن بارتكابه جريمة التزوير طاعة لأمر رئيسه. غير مجد.
(5) تزوير "أوراق رسمية". جريمة "أركانها". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
جريمة التزوير في الأوراق الرسمية. صدورها فعلاً من الموظف المختص بتحريرها. غير لازم. كفاية إعطاء الورقة شكل أو مظهر الأوراق الرسمية الصادرة من الموظف العام المختص.
(6) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة بإجابة الطلب غير الجازم.
مثال.
(7) عقوبة "تطبيقها". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير العقوبة".
تقدير العقوبة وتقدير مناسبتها بالنسبة لكل متهم. موضوعي.
(8) اختلاس أموال أميرية. قصد جنائي. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تحدث الحكم استقلالاً عن القصد الجنائي في جريمة اختلاس الأموال الأميرية. غير لازم. ما دام فيما أورده من وقائع وظروف ما يدل على قيامه.
1 - من المقرر أن المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة التي دان الطاعن بها والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها منه.
2 - لما كان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الاختلاس المرتبطة بجريمتي تزوير محرر رسمي واستعماله التي دان الطاعن الأول بها، وأورد مؤدى أدلة الثبوت التي عول عليها في إدانة الطاعن في بيان واف يكفي للتدليل على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها المحكمة واستقرت في وجدانها، فإنه تنحسر عنه دعوى القصور في التسبيب.
3 - لما كان الحكم قد عرض لتوافر ركن التسليم في حق الطاعنين ورد على دفاعهما بانتفائه بقوله "وحيث إن قصد المشرع اتجه في الفقرة الأولى من المادة 112 عقوبات إلى معاقبة كل موظف عام اختلس أموالاً أو أوراقاً أو غيرها وجدت في حيازته بسبب وظيفته، بما يكشف عن قيام الجريمة وتحققها في كافة الحالات التي يكون فيها عمل الموظف قد اقتضى وجود الشيء بين يديه وفرض العقاب على عبث الموظف بالائتمان على حفظ الشيء، وإذ كان الثابت من أوراق الدعوى أن المتهمين وأولهما (الطاعن الأول) رئيس الدورية اللاسلكية المنوط به المرور بدائرة القسم والثاني أمين شرطة ومن مقتضيات عملهما معاينة السجاد الذي تم العثور عليه في موقعه والقيام بنقله إلى ديوان القسم وتحرير محضر بالإجراءات متضمناً وصف ما تم العثور عليه وأماكنه والشهود عليه وعلى هذا فإن وظيفتهما هي التي أوجدت المال بين يديهما بما ينتفي معه القول بعدم استلامهما السجاد موضوع الاتهام". لما كان ذلك، وكان المستفاد من نص الفقرة الأولى من المادة 112 من قانون العقوبات أن الشارع لا يستلزم لتجريم الاختلاس والعقاب عليه سوى وجود الشيء في حفظ الموظف الذي عهد إليه به، يستوي في ذلك أن يكون قد سلم إليه تسليماً مادياً أو أن يكون بين يديه بمقتضى وظيفته ويقع الاختلاس متى وضحت نية الحائز في أنه يتصرف في الشيء الموكل بحفظه تصرف المالك لحرمان صاحبه منه، وكان ما أورده الحكم فيما تقدم كافياً وسائغاً في بيان توافر الركن المادي لجريمة الاختلاس ويندفع به ما يثيره الطاعن من عدم توافر ركن التسليم فإن منعاه بذلك يكون قائماً على غير ذي محل.
4 - من المقرر أن طاعة الرئيس بمقتضى المادة 63 من قانون العقوبات لا تمتد بأي حال إلى ارتكاب الجرائم وأنه ليس على المرءوس أن يطيع الأمر الصادر له من رئيسه بارتكاب فعل يعلم هو أن القانون يعاقب عليه، وكان فعل التزوير الذي أسند إلى الطاعن ودانته المحكمة به هو عمل غير مشروع ونية الإجرام فيه واضحة فإنه لا يشفع للطاعن فيما يدعيه من عدم مسئوليته عن هذا الفعل "لارتكابه انصياعاً لرغبة رؤسائه في العمل إذ أن ذلك لا يجديه لأنه لا يؤثر فيما انتهى إليه الحكم من إدانته عنه.
5 - من المقرر أنه لا يلزم لتحقق جريمة التزوير في الأوراق الرسمية أن تصدر فعلاً من الموظف المختص بتحريرها وإنما يكفي لتحققها إعطاء الورقة شكل أو مظهر الورقة الرسمية الصادرة من الموظف العام المختص.
6 - لما كان الدفاع عن الطاعن وإن طلب ضم التحقيقات الإدارية التي أشار إليها بأسباب طعنه بجلسة.... وأجلت المحكمة الدعوى بجلسة..... لضم تلك التحقيقات، إلا أنه عاد بالجلسة الأخيرة وطلب من المحكمة التصريح له باستخراج صورة رسمية من تلك التحقيقات وتوالى تأجيل الدعوى لهذا السبب، إلى أن كانت جلسة.... حيث ترافع المدافع عن الطاعن ولم يعد إلى التحدث عن هذا الطلب في ختام مرافعته والتي اقتصر فيها على طلب البراءة، وإذ كان الطلب على هذا النحو غير جازم ولم يصر عليه الدفاع في ختام مرافعته فإنه لا على المحكمة إن هي لم تجبه، وإذ كان الحكم المطعون فيه - في رده على هذا الطلب - قد التزم هذا النظر فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون.
7 - من المقرر أن تقدير العقوبة في الحدود المقررة قانوناً وتقدير مناسبة العقوبة بالنسبة إلى كل متهم هو من إطلاقات محكمة الموضوع دون معقب ودون أن تسأل حساباً عن الأسباب التي من أجلها أوقعت العقوبة بالقدر الذي ارتأته.
8 - لما كان الحكم قد انتهى في منطق سائغ وتدليل مقبول إلى مسئولية الطاعن عن كمية السجاد والتي اختلسها لنفسه، وكان ما أورده الحكم في مدوناته كافياً وسائغاً في بيان نية الاختلاس لدى الطاعن، وكان من المقرر أنه لا يلزم أن يتحدث الحكم استقلالاً عن توافر القصد الجنائي في تلك الجريمة، بل يكفي أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يدل على قيامه - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن ما يثيره الطاعن من قصور الحكم في استظهار قصد الاختلاس يكون في غير محله.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما بصفتهما موظفين عموميين (الأول ضابط شرطة والثاني أمين شرطة بقسم شرطة.......) اختلسا الأشياء المبينة وصفاً بالتحقيقات والبالغ قيمتها 22300 جنيه "اثنين وعشرين ألفاً وثلاثمائة جنيه" والمضبوطة على ذمة المحضر رقم.... إيداع لسنة.... قسم.... والمملوكة لـ.... والتي وجدت بين يديهما بسبب وظيفتهما على النحو المبين بالتحقيقات. وقد ارتبطت هذه الجريمة بجريمتي تزوير في محرر رسمي واستعماله ارتباطاً لا يقبل التجزئة ذلك أنه في ذات الزمان والمكان: المتهم الأول بصفته آنفة البيان ارتكب أثناء تأدية وظيفته تزويراً في محرر رسمي (هو محضر الإيداع الرقيم.... المؤرخ....) وذلك بجعله واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع عمله بتزويرها بأن أعد هذا المحضر وضمنه زوراً كميات من السجاد نقل عن المضبوطة فعلاً واستعمل المحرر المزور فيما زور من أجله مع علمه بتزويره بأن قدمه إلى المختصين بجهة عمله لإعمال آثاره محتجاً بصحة ما ورد فيه لتغطية اختلاسه هو والمتهم الثاني لكميات السجاد آنفة الذكر. وأحالتهما إلى محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 112/ 1، 2، 118، 119 مكرراً/ أ، 213، 214 من قانون العقوبات مع إعمال المادتين 17، 32/ 2 من ذات القانون بمعاقبة المتهم الأول بالسجن لمدة ثلاث سنوات والمتهم الثاني لمدة خمس سنوات وعزلهما من وظيفتهما وتغريمهما متضامنين مبلغ اثنين وعشرين ألفاً وثلاثمائة جنيه ومصادرة المحرر المزور المضبوط.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

أولاً: عن الطعن المقدم من الطاعن الأول:
حيث إن الطاعن الأول ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الاختلاس المرتبطة بجريمتي تزوير في محرر رسمي واستعماله قد شابه قصور في التسبيب وإخلال بحق الدفاع وأخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن الحكم المطعون فيه خلا من بيان الواقعة بياناً تتحقق به أركان الجريمة التي دانه بها، ولم يورد مضمون أدلة الثبوت التي عول عليها في إدانته ، ولم يستظهر ركن التسليم أو وجود المال في حيازته بسبب الوظيفة ورد على دفاعه بانتفاء هذا الركن في حقه بما لا يصلح رداً، هذا إلى أنه دفع بانطباق المادة 63 من قانون العقوبات في حقه لأنه حرر محضر الإيداع طاعة لأمر رئيسه رغم كونه غير مختص بتحريره إلا أن الحكم أطرح ذلك الدفاع بغير ما يسوغ، كما طلب ضم التحقيقات الإدارية التي أجريت مع مأمور القسم ونائبه ومعاون الضبط بشأن المضبوطات، إلا أن المحكمة بعد أن أجلت الدعوى لضمها عادت وفصلت فيها وأطرحت هذا الطلب بما يخالف الثابت بالأوراق، وذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مؤداه أنه أثناء مرور الطاعن الثاني - الذي يعمل أمين شرطة بقسم شرطة.... - بدائرة القسم شاهد بعض الأجولة بداخل أحد الأكشاك الواقعة على الطريق الدائري بالمدخل الشمالي لمدينة.....، فسأل عنها أحد الخفراء الذين يعملون بالمنطقة فاخبره بأنها ملقاة بمكانها منذ ثلاثة أيام، فتوجه إلى قسم الشرطة الذي يعمل به وأبلغ الطاعن الأول - الذي يعمل رئيساً للدورية بذلك القسم - بما عثر عليه، فتوجها معاً بمفردهما إلى مكان تلك الأجولة، وبفحصها تبين لهما أنها تحتوى على قطع من السجاد، فاحتفظ الطاعن الأول لنفسه بأربع قطع منها كما احتفظ الطاعن الثاني لنفسه بتسع عشرة قطعة منها، ثم عادا بما تبقى من السجاد المعثور عليه (31 قطعة سجاد) إلى القسم حيث حرر الطاعن الأول محضر إيداع بها قاصداً بذلك إخفاء ما اختلسه هو والطاعن الثاني من قطع السجاد والبالغ قيمتها 22.300 جنيه (اثنين وعشرين ألفاً وثلاثمائة جنيه) والتي تبين أنها مملوكة لصاحب مصنع ومعرض سجاد سرقت منه ضمن كميات أخرى، وأبلغ عنها الجهات المختصة في حينه "وساق الحكم على صحة الواقعة وإسنادها إلى الطاعن الأول على هذه الصورة أدلة استقاها من أقوال مالك السجاد المضبوط والمقدم..... مفتش المباحث بمديرية أمن القاهرة، و.... الحارس بشركة.... المصرية، وما جاء بإقرار الطاعنين الأول والثاني في التحقيقات. لما كان ذلك، وكانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة التي دان الطاعن بها والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها منه، وكان يبين مما سطره الحكم فيما تقدم أنه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الاختلاس المرتبطة بجريمتي تزوير محرر رسمي واستعماله التي دان الطاعن الأول بها، وأورد مؤدى أدلة الثبوت التي عول عليها في إدانة الطاعن في بيان واف يكفي للتدليل على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها المحكمة واستقرت في وجدانها، فإنه تنحسر عنه دعوى القصور في التسبيب، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الصدد في غير محله. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لتوافر ركن التسليم في حق الطاعنين ورد على دفاعهما بانتفائه بقوله "وحيث إن قصد المشرع اتجه في الفقرة الأولى من المادة 112 عقوبات إلى معاقبة كل موظف عام اختلس أموالاً أو أوراقاً أو غيرها وجدت في حيازته بسبب وظيفته، بما يكشف عن قيام الجريمة وتحققها في كافة الحالات التي يكون فيها عمل الموظف قد اقتضى وجود الشيء بين يديه وفرض العقاب على عبث الموظف بالائتمان على حفظ الشيء، وإذ كان الثابت من أوراق الدعوى أن المتهمين وأولهما (الطاعن الأول) رئيس الدورية اللاسلكية المنوط به المرور بدائرة القسم والثاني أمين شرطة ومن مقتضيات عملهما معاينة السجاد الذي تم العثور عليه في موقعه والقيام بنقله إلى ديوان القسم وتحرير محضر بالإجراءات متضمناً وصف ما تم العثور عليه وأماكنه والشهود عليه وعلى هذا فإن وظيفتهما هي التي أوجدت المال بين يديهما بما ينتفي معه القول بعدم استلامهما السجاد موضوع الاتهام". لما كان ذلك، وكان المستفاد من نص الفقرة الأولى من المادة 112 من قانون العقوبات أن الشارع لا يستلزم لتجريم الاختلاس والعقاب عليه سوى وجود الشيء في حفظ الموظف الذي عهد إليه به، يستوي في ذلك أن يكون قد سلم إليه تسليماً مادياً أو أن يكون بين يديه بمقتضى وظيفته ويقع الاختلاس متى وضحت نية الحائز في أنه يتصرف في الشيء الموكل بحفظه تصرف المالك لحرمان صاحبه منه، وكان ما أورده الحكم فيما تقدم كافياً وسائغاً في بيان توافر الركن المادي لجريمة الاختلاس ويندفع به ما يثيره الطاعن من عدم توافر ركن التسليم فإن منعاه بذلك يكون قائماً على غير ذي محل. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لما أثاره الطاعن من أنه ارتكب جريمة التزوير في محضر الإيداع انصياعاً لرغبة رؤسائه في العمل ورد عليه بقوله "وحيث إنه من دفاع المتهم الأول بأنه قام بتحرير محضر الإيداع المؤرخ.... في تاريخ لاحق وأعطى له هذا التاريخ تنفيذاً لأوامر رؤسائه فهو دفاع كاذب كشفته دفاتر القسم الذي تم قيد هذا المحضر بها وأثبتت النيابة العامة الاطلاع عليها في تاريخ تحريره متضمناً البيانات المزورة من عدد السجاد المضبوط بقصد ستر اختلاس المتهمين للباقي منه، وكذبه أيضاً ما سبق إيراده بكتاب إدارة شئون الضابط بمديرية أمن القاهرة الوارد للمحكمة وهو الأمر الذي يهدم دفاع المتهم في هذا الشأن ويضحى بأن فعلته كانت بأمر رؤسائه غير ذات موضوع. وكان من المقرر أن طاعة الرئيس بمقتضى المادة 63 من قانون العقوبات لا تمتد بأي حال إلى ارتكاب الجرائم وأنه ليس على المرءوس أن يطيع الأمر الصادر له من رئيسه بارتكاب فعل يعلم هو أن القانون يعاقب عليه، وكان فعل التزوير الذي أسند إلى الطاعن ودانته المحكمة به هو عمل غير مشروع ونية الإجرام فيه واضحة فإنه لا يشفع للطاعن فيما يدعيه من عدم مسئوليته عن هذا الفعل إذ أن ذلك لا يجديه لأنه لا يؤثر فيما انتهى إليه الحكم من إدانته عنه. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يلزم لتحقق جريمة التزوير في الأوراق الرسمية أن تصدر فعلاً من الموظف المختص بتحريرها وإنما يكفي لتحققها إعطاء الورقة شكل أو مظهر الورقة الرسمية الصادرة من الموظف العام المختص. وهو ما لم يخطئ الحكم في تحصيله أو تقديره ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن عليه من عدم اختصاصه بتحرير محضر الإيداع يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الدفاع عن الطاعن وإن طلب ضم التحقيقات الإدارية التي أشار إليها بأسباب طعنه بجلسة..... وأجلت المحكمة الدعوى بجلسة... لضم تلك التحقيقات، إلا أنه عاد بالجلسة الأخيرة وطلب من المحكمة التصريح له باستخراج صورة رسمية من تلك التحقيقات وتوالى تأجيل الدعوى لهذا السبب، إلى أن كانت جلسة..... حيث ترافع المدافع عن الطاعن ولم يعد إلى التحدث عن هذا الطلب في ختام مرافعته والتي اقتصر فيها على طلب البراءة، وإذ كان الطلب على هذا النحو غير جازم ولم يصر عليه الدفاع في ختام مرافعته فإنه لا على المحكمة إن هي لم تجبه، وإذ كان الحكم المطعون فيه - في رده على هذا الطلب - قد التزم هذا النظر فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون، ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ما تقدم فإن الطعن المقدم من الطاعن الأول يكون برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ثانياً: عن الطعن المقدم من الطاعن الثاني:
حيث إن الطاعن الثاني ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الاختلاس قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه قصور في التسبيب ذلك بأنه أوقع عليه عقوبة تجاوز تلك التي أوقعها على الطاعن الأول دون أن يورد سبباً لذلك رغم أنه دانه بجريمة الاختلاس فقط وبالرغم من عدم توافر القصد الجنائي لديه الذي لم يستظهره الحكم، وذلك مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الاختلاس التي دان الطاعن الثاني بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليه. لما كان ذلك، وكان تقدير العقوبة في الحدود المقررة قانوناً وتقدير مناسبة العقوبة بالنسبة إلى كل متهم هو من إطلاقات محكمة الموضوع دون معقب ودون أن تسأل حساباً عن الأسباب التي من أجلها أوقعت العقوبة بالقدر الذي ارتأته، فإن ما يثيره الطاعن الأول لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان الحكم قد انتهى - في منطق سائغ وتدليل مقبول - إلى مسئولية الطاعن عن كمية السجاد والتي اختلسها لنفسه، وكان ما أورده الحكم في مدوناته كافياً وسائغاً في بيان نية الاختلاس لدى الطاعن، وكان من المقرر أنه لا يلزم أن يتحدث الحكم استقلالاً عن توافر القصد الجنائي في تلك الجريمة، بل يكفي أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يدل على قيامه - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن ما يثيره الطاعن من قصور الحكم في استظهار قصد الاختلاس يكون في غير محله. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.