أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 49 - صـ 1341

جلسة 23 من نوفمبر سنة 1998

برئاسة السيد المستشار/ مجدي منتصر نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ حامد عبد الله ومصطفى كامل وشبل حسن نواب رئيس المحكمة. وهاني حنا.

(191)
الطعن رقم 25378 لسنة 66 القضائية

(1) نقض "التقرير بالطعن وإيداع الأسباب". نيابة عامة. اختصاص "الاختصاص المكاني".
وجوب إثبات بيان دائرة اختصاص المقرر بالطعن بالتقرير.
التقرير بالطعن من رئيس نيابة. غير كاف ما دام لم يثبت به أسمه مقروناً ببيان النيابة العامة التي يعمل بدائرتها. أساس ذلك؟
التقرير بالطعن يترتب عليه دخول الطعن في حوزة المحكمة واتصالها به.
خلو التقرير بالطعن من بيان دائرة اختصاص المقرر. أثره: عدم قبول الطعن شكلاً.
(2) أسباب الإباحة وموانع العقاب "الدفاع الشرعي". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير توافر الدفاع الشرعي.
الدفاع الشرعي عن النفس. ماهيته.
تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها.
موضوعي. شرط ذلك؟
(3) أسباب الإباحة وموانع العقاب "الدفاع الشرعي". عقوبة "تقديرها".
جسامة إصابة المحني عليه. لا تدل بذاتها على أن الطاعن لم يكن يرد اعتداء متخوفاً منه. عله ذلك؟
التزام المدافع حدود حقه في الدفاع أثره: القضاء ببراءته. تجاوزه القدر الضروري لهذا الحق. يوجب معاقبته بعقوبة مخففة باعتباره معذوراً.
(4) أسباب الإباحة وموانع العقاب "الدفاع الشرعي". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير قيام حالة الدفاع الشرعي". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب".
حالة الدفاع الشرعي ما يكفي لقيامها؟
تقدير ظروف الدفاع الشرعي ومقتضياته. أمر اعتباري. مناطه: الحالة النفسية التي تخالط ذات الشخص الذي فوجئ به.
استناد الحكم في نفي قيام الدفاع الشرعي على عدم التناسب بين فعل الدفاع وفعل الاعتداء. قصور وفساد في الاستدلال.
1 - لما كان الحكم المطعون فيه صدر بتاريخ.... وتقرر بالطعن فيه بطريق النقض من النيابة العامة بتاريخ.... وأثبت به أن المقرر هو الأستاذ/.... رئيس النيابة بتفويض من السيد المستشار المحامي العام الأول بأسيوط، وخلا التقرير من بيان دائرة اختصاص المقرر، ومن ثم فقد استحال التثبت من أن الذي قرر بالطعن هو ممن له صفة في الطعن، ولا يغنى في هذا الصدد أن يكون الطعن قد قرر به من رئيس النيابة ما دام لم يثبت بالتقرير اسمه مقروناً ببيان النيابة العامة التي يعمل بدائرتها، لما هو مقرر من أن التقرير بالطعن هو ورقة شكلية من أوراق الإجراءات التي يجب أن تحمل بذاتها مقوماتها الأساسية باعتبارها السند الوحيد الذي يشهد بصدور العمل الإجرائي عمن صدر منه على الوجه المعتبر قانوناً فلا يجوز تكملة أي بيان في التقرير بأي دليل خارج عنه غير مستمد منه، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن التقرير بالطعن بالنقض - كما رسمه القانون - هو الذي يترتب عليه دخول الطعن في حوزة المحكمة واتصالها به بناء على إفصاح ذي الشأن عن رغبته فيه، فإن عدم التقرير بالطعن لا يجعل للطعن قائمة، فلا تتصل به محكمة النقض ولا يغنى عنه تقديم أسباب له، وإذ كان الثابت أن هذا الطعن، وإن أودعت أسبابه في الميعاد موقعة من رئيس نيابة استئناف أسيوط، إلا أن التقرير به قد جاء غفلاً من بيان اختصاص المقرر فهو والعدم سواء، فإنه يتعين الحكم بعدم قبوله شكلاً.
2 - من المقرر أن الدفاع الشرعي عن النفس هو استعمال القوة اللازمة لرد أي اعتداء على نفس المدافع أو عن نفس غيره، وأن تقدير الوقائع المؤدية إلى قيام حالة الدفاع الشرعي أو نفيه، وإن كان من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها بغير معقب إلا أن ذلك مشروط بأن يكون استدلال الحكم في هذا الشأن سليماً لا عيب فيه.
3 - من المقرر أن جسامة إصابة المجني عليه لا تدل بذاتها على أن الطاعن لم يكن يرد اعتداء متخوفاً منه، لأنه لا يشترط بصفة مطلقة لقيام حالة الدفاع الشرعي أن تكون الوسيلة التي أخذ بها المدافع قد استخدمت بالقدر اللازم لرد الاعتداء عنه، وأن يكون النظر إلى الوسيلة من هذه الناحية بعد نشوء الحق وقيامه بحيث إذا تبين بعد ذلك أن المدافع لم يتجاوز حدود حقه في الدفاع قضى له بالبراءة، وإلا جاز معاقبته - إذا كانت القوة التي استعملت لدفع التعدي قد زادت على القدر الضروري - بعقوبة مخففة باعتباره معذوراً.
4 - من المقرر أنه يكفي لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يكون قد صدر فعل يخشى منه المتهم وقوع جريمة من الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي ولا يلزم في الفعل المتخوف منه أن يكون خطراً حقيقياً في ذاته بل يكفي أن يبدو كذلك في اعتقاد المتهم وتصوره بشرط أن يكون هذا الاعتقاد أو التصور مبنياً على أسباب معقولة، وتقدير ظروف الدفاع الشرعي ومقتضياته أمر اعتباري المناط فيه للحالة النفسية التي تخالط ذات الشخص الذي يفاجأ بفعل الاعتداء فيجعله في ظروف حرجة ودقيقة تتطلب منه معالجة موقف على الفور والخروج من مأزقه مما لا يصلح معه محاسبته على مقتضى التفكير الهادئ المتزن الذي كان يتعذر عليه وقتئذ وهو محفوف بهذه المخاطر والملابسات - لما كان ذلك، وكان كل ما قالته المحكمة في حكمها رداً على دفاع الطاعن لا يعدو التحدث عن عدم التناسب بين الفعلين، ما وقع من المتهم وما وقع من المجني عليه، وليس فيه ما ينفى قيام حالة الدفاع الشرعي، فإنه يكون - فوق فساد استدلاله - قاصراً قصوراً يعيبه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من (1).... 2 - .... 3 - .... (4)... (طاعن) بأنهم أولاً: قتلوا عمداً..... مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتوا النية وعقدوا العزم على قتله وأعدوا لهذا الغرض عصياً وأسلحة بيضاء "مطاوي" وترصدوه في المكان الذي أيقنوا سلفاً وجوده فيه وما أن ظفروا به حتى انهالوا عليه طعناً وضرباً بالأسلحة والعصي سالفة الذكر فأحدثوا به إصاباته الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. ثانياً: أحرزوا بغير ترخيص أسلحة بيضاء "مطاوي". وأحالتهم إلى محكمة جنايات سوهاج لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعت زوجة المجني عليه عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها القصر مدنياً قبل المتهمين الثلاثة الأوائل بمبلغ خمسمائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً...... عملاً بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات. مع إعمال المادة 32 من ذات القانون أولاً: بمعاقبة المتهم الرابع بالسجن لمدة سبع سنوات عما أسند إليه باعتبار أن التهمة الأولى ضرب أفضى إلى الموت. ثانياً: ببراءة المتهمين الأول والثاني والثالث مما أسند إليهم ورفض الدعوى المدنية المقامة قبلهم.
فطعن كل من المحكوم عليه الرابع والنيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض...... إلخ.


المحكمة

حيث إن الحكم المطعون فيه صدر بتاريخ..... وتقرر بالطعن فيه بطريق النقض من النيابة العامة بتاريخ..... وأثبت به أن المقرر هو الأستاذ/... رئيس النيابة بتفويض من السيد المستشار المحامي العام الأول بأسيوط، وخلا التقرير من بيان دائرة اختصاص المقرر، ومن ثم فقد استحال التثبت من أن الذي قرر بالطعن هو ممن له صفة في الطعن، ولا يغنى في هذا الصدد أن يكون الطعن قد قرر به من رئيس النيابة ما دام لم يثبت بالتقرير اسمه مقروناً ببيان النيابة العامة التي يعمل بدائرتها، لما هو مقرر من أن التقرير بالطعن هو ورقة شكلية من أوراق الإجراءات التي يجب أن تحمل بذاتها مقوماتها الأساسية باعتبارها السند الوحيد الذي شهد بصدور العمل الإجرائي عمن صدر منه على الوجه المعتبر قانوناً فلا يجوز تكملة أي بيان في التقرير بأي دليل خارج عنه غير مستمد منه، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن التقرير بالطعن بالنقض - كما رسمه القانون - هو الذي يترتب عليه دخول الطعن في حوزة المحكمة واتصالها به بناء على إفصاح ذي الشأن عن رغبته فيه، فإن عدم التقرير بالطعن لا يجعل للطعن قائمة، فلا تتصل به محكمة النقض ولا يغنى عنه تقديم أسباب له، وإذ كان الثابت أن هذا الطعن، وإن أودعت أسبابه في الميعاد موقعة من رئيس نيابة استئناف أسيوط، إلا أن التقرير به قد جاء غفلاً من بيان اختصاص المقرر فهو والعدم سواء، فإنه يتعين الحكم بعد قبوله شكلاً.
وحيث إن الطعن المقدم من المحكوم عليه قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الضرب المفضي إلى الموت قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، ذلك بأن المدافع عنه تمسك بقيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس بيد أن الحكم نفي توافرها بأسباب غير سائغة مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن البين من الحكم المطعون فيه أنه عرض للدفع المبدى بقيام حالة الدفاع الشرعي لدى الطاعن وأطرحه بقوله "وحيث إنه عما أثاره الدفاع من دفع بتوافر حالة الدفاع الشرعي، فلما كان من المقرر قانوناً أن الدفاع الشرعي حالة لصد الخطر الحال الغير مشروع والذي يهدد بالإيذاء لحق يحميه القانون بمعني أن يقوم الواقع عليه الخطر بنفسه بدفع الخطر عن طريق كل فعل يكون ضرورياً وملائماً لذلك - وعليه فإنه يشترط أن يكون الخطر حالاً ويهدد بفعل غير مشروع على النفس أو المال، وأخيراً أن يتناسب الدفاع مع جسامة الخطر، ولما كان الثابت بأقوال المتهم أن الفعل الذي وقع عليه من المجني عليه لا يعدو أن يكون مجرد الضرب بعصا وسنجه (إحدى أدوات الوزن) فإنه متى قام بالتقاط المطواة وطعن المجني عليه بها فإن التناسب لا يتوافر مما ترى معه المحكمة الالتفات عن هذا الدفاع". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الدفاع الشرعي عن النفس هو استعمال القوة اللازمة لرد أي اعتداء على نفس المدافع أو عن نفس غيره، وأن تقدير الوقائع المؤدية إلى قيام حالة الدفاع الشرعي أو نفيه، وإن كان من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها بغير معقب إلا أن ذلك مشروط بأن يكون استدلال الحكم في هذا الشأن سليماً لا عيب فيه. لما كان ذلك، وكان مفاد ما أورده الحكم أنه اعتمد في نفي حالة الدفاع الشرعي على ما قرره من أن قيام الطاعن بالتقاط مطواة وطعن المجني عليه بها لا يتناسب مع الاعتداء الذي وقع من المجني عليه على الطاعن بضربه بعصا وبسنجه ميزان، وإذ كانت جسامة إصابة المجني عليه لا تدل بذاتها على أن الطاعن لم يكن يرد اعتداء متخوفاً منه، لأنه لا يشترط بصفة مطلقة لقيام حالة الدفاع الشرعي أن تكون الوسيلة التي أخذ بها المدافع قد استخدمت بالقدر اللازم لرد الاعتداء عنه، وأن يكون النظر إلى الوسيلة من هذه الناحية بعد نشوء الحق وقيامه بحيث إذا تبين بعد ذلك أن المدافع لم يتجاوز حدود حقه في الدفاع قضى له بالبراءة، وإلا جاز معاقبته - إذا كانت القوة التي استعملت لدفع التعدي قد زادت على القدر الضروري - بعقوبة مخففة باعتباره معذوراً. وإذا كان من المقرر أنه يكفي لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يكون قد صدر فعل يخشى منه المتهم وقوع جريمة من الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي ولا يلزم في الفعل المتخوف منه أن يكون خطراً حقيقياً في ذاته بل يكفي أن يبدو كذلك في اعتقاد المتهم وتصوره بشرط أن يكون هذا الاعتقاد أو التصور مبنياً على أسباب معقولة، وتقدير ظروف الدفاع الشرعي ومقتضياته أمر اعتباري المناط فيه للحالة النفسية التي تخالط ذات الشخص الذي يفاجأ بفعل الاعتداء فيجعله في ظروف حرجة ودقيقة تتطلب منه معالجة موقف على الفور والخروج من مأزقه مما لا يصلح معه محاسبته على مقتضى التفكير الهادئ المتزن الذي كان يتعذر عليه وقتئذ وهو محفوف بهذه المخاطر والملابسات - لما كان ذلك، وكان كل ما قالته المحكمة في حكمها رداً على دفاع الطاعن لا يعدو التحدث عن عدم التناسب بين الفعلين، ما وقع من المتهم وما وقع من المجني عليه، وليس فيه ما ينفي قيام حالة الدفاع الشرعي، فإنه يكون - فوق فساد استدلاله - قاصراً قصوراً يعيبه ويوجب نقضه والإعادة بغير حاجة إلى بحث سائر أوجه الطعن الأخرى.