مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السادس (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1942 لغاية 29 أكتوبر سنة 1945) - صـ 375

جلسة 10 يناير سنة 1944

برياسة حضرة صاحب العزة منصور إسماعيل بك، وبحضور حضرات: جندي عبد الملك بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك ومحمود فؤاد بك المستشارين.

(285)
القضية رقم 16 سنة 14 القضائية

( أ ) بلاغ كاذب. الأمر المبلغ عنه. إسناده إلى المبلغ ضده على سبيل الإشاعة أو عن طريق الرواية عن الغير. جواز العقاب.
(ب) التعدّي بالضرب. إسناده كذباً إلى الغير. جواز العقاب.
(جـ) البلاغ. ما يبديه المبلغ فيه من الإجراءات التي تتخذ في حق المبلغ ضدّه. لا عبرة به.
(د) إثبات. أقوال متهم على آخر. جواز الأخذ بها ولو لم تعزز بدليل آخر.
(هـ) البلاغ. لا يتشرط أن يكون مكتوباً. تقدّم المتهم إلى قسم البوليس وإثبات الضابط ما أخبره به في مذكرة الأحوال. بلاغ بالمعنى القانوني.
(المادتان 263 و264 عقوبات = 304 و305)
(و) دعوى مدنية أمام المحكمة الجنائية. وجوب الفصل على أساس الوقائع المعروضة عليها في ورقة التكليف بالحضور دون اعتداد بالوصف الذي تصفها به النيابة العمومية.
(المادة 52 تحقيق)
1 - لا يشترط للعقاب على البلاغ الكاذب أن يكون الأمر المبلغ عنه قد أسند إلى المبلغ ضدّه على سبيل التأكيد أو بناء على ما يعلمه المبلغ هو نفسه، بل يصح العقاب ولو كان الأمر المذكور قد أسند إلى المبلغ ضدّه في صيغة الإشاعة أو عن طريق الرواية عن الغير.
2 - إنه لما كان التعدّي بالضرب مستوجباً لعقوبة فاعله فإن إسناده كذباً إلى الغير يكون معاقباً عليه بعقوبة البلاغ الكاذب.
3 - إن جريمة البلاغ الكاذب تتم بتقديم بلاغ أو إخبار إلى الحكام القضائيين أو الإداريين عن أمر مستوجب لعقوبة فاعله متى ثبت أن الأمر المبلغ عنه كاذب وأن المبلغ سيئ القصد. ولا عبرة بما يبديه المبلغ في بلاغه عن الإجراءات التي يرى اتخاذها ضدّ المبلغ في حقه، لأن هذه الإجراءات لا شأن فيها لإدارة المبلغ بل هي من شأن السلطات الحكومية تتخذ ما تراه فيها ولو لم يطلب المبلغ في بلاغه اتخاذها.
4 - ليس في القانون ما يمنع المحكمة أن تأخذ بأقوال متهم على متهم متى اطمأنت على صحتها ولو لم تكن معززة بدليل آخر.
5 - إن القانون يشترط في جريمة البلاغ الكاذب أن يكون البلاغ مكتوباً، فيعاقب المبلغ سواء أحصل التبليغ منه شفاها أو بالكتابة. وإذن فإذا تقدّم المتهم إلى مخفر البوليس وأخبر الضابط بما أثبته في مذكرة الأحوال فهذا بلاغ بالمعنى الذي يقصده القانون. إذ البوليس من الجهات الحكومية المختصة بتلقي البلاغات عن الوقائع الجنائية.
6 - إنه لما كان القانون قد خوّل المدّعي بالحقوق المدنية في مواد المخالفات والجنح أن يرفع دعواه إلى المحكمة المختصة بتكليف المتهم مباشرة بالحضور أمامها (المادة 52 تحقيق جنايات) فتتحرّك بذلك الدعوى العمومية فتفصل فيها المحكمة هي والدعوى المدنية، ولما كان التكليف بالحضور أساس اتصال المحكمة بالدعوى، لما كان ذلك كان من المتعين على المحكمة أن تفصل في الدعوى على أساس الوقائع المبينة بورقة التكليف بالحضور دون اعتداد بالوصف الذي تصفها به النيابة العمومية.


المحكمة

وحيث إن محصل الوجهين الأوّل والثاني من أوجه الطعن أن الحكم المطعون فيه أخطأ إذ اعتبر أن الطاعن أبلغ كذباً مع سوء القصد في حق إبراهيم أفندي محمد عيد المدعي الأوّل بالحقوق المدنية في المذكرة رقم 2 أحوال المؤرّخة في 29 ديسمبر سنة 1940 بأنه ضرب زوجته وطلب منها الفاحشة مع أن التبليغ لم يصدر من الطاعن بل من زوجته فقط. وأن المذكرة لم يرد بها شيء عن طلب الفاحشة وقد قرّر الطاعن فيها أنه لا يريد اتخاذ إجراءات ضدّ المدعي بالحقوق المدنية - كذلك أخطأ الحكم إذ أخذ بما قرّرته خادمته فاطمة محمد سالم الطاعنة الثانية من أنه هو الذي حرضها على التبليغ في حق عثمان أحمد المدعي الثاني في المذكرة المؤرّخة في أوّل يناير سنة 1941 بأنها سلمته حافظة بها مبلغ 750 قرشاً لتوصيلها إلى زوجة مخدومه المدعي الأوّل كي تسلمها إلى زوجة الطاعن، لأن أقوال هذه الخادمة وهي متهمة مع الطاعن بجريمة البلاغ الكاذب، لم تعزز بدليل آخر بل قام الدليل على عدم صحتها لأن الطاعن اتهمها في التحقيق بسرقة الحافظة وحصل على حكم قضى بإلزامها بالمبلغ الذي كان بها. وفضلاً عن ذلك فإن الخادمة لم تسند إلى المدعي الثاني اختلاس الحافظة بل قالت إنه سلمها إلى زوجة المدّعي الأوّل. وقد تمسك الدفاع عن الطاعن بذلك كله في المذكرات التي قدّمها إلى محكمة ثاني درجة ولكنها لم تعره التفاتاً.
وحيث إن الحكم الاستئنافي المطعون فيه قد أخذ في إدانة الطاعن بأسباب الحكم الابتدائي وأضاف إليها أسباباً أخرى. ويستفاد من الحكمين أن الإدانة قامت على أساس أنه أبلغ مع سوء القصد في حق المدعي الأوّل بالحقوق المدنية بأنه ضرب زوجته (أي زوجة الطاعن) سكينة محمد هرميل وذلك بالمذكرة المؤرخة في 29 ديسمبر سنة 1940 المقيدة تحت رقم 2 أحوال والمقدّمة صورة رسمية منها للمحكمة وفيها يدّعي الطاعن بأن المدعي الأوّل تعدّى على زوجته بالضرب. وقد ترتب على ذلك أن ضبطت واقعة الجنحة رقم 260 سنة 1941 واستبان للمحكمة من الاطلاع على أوراقها أن الطاعن هو الذي ضرب زوجته. وقد قرّرت الزوجة في التحقيق الذي أجرى بصدد تلك الجنحة أن زوجها (الطاعن) اتهمها كذباً بأن لها صلة غير شريفة بالمدعي الأوّل وضربها وأجبرها على أن تذهب معه إلى مخفر البوليس وتبلغ بأن المدعي الأوّل ضربها ففعلت. وأنكر المدعي المذكور ما نسب إليه وقال إن الطاعن فعل ذلك لأنه كان ساكناً في منزله ويريد أن يتحلل من عقد الإيجار قبل انتهاء مدّته، وقد قدّم الطاعن فعلاً بتهمة ضربه لزوجته وحكم عليه بالعقوبة. وعلى أساس أن الطاعن ذهب برفقة خادمته الطاعنة الثانية إلى البوليس في أول يناير سنة 1941 وأبلغ بأنه كانت عنده حافظة بها 750 قرشاً موضوعة بداخل حافظة يد للسيدات بها حلي ونقود أخرى، ولما انتقل من منزل المدعي الأول بالحقوق المدنية إلى مسكنه الجديد لم يجد الحافظة الداخلية وعلم من خادمته الطاعنة الثانية أنها سلمتها إلى البوّاب عثمان أحمد عبد الله المدعي الثاني ليسلمها إلى أصحاب المنزل لإيداعها لديهم على ذمة زوجته هو لوجود صلة بين السيدات فأحضر خادمته إلى القسم وقرّرت الخادمة الطاعنة الثانية أنها سلمت الحافظة وبها مبلغ 750 قرشاً إلى عثمان المدعي الثاني لتوصيلها إلى السيدة نفيسة زوجة المدعي الأوّل لتحفظها وديعة عندها على ذمة السيدة سكينة زوجة الطاعن الأوّل. وذكرت أن الحافظة تسلمتها السيدة نفيسة من عثمان أحمد عبد الله المدعي الثاني. ولكن المدعي المذكور أنكر هذه الواقعة وقرر أن الطاعنين يكيدان له ولسيديه لنزاع بينهما وبينه فأعيد سؤال الطاعنة الثانية فقررت أن سيدها (الطاعن الأوّل) هو الذي حرضها على التبليغ كذباً لأنه سبق أن اتهم المدعي الأوّل بأنه دخل على زوجته وهدّدها بأن يتهمها بسرقة الحافظة إن لم توافقه على التبليغ فبلغت. وشهد المدعي الأوّل إبراهيم أفندي محمد عيد بأن الطاعن سبق أن اتهمه بالدخول في منزله لا لسبب إلا لأنه يريد أن يتحلل من عقد إيجار لم تنته مدّته. وقد استخلصت المحكمة من الوقائع المتقدّمة كذب البلاغين وأن الطاعن إنما قصد بهما الإضرار بالمدعيين بالحقوق المدنية. وقالت إنه لا يقبل منه أن يتحلل من المسئولية بحجة أن خادمته الطاعنة الثانية هي التي صوّرت واقعة اختلاس الحافظة لأنه يعلم حق العلم بأن نقوداً لم تسرق منه ولأن الطاعنة الثانية فعلت ما فعلته بتحريض وإيعاز منه.
وحيث إن هذه المحكمة في سبيل تحقيق أوجه الطعن قد اطلعت على أوراق الدعوى فاتضح من الاطلاع على صورة المذكرة رقم 2 أحوال المؤرخة في 29 ديسمبر سنة 1940 أن الطاعن الأوّل قصد إلى قسم شبرا مع زوجته الست سكينة محمد الهرميل في الساعة 1 و15 دقيقة صباحاً وبلغ بأنه علم من زوجته أن إبراهيم عيد صاحب المنزل (المدعي الأوّل) دخل عليها في مسكنها وتعدّى عليها بالضرب وأنه لا يرغب اتخاذ إجراءات ضدّه في هذا التعدّي ولكنه سينتقل من الشقة التي يسكنها حسماً للنزاع. وقالت الزوجة عن المدعي المذكور تعدّى عليها بالضرب بعصا وبالكف كما اتضح من الاطلاع على صورة محضر البوليس في الجنحة المركزية رقم 260 سنة 1941 أن الست سكينة محمد علي الهرميل قررت لدى سؤالها أن زوجها الطاعن الأول هو الذي ضربها وحرضها على أن تبلغ بأن صاحب المنزل دخل عليها وضربها وطلب منها "الشيء البطال" فذهبت معه إلى القسم وبلغت بذلك خوفاً منه. واتضح من الاطلاع على صورة محضر ضبط الواقعة في القضية رقم 386 سنة 1941 جنح الأزبكية أن الطاعن ذهب إلى القسم ومعه خادمته فاطمة محمد سالم وأبلغاه بواقعة اختلاس حافظة النقود على النحو الوارد ذكره في الحكم الابتدائي. ولما أنكر عثمان أحمد عبد الله المدعي الثاني معرفة أي شيء عن هذه الحافظة عدلت فاطمة الخادمة عن أقوالها الأولى وقرّرت أن الطاعن هو الذي حرضها على أن تبلغ بأنها سلمت الحافظة إلى عثمان المدعي الثاني، وذلك بسبب النزاع القائم بينه وبين المدعي الأوّل والذي اتهم فيه المدعي المذكور بالدخول في مسكنه.
وحيث إنه مما تقدّم أن البلاغ الخاص بواقعة التعدّي بالضرب قد صدر من الطاعن لا من زوجته كما يدّعي، ولا يحول دون عقابه أنه أبلغ عن هذه الواقعة على اعتبار أنه علم بها من زوجته. لأنه لا يشترط للعقاب على البلاغ الكاذب أن يكون الأمر المبلغ عنه قد أسند إلى المبلغ ضدّه على سبيل التأكيد على اعتبار أن المبلغ شاهد وقوعه بنفسه بل يعاقب عليه ولو كان الأمر المذكور قد أسند إلى المبلغ ضدّه على سبيل الإشاعة أو من طريق الرواية عن الغير ما دامت شروط البلاغ الكاذب متوافرة. ويكفي في عقاب الطاعن إسناده واقعة التعدي بالضرب إلى المدعي بالحقوق المدنية مجردة عن طلب الفاحشة لأن التعدي بالضرب أمر مستوجب لعقوبة فاعله مما يعاقب على إسناده كذباً إلى الغير. كما أنه لا يحول دون عقاب الطاعن أنه ذكر في بلاغه أنه لا يريد اتخاذ إجراءات ضدّ المدعي بالحقوق المدنية. لأن جريمة البلاغ الكاذب تتم بتقديم بلاغ أو إخبار إلى الحكام القضائيين أو الإداريين عن أمر مستوجب لعقوبة فاعله متى ثبت أن الأمر المبلغ عنه كاذب وأن البلاغ قد حصل بسوء قصد. ولا عبرة بما يبديه المبلغ في بلاغه عن الإجراءات التي يمكن أن تتخذ ضد المبلغ في حقه. لأن هذه الإجراءات لا يتوقف السير فيها على إرادة المبلغ بل هي من شأن السلطات الحكومية تتخذ ما تراه فيها ولو لم يطلب المبلغ اتخاذها في بلاغه. أما عن البلاغ الخاص بواقعة اختلاس الحافظة فإن الحكم لم يقتصر في الاستدلال على مساهمة الطاعن فيه وتحريضه عليه على أقوال خادمته الطاعنة الثانية بل استدل على ذلك أيضاً بأقوال عثمان أحمد عبد الله المدعي الثاني وبظروف الدعوى. على أنه ليس في القانون ما يحول دون أخذ المحكمة بأقوال متهم على آخر متى اطمأنت إلى صحتها ولو لم تعزز بدليل آخر. وأما ما يقوله الطاعن من أن الخادمة لم تسند إلى المدعي الثاني اختلاس الحافظة فمردود بما أثبته الحكم من أن الطاعن قصد ببلاغه الإضرار بالمدعيين بالحقوق المدنية فإذا لم يكن قد قصد اتهام المدعي الثاني باختلاس الحافظة على اعتبار أن الخادمة ذكرت أنه سلمها إلى زوجة المدعي الأوّل فإنه يكون قد قصد الإضرار بهذا المدعي وزوجته كما هو مستفاد من الوقائع الثابتة بنفس الحكم.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث أن الحكم المطعون فيه أخطأ إذ دان الطاعن في جريمة البلاغ الكاذب لأن أركان هذه الجريمة غير متوافرة في الدعوى. فمذكرة الأحوال ليست من قبيل البلاغ، والموظف الذي تلقاها ليست له سلطة التحقيق ولا يتعدّى عمله رصدها. وبلاغ الخادمة لم يكن كاذباً بدليل موافقة البوّاب لها على استلامه الحافظة وبها المبلغ وشهادة الشهود بصحة هذا التسليم، ثم إن القصد الجنائي غير متوفر لدى الطاعن.
وحيث إن ما جاء بهذا الوجه مردود: (أوّلاً) بأن القانون لا يشترط أن يكون البلاغ مكتوباً فيعاقب على البلاغ الكاذب سواء أحصل شفاهاً أم بالكتابة. ولا شك أن تقدم الطاعن إلى القسم وإخباره ضابط البوليس الذي كان يعمل فيه وقتئذ بما أثبت في مذكرة الأحوال هو بلاغ بالمعنى الذي يقصده القانون. (وثانياً) بأن البوليس الذي تقدّم إليه الطاعن ببلاغه هو من الجهات الحكومية المختصة بتلقي البلاغات عن الوقائع الجنائية وجميع التحرّيات والاستدلالات الموصلة لتحقيقها وتحرير محاضر بذلك ترسل إلى النيابة العمومية (المادة 10 تحقيق جنايات). (وثالثاً) بأن الحكم المطعون فيه استخلص كذب البلاغ من الأدلة التي أوردها والتي من شأنها أن تؤدّي إلى ما رتب عليها. ولذلك فإن المجادلة التي يثيرها الطاعن في هذا الصدد لا تقبل منه لتعلقها بموضوع الدعوى مما لا شأن لمحكمة النقض به. (ورابعاً) بأن الحكم المطعون فيه قد أثبت أن الطاعن أقدم على التبليغ مع علمه بكذب الوقائع التي بلغ عنها وأنه قصد بذلك الإضرار بالمدعيين بالحق المدني مما يفيد توافر سوء القصد لديه. ولذلك فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد أيضاً لا محل له لتعلقه بموضوع الدعوى.
وحيث إن حاصل الوجه الرابع أن الدفاع عن الطاعن أثار أمام المحكمة الاستئنافية دفعاً ببطلان حكم محكمة أوّل درجة لصدوره بغير الوصف الذي قدّمت به النيابة الطاعن وخادمته لها فردّت المحكمة الاستئنافية على هذا الدفع ردّاً غير صحيح.
وحيث إن الثابت بالحكم المطعون فيه وبأوراق القضية أن المدعيين بالحقوق المدنية رفعا هذه الدعوى مباشرة أمام محكمة الجنح واتهما في صحيفتها الطاعنين "بأنهما في يومي 29 ديسمبر سنه 1940 وأوّل يناير سنة 1941 بدائرة قسم شبرا والأزبكية أبلغا كذباً في حقهما بأمور لو صحت لأوجبت عقابهما قانوناً. وذلك بأن أسند أوّلهما على الدين عثمان القاضي إلى المدّعي بالحق المدني الأوّل إبراهيم أفندي محمد عيد أنه في يوم 29 أكتوبر سنة 1940 دخل المنزل على زوجته (زوجة المتهم الأوّل) وطلب منها الفحشاء وضربها، وأبلغت المتهمة الثانية فاطمة محمد سالم خادمة المتهم الأوّل وبتحريض منه في يوم أوّل يناير سنة 1941 بأنها قد سلمت حقيبة (محفظة) بها مبلغ 750 قرشاً إلى المدعي بالحق المدني الثاني وذلك بقصد توصيلها إلى زوجة مخدومه لكي تسلمها بدورها إلى زوجة المتهم الأوّل بيد أن المدعي بالحق المدني الثاني قد اختلس الحقيبة ومبلغ الـ 750 قرشاً لنفسه. وطلب المدعيان بالحق المدني معاقبة المتهمين بالمادتين 303 و305 من قانون العقوبات مع إلزام المتهمين متضامنين بأن يدفعا إليهما مبلغ قرش صاغ تعويضاً".
ولكن لما أرسلت صحيفة الدعوى إلى النيابة أمرت بقيدها جنحة ضد الطاعنين "لأنهما في يوم 29 ديسمبر سنة 1940 بشبرا أبلغا كذباً مع سوء القصد بوليس شبرا في حق إبراهيم أفندي محمد عيد بأمور لو صحت لأوجبت عقابه جنائياً واحتقاره أمام الناس بأن ادعيا بأن المجني عليه دخل منزل المتهمة الثانية وضربها وطلب منها أموراًَ شائنة". وأمرت بتقديمها للجلسة فقضت محكمة أوّل درجة بإدانة الطاعنين وإلزامهما بالتعويض على أساس التهمة الواردة في صحيفة الدعوى المباشرة لا على أساس وصف النيابة. وأقرّتها المحكمة الاستئنافية على هذا النظر. ولما كان القانون قد خوّل للمدعي بالحقوق المدنية الحق في أن يرفع دعواه إلى المحكمة المختصة في مواد المخالفات والجنح مع تكليف خصمه مباشرة بالحضور أمامها (المادة 52 تحقيق جنايات) وبهذه الطريقة تتحرّك الدعوى العمومية فتفصل فيها المحكمة مع الدعوى المدنية، ولما كانت ورقة التكليف بالحضور هي التي تجعل المحكمة متصلة بالدعوى، فإنه يتعين على المحكمة أن تفصل فيها على أساس الوقائع المعروضة عليها في تلك الورقة دون اعتداد بالوصف الذي تصفها به النيابة العمومية. لا محل إذن لما ينعاه الطاعن على الحكم من هذه الناحية.
وحيث إنه لما تقدّم يكون الطعن المقدّم من الطاعن الأوّل على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد صدر غيابياً بالنسبة إلى الطاعنة الثانية ولم يصبح بعد نهائياً لأنه لم يعلن إليها كما جاء بكتاب نيابة مصر المؤرخ في 13 ديسمبر سنة 1943، ولما كان الطعن بطريق النقض والإبرام لا يجوز إلا في الأحكام النهائية فإنه يتعين القضاء بعدم جواز الطعن المقدّم من الطاعنة المذكورة في ذلك الحكم.